صواعق‌ الإل‍ه‍ی‍ه‌ ف‍ی‌ ال‍رد ع‍ل‍ی‌ ال‍وه‍اب‍ی‍ه‌

س‍ل‍ی‍م‍ان ‌ب‍ن‌ ع‍ب‍دال‍وه‍اب‌ ال‍ن‍ج‍دی‌

نسخه متنی -صفحه : 4/ 3
نمايش فراداده

الفصل الحادي عشر

اجتماع الايمان والكفر

والنفاق في المسلم

[ الفصل الحادي عشر ]

[ اجتماع الإيمان والكفر والنفاق في المسلم ]

قال ابن القيم في شرح المنازل : أهل السنّة متفقون على أن الشخص الواحد يكون فيه ولاية لله وعداوة من وجهين مختلفين، ويكون محبوباً لله مبغوضاً من وجهين، بل يكون فيه ايمان ونفاق وايمان وكفر، ويكون الى أحدهما أقرب من الآخر فيكون الى أهله، كما قال تعالى : (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان)( [144] )، وقال: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون)( [145] )، فأثبت لهم تبارك وتعالى الايمان مع مقارنة الشرك، فاَن كان مع هذا الشرك تكذيباً لرسله لم ينفعهم ما معهم من الإيمان، وإن كان تصديقاً برسله وهم يرتكبون الأنواع من الشرك لا يخرجهم عن الإيمان بالرسل واليوم الآخر، فهم مستحقون للوعيد أعظم من استحقاق أهل الكبائر، وبهذا الأصل أثبت أهل السنّة دخول أهل الكبائر النار ثم خروجهم منها ودخولهم الجنة، لما قام بهم من السببين( [146] )، قال: وقال ابن عباس في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاُولئك هم الكافرون)( [147] )، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس بكفر ينقل عن الملة اذا فعله فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر( [148] )، وكذلك قال طاووس وعطاء( [149] ). (انتهى كلامه).

وقال الشيخ تقي الدين كان الصحابة والسلف يقولون: إنه يكون في العبد إيمان ونفاق و هذا يدل عليه قوله عزوجل : (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان)( [150] ).

وهذا كثير في كلام السلف يبيّنون أن القلب يكون فيه إيمان ونفاق، والكتاب والسنّة يدل [ يدلان ] على ذلك، ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان( [151] )، فعُلم انه من كان معه من الايمان أقل قليل لم يخلد في النار، وان كان معه كثير من النفاق فهذا يعذب في النار على قدر ما معه ثم يخرج الى أن قال: وتمام هذا أن الانسان قد يكون فيه شعبة من شعب الإيمان وشعبة من شعب الكفر وشعبة من شعب النفاق، وقد يكون مسلماً وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكليّة، كما قال الصحابة ابن عباس وغيره: كفر دون كفر، وهذا عامّة قول السلف( [152] ) (انتهى).

فتأمل هذا الفصل، وانظر حكايتهم الاجماع من السلف، ولا تظن أنّ هذا في المخطئ، فاَن ذلك مرفوع عنه اثم خطئه كما تقدم مراراً عديدة، فأنتم الآن تكفّرون بأقل القليل من الكفر، بل تكفّرون بما تظنون أنتم أنه كفر، بل تكفرون بصريح الإسلام، فاَنّ عندكم أنّ من توقف عن تكفير من كفرتموه خائفاً من الله تعالى في تكفير من رأى عليه علامات الإسلام فهو عندكم كافر، نسأل الله العظيم أن يخرجكم من الظلمات الى النور، وأن يهدينا واياكم صراط [ الصراط ] المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين.

الفصل الثاني عشر

إناطة الاحكام الشرعية

بالظاهر لا الباطن

[ الفصل الثاني عشر ]

[ إناطة الاحكام الشرعية بالظاهر لا الباطن ]

قال الشيخ تقي الدين في كتاب الايمان: الايمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن، وأَنّ المنافقين الذين قالوا: (آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)( [153] ) هم في الظاهر مؤمنون يصلّون مع المسلمين ويناكحونهم ويوارثونهم كما كان المنافقون على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يحكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم بحكم الكفار المظهرين الكفر، لا في مناكحتهم ولا في موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لمّا مات عبدالله بن اُبيّ( [154] ) وهو من أشهر الناس في النفاق ورثه عبدالله ابنه وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، واذا مات لهم وارث ورثوه مع المسلمين وإن علم أنه منافق في الباطن، وكذلك كانوا في الحدود والحقوق كسائر المسلمين، وكانوا يغزون مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنهم من همَّ بقتل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في غزوة تبوك( [155] )، ومع هذا ففي الظاهر تجري عليهم أحكام أهل الإيمان، الى أن قال: ودماؤهم وأموالهم معصومة لا يُستحل منهم ما يستحل من الكفار، والذين يُظهرون أنهم مؤمنون، بل يظهرون الكفر دون الإيمان فاَنّه صلى الله عليه وسلم قال: اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، الا بحقها وحسابهم على الله( [156] ) ولما قال لاُسامة: أقتلته بعد أن قال لا اله إلاّ الله؟ قال: فقلت: إنما قالها تعوذاً، قال: هل شققت عن قلبه( [157] )؟ وقال: إني لم أؤمر أن انقّب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم( [158] )، وكان اذا استؤذن في قتل رجل يقول: أليس يصلي؟ أليس يشهد؟ فاذا قيل له : إنه منافق، قال( [159] ) ذلك، فكان حكمه في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم، ولا يستحل منها شيئاً مع أَنه يعلم نفاق كثير منهم( [160] ) انتهى كلام الشيخ .

