في التاريخ العربي والاسلامي ، وفي العصر الراهن ايضا اكثر من شاهد علي ان الموسسة الدينية هي عماد اي تقدم نحو الدين او نحو السعادة البشرية .
ومن يراجع المنعطفات والعوامل التاريخية التي مرت بها الامة الاسلامية طوال اكثر من مائة عام تقريبا، سواء في مصر او في ايران او في العراق او بلاد الخليج وشمال افريقيا يدرك ذلك ، حيث يبدو بوضوح من دراسة هذا التاريخ ان كل تطلع عقلي نحو الخير والصلاح او تطور حضاري نحو التقدم والرفاة غالبا ما كان بفضل جهود الموسسة الدينية او تحت اشرافها بصورة او باخري .
وهذا ما يدفعنا للحديث عن رجالات العقيدة والجهاد الذين يعتبرون هذه الموسسة الدينية ، او الذين يطلق عليهم بالمصطلح الاسلامي علماء الدين الذين يتعهدون بالامانه الالهية التي القيت عليهم ، ويكونون امتداد للانبياء الكرام الذين انزل اللة عليهم رسالاتة السماوية .
وعندما نتحدث عن علماء الدين ينبغي ان نشير الي ملاحظة منهجية جديرة بالاهتمام ، وهي ان دراسة سيرة هولاء العلماء وسيرة العظماء والقيادات عموما يجب ان لا تكون دراسة جامدة يكتفي فيها بطرح المعلومات والصفات والموروثات ..
كلا; بل لابد ان تكون دراسة هذه الشخصيات دراسة موضوعية وحيوية هدفها الاسمي ، هو ابراز صورة ومنهج ..
رمز ومسيرة ..
علامة وطريق ..
لان المطلع آنئذ سوف لن يكون علي علم ودراسة بالارضية التي اوصلت هولاء الي الصورة والرمز والعلامة .
وبما ان موضوع هذا الكتاب هو آية اللة السيد محمدتقي المدرسي ، فاننا ولكي نتوخي جانب الموضوعية لابد ان نطل ولو اطلالة سريعة علي بعض معالم الحياة الشخصية والعلمية التي تعتبر الاساس الخفي لتركيبة شخصيتة التي تستند عليها بعدئذ رويتة للدين ، واطروحاتة في الثقافة والسياسة .
ولد آية اللة السيد محمدتقي المدرسي في كربلاء المقدسة بالعراق عام 5491 م في بيت تاسست اركانه علي قواعد العلم والفضيلة ..
مما كان لة كبير الاثر في صياغة وبلورة شخصيتة علي طابع ديني متميز.
وليس غريبا ان يتشكل المدرسي بهذا القالب نظر لتاريخ العائلة ، التاريخ الذي عرف خلال عقود طويلة بالمناقب الدينية وبالادوار السياسة والاجتماعية الكبيرة علي صعيد الامة الاسلامية .
فمن جهة والدة هو آية اللة السيد محمدكاظم المدرسي معروف في وسط الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة ، درس علي يد العالم الكبير الميرزا الاصفهاني قدس سرة قبل اكثر من خمسين عاما، ولة مولفات عديدة مخطوطة ينتقد فيها الفلسفة والتصوف ..
وجدة هو آية اللة السيد محمدباقر المدرسي الذي كان مرجع التقليد آنذاك .
واما من جهة الام ، فهو ينتمي الي عائلة الشيرازي المعروفة ايضا بتاريخ المرجعية والجهاد والسياسة ، حتي قيل ان ثوب المرجعية بقي في هذه العائلة اكثر من مائة عام ، حيث صار سبعة من هذه العائلة مراجع تقليد عليا للطائفة الشيعية يرجع اليهم الناس في فتاويهم الشرعية ، وخمسون شخصا منهم علماء دين .
اما من ناحية التاريخ السياسي ، فان من اجدادة المجدد الميرزا السيد حسن الشيرازي 0321 ـ 2131 هـ والذي حمل لواء الجهاد ضد الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ، وابلي بلاء حسنا في ثورة التنباك حيث افتي بحرمة استخدام التبغ الانجليزي .
وهذا ما ارغم ناصر الدين شاة علي الغاء الامتياز الذي اعطاة لشركة انجليزية ، وتواصل بعدها جهاد الشعب الايراني حتي طرد الاستعمار البريطاني من ايران .
ومن اجدادة ايضا آية اللة العظمي الميرزا محمدتقي الشيرازي الذي قاد ثورة عارمة في العراق ضد الاستعمار البريطاني في عام 0291 م ، سميت بثورة العشرين .
هذا عن الماضين .
اما عن المعاصرين ، فمن اخوالة آية اللة العظمي الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي الذي يعتبر من المراجع الكبار في هذا العصر، يتلوة اخوة الشهيد آية اللة السيد حسن الشيرازي الذي كان من اوائل الذين تصدوا لنظام الحكم في بغداد، وقد اعتقل ثم استشهد في بيروت علي يد عملاء النظام العراقي في عام 2891 م .
فالمدرسي ينتمي الي عائلة معروفة ، اثرت بصورة كبيرة في مسيرتة العلمية والعملية .
الا ان ذلك ايضا ليس هو العامل الاوحد في بروزة بهذه الصورة فقط، ولكي نعرف الجانب الاخر لابد من مرور سريع علي تحصيلة العلمي والفكري .
لقد بدا سماحتة الالتحاق الي محافل العلم والمعرفة منذ صغر سنة ، ولذلك استطاع اختزال مسافة زمنية طويلة في قطع مراحل التعليم الحوزوي المطول .
وهنا نذكر عاملين ساهما في بناء تركيبتة العلمية :
ـ الاول :
ـ انه بدا دراستة في وقت مبكر وهو في الثامنه من عمرة ، وقد كان يدرس الفقة في الوقت الذي يتعلم فية القراءة والكتابة .
كان يتعلم القراءة من القرآن الحكيم ، ويتعلم الكتابة من خلال كتابتة للاحاديث الشريفة والاشعار النافعة .
وبعد اتمامة لهذه المراحل دخل في سلك مدارس العلوم الدينية ، واتيحت لة الفرصة لان يرتقي سلم الدراسة بشكل سريع ، خصوصا وانه كان مجد في دراستة ، ولم يكن يسمح لوقتة بالتلف ..
ولذلك استطاع ان يكتب في الفقة الاستدلالي قبل ان يبلغ العشرين من عمرة ، وهذا ما هياة للمشاركة في دروس بحث الخارج بعد ان انهي دراستة الاولية التي تسمي بالسطوح وهو في عمر مبكر جد .
هذا فضلا عن انه شرع في تدريس دروس الخارج بعد هجرة سماحة آية اللة العظمي الامام الشيرازي من كربلاء عام 9691 م وعمرة لا يتجاوز الاربع والعشرين عاما.
الثاني :
ـ انه لم يتلق الدروس من مدرسة فكرية واحدة ، وانما درسها في اكثر من مدرسة ، وتعلم باكثر من طريقة لتعلم العلوم الدينية ..
وهذا ما اعطاة انفتاحا اوسع واعمق تجاة المدارس الفكرية المختلفة ..
ونستطيع ان نقسم تحصيلة الي امرين :
ـ الاول :
ـ مجال الدروس الدينية الصرفة من الفقة والاصول ومقدماتها من النحو والصرف والبلاغة .
الثاني :
ـ الدروس الفكرية التي ترتبط بالوعي الديني وبفهم الايات القرآنية والاحاديث المروية عن النبي والائمة صلوات اللة وسلامة عليهم اجمعين .
وفي هذا المجال تباحث في ايام دراستة في موسوعة بحار الانوار 011 مجلدات مع زميل لة .
لقد بدا المدرسي الدراستين المتقدمتين معا، فدرس الفقة والاصول بموازاة اطلاعة علي الروي الاسلامية .
