الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد المصطفى وآله المياميــن.
لقد اجتهد علماء الإسلام منذ أربعة عشر قرناً في استنباط الأحكام الشرعية وبدقة متناهية، حتى ساهموا جدياً في تبيان فروع الشريعة السمحاء، فجزاهم الله عن الاسلام والمسلمين خيراً.
والدقة المتناهية التي توصلوا اليها في تحقيق الاحكام، وتفكيك الموضوعات المختلفـة ينبغي ان نقابلها بالعزم الجدي لوعيها وتطبيقها عمليــاً، لأنها ترتبط بأهم ما عند المسلم وهو الدين الذي به يبتغي مرضاة الرب سبحانه وجنات عدنه.
وتتجلى هذه الدقة في أحكام الصلاة، وبالذات في أحكام الخلل الذي قد يطرأ فيها. وهذا الجزء من سلسلة الوجيزفي الفقه الاسلامي يتصل بهذه الأحكام، كما ويرتبط أيضا ببيان الصلوات المفروضة والمندوبة غير الفرائض اليومية ونوافلها..
وقـد حاولنا لتوضيح هذه الأحكام استعراض طائفة من النصوص المرتبطة بها،ننننن إلاّ ان دقة الموضوعات المبحوثة تقتضي التدقيق من قبل القارئ الكريم ايضاً.
وفي الختام نسأل الله سبحانه أن يوفق المؤمنين بالعمل بأحكام الدين الحنيف. وان يجعل العمل بما في هذا الكتاب مجزياً عنده بفضله وكرمه، إنه سميع الدعاء.
محمد تقي المدرسي
9 / شوال / 1420 هـ
لأن الصلاة عبادة مفروضة، فلابد من الالتزام بكل تفاصيلها كما جاءت به الشريعة، وقد أشرنا الى مقدمات الصلاة وواجباتها ومستحباتها، وهنا نذكر ما يجب تجنبه من قواطع الصلاة ومبطلاتها.
وإليك عناوين المبطلات بايجاز:
1- فقدان أحد شروط الصلاة أثناءها.
2- عروض نواقض الطهارة أثناء الصلاة.
3- التكفير (أو التكتف).
4- الانحراف عن القبلة.
5- الكلام.
6- القهقهة.
7- البكاء (لاسباب دنيوية).
8- الفعل الماحي لصورة الصلاة.
9- الاكل والشرب.
10- قول (آمين) بعد الفاتحة.
11- عروض الشكوك المبطلة.
12- الزيادة والنقصان.
السنة الشريفة:
1- سأل علي بن جعفر أخاه الامام موسى بن جعفر عليهما السلام عن رجل كان في صلاته فرماه رجل فشجَّه فسال الدم هل ينقض ذلك وضوءه؟ فقال : لا ينقض الوضوء ولكنه يقطع الصلاة. ([1])
2- الامام الصادق عليه السلام: "من صلّى في غير الوقت فلا صلاة له". ([2])
3- جاء في (تحف العقول) أن الامام علي عليه السلام قال في وصيته لكميل: "يا كميل أنظر في ما تصلي وعلى ما تصلي، إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول". ([3])
تفصيل القول:
1- اذا اكتشف المصلي أثناء الصلاة بأنه يفقد بعض شروط الصلاة تبطل صلاته، إن لم يكن بالإمكان تصحيح الوضع (وقد مرت التفاصيل في الأبواب السابقة من مقدمات الصلاة).
2- وشروط الصلاة هي ما يتعلق بالوقت والقبلة والساتر والمكان وطهارتهما وإباحتهما وما شاكل ذلك.
السنة الشريفة:
1- روى الامام الصادق عن أبيه أن علياً عليهم السلام قال: "من أحدث في صلاته فليقطع فليبدء". ([4])
2- سُئل الامام الصادق عليه السلام عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حَبّ القرع كيف يصنع؟ فقال الامام: " إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شيء ولم ينقض وضوءه، وإن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة". ([5])
3- وروي عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام قولهما: "ولا يقطع الصلاة إلا أربعة: الخلاء، والبول، والريح، والصوت". ([6])
4- وقال الامام الصادق عليه السلام: " ليس يرخص في النوم في شيء من الصلاة".([7])
تفصيل القول:
1- خروج البول أو الغائط أو الريح (الحدث الأصغر) أو المني أو الحيض (الحدث الأكبر) أثناء الصلاة مبطل لها، لأنه مبطل للطهارة.