قال ابن القيّم في أعلام الموقعين : قال الإمام الشافعي: فرض الله سبحانه طاعته على خلقه، ولم يجعل لهم من الأمر شيئاً، وأن لا يتعاطوا حكماً على عيب أحد بدلالة وإن ظن، لقصور علمهم عن علم أنبيائه الذي فرض عليهم الوقوف عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره، فإنه سبحانه ظاهر عليهم الحجج فما جعل عليهم الحكم في الدنيا الا بما ظهر [ من ] المحكوم عليه، ففرض على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقاتل أهل الاوثان حتى يسلموا فيحقن دماءهم إذا أظهروا الإسلام، واعلم أنه لا يعلم صدقهم بالإسلام الا الله تبارك وتعالى، ثم أطلعَ الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قوم يظهرون الإسلام ويسرّون غيره، ولم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا، فقال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): (قالت الأعراب آمنَّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا)( [161] ) يعني أسلمنا بالقول مخافة القتل والسبا، ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يعني اَن أحدثوا طاعة رسول الله.

وقال في المنافقين وهم صنف ثان : (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إِنّك لرسول الله، والله يعلم إِنّك لرسوله والله يشهد أنَّ المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جُنّة)( [162] ) ، يعني جُنة من القتل، وقال: (ويحلفون بالله إنَّهم لمنكم وما هم منكم)( [163] ) الآية، فأمر بقول ما أظهروا ولم يجعل سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحكم عليهم بخلاف حكم الايمان، وقد أعلم الله سبحانه نبيه(صلى الله عليه وآله) انهم (في الدَّرك الأسفل من النَّار)( [164] )، فجعل حكمه سبحانه على سرائرهم، وحكم نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)في الدنيا على علانيتهم، الى أن قال: وقد كذّبهم في قولهم في كل ذلك، وبذلك أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله سبحانه بما أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيدالله بن يزيد بن عدي بن الخيار أن رجلاً سارّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فلم يُدر ما سارّه حتى جهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاذا هو يسارّه في قتل رجل من المنافقين، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أليس يشهد أن لا إله إلاّ الله؟ قال: بلى، ولا صلاة له، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اُولئك الذين نهاني الله عن قتلهم( [165] )، ثم ذكر حديث أُمرت أن اُقاتل الناس، حتى قال: فحسابهم بصدقهم وكذبهم وسرائرهم على الله العالم بسرائرهم المتولي الحكم عليهم دون أنبيائه وحكام خلقه، وبذلك مضت أحكام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق، أعلمهم أن جميع أحكامه على ما يُظهرون، والله يدين بالسرائر، فمن حكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم استدلالاً على ما أظهر وخلاف ما أبطنوا بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنّة، الى أن قال: ومن أظهر كلمة الإسلام بان يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قُبل ذلك منه، ولم يُسأل عن كشف حاله وعن باطنه وعن معنى ما لفظه، وباطنه وسريرته الى الله، لا الى غيره من نبي أو غيره، فهذا حكم الله ودينه الذي أجمعت عليه علماء الاُمة انتهى كلام الشافعي (رحمه الله).

قال ابن القيّم بعدما حكى كلام الشافعي: وهذه الاحكام جارية منه (صلى الله عليه وآله وسلم)ثم هي الذي [ التي ] مشى عليه [ عليها ] الصحابة والتابعون لهم بإحسان والأئمة وسائر المتبعين له من علماء اُمته الى يوم القيامة( [166] ) انتهى.

الفصل الثالث عشر

وجوه تدل على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل الثالث عشر ]

[ وجوه تدل على عدم جواز تكفير المسلمين ]

قد تقدم لك من كلام أهل العلم وإجماعهم أنه لا يجوز أن يُقلد ويؤتم به في الدين إلاّ من جمع شروط الاجتهاد إجماعاً، وتقدم أنّ من لم يجمع شروط الاجتهاد أنه يجب عليه التقليد، وأن هذا لا خلاف فيه، وتقدم أيضاً إجماع أهل السنّة أنّ من كان مقراً بما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ملتزماً له، أنه وإن كان فيه خصلة من الكفر الأكبر أو الشرك أن لا يكفر حتى تقام عليه الحجة الذي يكفر تاركها، وأن الحجة لا تقوم إلاّ بالإجماع القطعي لا الظني، وأن الذي يقوم [ يُقيم ]الحجة الإمام أو نائبه، وأنّ الكفر لا يكون إلاّ باَنكار الضروريات من دين الإسلام كالوجود والوحدانية والرسالة، أو بانكار الاُمور الظاهرة كوجوب الصلاة، وأنّ المسلم المقر بالرسول اذا استند الى نوع شبهة تخفى على مثله لا يكفر، وأن مذهب أهل السنّة والجماعة التحاشي عن تكفير من انتسب الى الإسلام، حتى أَنهم يقفون عن تكفير أئمة أهل البدع مع الأمر بقتلهم دفعاً لضررهم لا لكفرهم، وأنّ الشخص الواحد يجتمع فيه الكفر والإيمان والنفاق والشرك ولا يُكفّر كل الكفر، وأن من أقرّ بالإسلام قُبل منه سواء كان صادقاً أو كاذباً ولو ظهرت منه بعض علامات النفاق، وأنّ المكفّرين هم أهل الأهواء والبدع، وأن الجهل عذر عن الكفر، وكذلك الشبهة ولو كانت ضعيفة، وغير ذلك مما تقدم، فاَن وفّقت ففي هذا كفاية للزجر عن بدعتكم هذه التي فارقتم بها جماعة المسلمين وأئمتهم، ونحن لم نستنبط ، ولكن حكينا كلام العلماء ونقلهم عن أهل الاجتهاد الكامل.

فلنرجع الى ذكر وجوه تدل على عدم صحة ما ذهبتم اليه من تكفير المسلم واخراجه من الإسلام اذا دعا غير الله أو نذر لغير الله أو ذبح لغير الله أو تبرّك بقبر أو تمسّح به الى غير ذلك مما تكفّرون به المسلم، بل تكفّرون من لا يكفّر من فعل ذلك، حتى جعلتم بلاد الإسلام كفراً وحرباً، فنقول: عمدتكم في ذلك ما استنبطتم من القرآن، فقد تقدم الإجماع على أنه لا يجوز لمثلكم الاستنباط، ولا يحل لكم أن تعتمدوا على ما فهمتم من غير الاقتداء بأهل العلم، ولا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقلّدكم فيما فهمتم من غير اقتداء بأئمة الإسلام.