وهذا ما اعطاة نمطا خاصا في ادراك الامور وتحديد المواقف وفهم العلوم ..
ولهذا ايضا قام بالتدريس مبكر ، لاسيما وان كربلاء المقدسة آنذاك كانت تعيش حالة من التجديد في حوزتها الدينية ، خصوصا في مجالات العمل الاسلامي ..
وفي هذا المنحي كان سماحتة يدير ندوات وجلسات اسبوعية لمختلف الطبقات ، ويشارك في اقامة المهرجانات وغيرها من النشاطات الدينية الاخري .
ان الذي ذكر كان هو الاساس في تكوين منظومة فكرية خاصة عند آية اللة المدرسي عرف بها حتي اصبح اليوم علما من اعلام الفكر والجهاد في عصرنا الحاضر، واهم ما في هذه المنظومة فكرة التصدي لقضايا الامة التي حاول سماحتة زرعها في افئدة الكثير من اللذين تفاعلوا مع الصحوة وعملوا من اجلها.
وهذه المنظومة هي عبارة عن مدرسة متميزة لا يتحدث بها فحسب ، وانما يحاول تطبيقها علي المجاميع المومنه التي تسترشد بمدرستة وببرامجة ..
ومن اجل معرفة ملامح هذه المدرسة الفكرية التي توزعت علي العديد من الدراسات والكتب والبحوث التي كشفت نقاطا مضيئة في الفكر الاسلامي ، سواء فيما يخص الانسان او المجتمع او العلوم كالتاريخ والاجتماع والمنطق والفكر والعرفان ..
وتجاوزت رواة ذلك ايضا الي تكوين خريطة متكاملة للعمل السياسي والحركي ..
من اجل ذلك لابد من تحديد المرتكزات الفكرية التي اعتمد عليها سماحتة فكر ، وانشا علي اساسها العشرات من المشاريع الهامة في آسيا وافريقيا واوربا عملا..
ونحن بالطبع نذكر هذه المرتكزات التي تتفرع منها سائر الافكار والمشاريع التي يومن بها سماحتة ، وهذه المرتكزات هي التالي :
ـ اولا :
الاصالة ان الجمع بين تراث الماضي وبيئة الحاضر ليس عملية سهلة يقوم بها من يشاء، بل انها عملية معقدة يستطيع القيام بها كل من استطاع ان يعرف روح الماضي وآلية سير الحاضر.
ومن هنا تبدو صعوبة هذه المهمة ، لان الانسان قد يتمكن من استنتاج الافكار من الحاضر فقط ليستصدر بالتالي احكاما لهذا الحاضر وانطلاقا منة ، لكنة لا يتمكن من وضع الحلول لهذا الحاضر انطلاقا من الماضي ، خصوصا وان هولاء يزعمون ان الدين ماضي .
ولاجل هذا السبب فان وظيفة المفكر المسلم هي وظيفة صعبة تبعا للفكرة المتقدمة ، لانة مكلف ببناء مواقف فكرية لظروف جديدة ، اعتمادا علي خطوط عريضة وضعها الدين .
وصعوبة هذه الوظيفة تنبع من قدرة المفكر علي اتخاذ الموقف الفكري لوضع ما، وهو ما يسمي بالتناسب والانسجام .
ذلك لان ظروف الزمان المتغيرة تتطلب مزيدا من ادراك السنن والقوانين حتي يتمكن من الجمع بين الماضي والحاضر.
ولكي ندخل في راي آية اللة المدرسي حول موضوع الاصالة ، نشير الي ان تيار الحداثة والتجديد يمكن ان يكون مناسبا لو استطاع ان يلتزم بمعرفة اصول الدين ، ومن ثم تطبيق الفروع عليها.
اما اذا تجاوز وتعدي علي الاصول بحجة تيار الحداثة والتجديد، فانة سوف يجد نفسة بالاخير في خط مناقض تماما لما بداة .
وهذا بالضبط ما يسمي بمرض فقدان الاصالة .
والاصالة تعني ان يرجع الانسان في حياتة الي اصول وثوابت اعتمدها مسبقا، وتعهد علي ان لا يتجاوزها.
والاصول بالنسبة لنا نحن كاسلاميين هي الاصول التي وضعها الاسلام كدستور وكمنهج يتبعة المسلمون في كل زمان ومكان .
وللتوضيح اكثر، هي القواعد التي ينبع منها كل حكم شرعي او توجية اخلاقي ديني وتكون بمثابة محاور واوتاد تقام عليها شرائع الدين واحكامة ..
لكن المشكلة بالنسبة لمن يزعمون انهم ماضون في مسيرة الحداثة ، هي ان تطورات الزمن توحي لمن لم يتشبعوا بروح هذه القواعد والاصول ، بان الفكر الاسلامي بحاجة الي عملية التقاط من الفكر المعاصر.
ولسان حال هذه الدعوة ان الدين هو دين الماضي ، ولابد من تجاوزة والاعتماد علي اتجاهات فكرية حديثة العهد.
وسوف نذكر هنا نموذجا واحدا فقط، وهو مثال طة حسين الذي كتب كتابا اثناء معاهدة والتي اعطت بموجبها بريطانيا الاستقلال السياسي لمصر بشرط ابقاء قاعدة عسكرية في قناة السويس ، وهذا الكتاب باسم مستقبل الثقافة في مصر، وكانت دعوتة فية الي التغريب والتمثل بالغرب واضحة جدا.
فهو يركز في كتابة علي ان الانسان المصري والعربي يجب ان يحكم علي الاشياء كما يحكم الغربي عليها، ويراها كما يراها، ويفهمها كما يفهمها، بل ويدافع عنها ايضا بنفس الطريقة التي يدافع بها..
وتطور في نظرتة تلك حتي قال :
ان مصر قطعة من اوربا.
وهو بذلك يريد ان يفصل مصر عن التاريخ الاسلامي عن سابق اصرار وتعمد، ليلبسها برداء الغرب والحضارة الغربية الحديثة .
وهو يقول في ذلك :
لا عودة الي النظام القديم ـ الدين والاسلام ـ الذي كان سببا من اسباب التخلف والنكوص ..
ولهذا فقد عاهدنا الغرب علي مجاراتة والسير معة في طريق الحضارة الحديثة .
وهكذا نشا في الوطن العربي هذا الخط، وتشكل في بلاد عديدة وتحت رايات متعددة متناسية اصالة الفكر التي يجب ان يتمتع بها المفكر المسلم حتي يستطيع ان يستنبط ما هو الحكم الديني والشرعي لاي مسالة متجددة ، اعتماد منة علي روح الدين وعلي قواعدة العامة ..
والا فان مصيرة سوف لن يكون افضل من الكثير من المفكرين الذين سقطوا في هذا المطب امثال خير الدين التونسي ورفاعة الطهطاوي والكثير من المفكرين المعاصرين .
آية اللة المدرسي ادرك هذا المطلب ، ولذلك سعي سعيا حثيثا منذ بداية عهدة بالدين وبالثقافة الاسلامية الي ان يرتبط بما هو الاصل في الدين ، حتي يتسني لة الانطلاق منها الي باقي الامور الاخري دون تجاوز منة اليها.
ولاجل ذلك فقد اعتبر سماحتة ان هذه الانماط المتغربة خاطئة ، لان تعاليم الاسلام لم تترك شاردة ولا واردة الا واعطت فيها حكما وروية ..
فهل يمكن لهذا الدين الذي وضع لنظافة الاسنان ثلاثة وثلاثين توصية اسلامية ان يتغافل عن الامور التي لها تاثير كبير علي الدين والمجتمع ؟! بالطبع كلا..
وهذه الاجابة هي التي تدفعنا الي ضرورة ادراك القواعد، لكي ننطلق منها الي كل امر.
