حدّثنا داود بن سليمان ابن وهب بن أحمد القزويني الثغريّ ، سنة س-تّ وس-تّين ومائتين ، قال ح-دّث-ن-ا عليّ ب-ن موس-ى ال-رض-ا ، ق-ال ح-دّثن-ا أبي ، م-وس-ى بن جع-ف-ر عليه السلام (88) ، ثمّ عَ-نْ-عَ-ن .
وهذا من أسانيد الصحيفة الرضوية المحتوية على سلسلة الذه-ب .
وفيه أيضا . . . عليّ بن الحسين بن عليّ الرازي ، في درب مسلخاه بالريّ ، في ذي القعدة سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، إملاً من لفظه ، قال حدّثنا أبو عب-د الله الحسين بن محمّ-د بن نصر الحلواني ، في داره ، غُرّة ربيع الاَخر سنة إحدى عشرة وثمانين وأربعمائة بكرخ بغداد ، إم-لاً من حفظ-ه ، قال ح-دّثني الش-ريف الأج-لّ الم-رتضى علم اله-دى ذو المج-دين أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي رضي الله عنه ، في داره ببغ-داد في بركة زلزل ، في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، قال حدّثني أبي ، الحسين بن موسى ، قال حدّثني أبي ، موسى ، قال حدّثني أبي ، محمّ-د بن موسى ، قال حدّثني أبي ، موسى بن إبراهيم ، قال حدّثني أبي ، إبراهيم بن موسى ، قال حدّثني أبي ، موسى بن جعفر ، قال حدّثني أبي ، جعفر بن محمّ-د ، قال حدّثني أبي ، عليّ بن الحس-ين ، قال ]محمّ-د بن عليّ ابن الحس-ين ، قال حدّثني أبي الحس-ين بن عليّ ، قال حدّثني جابر بن عب-د الله الأنصاري ، [حدّثني أبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (89) .
كما يختصّ هذا الكتاب الجليل ، بمزيّة المحافظة على خصوصيّات الرواة بشكلٍ كاملٍ ، من الاسم الثلاثي الكامل مع الكنى والألقاب ، وخصوصيّات الرواية مكانا وزمانا ، وما أشبه في طبقة مشايخه ، وكثير ممّن بعدهم .
بهذا العرض المفصّل تمكّ-نّا من العلم بأنّ محدّثينا الأعلام إنّما قصدوا إلى استعمال العنعنة ، مع العلم بمداليل الألفاظ واختلافاتها ، ومع وجودها في الأسانيد في مواضع أُخرى ، إلاّض أنّهم وجدوا العنعنة وافية بأغراضها بأكمل شكل وأحسنه ، ولذلك لم يجدوا في الإعراض عنها ، وفي الاكتفأ بالعنعنة حزازةً توجب منع ذلك ، بل قد يوجد في الالتزام بها مطلقا ، ودائما ، مزيد مؤونةٍ لا ملزِم لها .
وإذا لاحظنا أنّ هؤلا الأعلام ، وهذه الأعمال ، تُعَدّ أهمّ مصادر الحديث ومنابعه ، وأُس-سه وأركانه ، فإنّ تصرّفاتهم باستعمال العنعنة بدل الألفاظ يكون دليله على اعتبارها ، وصحّة الاكتفأ بها ، وبطلان ما يوجّه إليها من الشُ-بَه ثمّ إنّ من المعلوم للمسلمين كافّة اعتبار الحديث الشريف كمصدر معتمَد للدين والشريعة ، وعلى ذلك تمّ اتّفاق المذاهب الإسلامية جمعأ ، وها نحن نجد أسانيدها كلّها محتوية على العنعنة مع بعض الرواة أو كلّهم ، فلو كانت الشبهة تحصل من العنعنة في هذا التراث الحديثي كلّه ، فإنّ مثل هذه الشبهة سوف تكون في مقابلة البديهة الحاصلة لأهمّ-يّة هذا التراث واعتباره وحجّ-يّته ، في حالته تلك ، وهو الواضح من عناية الأعلام به وحرصهم على صيانته وتناقله وحفظه وتوارثه .
فالشبهة مرفوضة لأنّها في مقابلة البديهة .
وليُعلم أخيرا إنّ ما ذكرناه من العَرض لا يختصّ بالتراث الشيعي خاصّة ، بل التراث الحديثي عند العامّة كذلك يحتوي على العنعنة بشكل شائع ، كما نجد في كتبهم المهمّة فهذا موطّأ مالك يبدأ كتاب الصلاة فيه بباب وقوت الصلاة ، وفيه ق-ال حدّثني يحيى ، عن مالك بن أنس ، عن ابن ش-هاب ، أنّ عمر بن عب-د العزيز(90) .
وفي الحديث الثالث وحدّثني يحيى ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطأ بن يسار ، أنّه قال جأ رجل(91) .
والحديث الرابع وحدّثني يحيى ، عن مالك ، عن الحسن بن سعيد ، عن عمرو بن عب-د الرحمن ، عن عائشة(92) .