فاَن قلتم : مقتدون ببعض أهل العلم في أن هذه الأفعال شرك، قلنا : نعم ونحن نوافقكم على أن من هذه الأفعال ما يكون شركاً، ولكن من أين أخذتم من كلام أهل العلم أنّ هذا هو الشرك الأكبر الذي ذكر الله سبحانه في القرآن والذي يحل مال صاحبه ودمه وتجري عليه أحكام المرتدين؟ ، وأنّ من شك في كفره فهو كافر؟، بيّنوا لنا من قال ذلك من أئمة المسلمين؟، وانقلوا لنا كلامهم واذكروا مواضعه هل أجمعوا عليه أم اختلفوا فيه؟

فنحن طالعنا بعض كلام أهل العلم ولم نجد كلامكم هذا، بل وجدنا ما يدل على خلافه، وأنّ الكفر بانكار الضروريات كالوجود والوحدانية والرسالة وما أشبه ذلك، أو بإنكار الأحكام المجمع عليها إجماعاً ظاهراً قطعياً كوجوب أركان الإسلام الخمسة وما أشبهها، مع أن من أنكر ذلك جاهلاً لم يُكفر حتى يعرف تعريفاً تزول معه الجهالة، وحينئذ يكون مكذّباً بالله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهذه الاُمور التي يكفرون بها ليست ضرورية، وإن قلتم مجمع عليها إجماعاً ظاهراً يعرفه الخاص والعام، قلنا لكم : بيّنوا لنا كلام العلماء في ذلك، وإلاّ فبينوا كلام ألف منهم، وحتى مائة أو عشرة أو واحد، فضلاً أن يكون إجماعاً ظاهراً كالصلاة، فاَن لم تجدوا إلاّ العبارة التي في الاقناع منسوبة الى الشيخ وهي من جعل بينه وبين الله وسائط الى آخره فهذه عبارة مجملة، ونطلب منكم تفصيلها من كلام أهل العلم لتزول عنا الجهالة، ولكن من أعجب العجب انكم تستدلون بها على خلاف كلام صاحبها، وعلى خلاف كلام من أوردها ونقلها في كتبه، على خصوصيات كلامهم في هذه الأشياء التي تكفّرون بها، بل ذكروا النذر والذبح وبعض الدعاء، وبعضها عدّوه في المكروهات كالتبرك والتمسّح وأخذ تراب القبور للتبرّك والطواف بها، وقد ذكر العلماء في كتبهم منهم صاحب الاقناع واللفظ له قال: ويكره المبيت عند القبر، وتجصيصه وتزويقه وتخليقه وتقبيله والطواف به وتبخيره وكتابة الرقاع اليه ودسها في الانقاب والاستشفاء بالتربة من الاسقام، لأنّ ذلك كله من البدع( [167] ) انتهى.

وانتم تكفّرون بهذه الاُمور، فإذا قلتم: صاحب الاقناع وغيره من علماء الحنابلة كصاحب الفروع جهال لا يعرفون الضروريات، بل عندكم على لازم مذهبكم كفار، قلت: هؤلاء لم يحكوا من مذهب أنفسهم لا هم ولا أجلّ منهم، بل ينقلون ويحكون مذهب أحمد بن حنبل أحد أئمة الإسلام الذي أجمعت الاُمة على إمامته، أتظنون أن الجاهل يجب عليه أن يقلدكم ويترك تقليد أئمة أهل العلم؟ بل أجمع الأئمة ـ كما تقدم ـ أنه لا يجوز إلاّ تقليد الأئمة المجتهدين، وكل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد أن يحكي ويفتي بمذاهب أهل الاجتهاد، وإنما رخصوا للمستفتي أن يستفتي مثل هؤلاء لأنهم حاكين مذاهب أهل الاجتهاد والتقليد، للمجتهد لا للحاكي، هذا صرح به عامة أهل العلم، إن طلبته من مكانه وجدته، وقد تقدم لك ما فيه كفاية.

وإنّما( [168] ) المقصود أنّ العبارة التي تستدلون بها على تكفير المسلمين لا تدلّ لمرادكم، وأنّ من نقل هذه العبارة واستدلّ بها هم الذين ذكروا النذر والدعاء والذبح وغيره، ذكروا ذلك كله في مواضعه ولم يجعلوه كفراً مخرجاً عن الملّة، سوى ما ذكره الشيخ في بعض المواضع في نوع من الدعاء كمغفرة الذنوب وانزال المطر وانبات النبات ونحو ذلك، مما أنه ذكر أن هذا وإن كان كفراً فلا يكفّر صاحبه حتى تقوم عليه الحجة الذي يكفر تاركها وتزول عنه الشبهة، ولم يحكه عن قوله ـ أي التكفير بالدعاء المذكور ـ إجماعاً( [169] )، حتى تستدلون أنتم عليه بالعبارة، بل والله لازم قولكم تكفير الشيخ بعينه وأحزابه، نسأل الله العافية.

ومما يدل على أن ما فهمتم من العبارة غير صواب، أنهم عدّوا الاُمور المكفرات فرداً فرداً في كتاب الردّة في كل مذهب من مذاهب الأئمة، ولم يقولوا أو واحد منهم: من نذر لغير الله كفر، بل الشيخ نفسه الذي تستدلّون بعبارته ذكر: أن النذر للمشايخ لأجل الاستغاثة بهم كالحلف بالمخلوق( [170] ) كما تقدم كلامه، والحلف بالمخلوق ليس شركاً أكبر، بل قال الشيخ : من قال: انذروا لي تُقضى حوائجكم يُستتاب، فاَن تاب وإلاّ قتل لسعيه في الأرض بالفساد، فجعل الشيخ قتله حداً لا كفراً، وكذلك تقدم عنه من كلامه في خصوص النذور ما فيه كفاية، ولم يقولوا أيضاً: من طلب غير الله كفر، بل يأتي إن شاء الله تعالى ما يدل على أنه ليس بكفر، ولم يقولوا: من ذبح لغير الله كفر، أتظنهم يحكون العبارة ولا عرفوا معناها؟ أم هم أوهموا الناس إرادة لإغوائهم؟ أم أحالوا الناس على مفهومكم منها الذي ما فهمه منها من أوردها ولا من حكاها عمن أوردها؟ أم عرفتم من كلامهم ما أن جهلوا هم؟ أم تركوا الكفر الصراح الذي يكفّر به المسلم ويحل ماله ودمه، وهو يعمل عندهم ليلاً ونهاراً جهاراً غير خفي، وتركوا ذلك ما بيّنوه بل بينوا خلافه حتى جئتم أنتم فاستنبطتموه من كلامهم؟ لا والله بل ما أرادوا ما أردتم، وأنهم في واد وأنتم في واد.