وكاشارة بسيطة الي ذلك نعتبر ان فلسفة الاجتهاد هي من اهم ابواب الاسلام العصرية ، ودلالة علي ان الاسلام يطالب الفقية باستنباط الاحكام من الادلة والقواعد الشرعية .
وتاكيدا لهذا الاصل يقول السيد المدرسي :
ان الاستلهام من الدين يشكل القاعدة والمنطلق والاصالة ، والتفتح علي الحياة يشكل المسير والتفاعل ..
فنحن اذن بحاجة الي تاصل وهذه المرحلة نحاول فيها استيعاب الفكرة الحضارية التي تتمثل في الدين الاسلامي ايمانا وعلما.
ويقول في مكان آخر:
ان مسالة الاصالة والتقليد ترتبط ارتباطا وثيقا بحدود دقيقة وغامضة بين ما يجب ان يبقي وبين ما يجب ان يطور، وبالتالي بين القضايا المتعلقة بالقيم الثابتة التي لا يجوز التنازل عنها تحت ضغط اي ظروف من ظروف وبين التقاليد البالية التي لصقت بها في غفلة من الوعي او القضايا التي كانت صالحة في يوم ثم اصبحت من مخلفات العصور الاولي .
ويضيف سماحتة قائلا:
لاجل ذلك ليس من حق كل من هب ودب ان يعين هذه الحدود الدقيقة ، لانة بحاجة الي معرفة شاملة بالعصر ومتغيراتة من جهة ، وبالدين ـ القيم الثابتة منة والمواضيع المتغيرة ـ من جهة اخري .
ولكي ندرك اصالة الفكر التي يوليها السيد المدرسي اهتماما بالغا، لابد من ملاحقة الثوابت التي يعتمدها في عموم رويتة الفكرية ، وتوجيهاتة الثقافية ، وتاليفاتة المطبوعة .
وبعد التتبع والمدارسة يمكن لنا اذا اردنا الحديث عن الاصالة ان نراها متجسدة في ثلاثة امور:
ـ
القرآن الحكيم بالنسبة لنا نحن المسلمين ولعلماء الدين بالاخص ، ليس كتابا عاديا يقراة الانسان كما يقرا القصص والروايات ..
بل انة كتاب دين ورسالة حضارة ودعوة للحياة الكريمة ، ولذلك يعتبر القرآن خلاصة الدين وجوهر رسالة اللة سبحانة وتعالي للبشر..
ولعل الاية الكريمة في سورة الاعراف فيها اشارة واضحة الي ذلك :
هذا بصائر من ربكم وهدي ورحمة لقوم يومنون 302 ـ الاعراف .
اي ان القرآن الحكيم هو اداة التبصر وآلية الهداية ، ولذلك نجد تعاليم الاسلام توصي بقراءة آياتة وسورة دائما، للاستفادة منة في كل شي ء.
ولا يقصد بهذا التوجية للقراءة للبركة فحسب ، علي ما لذلك من ثواب كبير، وانما يوجد لذلك هدف اكبر واعمق ، ان تلامس توجيهات القرآن الانسان ملامسة معنوية يتفاعل معها ويطبقها علي نفسة قبل ان يدعو الاخرين للالتزام بها.
وبهذه الصورة كما يقول آية اللة المدرسي يكون القرآن كمثل الشمس تشرق كل يوم لتعطي آفاقا جديدة ورونقا آخر لحياة الانسان اليومية ، لان اهم ما يقول بة القرآن هو اعطاء الانسان عقلا راشد ووعيا متجدد لما يدور في نفسة ولما يدور حولة .
لكن للاسف لقد تعامل المسلمون مع هذا المصدر الثر بجميع الافادات ، سواء علي صعيد الروح او علي صعيد الثقافة وغير ذلك ، تعاملوا معة بصورة غريبة لا تليق مع مقام هذا المصدر الكبير.
فبعضهم هجر القرآن هجرانا كبير ، وبعضهم تفاعل معة للترنم باياتة وبقراءاتة السبع او بتجويدة .
واذا زاد هذا التفاعل ارتبطوا بة في اوقات محدودة للازمات او الاموات .
وهكذا تجاهل الكثير اهميتة الحقيقية في حل كافة المشاكل البشرية ، وعوضوا عنة بتعامل آخر يعتبر سطحيا ايضا، لكنة يختلف عن المظاهر التي ذكرناها قبل قليل .
فصاروا يتعاملون مع القرآن علي انة حروف بلاغة لا كمعاني ، او علي انة مصدر للادب العربي لا كتوجيهات وروح مفعمة .
واذا تطور بعضهم ايضا تراة يجعلة مفتاحا لبعض العلوم الحديثة كالتاريخ والاجتماع والوراثة والبلاغة ، بل وحتي البيئة ايضا، لكنهم يفصلونة عن السلوكيات التي ينبغي ان يتطبع بها الانسان ويتحلي بها.
ان عظمة القرآن تكمن في انة يحتوي علي كل هذه الامور المتقدمة ، بل واكثر، لانة كتاب رسالة ودعوة لحضارة انسانية رفيعة المستوي ورائدة لكي تبني مجتمعا حيويا.
الا ان السوال يبرز عند هذا الكلام :
كيف يمكن لنا ان نستفيد كل هذه الاستفادة من القرآن الكريم ؟
ان المنهج الذي يومن بة آية اللة المدرسي للتعامل مع القرآن الحكيم والاستفادة منة ، هو منهج التدبر في آياتة المباركات ، والانفتاح عليه بكل اخلاص بشرط الابتعاد عن انشدادات الارض وافكار الهوي .
بهذا المنهج يمكن ان يتهيا الانسان للاستفادة من النور الذي يتجلي بين دفتي الايات القرآنية .
ان التدبر براي السيد المدرسي يعطي للانسان فرصة كبيرة لفهم روح القرآن الحكيم .
والتدبر يختلف اختلافا جذريا عن التفسير بالراي ، ولهذا دعا الية القرآن بقولة :
افلا يتدبرون القرآن ام علي قلوب اقفالها 42 ـ محمد.
وحتي يتوضح الخلاف بين الامرين ، فان السيد المدرسي يضع عدة برامج لتحقيق هذا المنهج ، والاستفادة منة تكون عبر الامور التالية :
ـ 1 ـ ان الهدف من التدبر في آيات الذكر الحكيم ، تكوين شخصية متكاملة الابعاد لدي المتدبر، يكون قوامها تحديد طرق بناء الشخصية المومنة وكل ما هو مشروع شرعا.
2 ـ التدبر في الايات القرآنية يعني تفكير منطلقا وموضوعيا في معني الايات الحقيقية .
هذا في الوقت الذي لا يعدو فية التفسير بالراي عن كونة اختلاقا لمعني جديد للاية علي هيئة الجبر والتركيب القسري .
والفرق بين هذين المنهجين علي ضوء ذلك ، هو ان التدبر مطلوب بنص آية قرآنية ، بينما التفسير بالراي محرم بنص رويات متعددة .
3 ـ ان محور التدبر في الاية يعتمد علي البحث عن القوانين العلمية التي تكفلت آيات القرآن بتوضيحها، وبعد ذلك يمكن استنباط مناهج تربوية صاغتها الايات الكريمة ، بمعني ان الاية تحتوي علي ظواهر تربوية تعبر عن باطن علمي تختبي في ثنايا الايات القرآنية .
4 ـ يقتصر التدبر في حقائق القرآن الي الحد الذي يصل الي فهمها فكر المتدبر فيما يسمي بالمحكم ، اما ما لا يفقهة المتدبر فيجب عليه تركة حتي يفقهة ، ويسمي هذا النوع من آيات القرآن بالمتشابة .
5 ـ لمعرفة ظاهر الالفاظ القرآنية ، يجب الرجوع الي اللغة بشرطين :
ـ الاول :
ـ تصفيتها من رواسب الفهم الحالي ، والتركيز علي معناها العربي الاصيل .