2- لا فرق في عروض الحدث الأصغر أو الأكبر بين كونه في بداية الصلاة أو وسطها أو آخرها.
3- كما لا فرق بين أن يحدث ذلك عمداً أو سهواً أو اضطراراً باستثناء المسلوس والمبطون (وقد مر حكمهما) وكذلك المستحاضة.
4- لو نسي السلام ثم أحدث ففيه تفصيل فإن أحدث قبل محو صورة الصلاة فالأحوط إعادة الصلاة، واما بعد محو صورة الصلاة كما إذا قام من محله ثم أحدث او استمر في التعقيب لفترة طويلة بظن انتهاء الصلاة مما افقده الموالاة ثم احدث فالأقوى صحة صلاته وعليه سجدتا السهو احتياطاً بلى الأحوط استحباباً مع ذلك إعادة الصلاة.
5- لو شك بعد السلام: هل أحدث في الصلاة أم لا؟. بنى على العدم وصحَّت صلاته.
6- لو نام اختيارا ثم شك بعد ذلك؛ هل كان نومه أثناء الصلاة أم بعدها؟ بنى على انه نام بعد إكمال الصلاة.
7- اما إذا استولى عليه النوم قهراً، ثم شك في أن نومه كان بعد الصلاة أو أثناءها. وجب عليه إعادة الصلاة.
8- وكذلك تجب الإعادة إذا وجد نفسه نائماً في حالة السجدة، ولم يدرِ هل نام في سجدة الصلاة أم في سجدة الشكر بعدها؟
الثالث: التكفير (التكتـّف)
1- جاء في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "لا يجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبَّه بأهل الكفر، يعني المجوس. ([8])
2- وفي (دعائم الإسلام) قال الامام الصادق عليه السلام: "إذا قمت قائماً في الصلاة ، فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى ، ولا اليسرى على اليمنى، فان ذلك تكفير أهل الكتاب، ولكن أرسلهما إرسالا، فانه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة. ([9])
تفصيل القول:
1- التكفير (أو التكتف) هو وضع إحدى اليدين على الأخرى أثناء القيام في الصلاة بما هو المتعارف لدى بعض المذاهب الإسلامية، وهو مبطل للصلاة. والاحوط تركه في سائر أحوال الصلاة.
2- إنما يكون التكفير مبطلاً اذا كان عمداً، ولغير ضرورة، وبهدف الخضوع والتأدب أمام الخالق([10]) أما إذا كان ذلك لمرض أو ألم أو غير ذلك من الضرورات فلا إشكال فيه.
السنة الشريفة:
1- روى زرارة انه سمع الامام الباقر عليه السلام يقول: "الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله. ([11])
2- روى علي بن جعفر عن أخيه الامام موسى بن جعفر عليه السلام: سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد أخرق أو أصابه شيء، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسه؟ قال: "إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، وإن كان في مؤخره فلا يلتفت فانه لا يصلح".([12])
3- قال البزنطي صاحب الامام الرضا عليه السلام: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ فقال الامام: "إذا كانت الفريضة والتفت الى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلّى ولا يعتدّ به، وإن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته، ولكن لا يعود".([13])
تفصيل القول:
1- الانحراف عن القبلة بتمام البدن الى الخلف (أي إستدبار القبلة) أو الى يمين القبلة تماماً أو يسارها مبطل للصلاة عمداً وسهواً.
2- أما الانحراف بتمام البدن الى ما بين يمين ويسار القبلة فهو مبطل للصلاة في حالة العمد وفيما اذا كان يُخرج المصلي عن استقبال القبلة عرفاً.
3- الانحراف المذكور مبطل حتى ولو لم يكن أثناء القراءة أو الذكر.
4- أما الالتفات بالوجه فقط، فإن كان الى الخلف (في حالة إمكانية ذلك) فانه مبطل أيضا عمداً وسهواً، وإن كان يميناً أو يساراً مع الحفاظ على استقبال البدن، فان كان قليلاً بحيث لا يضر بالاستقبال عرفاً فلا إشكال فيه، وإن كان كثيراً جداً بحيث يخرج عن الاستقبال بالوجه شطر القبلة (حسبما ذكرناه في معنى الاستقبال) ففيه اشكال.