ومما يدل على أن كلامكم وتكفيركم ليس بصواب، أنّ الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ومع هذا ذكروا أن من صلاها رياء الناس ردّها الله عليه ولم يقبلها منه، بل يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه( [171] )، ويقول له يوم القيامة: اطلب ثوابك من الذي عملت لأجله( [172] ). فذكر أن ذلك يبطل العمل، ولم يقولوا: إن فاعل ذلك كافر حلال المال والدم، بل من لم يكفّره كما هو مذهبكم فيما أخفّ من ذلك بكثير، وكذلك السجود الذي هو أعظم هيئات الصلاة، الذي هو أعظم من النذر والدعاء وغيره، فرّقوا فيه وقالوا: من سجد لشمس أو قمر أو كوكب أو صنم كُفّر، وأما السجود لغير ما ذكر فلم يكفّروا به، بل عدّوه في كبائر المحرمات( [173] )، ولكن حقيقة الأمر أنكم ما قلّدتم أهل العلم ولا عباراتهم، وإنما عمدتكم مفهومكم واستنباطكم الذي تزعمون أنه الحق، من أنكره أنكر الضروريات، وأما استدلالاتكم بمشتبه العبارات فتلبيس، ولكن( [174] ) المقصود انما نطلب منكم ان تبينوا لنا وللناس كلام أئمة أهل العلم بموافقة مذهبكم هذا وتنقلون كلامهم إزاحة للشبهة، وإن لم يكن عندكم إلاّ القذف والشتم والرمي بالعزية والكفر فالله المستعان لآخر هذه الاُمة اُسوة بأولها الذين أنزل الله عليهم [ والذين ] لم يسلموا من ذلك.

الفصل الرابع عشر

وجوه اُخرى تدل على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل الرابع عشر ]

[ وجوه اُخرى تدل على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على عدم صوابكم في تكفير من كفّرتموه وأن الدعاء والنذر ليسا بكفر ينقل عن الملة، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر في الحديث الصحيح أن تُدرأ الحدود بالشبهات( [175] )، وقد روى الحاكم في صحيحه( [176] ) وأبو عوّانة والبزار بسند صحيح وابن السني عن ابن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا، يا عباد الله احبسوا، يا عباد الله احبسوا، ثلاثاً فاَن لله حاضراً سيحبسه( [177] ).

وقد روى الطبراني إن أراد عوناً فليقل يا عباد الله أعينوني( [178] ) ذكر هذا الحديث الأئمة في كتبهم ونقلوه إشاعة وحفظاً للاُمة ولم ينكروه، منهم النووي في الأذكار( [179] )، وابن القيم في كتابه الكلم الطيب( [180] )، وابن مفلح في الآداب، قال في الآداب بعد أن ذكر هذا الأثر : قال عبدالله ابن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج فضللت الطريق في حجة وكنت ماشياً فجعلت أقول: يا عباد الله دلونا على الطريق، فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق( [181] ) انتهى.

أقول: حيث كفّرتم من سأل غائباً أو ميتاً، بل زعمتم أن المشركين الكفار الذين كذبوا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخف شركاً ممن سأل غير الله في برّ أو بحر، واستدللتم على ذلك بمفهومكم الذي لا يجوز لكم ولا لغيركم الاعتماد عليه، هل جعلتم هذا الحديث وعمل العلماء بمضمونه شبهة لمن فعل شيئاً مما تزعمون أنه شرك أكبر؟ فاَنّا لله وإنّا إليه راجعون.

قال في مختصر الروضة: الصحيح أن من كان من أهل الشهادتين فإنّه لا يكفّر ببدعة على الإطلاق، ما استند فيها الى تأويل يلتبس به الأمر على مثله، وهو الذي رجحه شيخنا أبو العباس ابن تيمية انتهى.

أتظن دعاء الغيب كفراً بالضرورة ولم يعرفه أئمه الإسلام؟ أتظن أن على تقدير أن قولكم صواب تقوم الحجة على الناس بكلامكم؟ ونحن نذكر كلام الشيخ تقي الدين الذي استدللتم بعبارته على تكفير المسلمين بالدعاء والنذر، وإلاّ ففي ما تقدم كفاية، ولكن زيادته فائدة.