الثاني :
ـ التفكير في المادة الاساسية التي تنبثق منها سائر المعاني الخاصة عبر جمع موارد استعمال اللفظ في البحث عن معني واحد مشترك تتمسك بة .
6 ـ القيام بعملية جمع موارد استعمال اللفظ في مختلف الايات القرآنية والمقارنة بينها للتعرف علي معني جامع ومشترك بينها حسب ما يهدي الية سياق كل آية .
7 ـ التفكير في السر وراء اختيار هذه الكلمة عن غيرها في الاية بالاستفادة من الشرطين السابقين .
8 ـ الحذر من تحديد عموم القرآن بخصوص مورد نزولة او بتطبيق تاريخي واحد فقط لا غير، لان المطلوب هو الاستفادة من مورد النزول والتجربة التاريخية علي حد سواء للاهتداء الي امثالها في المواقف والافكار.
9 ـ تقسيم ظاهر القرآن الي سبعة اقسام :
ـ امر وترغيب وزجر وترهيب وقصص تاريخية وامثال بيانية وجدل مع الاعداء، ومن ثم التفكير في وجود اي قسم من هذه الاقسام في الاية .
01 ـ التدبر في باطن الاية عن علاقة المقطع بالمقطع الاخر، او عن الاية بما بعدها من الايات واكتشاف نوعية العلاقة بينهما، سواء:
ـ ا ـ عبر علاقة علمية يعتبر الواحد سببا للثاني ، او يكونا سببين لسبب ثالث .
ب ـ عبر علاقة تربوية يكون فيها الواحد مستوجبا للثاني ، حتي تكون النتيجة صورة كاملة وواضحة لتربية الفرد.
11 ـ التحلي بالصفات النفسية والعقلية لاكتشاف الحقائق والاستفادة من التدبر، وهذه الصفات هي التالي :
ـ ا ـ الايمان بالوحي والارتباط الوثيق باللة عز وجل .
ب ـ الاستعداد لتطبيق التعاليم والتسليم لافكار القرآن ، حتي لو خالفت المصالح والاهواء والتقاليد الاجتماعية او النظام السياسي .
ج ـ الشجاعة في التمسك بالحق والثقة بالعقل وبما يهدي الية الواقع .
لقد ادرك آية اللة المدرسي سر التعامل مع القرآن الحكيم علي ضوء المنهج السابق ، وبدا مشوارة مع القرآن في بداية السنين الاولي من باكورة حياتة العلمية والدينية .
ويتضح هذا الاهتمام في ثنايا دراساتة الفكرية المعمقة ، وكتاباتة وخطاباتة الجماهيرية ..
وهذا الامر واضح عند كل من يقع في يدية كتاب للمدرسي ، حيث يكتشف اهتمامة بالقرآن واعتمادة الكبير عليه في استنباط الافكار والمواقف .
وان دل هذا علي شي ء، فانما يدل علي ان السيد المدرسي يمتلك حالة من الحضور القرآني الفعال والبديهي في جميع المجالات الفكرية والسياسية والاجتماعية والحضارية ..
ولكي نضرب مثالا تفصيليا علي تفاعل البصائر القرآنية وانعكاسها علي افكار المدرسي ، ننقل هنا مقطعا من محاضرة القاها سماحتة في بداية قيام الانتفاضة الفلسطينية في عام 8891م .
وشاهدنا في هذا المثال ، الاستدلال علي كيفية الربط بين آيات القرآن وبين الواقع السياسي والفكري .
بسم اللة الرحمن الرحيم .
اذ انتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوي والركب اسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي اللة امر كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وان اللة لسميع عليم .
اذ يريكهم اللة في منامك قليلا ولو اراكهم كثير لفشلتم ولتنازعتم في الامر ولكن اللة سلم انة عليم بذات الصدور.
واذ يريكموهم اذ التقيتم في اعينكم قليلا ويقللكم في اعينهم ليقضي اللة امر كان مفعولا والي اللة ترجع الامور.
يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا اللة كثير لعلكم تفلحون الانفال 24 ـ 54.
ان من ابرز حكم اللة عز وجل في الحياة الدنيا، حكمة الفتنة والامتحان .
هذه الحكمة التي اذا عرفها الانسان بوعي كامل تكشفت امامة حقائق ، وتساقطت من قائمة استفساراتة اسئلة كثيرة تتوارد كلها علي عقل البشر لتدعة حيرانا يبحث عن فلسفة خلقة ، والسر الكامن وراء مجيئة الي الحياة ، والهدف من الصراع القائم بين البشر الذي ينتج حالات قد تكون متباينة من الغني والفقر، والظلم والامن ، والاختلاف والوحدة .
والنفس الامارة بالسوء لا تبقي بعيدة عن مسرح هذه الشكوك ، بل تبادر الي طرح عشرات الاسئلة لزرع الوسواس الخبيث في النفس البشرية ، ومن ثم تتحول هذه الوساوس بدورها شيئا فشيئا الي عقد مركزة وسحب مظلمة امام تفكير الانسان ..
بل وفي كثير من الاحيان ايضا يتية الانسان بين هذه الوساوس وسط امواج عارمة ، لا تهدية السبيل وتفقدة الوعي والبصيرة .
بيد اننا اذا عرفنا فلسفة المحنة الحقيقية ، فان ذلك سوف يكون مدعاة الي امتصاص البلاء واحتواء موجات الفقر والغني ..
المرض والصحة ..
الخوف والامن ..
البقاء والهجرة ..
وكل هذا يتم ضمن معرفة الحقيقة العامة في الحياة التي تقتضي بدورها التغير والتقلب والتطور.
ان سنة الفتنة والامتحان لا تختص بالانسان فحسب ، بل تشمل الطبيعة ايضا.
فالحداد حين يحيل خام الحديد الي آلات متنوعة يطلق عليه لفظ الصانع الذي يصنع شيئا عبر تعاملة مع المادة والطبيعة الاصلية باخضاعها للامتحان او تعريضها لدرجة معينة من الحرارة او البرودة ، حتي تصل المادة الي مستوي يمكن للصانع فية البدء بالتصنيع .
وهذا مما يوكد ان الطبيعة ايضا تتعرض الي نوع من الامتحان ، لكن بارادة الانسان .
وهذا الانسان نفسة معرض للامتحان من قبل اللة عز وجل ، والفرق واضح بين الامتحانين .
فالامتحان الالهي عادة ما يكون خفيا لا يتمكن الانسان مهما اوتي من علم وذكاء ان يتعرف عليه مسبقا، لانة لا ياتي بصورة روتينية او علي شكل معادلات رياضية .
كلا..
وانما ياتي في حالات مفاجئة .
فبين عشية وضحاها يتحول رجل غني مترف الي رجل فقير لا يملك حتي قوت يومة ، ويقضي يومة متجولا في الشوارع يبحث عن القليل من الطعام .
او عكس ذلك .
ان الذي يستطيع ان يقف ثابتا امام هذه التغيرات والتحولات ، هو الذي استطاع ان يبني نفسة علي القدرة علي مواجهة المتغيرات عبر اعطاء نفسة جرعات واقية عن الميل يمينا او يسار .
فالفقير يحتفظ بكرامة شخصيتة وعزة نفس عالية ، ولا يبقي حاملا لعقد الدونية امام الاغنياء.
ولكنة مع ذلك يحترم الغني لا لغناة ، وانما للانسانية وللقيم التي يحملها بين جنبية .
ولكن الانسان المكرم لا ينهار امام الحاكم بسبب قوة وجبروت الاخير، فيصل الي حالة الانهيار يبحث عن العزة هنا وهناك ولا يثق بنفسة كلا.
ان كل هذه الامتحانات تحيط بالانسان لكي تفقدة انسانيتة وكرامتة وقدرتة بعد سلب عقلة الوضاء الذي هو اشرف خلق اللة ..