بل لا يس-تعمل مالك غير العنعنة إلاّض قليلا .
والبخاري يبدأ صحيحه في أوّل أبواب كتابه بباب والحديث الثاني منه حدّثنا عب-د الله بن يوسف ، قال أخبرنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة(93) .
وقال في باب قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حدّثنا محمّ-د ابن سلام البيكندي ، قال أخبرنا عب-دة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت . .(94) .
وهكذا سائر الأحاديث .
وأمّا مسلم فقد عرفنا دفاعه عن العنعنة ، وأوّل حديث فيه حدّثنا أبو بكر ابن أبي ش-يبة ، ح-دّثن-ا وكي-ع ، ع-ن ش-عبة ، ع-ن الحك-م ، عن عب-د الرحمن بن أبي ليلى ، عن سمرة بن جندب ح وحدّثنا أبو بكر ابن أبي شيبة أيضا ، حدّثنا وكيع ، عن شعبة وسفيان ، عن حبيب ، عن ميمون ابن أبي شبيب ، عن المغيرة بن شعبة قالا . .(95) .
وأبو داود بدأ كتابه بباب التخلّي عند قضأ الحاجة من الطهارة ، وأوّل حديث فيه ، قال حدّثنا عب-د الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثنا عبدالعزيز يعني ابن محمّد ، عن محمّد يعني ابن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن المغيرة بن شعبة ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (96) .
وبدأ ابن ماجة كتابه بباب اتّباع سُ-نّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوّل حديث فيه ، قال حدّثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، قال ثنا شريك ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال . . .(97) .
وبدأ الترمذي جامعه بأبواب الطهارة ، باب ما جأ والحديث الأوّل فيه حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا أبو عوانة ، عن سِماك بن حرب ح وحدّثنا هنّاد ، حدّثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سِماك ، عن مصعب بن سعد ، عن ابن عمر(98) .
وبدأ النسائي سننه ب- والحديث الأوّل فيه أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال حدّثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة(99) .
وهكذا يجرون على هذا النسق في الأسانيد ، في بداياتها بالألفاظ ، وفي نهاياتها بالعنعنة .
فلا فرق إذن في ما اس-تنتجناه من الاستعراض المذكور بين التراث الشيعي ، وبين التراث عند العامّة ، بل يمكن القول بأنّ-ا لا نجد في تراث المسلمين قاطبة من أهل القرون الأربعة الأُولى ما يخلو عن العنعنة بشكل شائع وذائع وفي طبقات الرواة الأُولى بالذات .
وبعد عهد المتشدّدين من بعض علمأ الحديث في الالتزام بالألفاظ في القرون الخامس وحتّى السابع ، عاد العلمأ إلى التزام العنعنة بشكل شائع من دون نكير .
ومع العلم ببطلان التشدّد ، وعدم كونه أصيلا ولا مستندا إلى دليل ملزم من الشرع ، بل كونه مجرّد اصطلاح قد زال بزوال أهله في تلك القرون ، فإنّ إجماع المحدّثين متحقّق من القدمأ والمتأخّرين على الاكتفأ بالعنعنة ، ووفائها بالمراد من الألفاظ بشكل تامٍّ .
الفصل الثالثمشاكل العنعنة وحلولها ومع أنّ العنعنة تدلّ على الاتّصال لغة ، واصطلاحا ، وعلى هذا جرى عمل أعلام المسلمين من المحدّثين ، وعليه بُنيتْ أعمالهم العلميّة ، كما أثبتنا ذلك في الفصول الماضية ، فإنّ العنعنة قد تعرّضت لإشكالات وجّهها إليها بعضُ المعاصرين تبعا لبعض الاَرأ والنظريّات البائدة المخالفة لإجماع أهل الحديث في المذاهب الإسلامية كافّة ، وهي محكومة بالشذوذ قطعا .
ولا بُدّ لاستكمال البحث من ذِكر ما أورده أُولئك وهؤلا ، لمعرفة أوجه الخلل فيه ، والخروج عن عهدة البحث ، فنقول جُوبه الحديث المعنعن بأنّه لا يقتضي الاتّصال بين الرواة الّذين نقلوا كلام الاَخرين بلفظة ، باعتبار كون لفظة تستعمل في الكلام المنقول ، أعمّ من كونه بلغ الراوي عن القائل بلا واسطة أحد ، كما لو سمعه منه مباشرةً ، أو بلغه بواسطة آخر ، ولم يذكر اسم الواسطة ، حيث يصحّ للراوي أن يقول ويقصد بذلك أنّ قائله زيد وهو منقول عنه ، من دون أنْ يكون الراوي قد سمعه منه .
وقد استعمل بعض الرواة كلمة في الإسناد ، قاصدا هذا المعنى الثاني ، فكان ذلك منهم تمويها عُرف اصطلاحا ب- لإيهامه السماع المباشر من القائل ، بينما هو ينقله عنه مع الواسطة .