قال الشيخ (رحمه الله) في اقتضاء الصراط المستقيم: من قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ولم تستحبه الشريعة فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض، سواء كان شجرة أو عيناً أو قناة أو جبلاً أو مفازة، وأقبح أن ينذر لتلك البقعة، ويقال: إنها تقبل النذر كما يقوله بعض الضالين، فاَن هذا النذر نذر معصية باتفاق العلماء لا يجوز الوفاء به ثم ذكر (رحمه الله) في مواضع كثيرة موجود في أكثر البلاد في الحجاز منها مواضع كثيرة، وقال في مواضع اُخر من الكتاب المذكور: والسائلون قد يدعون دعاء محرماً يحصل معه ذلك الغرض ويحصل لهم ضرر أعظم منه ثم ذكر انه يكون له حسنات تربى على ذلك، فيعفو الله بها عنه قال: وحكي لنا أن بعض المجاورين بالمدينة الى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اشتهى عليه نوعاً من الأطعمة فجاء بعض الهاشميين اليه فقال: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث لك هذا وقال: اخرج من عندنا فاَنّ من يكون عندنا لا يشتهي مثل هذ قال الشيخ: وآخرون قضيت حوائجهم ولم يقل لهم مثل ذلك، لاجتهادهم أو تقليدهم أو قصورهم في العلم، فإنه يغفر للجاهل ما لا يغفر لغيره، ولهذا عامة ما يحكى في هذا الباب إنما هو عن قاصري المعرفة، ولو كان هذا شرعاً أو ديناً لكان أهل المعرفة أولى به، ففرق بين العفو عن الفاعل والمغفرة له وبين إباحة فعله، وقد علمت جماعة ممن سأل حاجته لبعض المقبورين من الأنبياء والصالحين فقضيت حاجته، وهؤلاء يخرج مما ذكرته، وليس ذلك بشرع فيتبع، وإنما يثبت استحباب الأفعال وكونها سنة بكتاب الله وسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وما كان عليه السابقون الأولون وما سوى هذا من الاُمور المحدثة فلا تستحب وإن اشتملت أحياناً على فوائد، وقال أيضاً: صارت النذور المحرّمة في الشرع مأكل [مأكلا ]للسدنة والمجاورين العاكفين على بعض المشاهد وغيرها، واُولئك الناذرون يقول أحدهم: مرضت فنذرت، ويقول الآخر: خرج عليّ المحاربون فنذرت، ويقول الآخر: ركبت البحر فنذرت، ويقول الآخر: حُبست فنذرت، وقد قام في نفوسهم من هذه النذور هي السبب في حصول مطلوبهم ودفع مرهوبهم، وقد أخبر الصادق المصدوق (صلى الله عليه وآله وسلم): انّ نذر طاعة الله ـ فضلاً عن معصيته ـ ليس سبباً للخير( [182] )، بل تجد كثيراً من الناس يقول: إن المشهد الفلاني والمكان الفلاني يقبل النذر، بمعنى أنهم نذروا له نذوراً إن قضيت حاجتهم فقضيت الى أن قال: وما يروى أن رجلاً جاء الى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكى اليه الجدب عام الرمادة فرآه وهو يأمره أن يأتي عمر فيأمره أن يخرج يستقي بالناس( [183] ) قال: مثل هذا يقع كثيراً لمن هو دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأعرف من هذا وقائع، وكذلك سؤال بعضهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو غيره من اُمته حاجته فتقضى له، فاَنّ هذا وقع كثيراً، ولكن عليك أن تعلم أن إجابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أو غيره لهؤلاء السائلين لا يدل على استحباب السؤال، وأكثر هؤلاء السائلين الملحّين بما هم فيه من الحال لولم يجابوا لاضطرب إيمانهم، كما أن السائلين له في الحياة كانوا كذلك وقال(رحمه الله)أيضاً: حتى أن بعض القبور يجتمع عندها في اليوم من السنة، ويسافر اليها من الأمصار في المحرم أو في صفر أو عاشورا أو غير ذلك، تقصد ويجتمع عندها فيه كما تقصد عرفة ومزدلفة في أيام معلومة من السنة، وربما كان الاهتمام بهذه الاجتماعات في الدين والدنيا أشد منكراً حتى أن بعضهم يقول: نريد الحج الى قبر فلان وفلان، وبالجملة هذا الذي يفعل عند هذه القبور هو بعينه نهى عنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا هو الذي أنكره أحمد بن حنبل (رحمه الله)، وقال: قد أفرط الناس في هذا جداً وأكثروا، وذكر الامام أحمد ما يفعل عند قبر الحسين (رضي الله عنه) قال الشيخ: ويدخل في هذا ما يُفعل بمصر عند قبر نفيسة وغيرها، وما يفعل بالعراق عند القبر الذي يقال: إنه قبر علي وقبر الحسين( [184] ) الى قبور كثيرة في بلاد الإسلام لا يمكن حصره( [185] ) انتهى كلام الشيخ.

فيا عباد الله تأملوا كم في كلام الشيخ هذا من موضع يردّ مفهومكم من العبارة التي تستدلون بها من كلامه، ويرد، تكفيركم للمسلمين؟. ونحن نذكر بعض ما في ذلك تتميماً للفائدة.

منها: قوله في قصد البقعة والنذر في العيون والشجر والمغارات، وما ذكره انه من المنكرات ولم يجب الوفاء به، ولم يقل: ان فاعل ذلك كافر مرتد حلال المال والدم كما قلتم.

ومنها : أن من الناس من يأمر بالنذر وقصد لهذه الاشياء التي ذكرها، وسماه ضالاً ولم يكفره كما قلتم.

ومنها : أن هذه المواضع وهذه القبور وهذه الأفاعيل ملأت بلاد الإسلام قديماً، ولم يقل لا هو ولا أحد من أهل العلم : إنها بلاد كفر كما كفّرتم، وإن كثر وشاع وغاية ذلك انه حرّمه، بل رفع الخطأ عن المجتهد في ذلك أو المقلد أو الجاهل، وأنتم تجعلونهم بهذه الأفاعيل أكفر ممن كذب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كفار قريش.

ومنها : أن غاية أن يعلم المسلم أن هذا لم يشرّعه الله، وأنتم تقولون: هذا يعلم بالضرورة أنه كفر، حتى اليهود والنصارى يعرفون ذلك، ومن لم يكفّر فاعله فهو كافر، فيا عباد الله انتبهوا.

ومنها: أنه قال: إجابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو غيره لهؤلاء السائلين الملحّين لو لم يجابوا لاضطرب إيمانهم، جعلهم مؤمنين وجعل إجابة دعائهم رحمة من الله تعالى لهم، لئلا يضطرب إيمانهم، وأنتم تقولون: من فعل فهو كافر، ومن لم يكفّره فهو كافر.

ومنها: أن هذه الاُمور ـ وهي سؤال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ حدثت في زمن الصحابة كالذي شكى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القحط ورآه في النوم فأمره أن يأتي عمر، ولا ذكر أن عمر أنكر ذلك، وأنتم تجعلون مثل هذا كافراً.