وهذا السلب يتعرض لة الانسان في كل صغيرة وكبيرة .
هذه الامتحانات علي الصعيد الشخصي ، وهناك امتحانات اخري اعظم واكبر..
تلك هي الفتن الاجتماعية التي تصيب المجموع ، مثل المجاعة او الوباء القاتل او حتي السلطة السياسية الفاسدة والغير عادلة ..
وعظمة وكبر هذه الامتحانات ناظرة الي الاثار السيئة التي تشمل الجميع بلا استثناء.
ولذلك فان اللة عز وجل اذا اراد ان يجرب ارادة الشعب باكملة ، فان الفتنة الاجتماعية الشاملة تكون اصدق دليل علي تحقيق ذلك .
فمثلا حينما تشتعل حرب دينية مقدسة ، تكون نتيجة المشاركة آنئذ شهادة او تعويقا دائما او اسر لا يعلم نهايتة ..
هذه الحالات تكون كفيلة باظهار طبيعة الانسان الحقيقية .
واللة سبحانة وتعالي يعرض البشر لمثل هذا النوع من الامتحانات بدلالة الاية الكريمة :
ـ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون الفرقان ـ 02.
والقرآن الحكيم حين يتعرض لمعركة بدر، يبين التقدير الالهي لاتجاة هذه المعركة الفاصلة ، حيث ذهب المسلمون للحصول علي مغنم ، فاذا بهم امام الف فارس من فرسان الجزيرة العربية مدججين بالسلاح والعتاد.
ومع ان المسلمين كانوا قليلي العدد، لا يملكون سوي سيفين واعداد متواضعة من الفرسان مع سلاح لا يمكن عدة بالقياس الي اسلحة ذلك الزمان .
يقول تعالي تخليد لهذه المعركة :
ـ اذ انتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوي والركب اسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد فمكان الطرفين في المعركة مختلفان .
ولو كانت هذه الحرب مقصودة سلفا، لكانت احتمالات وقوعها قليلة للغاية ، خصوصا اذا نظرنا الي ضحالة الاستعداد العسكري .
لكن اللة سبحانة وتعالي يوكد علي ذلك :
ـ ليقضي اللة امر كان مفعولا اي ان الامر الذي ارادة اللة من مفاجاة الحرب هو معرفة الانسان لحقيقة طاقاتة وقدراتة .
فاذا ادعي الانسان بانة قادر علي فتح البلاد وادارة العباد وجاءتة الفرصة ، فان كل مقولاتة وشعاراتة مرهونة بما يحدث علي الارض .
ويوكد تعالي علي فلسفة المباغتة والمفاجاة هذه فيقول :
ـ ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة وان اللة لسميع عليم .
لانة يراقب مجريات المعركة عن كثب ، ويعلم بما في الصدور عن قرب .
ثم يقول تعالي :
ـ اذ يريكهم اللة في منامك قليلا ولو اراكهم كثير لفشلتم ولتنازعتم في الامر .
فعلي الرغم من ان جيش المشركين كان ضخما وكبير بالمقياس العسكري لذلك الزمان ، حيث قدر عددهم بالف فارس ، لكن اللة سبحانة وتعالي قلل من شان هذه القوة عند رسول اللة ص في منامة .
وبمجرد ان بدات الحرب انتصرت الارادة الثابتة علي واقع القوة المزيفة .
واستوحي من الاية المتقدمة ان قيادات الحرب والمواجهة مكلفة بزرع الاستهانة لدي اتباعها من قوة العدو، في الوقت الذي تقوم فية القيادة بدور التقييم الواقعي لقوة الطرف الاخر، دون ان تضخم هذا الواقع لئلا يصاب الجيش بهزيمة نفسية .
وبدلا من ذلك تزرع القيادة في نفوس اتباعها الامل والحيوية والجد والنشاط لمواجهة العدو.
وهكذا تماما فعل القرآن الكريم ، اذ تقول الاية صراحة :
ـ ولو اراكهم كثير لفشلتم ولتنازعتم في الامر .
اذ لو حدث هذا التضخيم ، لكانت بعض الشائعات تسري في الجيش الاسلامي تعتقد بعدم القدرة علي مواجهة العدو، وتدعو الي العودة الي المدينة .
ولان هذا التضخيم لم يحدث ، اندفع المسلمون للقتال وحاربوا الكفار.
تقول الاية الشريفة في ذلك :
ـ ولكن اللة سلم انة عليم بذات الصدور.
واذ يريكموهم اذ التقيتم في اعينكم قليلا ويقللكم في اعينهم ليقضي اللة امر كان مفعولا والي اللة ترجع الامور .
لقد قرر اللة سبحانة وتعالي امرين :
قلل المشركين في نظر المسلمين ، وقلل المسلمين في نظر المشركين ، حتي تكون نتيجة هذا التقرير وقوع الحرب .
لان قريشا لو كانوا يعرفون قوة جيش رسول اللة ص لهربوا وجبنوا من الحرب ، ولكن استهانتهم بقوة جيش الاسلام دفعهم الي محاربتة .
ومن جهة اخري ايضا راي المسلمون ان قوة قريش زائفة ، فاعطاهم اللة الامل ، وامدهم بالقوة الايمانية ..
مما مكنهم من التغلب علي القوة المادية الظاهرة المتمثلة في قوة قريش العسكرية .
ثم يسير السياق القرآني حيث يلخص اللة عز وجل عبر التاريخ كاملة في كلمات قصار، لو عرفها البشر وادركها بوعي تام لما وقعت هزيمة واحدة في تاريخ المسلمين .
يقول تعالي :
ـ يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا اللة كثير لعلكم تفلحون والخطاب موجة في هذه الاية الي فئة المومنين ، الذين هم صنف خاص من عموم الناس الذين لا يدركون هذا المعني .
واهم ما يدعو الية هذا الخطاب صفة الثبات ، وهذا الثبات يتجلي في الثبات القلبي باليقين بقدرة اللة عز وجل والتوكل عليه ، وبعدم التشكيك بقدرات الانسان وطاقاتة عبر الوساوس الشيطانية التي تمارس دور التثبيط معللة ذلك بعدم تساوي القوة المادية لدي المومن مقابل قوة العدو.
ان القرآن يطالبنا بالثبات ، وهذا الثبات تجسد في بداية صدر الاسلام بصمود جريد النخل امام السيف ، لان سلاح الايمان يضيف قوة هائلة لدي الطرف المومن .
كما يتجلي الثبات في نوعة المادي بالصبر علي تقدير اللة تعالي شانة حتي ولو طار الشهداء الي جنان اللة ، واريقت دماوهم الزاكية علي ارض المعارك ..
وذلك لان الثبات في المواقف الصعبة هو سر الانتصارات الاسلامية في التاريخ .
لان هذه الاية التي تدعو الي مبداي الثبات والذكر، كانا سبيلي نجاة المسلمين في الكثير من المعارك العسكرية .
والقصص التاريخية في هذا المجال شاهدة علي ذلك .
وانطلاقا من اعتماد مبداي الثبات والذكر اللذين وردا في الاية المتقدمة ، تحتاج المقاومة الاسلامية في فلسطين المحتلة الي هاتين الركيزتين ، حتي يحدو بنا الامل لان تكون هذه الانتفاضة الاسلامية بداية لنهاية الوجود الصهيوني الظالم ، خصوصا لان هذه الانتفاضة ذات رابطة قرآنية تستمد روحها وبرامجها من آيات الذكر الحكيم .
وهذا هو الذي يعطيها القدرة علي الثبات لا الفرار الذي يعتبر من احدي الكبائر السبعة في الاسلام ، باعتبار ان ثبات المومن في معركة مع العدو ضمانة لاستمرار الاخرين ، وضمانة للانتصار ايضا.