السنة الشريفة:
1- روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الادميين.([14])
2- وروي: "ان من تكلم في صلاته ناسياً كبر تكبيرات ، ومن تكلَّم في صلاته متعمداً فعليه إعادة الصلاة. ومن أنَّ في صلاته فقد تكلّم".([15])
3- وسُئل الامام الصادق عليه السلام عن رجلٍ دعاه رجل وهو يصلي، فسها فأجابه بحاجته، كيف يصنع؟ قال: " يمضي على صلاته". ([16])
4- قال علي بن مهزيار: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي به ربه؟ قال: نعم. ([17])
5- وقال علي بن جعفر أنه سأل أخاه الامام موسى بن جعفر عليهما السلام عن الرجل يكون في صلاته فيستأذن إنسان على الباب، فيسبّح ويرفع صوته ويُسمع جاريته فتأتيه فيريها بيده أن على الباب إنساناً، هل يقطع ذلك صلاته؟ وما عليه؟ قال: "لا بأس؛ لا يقطع بذلك صلاته: ([18])
6- وقال ايضاً: سألته عن الرجل يخطئ في التشهد والقنوت هل يصلح له أن يردده حتى يتذكر، وينصت ساعة ويتذكر؟ قال: "لابأس ان يردد وينصت ساعة حتى يتذكر، وليس في القنوت سهو ولا في التشهد".([19])
7- وسأل عمار بن موسى الامام الصادق عليه السلام عن الرجل يسمع صوتاً بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليُعلمها من بالباب لتنظر من هو؟ فقال: "لا بأس به".([20])
تفصيل القول:
ومما يقطع الصلاة تعمُّد الكلام بغير القرآن والاذكار ورد السلام الواجب، واليك التفاصيل:
1- التلفظ عمداً بكلمة تتألف من حرفين فصاعداً مبطل للصلاة.
2- التلفظ عمداً بحرف واحد ذي معنى ( مثل "قِ" صيغة الامر من الوقاية، أو "عِ" صيغة الامر من الوعي) مبطل للصلاة ايضاً ، بشرط العلم بالمعنى وقصده.
3- التلفظ عمداً بحرفين لا معنى لهما، إن كان بقصد إفهام شيء من خلاله، فالرأي الأقوى أنه مبطل للصلاة أيضاً، أما إذا لم يقصد شيئاً بهما فالاحوط الإعادة.
4- أما التلفظ بحرف واحد غير ذي معنى ومن دون قصد شيء فلا إشكال فيه.
5- ولو استخدم المصلي حرفاً واحداً يرمز الى معنى اصطلاحي مثل "ع" لعليه السلام، أو "ت" للهاتف وما أشبه من الرموز، فالاحوط وجوباً إعادة الصلاة.
6- لا بأس بالسعال والتأوه والتجشأ والتنحنح والنفخ والانين، ولكن اذا تلفظ بأسماء هذه الأصوات والحالات، كما لو قال: آخ. آه. أوه. أف، وما شاكل بطلت صلاته إن كان يقصد معاني هذه الألفاظ، أما إذا لم يقصد شيئاً بل كان مجرد تأوه أو تأفف أو.. فالاحوط الإعادة.
7- اذا قال المصلي: "آه من ذنوبي" أو قال: "آه من نار جهنم" أو ما شاكل ذلك، وكان ضمن دعاء أو مناجاة فلا تبطل الصلاة، وكذلك إذا قال: "آه" فقط ودون ذكر شيء آخر، إلا أنه كان يقصد التأوه من الذنوب أو من نار جهنم.
8- لا فرق في بطلان الصلاة بالتكلم بين أن يكون هناك سامع ومخاطَب أم لا، وبين أن يكون المصلي مضطراً للكلام أم لا . أما التكلم سهواً فلا يبطل الصلاة حتى ولو كان التكلم بسبب تصور الفراغ من الصلاة.
9- لا بأس بقراءة ما يشاء المصلي من الذكر والدعاء بغير المحرَّم([21]) في جميع حالات الصلاة، كما لا بأس بقراءة ما شاء من القرآن ([22]) أما الدعاء المحرم فقد قال بعض الفقهاء بأنه مبطل للصلاة.
وهنا فروع:
الأول: لا إشكال في أن يدعو المصلي ويذكر الله بغير اللغة العربية، وإن كان الأفضل أخيار العربية.