ومنها: أنّ هذه الاُمور حدثت من قبل زمن الإمام أحمد في زمان أئمة الإسلام، وأنكرها من أنكرها منهم، ولا زالت حتى ملأت بلاد الإسلام كلها، وفُعلت هذه الافاعيل كلها التي تكفّرون بها، ولم يرو عن أحد من أئمة المسلمين أنهم كفّروا بذلك، ولا قالوا: هؤلاء مرتدون، ولا أمروا بجهادهم، ولا سمّوا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم، بل كفّرتم من لم يكفّر بهذه الأفاعيل وإن لم يفعلها، أيظنون أن هذه الاُمور من الوسائط التي في العبارة الذي يكفر فاعلها إجماعاً ؟ وتمضي قرون الأئمة من ثمانمائة عام ومع هذا لم يرو عن عالم من علماء المسلمين أنها كفر، بل ما يظن هذه عاقل، بل والله لازم قولكم أنّ جميع الاُمة بعد زمان الإمام أحمد(رحمه الله) علماؤها واُمراؤها وعامتها كلهم كفّار مرتدون!! فإنا لله وإنا اليه راجعون، واغوثاه الى الله، ثم واغوثاه، أم تقولون كما يقول بعض عامّتكم: إن الحجة ما قامت إلاّ بكم، وإلاّ قبلكم لم يعرف دين الإسلام، يا عباد الله انتهوا، ولكن بكلام الشيخ هذا يُستدل عليكم، على أن مفهومكم أن هذه الأفاعيل داخلة في معنى عبارة من جعل بينه وبين الله وسائط الى آخره، نبّهنا الله وإياكم من الضلال.

الفصل الخامس عشر

وجه آخر يدل على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل الخامس عشر ]

[ وجه آخر يدل على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على بطلان قولكم هذا، ما روى مسلم في صحيحه( [186] ) عن ثوبان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: إنّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وأنّ اُمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، واُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وأني سألت ربي لاُمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، وأنّ ربي قال: يا محمّد إذا قضيت قضاء أنه لا يردّ، وأني أعطيتك لاُمتك أن لا اُهلكهم بسنّة عامة، وأن لا اُسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من أقطارها، أو قال: من بين أقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعض انتهى.

وجه الدليل من هذا الحديث، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر أنه لا يسلّط على هذه الاُمة عدواً من سوى أنفسهم، بل يسلّط بعضهم على بعض، ومعلوم عند الخاص والعام ممن له معرفة بالأخبار أنّ هذه الاُمور التي تكفّرون بها ملأت بلاد المسلمين من أكثر من سبعمائة عام كما تقدم نقله، ولو كانت هذه عبادة الأصنام الكبرى، وأنها الوسائط كما زعمتم، فكان أهلها كفاراً أو من لم يكفّرهم فهو كافر، كما قلتم أنتم الآن، ومعلوم أن العلماء والاُمراء لم يكفّروهم ولم يجروا عليهم أحكام أهل الردّة، مع أن هذه الاُمور تُفعل في غالب بلاد الإسلام ظاهرة غير خفيّة، بل كما قال الشيخ: صارت مأكل [ مأكلاً ] لكثير من الناس، وأيضاً يسافرون اليها من جميع الأمصار أعظم مما يسافرون الى الحج، ومع هذا كله فأخبرونا برجل واحد من أهل العلم أو أهل السيف قال مقالتكم هذه، بل أجروا عليهم أحكام أهل الإسلام، فاذا كانوا كفاراً عباد أصنام بهذه الأفاعيل والعلماء والاُمراء أجروا عليه أحكام الإسلام فهم بهذا الصنيع ـ أي العلماء والاُمراء ـ كفار، لأن من لم يكفّر أهل الشرك الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فهو كافر، فحينئذ ليسوا من هذه الاُمة، بل كفّار سلّطهم الله على هذه الاُمة فاستباحوا بيضتهم، وهذا يردّ هذا الحديث، وهو ظاهر من الحديث لمن تدبره، والله الموفق لا رب غيره.

فاَن قلت : روى هذا الحديث بعينه البرقاني، وزاد فيه اَنما أخاف على اُمتي الأئمة المضلين، واذا وضع عليهم السيف لم يرفع الى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من اُمتي بالمشركين، وحتى تعبد فيأم [فئام]( [187] ) من اُمتي الأوثان، وأنه يكون في اُمتي كذّابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من اُمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى.

قلت : وهذا أيضاً حجة عليكم يوافق الكلام الأول، أنّ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّما أخاف على اُمتي الأئمة المضلين فهذا يدلّ على أنّه ما خاف عليهم الكفر والشرك الأكبر وإنما يخاف عليهم الائمة المضلين كما وقع وما هو الواقع، ولو كانوا يكفرون بعده لود أن يسلط عليهم من يهلكهم، ومما خاف عليهم أيضاً وضع السيف، وأخبر أنه إذا وضع لا يُرفع، وكذلك وقع، وهذا من آيات نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه وقع كما أخبر، وقوله: لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من اُمتي بالمشركين وهذا أيضاً وقع، وقوله: وحتى تعبد فيئام [فئام] من اُمتي الأوثان، فهذا حق، وقوله: لا يزال طائفة من اُمتي على الحق منصورة الى آخره، يدل على أنّ هذه الاُمور التي ملأت بلاد الإسلام ليست بعبادة الأوثان، فلو كانت هذه الاُمور عبادة الأصنام لقاتلتهم الطائفة المنصورة، ولم يعهد ولم يذكر أن أحداً من هذه الاُمة قاتل على ذلك، وكفّر من فعله واستحل ماله ودمه قبلكم، فاَن وجدتم ذلك في قديم الدهر أو حديثه فبيّنوه، وأنّى لكم بذلك، وهذا الذي ذكرناه واضح من أول الحديث وآخره، والحمد لله رب العالمين.