اما الفرار من الزحف يعتبر ذنبا كبير قد يعادل الشرك باللة تعالي ، وقد يوازي قتل الناس ، لان الانهزام في المعركة قد يودي الي قتل المزيد من النفوس المحترمة .
ومن هنا فان ابرز الوصايا التي تحتاجها المقاومة الاسلامية في فلسطين ، الثبات الذي يتجلي في عدة مواقف :
ـ الاول :
ـ الثبات امام العدو.
الثاني :
ـ الثبات امام الاعلام العالمي الذي يستهدف بث الهزيمة النفسية بين الفلسطينيين .
الثالث :
ـ الثبات امام بعض القيادات التي جاءت بها الامواج الي هذا المنصب دونما كفاءة واقتدار، ودونما ايمان كامل بقضية فلسطين المركزية .
وعدم الايمان هذا يدفعة الي تثبيط الروح الفلسطينية الثائرة .
الرابع :
ـ الثبات في استمرارية النضال .
فلو كان طريق تحرير فلسطين استشهاد كوكبة كبيرة من ابناء الشعب الفلسطيني ، لكان ذلك طريقا اولي وافضل لتحقيق الكرامة .
وليقتدوا في هذا المجال باخوتهم الابطال في افغانستان ولبنان وايران الذين اراقوا دماء كثيرة من اجل كرامتهم ، فاستشهد منهم الكثير، وتيتمت الاطفال ، وترملت النساء..
لكنهم مازالوا يسيرون نحو هذا الهدف ، كون الحرية والاستقلال جوهر وجود الانسان وفلسفة حياتة .
اننا نحن المسلمين لا يمكن ان تقر اعيننا او ننام في بيوتنا، واخواننا الفلسطينيون في ارض المقدسات يتساقطون برصاص الغدر الصهيوني كاوراق الخريف .
لقد مرت اربعون عاما من الفتور في قضية فلسطين ، افلا ياتي ربيع الغضب الفلسطيني ليحقق قفزات نوعية في مسيرة القضية الفلسطينية ؟ وهذه الدعوة ليست للفلسطينيين فحسب ، كلا..
وانما هي دعوة لكل المسلمين للمشاركة في رفد حركة الشعب الفلسطيني بشتي الصور وبكل الطرق الممكنة ، لان هذه الدعوة تحكي عن ضمير الامة و روح الرسالة .
ومن هنا يكون واجب الدفاع عن الاراضي الاسلامية ، وبالذات ارض فلسطين المقدسة علي عاتق جميع ابناء الامة الاسلامية ، خصوصا بالنسبة لطلائعها الذين يسعون الي تجميع قوي الامة تمهيد للنصر الموزر.
بهذا النموذج تتبين لنا معالم استفادة المدرسي من بصائر القرآن في اعطاء روية لحدث سياسي .
وهناك نماذج كثيرة تدل علي ذات الفكرة ، فمن يراجع كتاب المنطق الاسلامي اصولة ومناهجة يدرك انة اعتمد في تحديد ملامح المنطق الاسلامي علي آيات القرآن اعتماد كبير ، وكذلك في سائر العلوم الاخري .
وتاكيد لاعتمادة علي القرآن ، فقد عكف منذ اكثر من عشرة اعوام علي تفسير القرآن بصورة تتناسب مع الواقع السلوكي والاجتماعي والسياسي ، وانهاها في عام 0141 هـ .
حيث صدر لة ثمانية عشر مجلد تحت اسم من هدي القرآن ، وسوف نتعرض لملامح هذه المشروع القرآني في الفصل الاخير.
قراءة التاريخ ليست اطلاعا علي احداث تاريخية وقعت في الماضي فحسب ، بقدر ما هي قراءة توثر في الحاضر والمستقبل .
ودراسة التاريخ بالنسبة لنا نحن المسلمين يعني قراءة العصر الذي عاش فية المسلمون مع ملاحظة حالات المد والجزر الذي حدث خلال هذه الفترة الطويلة ، تبعا للظروف القاهرة التي حدثت في الامة وجعلت الزمن لا يسير بوتيرة واحدة ، وانما بشكل مختلف تبعا للاحوال والظروف .
وعلي ضوء اختلاف هذه الحالات ، نشات عدة طرق لدراسة التاريخ الاسلامي ، يهمنا هنا ان نذكر نوعين من هذه القراءات :
ـ النوع الاول :
ـ قراءة التقديس .
يعتمد اصحاب هذه الطريقة علي الغاء دور العقل ، واخد كل ما جاء في التاريخ وحيا منزلا او بديهة مسلمة .
واكبر خطا في هذه الطريقة هو انها تاخذ الغث والسمين في آن واحد، ولا تجتهد في التمييز بينهما من اجل التوصل الي الحقيقة .
ومن المعروف ان كل تراث يحتوي علي الصالح والفاسد، لان طبيعة الدنيا جارية علي هذا الخلط.
ومن جهة اخري لوجود بعض المصالح التي تدعو بعض الاتجاهات الي تزييف بعض الحقائق التاريخية ، فتسري في المجتمع علي انها حقائق لا غبار عليها..
وهذا ما يدعونا الي عدم تقديس كل ما ذكر في التاريخ ، بل التعامل معة بموضوعية كاملة حتي تتسني الاستفادة منة .
النوع الثاني :
ـ قراءة التجزي ء.
واصحاب هذه الطريقة يعتمدون علي قراءة لون واحد من الوان التاريخ ، ووجة واحد من وجوهة .
وهذه القراءة في مستوي خطورة الاول ان لم تكن اخطر، لانها تصور التاريخ للحاضر وكانة سار بوتيرة واحدة وفي اتجاة معين .
مما يعني بالبداهة ان الحاضر يجب ايضا ان يتقمص هذا اللون ، وهذا الوجة من التاريخ .
وكمثال علي ذلك نذكر اصطباغ تاريخنا بالماساة والانحسار، ولذلك فان كل ما كتب طوال فترة مديدة من الزمن كان يدور مدار الويلات والماسي التي مررنا بها..
دون ذكر اي انتصارات حققناها او ادوار رائدة قمنا بها.
فيكون خط الحاضر علي ضوء هذه الدراسة الاخذ بلون معين والسير علي هداة .
هذا في الوقت الذي يجب ان تكون فية دراسة التاريخ شاملة لكل وجوهة ، لا لوجة واحد من وجوهة .
اذا تمت دراسة التاريخ بهاتين الصورتين المتقدمتين ، فاننا سوف لن نتمكن من ربط التاريخ بالحاضر ربطا سليما للاستفادة منة ، بل واذا استفدنا منة ، سوف تودي الي تكريس الواقع المتردي في الامة .
وهذا يخالف الاهداف الاساسية التي يوملها آية اللة المدرسي من دراسة التاريخ ، والتي تتجلي في ما يلي :
ـ الاول :
ـ ان دراسة التاريخ تعني فهم الواقع المعاصر، ذلك لان الاحداث الظاهرة التي تقوم اليوم ليست وليدة ساعتها، وبالتالي فانها ليست يتيمة الجذور، بل ان لها جذور طويلة ممتدة في عقود من الزمن ، بل واكثر.
وهذا ما يجعل من الاهمية بمكان قراءة التاريخ وادراك سننة وقوانينة ، حتي نستطيع ان ننظر الي الحاضر متناغما مع سيرة الماضي ، ذلك لان هناك نقاط تشابة والتقاء كثيرة بين العصور.
وهذا هو الذي يكشف لدارسي التاريخ الاسس والقواعد التي تهيي لاستصدار احكام تنسجم والواقع الراهن .
ومن هذا المنطلق نشات المقولة الشهيرة التاريخ يعيد نفسة .
الثاني :
ـ التنبو بالمستقبل يتم بعد دراسة الماضي واستيعاب الحاضر، لان المستقبل ببساطة هو نتاج الماضي والحاضر معا.