الثاني: يشترط في قراءة القرآن والدعاء أن تكون بقصد القرآن والدعاء، أما إذا قرأ جملة أو آية من القرآن، أو عبارة من الدعاء دون قصدهما فصلاته تبطل ايضاً.
الثالث: اذا تلفظ بالذكر (كأن يقول: سبحان الله، أو: الله أكبر أو غيرهما من الأذكار) أثناء الصلاة للتنبيه أو الدلالة على شيء ، فان كان التلفظ بقصد القربة ولكنه رفع صوته للتنبيه أو الدلالة فلا إشكال فيه، أما اذا قصد بالذكر أساساً التنبيه، فقد قال بعض الفقهاء بالبطلان.
الرابع: يجوز تكرار الذكر الواحد أو الآية الواحدة في الصلاة عمداً، سواء كان التكرار للاحتياط([23]) أو كان بسبب التفاعل الروحي مع الذكر أو الآية. أما التكرار بسبب الوسوسة الشيطانية فالأفضل تركه، وإن كان الأقوى عدم بطلان الصلاة به.
الخامس: الأفضل عدم مخاطبة الغير بالدعاء كأن يقول المصلي لغيره غفر الله لك، أو رحمك الله، أو ما شاكل ذلك إذ من المشكل تصور صدق الدعاء مع الخطاب.
السنة الشريفة:
قال الامام الصادق عليه السلام: " لا يقطع التبسم الصلاة، وتقطعها القهقهة، ولا تنقض الوضوء".([24])
تفصيل القول:
1- تعمُّد القهقهة وهي الضحك الشديد المشتمل على الصوت والمد والترجيع مبطل للصلاة وإن كان اضطراراً.
2- لا بأس بالتبسم، كما لا بأس بالقهقهة سهواً.
3- اما القهقهة المكبوتة كما لو قاوم الضحك الشديد وامتلأ جوفه ضحكاً واحمّر وجهه من شدة الضغط لمنع إظهار الصوت، فان أدت هذه الحالة الى محو صورة الصلاة فانها تبطل، والا فالاحوط استحباباً اعادتها.
السنة الشريفة:
سُئل الامام الصادق عليه السلام عن البكاء في الصلاة ايقطع الصلاة؟ فقال: "إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، وإن كان ذكر ميتا له فصلاته فاسدة". ([25])
تفصيل القول:
1- تعمّد البكاء في الصلاة لأسباب دنيوية مبطل لها، حتى لو كان بغير صوت على الاحوط.
2- الظاهر إن البكاء الدنيوي مبطل حتى ولو كان إضطراراً . أما البكاء سهواً فليس بمبطل.
3- لا إشكال في البكاء خوفاً من الله وخشوعاً وتذللاً وللأمور الأخروية عموماً، بل هو من أفضل الأعمال.
4- الأقوى انه لا بأس بالبكاء لطلب أمر دنيوي من الله تعالى، وذلك بأن يبكي تذللاً لله سبحانه طالباً قضاء حاجته.
السنة الشريفة:
1- قال الامام الصادق عليه السلام في الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة: يومئ برأسه ويشير بيده، والمرأة إذا أرادت الحاجة تصفق. ([26])
2- قال ابن حبيب ناجية: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أن لي رحى أطحن فيها السمسم فأقوم فأصلي، وأعلم أن الغلام نائم فأضرب الحائط لاوقظه، فقال: " نعم، أنت في طاعة ربك تطلب رزقك، لا بأس". ([27])
3- وروى عمار بن موسى أنه سأل الامام الصادق عليه السلام عن الرجل يكـون في الصلاة فيقرأ، فيرى حية بحياله، يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال: " إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخطُ وليقتلها ، والا فلا". ([28])
4- وسأل الحلبي الامام الصادق عليه السلام عن الرجل يقتل البقة والبرغوث والقملة والذباب في الصلاة، أينقض ذلك صلاته ووضوءه؟ قال: لا. ([29])
5- وروي عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: "لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي، وترضعه وهي تتشهد".([30])
تفصيل القول:
1- ويبطل الصلاة كل فعل يؤدي الى محو صورتها عند عرف المتشرعة العارفين بأحكام الصلاة وحدودها، كالقفزة الكبيرة، والرقص، والتصفيق الكثير مما ينافي الصلاة، ولا فرق هنا بين العمد والسهو.
2- السكوت الطويل المؤدي لمحو هيئة الصلاة بحيث لا يقال أنه يصلي، مبطل أيضاً.