الفصل السادس عشر

دليل آخر على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل السادس عشر ]

[ دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على بطلان مذهبكم في تكفير من كفّرتموه ما روى البخاري( [188] ) في صحيحه عن معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله معطي، ولا يزال أمر هذه الاُمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو يأتي أمر الله تعالى انتهى.

وجه الدليل منه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر أن أمر هذه الاُمة لا يزال مستقيماً الى آخر الدهر، ومعلوم أنّ هذه الاُمور التي تكفّرون بها ما زالت قديماً ظاهرة ملأت البلاد كما تقدم، فلو كانت هي الأصنام الكبرى ومن فعل شيئاً من تلك الأفاعيل عابد للأوثان، لم يكن أمر هذه الاُمة مستقيماً، بل منعكساً بلدهم بلد كفر تُعبد فيها الأصنام ظاهراً، وتجري على عبدة الأصنام فيها أحكام الإسلام، فأين الاستقامة؟ وهذا واضح جلي.

فاَن قلت : ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأحاديث الصحيحة ما يعارض هذا وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لتتبعنّ سنن من كان من قبلكم( [189] ) وما في معناه، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): تفترق هذه الاُمة على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلاّ ملّة واحدة( [190] ).

قلت : هذا حق ولا تعارض والحمد لله، وقد بيّن العلماء ذلك ووضحوه وانه قوله: تفترق هذه الاُمة الحديث، فهؤلاء أهل الأهواء كما تقدم ذكرهم، ولم يكونوا كافرين، بل كلهم مسلمون إلاّ من أسرّ تكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو منافق كما تقدم في كلام الشيخ من حكاية مذهب اهل السنّة في ذلك، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم)كلها في النار إلاّ واحدة فهو وعيد مثل وعيد أهل الكبائر، مثل قاتل النفس وآكل مال اليتيم وآكل الربا وغير ذلك، وأما الفرقة الناجية فهي السالمة من جميع البدع، المتبعة لهدى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما بيّنه أهل العلم، وهذا إجماع من أهل العلم كما تقدم لك.

وأما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لتتبعنّ سنن من كان قبلكم الحديث، قال الشيخ (رحمه الله): ليس هذا اَخباراً عن جميع الاُمة، فقد تواتر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لا تزال من اُمته طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة( [191] )، وأخبر أنه لا تجتمع على ضلالة( [192] ) وأنه لا يزال يغرس في هذا الدين غرسا يستعمله بطاعته( [193] ) فعلم بخبره الصدق، أنه يكون في اُمته قوم متمسكون بهديه الذي هو دين الإسلام محضاً، وقوم منحرفون الى شعبة من شعب اليهود أو شعبة من شعب النصارى، وإن كان الرجل لا يكفّر بكل الانحراف، بل وقد لا يفسّق( [194] ) وقال (رحمه الله): الناس في مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في جاهلية فاما بعد مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا جاهلية مطلقة فانه لا تزال من اُمته طائفة ظاهرين الى قيام الساعة، وأما الجاهلية المقيّدة فقد تكون في بعض بلاد المسلمين أو في بعض الأشخاص كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أربع في اُمتي من أمر الجاهلية)( [195] )، فدين الجاهلية لا يعود الى آخر الدهر عند اخترام أنفس جميع المؤمنين عموم. انتهى كلام الشيخ (رحمه الله).

فقد تبين لك أن دين الإسلام ملأ بلاد الإسلام بنص أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وبما فسره به العلماء الأعلام، وأن كل الفرق على الإسلام بخلاف قولكم هذا، فاَن صح مذهبكم فلم يبق على الأرض مسلم من ثمانمائة سنة إلاّ أنتم، والعجب كل العجب أن الفرقة الناجية وصفها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بأوصاف، وكذلك وصفها أهل العلم وليس فيكم خصلة واحدة منها، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

الفصل السابع عشر

دليل آخر على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل السابع عشر ]

[ دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على عدم صحة مذهبكم، ما رواه البيهقي( [196] ) وابن عديّ( [197] )وغيرهم [ وغيرهما ] عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يحمل هذا العلم من كل خلق عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، قال في الآداب( [198] ): قال: هنا سألت أحمد عن هذا الحديث قال: صحيح (انتهى).

قال ابن القيم : هذا حديث روي من وجوه يشد بعضها بعض( [199] ) ووجه الدليل منه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصف حَملة علمه الذي بعثه الله به أنهم عدول كل طبقة من طبقات الاُمة، وقد تقدم مراراً أن هذه الأفاعيل التي تجعلون من فعلها كافراً موجودة في الاُمة وجوداً ظاهراً من أكثر من سبعمائة عام، بل قد ذكر ابن القيم اَنها ملأت الأرض، وأخبر أن في الشام وغيره من بلاد المسلمين، بل في كل بلد منها عدة، وأخبر باُمور عظيمة هائلة تعمل عندها من السجود للقبور والذبح لها، وطلب تفريج الكربات وإغاثة اللهفان من أهلها والنذور وغير ذلك، ثم أقسم أنه مقتصد فيما حكى عنهم، وأن فعلهم أعظم وأكثر مما ذكره، وقال: لم نستقصِ ذكر بدعتهم وشركهم( [200] ) ومع هذا لم يجر عليهم ـ ولا أحد من أهل العلم من طبقته ولا الطبقات قبله ولا بعده من جميع أهل العلم الذين وصفهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعدالة وبحفظ الدين عن غلو الغالين وتأوّل الجاهلين وانتحال المبطلين ـ لم يُجر عليهم أحد منهم الكفر الظاهر، ولم يسمّوا بلاد المسلمين بلاد كفار، ولا غزَوا البلاد والعباد وسموهم مشركين، هذا وهم القائمون بنصرة الحق، وهم الطائفة المنصورة الى قيام الساعة، بل ذكر ابن القيم أن هذه الأفاعيل التي تكفّرون بها، بل تكفّرون من لا يكفّر بها، بل تزعمون أنها عبادة الأصنام الكبرى كثرت في بلاد الإسلام، حتى قال: فما أعزّ من تخلص من هذا، بل أعزّ من لا يعادي من أنكره فذكر أن غالب الاُمّة تفعله والذي لا يفعله ينكر على ما أنكره ويعاديه إذا أنكره( [201] ) فلو كان ما ذهبتم اليه حقاً لكانت جميع الاُمة والعياذ بالله كلها أشركت بالله الشرك الأكبر، وحسّنت فعله وأنكرت على من أنكره من قبل زمن ابن القيم، فحينئذ يردّ قولكم هذا الحديث والحديث الذي قبله، والأحاديث التي تأتي إن شاء الله تعالى، وهذا بيّن واضح لمن وفّق والحمد لله.