آية اللة المدرسي تفاعل مع التاريخ تفاعلا ايجابيا لا جامد ، ولذلك استطاع من خلال رويتة المتوازنة والمتطورة للتاريخ ان يوكد علي الاصالة مفهوما والتزاما ينير لة الحاضر والمستقبل .
فهو من جهة لم يقدس التاريخ كلة ، ليصبح جامد عليه لا يستطيع تعدية ما حدث الي غيرة ، بل ارتبط بة بكلة واستفاد منة في حاضرة .
ومن جهة اخري لم ينسلخ عن التاريخ ، لان الانسلاخ عنة يعني قطع الجذور، ومن يقطع الجذر يبقي معلقا ويضطر الي ربط نفسة باشياء قائمة لا تعطية اي اعتبار.
والجدير بالذكر ان لهذا النوع من الانسلاخ انصار كثيرين علي طول وطننا العربي والاسلامي .
بهذا المنهج يدرس آية اللة المدرسي التاريخ ، وهو في هذا المضمار ايضا يوكد علي ضرورة الدراسة المتوازنة للتاريخ ، لان هذا النمط من القراءة لا يسلط الاضواء علي الجوانب السلبية في التاريخ فقط، بل يكشف النقاط المضيئة فية التي تناساها الكثير سواء عن جهل او عن عمد.
وفي هذا المجال بالذات يدعو المدرسي الي اجراء دراسات تحليلية لحياة الائمة الاطهار، وكان نتاج هذه الدعوة كتاب التاريخ الاسلامي الذي الفة ، وهو عبارة عن دراسة تاريخية للفترة ما بين 16 ـ 152 هـ ، اهتم فية بالكشف عن الادوار الحقيقية التي قام بها الائمة ; ليس دور التبليغ والدعوة ، وانما منسجما مع الادوار السياسية والاجتماعية والثقافية .
فعلي سبيل المثال لننظر الي روية البعض للتاريخ الشيعي ، وما هو تاثير هذه النظرة علي الحياة اليومية .
لقد كانت الروية التاريخية لهولاء منحصرة في نقل تاريخ الماساة .
وعلي حسب هذا النقل ، كانت النظرة لكل حادثة ولكل واقعة علي هذا الاساس .
ولم يكتف هذا الصنف بذلك فقط، وانما حاول ان يوجة كل دور من ادوار الائمة بهذا الاتجاة ; فدور الامام زين العابدين ع بدل ان يكون دور اصلاحيا رائد في مواجهة ازمة حضارية قاتلة تعيشها الامة ، بدلا من ذلك اصبح دور الامام في نظر هولاء مثالا للانطواء وتبرير لعدم القيام باي دور يذكر.
وبدل ان ينظر الي دور الامام الصادق ع في قيام بعملية هندسة وتاصيل للفكر الاسلامي الناهض ، ينظر علي انة تعويض عن القيام بادوار سياسية واجتماعية بالقيام بحركة تثقيفية او علمية فائدتها تنشيط العقل وتشغيلة دون ان ترتبط بالواقع الاجتماعي .
ان نظرة الي التاريخ بهذه الصورة في نظر السيد المدرسي لا تساهم فقط في معرفة تاريخ مضي ء، بل انة يخلق اتجاها فكريا تعشعش عند هذه الطائفة منذ زمن بعيد.
وقوام هذا الاتجاة كما قلنا اعتزال الحياة السياسية والاجتماعية ، والتعامل مع الواقع الراهن انطلاقا من هذا الاصل .
ان المنهجية التاريخية عند السيد المدرسي تفند هذه النظرية جملة وتفصيلا، ذلك لان حياة كل امام من الائمة الاطهار تسير في اطار هداية الانسان عبر اقصاء كل الوسائط التي تمنع من ذلك .
وهذا هو الجامع والقاسم المشترك بين ادوار الائمة كلهم .
فهم نور واحد، ولكن بالوان متعددة .
وبهذه المنهجية تكون دراستنا للتاريخ متطورة تتفاعل مع العصر وتكرس الاصالة .
من المهمات الاساسية للمفكر، مهمة التوفيق بين الحوادث المتجددة وبين الخطوط العريضة للفكر المتبع ; بمعني آخر كيفية تحديد الحلول للقضايا الحادثة .
وفي هذا المجال تبرز حيوية ومرونة الفكر الاسلامي النابعة من ايمانة بفكرة الاجتهاد في الامور المعاصرة .
وهذا يعني بدورة الاعتماد علي دور العقل سواء في الفقة او السياسة او الاجتماع وغير ذلك ، في ارجاع كل شي ء الي اصلة .
وما يختص بحديثنا في هذا المجال ، يمكن معرفتة بعد طرح التساول الاتي :
ـ كيف يمكن للعقل بتاديتة لدورة ان يحافظ علي اصالة مدرسة فكرية او منظومة متكاملة ؟ وقبل الاجابة علي هذا التساول الهام ، لابد من الحديث عن العقل ووظيفتة ونظرة الاسلام الية .
العقل هو ذلك النور الذي يمتلكة كل انسان من بني البشر، ويستطيع بواسطتة ان يميز بين الخير والشر، وبين الصالح والفاسد.
وهذا يعني ان وظيفة العقل الاساسية هي الكشف بين امور متباينة ومتشابكة .
فهو بمثابة النور الذي يحملة الانسان ليري بة الاشياء في وقت الظلام .
وهذا هو دور العقل الاساسي في الحياة ايضا.
ويبدو ان تشغيل العقل وتوجيهة يعتبر احد الاهداف الرئيسية للرسالات الالهية ، بدلالة القول الشريف المروي عن امير المومنين علي بن ابي طالب ع :
>فبعث فيهم رسلة ، وواتر اليهم انبياءة ، ليستادوهم ميثاق فطرتة ، ويذكروهم منسي نعمتة ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول اذ اول ما تاتي الرسالة الالهية توجة الانسان لاستخدام كنوز عقلة ودفائنة المخبوءة تحت ركام الخوف والجهل والتردد.
ومن هنا ايضا تبدا انطلاقة الانسان لبناء الروح وتنمية العقل بهذا الاتجاة .
وهذه الفكرة تدلنا الي فكرة اخري لا تقل اهمية عن الفكرة المذكورة ، وهي ان دور الوحي الاساسي اثارة العقل ، ومن ثم ينطلق العقل الي فعل كل خير، وعمل كل فضيلة .
وهذا ما يراة آية اللة المدرسي ، حيث يقول :
ان عقل الانسان كلما ازداد قربا من تعاليم الدين ، سوف يكون صاحبة ارفع درجة عند اللة عز وجل .
واعتماد علي هذا الدور الكبير الذي اعطاة الاسلام للعقل ، نشات القاعدة الشرعية المشهورة التي يومن بها كل الفقهاء بلا استثناء، وهي :
كل ما حكم بة العقل ، حكم بة الشرع .
ان هذه القاعدة في الحقيقة هي امتداد للفكرة القائلة بان الوحي يثير العقل وينطلق هو بعدئذ لتحديد الاشياء.
ولذا يقول الحديث الشريف عن الامام موسي بن جعفر الكاظم ع في وصيتة المشهورة لهشام بن الحكم :
>اكمل اللة للناس الحجج بالعقول لكن هذا العقل الذي اعطاة اللة سبحانة وتعالي هذا الدور الكبير، مر عليه ردح من الزمن اصبح فية معطلا وجامد .
فمن جهة تري البعض ينكر عقلة اساسا ويلغي دورة في اي شي ء، كما فعلت الطوائف الصوفية .
ومن جهة يعطية بعضهم دور محدد كما فعل الاشاعرة ، وتري بعضهم قد فتح لة الباب علي مصراعية كالمعتزلة .
لكن مع الاسف كل هذه الطرق لم تعط العقل حقة في ادارة شوون الحياة .