3- لا بأس بالأفعال والحركات التي لا تنافي هيئة الصلاة عند المتشرعة كالإشارة باليد، وعدّ الأذكار بالسبحة، وعد الركعات بالحصى، والضرب على الحائط للتنبيه، وحمل الطفل وضمه وإرضاعه وما شاكل ذلك.
4- السكوت الطويل نسبياً الذي ينافي الموالاة والتتابع بين أفعال الصلاة إلا أنه لا يمحي صورتها، لا بأس به إن كان سهواً ، أما السكوت العمدي فالاحوط إجتنابه.
السنة الشريفة:
روى سعيد الأعرج أنه قال لابي عبد الله الصادق عليه السلام: اني أبيت وأريد الصوم، فأكون في الوتر فأعطش، فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب، وأكره أن أصبح وأنا عطشان، وأمامي قُلّة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة، فقال الامام: تسعى اليها وتشرب منها حاجتك ، وتعود في الدعاء.([31])
تفصيل القول:
1- وتبطل الصلاة بالاكل والشرب الماحيين لصورتها سواء كانا عمداً أو سهواً.
2- الاحوط الاجتناب عن الاكل والشرب المنافيين للتتابع والموالاة العرفية.
3- لا بأس بابتلاع قليل الطعام المتبقي في الفم أو بين الأسنان كما لا بأس بابتلاع قليل السكر الموجود في الفم الذي يذوب تدريجياً.
4- ورد في الروايات جواز شرب الماء لمن كان في صلاة الوتر وكان عازماً على صوم النهار، وخشي دخول الفجر قبل إتمام الصلاة وهو عطشان ويوجد الماء على بضع خطوات منه، فيخطو خطوات ويشرب الماء ثم يعود لاكمال الصلاة إن لم يصدر منه مبطل آخر كاستدبار القبلة، والاحوط الاقتصار على مورد النص فقط.
العاشر: قول كلمة (آمين)
السنة الشريفة:
1- روي عن الامام الباقر عليه السلام قوله: "... ولا تقولنَّ اذا فرغت من قراءتك: آمين، فان شئت قلت: الحمد لله رب العالمين".([32])
2- وقال الامام الصـادق عليه السلام: "إذا كنت خلف إمام فقرء الحمد وفرغ من قراءتها ، فقل أنت: الحمد لله رب العالمين، ولا تقل: آمين".([33])
تفصيل القول:
1- التلفظ بكلمة (آمين) بعد قراءة سورة الفاتحة يوجب بطلان الصلاة في غير حالات الضرورة. ولا فرق هنا بين الجهر بها والاخفات، ولا بين الامام والمأموم والمنفرد.
2- ولا بأس بالتلفظ بها في غير الموقع المذكور بقصد الدعاء، وكذلك التلفظ بها سهواً أو في حالة الضرورة.
1- زيادة أو نقصان ركن من أركان الصلاة عمداً أو سهواً مبطل للصلاة.
2- زيادة أو نقصان واجب غير ركني يبطل الصلاة، إن كان عمداً، أما سهواً فلا.
الشك في ركعات الصلوات الثنائية والثلاثية والأوليين من الصلوات الرباعية حسب التفصيل الآتي في باب الخلل والشكوك .
فرعـان:
الأول: لو شك بعد إكمال الصلاة في صدور ما يبطل الصلاة منه وعدمه، إعتمد عدم صدور ذلك، وصحت صلاته ان شاء الله .
الثاني: لو صدر من المصلي فعل كثير أو سكوت طويل، الا انه شك في منافاتهما مع هيئة الصلاة أم لا، لا يبعد اعتماد صحة الصلاة ، ولكن الاحوط إعادة الصلاة بعد الإتمام.
السنة الشريفة:
1- روى محمد بن مسلم: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة، فقلت: السلام عليك، قال: السلام عليك، فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلما انصرف، قلت: أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ قال: نعم مثل ما قيل له.([34])
2- وروى سماعة أنه سأل الامام الصادق عليه السلام عن الرجل يُسلَّم عليه وهو في الصلاة؟ قال: "يردّ سلام عليكم، ولا يقل: وعليكم السلام، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كــان قائماً يصلي، فمرَّ به عمار بن ياسر فسلَّم عليه فردَّ عليه النبي صلى الله عليه وآله هكذا".([35])
3- وقال الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: " كنتُ اسمع أبي يقول: اذا دخلت المسجد الحرام والقوم يصلون فلا تسلّم عليهم وسلّم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أقبل على صلاتك، واذا دخلت على قوم جلوس يتحدثون فسلّم عليهم".([36])
4- وقال ايضاً: "اذا عطس رجل في الصلاة فليقل الحمد لله".([37])
5- وقال عليه السلام ايضاً: " واذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل: الحمد لله وصلى الله على النبي وآله، وإن كان بينك وبين صاحبك اليمّ.([38])
تفصيل القول:
من المسائل المطروحة في باب التكلم في الصلاة، أحكام تحية المصلي لغيره ورده لتحية الآخرين، فالابتداء بالسلام عموماً وفي غير الصلاة مستحب مؤكد، ورد السلام واجب. أما بالنسبة للمصلي فهنا بعض التفاصيل:
1- لا يجوز للمصلي أن يبدأ السلام على الآخرين وأي نوع من أنواع التحيات الأخرى، سواء كان بالعبارات السائدة، أو بقراءة عبارة قرآنية يقصد بها السلام والتحية، كقوله: "ادخلوها بسلام".
2- يجب على المصلي رد السلام، ولو لم يرد السلام عصياناً لم تبطل الصـلاة. ووجوب الرد في الصـلاة وغـيــرهــا- فوري، فلو اخَّر الجواب - عصياناً أو نسياناً - حتى خرج عن صدق الجواب لم يجب الرد في غير حالة الصلاة، اما في الصلاة فلا يجوز.
3- تجب المماثلة في رد السلام في الصلاة، أي أن يكون الرد بنفس العبارة، فلو حيّاه بعبارة (السلام عليكم) وجب الرد بنفس الجملة تماماً، أما لو كان السلام بعبارة ملحونة (خاطئة) من حيث اللغة العربية وجب الرد صحيحاً.
4- لو كان المسلِّم طفلاً مميزاً، أو امرأة أجنبية تحيّي رجلاً يصلي أو رجلاً أجنبياً يحيّى آمرة تصلي، وجب الرد ايضاً.
5- لو أُلقي السلام على جماعة منهم المصلي، فردَّ التحية غيره لم يجب على المصلي الرد، وقال بعض الفقهاء بعدم الجواز أيضاً، إلا أنه قول مشكل.
6- لو كرر شخص واحد التحية على المصلي، كفى الجواب مرة واحدة، إلا اذا كان تكرار التحية بعد جواب الأولى، فيجب حينئذ رد الثانية ايضاً إن لم تكن تأكيداً على الأولى، بل كانت تحية جديدة لحاجة معينة في نفسه.
7- لو سلم شخص على جماعة منهم المصلي، وشك المصلي في انَّ المسلِّم قصده أيضا ام لا؟ لا يجوز له الرد، ولكن لا بأس بقراءة آية أو جزء من آية فيها لفظ التحية، كأن يقول: " سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار" ([39]) أو " يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون".([40])
8- لو أُلقيت التحية على المصلي بغير عبارات السلام المعهودة، كعبارة " صبـاح الخير" أو " صبَّحك الله بالخير" فالاحوط الرد بصيغة الدعاء كأن يقول: اللهم اغفر لفلان، ويسميه دون أن يوجه اليه الخطاب.
9- لو سلم شخص على المصلي ومشى سريعاً بحيث لا يسمع الجواب، ففي جواز الرد إشكال، إذ لا فائدة فيه.
10- يُكره السلام على المصلي.