فما هي الطريقة المثلي للتعامل مع العقل ؟ ان المنهج السليم للثقة بالعقل واحكامة ، هو التعرف علي الحقائق باي صورة وباي طريقة كانت ، دون التقيد بمناهج معينة ومحددة اكتشفها بعض المفكرين والفلاسفة في الماضي .
ذلك لان لكل عقل اسلوبة الخاص بة في الوصول الي الحقائق ، ولا يمكن لهذا الانسان ان يمنع نفسة عن الوصول الي الحقيقة بحجة انة لم يتبع اسلوبا معينا حددة مفكر ما في وصولة لحقيقة ما.
وللتمثيل علي ذلك ، لنتصور ان شخصا جالس في غرفة محكمة ، واذا بة يري ان شعاع الشمس يخترق هذه الغرفة ويدخل فيها، يتحير الانسان ويحاول البحث عن المكان الذي دخل منة الشعاع .
فاذا لم ير هذا المكان ، فهل يمكن لة في تلك اللحظة ان ينكر دخول هذا الشعاع ؟ بالطبع لا يمكنة ذلك .
وكذلك عقل الانسان يستطيع ان ينفذ الي بعض الاحكام والي بعض الامور دون اتباع منهج معين اكتشف في الماضي .
هذا هو المنهج الاسلم الذي يراة آية اللة المدرسي للاستفادة من العقل ، شريطة ملاحظة ثلاثة امور:
ـ الاول :
ـ ان العقل يستقل بمعرفة الحسن والقبح ، لكن هذه المعرفة بحاجة الي الوحي ، لكي تتزكي النفس وتنمو الارادة وتثار دفائن العقول .
الثاني :
ـ ان الوحي بين كل ما يحتاجة البشر من الاحكام علي هيئة اصول وقواعد عامة يستفيد منها العقل في التفاصيل والفروع .
الثالث :
ـ ان وظيفة العقل تتجلي في ثلاث مهام ; تصديق الوحي ، وفقة الشرائع ، ومعرفة التفاصيل .
اننا مطالبون جميعا باعادة النظر الي ترتيب العلاقة بين العقل والوحي ، حتي تكون الاصالة في الفكر الاسلامي مناطة بالعقل المستنير بالوحي ، والا فان مجرد تغليب احدهما علي الاخر مدعاة الي الانحراف عن جادة الدين والعقل ايضا.
وهذا هو الذي حدث ـ مع الاسف ـ في مسار التاريخ العربي والاسلامي في تعاملة مع العقل .
وفي ذات الوقت اذا تركنا المجال مفتوحا امام العقل ، فان ذلك يعني تجاوز فكرة الاصالة التي ذكرناها في بداية الكلام .
فما هو المطلوب اذن لتجاوز ذلك ؟ لكي لا نقع في الاشكالية المذكورة ، لابد ان نبحث عن الضمانات التي تضمن لنا المحافظة علي الاصالة مع قيامة بدورة الكبير.
لا يوجد ريب في ان العقل الذي يتمكن من القيام بهذا الدور، هو ذلك العقل الذي يقوم بدورة الاساسي دون التاثر باي ضغط.
وحسب التعريف اللغوي للعقل ، فانة ماخوذ من عقلة بمعني ربط وثاقة ليحفظة من الافلات .
وهكذا فالعقل الذي نتحدث عنة ليس متروكا، بل مقيد ببعض التقييدات ، وهذه التقييدات عبارة عن وصايا اسلامية يذكرها آية اللة المدرسي كالتالي :
ـ 1 ـ اخماد الهوي ; ذلك لانة عدو العقل الهوي ، واتباع الهوي يعني اتباع ما يشتهية الانسان ، وهذا هو اساس كل خطا يقدم عليه الانسان .
والهوي يعود الي جذر واحد هو هوي النفس ، وحين يستخدم الانسان عقلة ويجعلة قيد لهذه النفس ، فسوف يدق علي الوتر الحساس الذي يبرر للشهوة .
لكن هناك فكرة تتبادر الي البعض ، وهي ان سيل الهوي يعتبر سيلا جارفا بحيث قد لا يستطيع الانسان ان يضع امامة سد .
ولكي نجيب علي هذا السوال نرجع الي قيمة اساسية من قيم الخليقة بالنسبة للانسان ، وهي قيمة الحرية .
فقيمة الحرية تبقي مع الانسان في كل الظروف حتي لو كانت شديدة للغاية .
غير ان المشكلة لدي الانسان هي استرسالة في العادة الموروثة والمتبعة مما لا يجعلة قادر علي الوقوف امام تيار الهوي .
اما اذا استطاع الانسان الوقوف امام تيار الهوي ، حينها يستطيع العقل ان يقوم بدوة الهام في الحياة .
2 ـ تقوية الارادة ; وهذا شرط مترتب علي الوصية الاولي .
فلكي يستخدم الانسان عقلة ويستنير بنورة في حياتة اليومية ، فهو بحاجة الي ارادة ، لان الارادة هي وسيلة العلم والمعرفة وطريق الايمان .
واتباع الهوي هو المانع من الوصول الي رحاب الحقيقة ، سواء فيما يتصل بتغيير سلوكي او التزام عملي بالنسبة للنفس البشرية .
ومن هنا فان الاسلام يحاول ان يستثمر العقل البشري احسن استثمار، ولذلك يدعو الي ان تكون ارادة الانسان قوية قادرة علي ازالة الاسباب الحقيقية وراء الخطا الذي ياتي بواسطة اتباع الهوي ..
ذلك لان منهجية التفكير عند الانسان تكون ناشئة من احد مصدرين ، مصدر العقل او مصدر الهوي .
ولكن كيف يمكن للانسان ان يميز بين هاتين الفكرتين وبين دوافعهما؟ انما يمكن للانسان ان يميز بين الفكرتين بما يسمي بالتامل الذاتي عبر توجية سلسلة من الاسئلة الي العقل محاولا الكشف عن جذور دوافع هذه الفكرة ، لان العقل الذي هو حجة اللة علي العباد احكامة واحدة لا تتطور ولا تتغير بتغير الاوضاع السياسية والاقتصادية والفسيولوجية .
وعلي ضوء هذه التوصيات للعقل يمكن لة ان يقوم بادوار كبيرة ، ليس في الحياة البشرية فحسب ، وانما حتي في ادراك الاحكام الشرعية ايضا، بدلالة ان الرسول عقل ظاهر والعقل شرع باطن وكلاهما رسولان من عند اللة عز وجل .
لكن العقل لا يعتبر حجة الا اذا ايد من قبل اللة عز وجل .
وتفصيلا لهذا الراي يقول السيد المدرسي :
ان احكام العقل تتطابق مع احكام الشريعة ، وهذا التطابق هو الذي جعل هذين الرسولين بمنزلة واحدة لا يختلفان الا في الظهور والخفاء.
ولا يعجز العقل المستنير بالوحي عن معرفة حكم وقائع جزئية ، استنباطا من الاحكام العامة التي تعتبر بمثابة قواعد عريضة في الدين .
وبهذه الصورة يعتبر الدين كاملا، حيث يقول تعالي في كتابة الحكيم :
ـ اليوم اكملت لكم دينكم واتمم عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا المائدة 31.
وعلي ذلك ايضا لا يبقي مجال للتساول عن واقعة ليس لها حكم رباني سواء من الشرع او من العقل ، خصوصا وان العقل والشرع وجهان لحكمة واحدة .
ولكي ندلل علي مدي تطابق العقل مع الشرع الوارد في روايات عديدة ، نذكر دليلين :
ـ الاول :
ـ ان الوجدان يحكم بذلك .
الثاني :
ـ ان الحجة القائمة علي اساس العقل ، تهدي الانسان الي الكشف عن الحقائق التفصيلية كالايمان باللة والتصديق بالرسل والاقتناع بالايات .