11- يستحب للعاطس أثناء الصلاة، ولمن سمع عطسة غيره في الصلاة ان يقول: الحمد لله. او الحمد لله وصلى الله على محمد وآلـه. اما التسميت - أي قول" يرحمكم الله" للعاطس- فالاحوط تركه في الصلاة، ويجوز أن يقول المصلي عند سماع عطسة الغير: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين" إشارة الى العاطس.([41])
القرآن الكريم:
قال الله سبحانه وتعالى: « وإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِاَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً» (النساء/86)
السنة الشريفة:
1- جاء عن الامام الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "السلام تطوّع والرد فريضة". ([42])
2- وقال الامام أبو جعفر الباقر عليه السلام: "إن الله عز وجل يحب إفشاء السلام".([43])
3- وقال الامام الصادق عليه السلام : "إذا سلَّم أحدكم فليجهر بسلامه، ولا يقول سلمتُ فلم يردّوا عليّ ولعله يكون قد سلَّم ولم يُسمعهم، فإذا ردَّ أحدكم فليجهر برده، ولا يقول المسلِّم سلّمتُ فلم يردوا عليَّ". ([44])
4- وقال أيضا: " اذا مرّت الجماعة بقوم اجزأهم أن يسلم واحد منهم، واذا سُلِّم على القوم وهم جماعة أجزأهم أن يرد واحد منهم". ([45])
5- وقـال أمير المؤمنين عليه السلام: "يكره للرجل أن يقــول: حيّاك الله ثم يسكت حتى يتبعها بالسلام". ([46])
6- وقال الامام الصادق عليه السلام: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يُسلِّم على النساء ويردون عليه السلام، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يُسلِّم على النساء، وكان يكره ان يسلِّم على الشابة منهن، ويقـول: أتخوّف أن يعجبني صوتها، فيدخل عليَّ أكثر مما أطلب من الاجر". ([47])
7- وكان الامام أبو جعفر عليه السلام إذا عطس فقيل له: يرحمك الله. قال: يغفر الله لكم ويرحمكم، وإذا عطس عنده إنسان قال: يرحمك الله عز وجل. ([48])
تفصيل القول:
1- الابتداء بالسلام مستحب تؤكد عليه النصوص الكثيرة، وفي الحديث إن الله عز وجل يحب إفشاء السلام.
وهو مستحب كفائي حسب المشهور بين الفقهاء، وحسبما ورد في الحديث الشريف، فلو دخل جماعة وسلم أحدهم كفى عن الباقين.
2- رد التحية واجب كفائي، فلو أجاب واحد من الجماعة التي أُلقيت عليها التحية سقط الوجوب عن الآخرين، إلا أنه يبقى الاستحباب (في غير الصلاة) على الباقين.
3- يجب أن يكون الجواب جهراً يسمعه المسلِّم، الا اذا ابتعد المسلِّم سريعاً بحيث لم يعد يسمع الجواب، أو كـان أصم، ففي وجوب الرد مع انعدام الفائدة إشكال ولا بأس بإضمار الرد، أما بالنسبة للاصم فتكفي الإشارة له.
كما أن وجوب الرد فوري -حسبما أشرنا في تحية المصلي- .
4- لو كانت التحية بغير لفظ (السلام عليكم) كما لو قال: (صبحكم الله بالخير) أو (مسّاكم الله بالخير) أو (في أمان الله) وما شاكل وجب الرد احتياطاً.
5- سلام الأجنبي على الأجنبية وبالعكس جائز إن لم تكن هناك إثارة جنسية أو خوف الوقوع في الحرام، إذ صوت المرأة أساساً ليس بعورة.
6- لا يجب رد التحية إن كان عن سخرية أو مزاح.
7- إذا تقارن سلام شخصين على بعضهما، في وقت واحد، وجب احتياطاً على كل واحد منهما الجواب.
8- يجب الرد على سلام الخطيب اذا كان قاصداً بالسلام التحية ، أما اذا قصد الاحترام، كما إذا كان قد مرّ وقت طويل على حضوره عندهم، ثم صعد المنبر وسلم عليهم، أو إذا كان في موقف لا يسمع جوابهم كالمنبر المرتفع جداً، أو كان يتحدث عبر المذياع فوجوب الرد غير معلوم. والاحتياط واضح، وفي صورة الوجوب يكفي جواب أحد المستمعين.
9- يستحب رد التحية في غير الصلاة بأحسن منها، ففي جواب (السلام عليكم) يقــول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) أما في الصلاة فالواجب -كما قلنا- هو الرد بالمثل.
10- يستحب للعاطس ولمن سمع عطسة الغير أن يحمد الله ويصلي على النبي وآله، كما يستحب تسميت العاطس بأن يقال له: يرحمك الله ، أو يرحمكم الله، فيرد عليه العاطس: يغفر الله لك.
وللتحية آداب وسنن كثيرة نشير الى بعضها من خلال ذكر الأحاديث الشريفة الواردة بشأنها:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من بدء بالكلام قبل السلام، فلا تجيبوه" وقال أيضاً: " ابدؤوا بالسلام قبل الكلام، فمن بـدء بالكلام قبـل السلام فلا تجيبوه". ([49])