الفصل الثامن عشر

دليل آخر على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل الثامن عشر ]

[ دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدلّ على بطلان مذهبكم، ما ورد في الصحيحين( [202] ) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)انه قال: لا تزال طائفة من اُمتي ظاهرين على الحق لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم الى يوم القيامة قال الشيخ تقي الدين لما ذكر هذا الحديث: كانت هذه الاُمة كما أخبر به (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لا تزال فيها طائفة منصورة ظاهرة بالعلم والسيف لم يصبها ما أصاب من قبلها من بني اسرائيل وغيرهم، حيث كانوا مقهورين مع الأعداء، بل إن غُلبت في قطر من الأرض كانت في القطر الآخر اُمة ظاهرة منصورة، ولم يُسلط على مجموعها عدواً من غيرهم، ولكن يقع بينهم اختلاف وفتن قال: ومذهب أهل السنّة والجماعة ظاهرون أهله الى يوم القيامة، وهم الذين قال فيهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تزال طائفة من اُمتي الحديث انتهى.

أقول وجه الدلالة من هذا الحديث، أن هذه الطائفة التي ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ظاهرة ليست بخفية كما يُزعم عندكم، وأيضاً منصورة ليسوا بأذلاّء مختفين، وأيضاً ما خلت بلاد الإسلام منهم يوماً، وأيضاً كما قال الشيخ: لم يسلّط عليهم الأعداء وتقهرهم، فاذا كانت هذه أوصافهم بنص الصادق المصدوق، وهذه الاُمور التي تكفّرون بها ملأت بلاد الإسلام من أكثر من سبعمائة عام، وأنتم تزعمون أن هذه عبادة غير الله، وأنّ هذه الوسائط المذكورة في القرآن، ومع هذا لم يذكر في زمن من الأزمان أنّ أحداً قال ما قلتم أو عمل ما عملتم، بل ما تجدون ما تحتجون لشبهتكم إلاّ أن علياً قتل من قال: أنت الله، وأن الصدّيق قاتل أهل الردّة أو بعبارة مجملة يعرف كل من له ممارسة في العلم أنّ مفهومكم هذا منها ضحكة، فالحمد لله على زوال الالتباس والاشتباه، أما والله أنّ هذا الحديث وحده يكفي في بطلان قولكم لو كان ثمَّ اُذن واعية، نسأل الله أن ينقذكم من الهلكة إنه جواد كريم.

الفصل التاسع عشر

دليل آخر على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل التاسع عشر ]

[ دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على بطلان مذهبكم ما في الصحيحين( [203] ) عن أبي هريرة (رضي الله عنه)عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: رأس الكفر نحو المشرق، وفي رواية الإيمان يماني والفتنة من ها هنا حيث يطلع قرن الشيطان( [204] )، وفي الصحيحين( [205] ) أيضاً عن ابن عمر (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال وهو مستقبل المشرق: إن الفتنة هاهن وللبخاري( [206] ) عنه مرفوعاً اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، قالوا: وفي نجدنا قال: الثالثة هناك الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان ولأحمد( [207] ) من حديث ابن عمر مرفوعاً اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي صاعنا وفي مدّنا ويمننا وشامن ثم استقبل مطلع الشمس فقال: ها هنا يطلع قرن الشيطان، وقال: من ها هنا الزلازل والفتن انتهى.

أقول: أشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لصادق، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، لقد أدّى الأمانة وبلّغ الرسالة، قال الشيخ تقي الدين: فالمشرق عن مدينته (صلى الله عليه وآله وسلم) شرقاً، ومنها خرج مسيلمة الكذّاب الذي ادعى النبوة، وهو أول حادث حدث بعده واتّبعه خلائق وقاتلهم خليفته الصديق انتهى.

وجه الدلالة من هذا الحديث من وجوه كثيرة نذكر بعضها:

منها: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر أن الإيمان يماني والفتنة تخرج من المشرق، ذكرها مراراً.

ومنها: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا للحجاز وأهله مراراً وأبى أن يدعو لأهل المشرق لما فيهم من الفتن خصوصاً نجد.

ومنها: أن أول فتنة وقعت بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) وقعت بأرضنا هذه.

فنقول هذه الاُمور التي تجعلون المسلم بها كافراً، بل تكفّرون من لم يكفّره، ملأت مكة والمدينة واليمن من سنين متطاولة، بل بلغنا أنّ ما في الأرض أكثر من هذه الاُمور، في اليمن والحرمين وبلدنا هذه هي أول من ظهر فيها الفتن، ولا نعلم في بلاد المسلمين أكثر من فتنها قديماً وحديثاً، وأنتم الآن مذهبكم أنه يجب على العامة اتباع مذهبكم وأن من اتبعه ولم يقدر على اظهاره في بلده وتكفير أهل بلده وجب عليه الهجرة اليكم، وأنّكم الطائفة المنصورة، وهذا خلاف هذا الحديث، فاَنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبره الله بما هو كائن على اُمته الى يوم القيامة، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم)أخبر بما يجري عليهم ومنهم، فلو علم أن بلاد المشرق خصوصاً نجد بلاد مسيلمة أنها تصير دار الإيمان وأنّ الطائفة المنصورة تكون بها وأنها بلاد يظهر فيها الإيمان ولا يخفى في غيرها، وأنّ الحرمين الشريفين واليمن تكون بلاد كفر تعبد فيها الأوثان وتجب الهجرة منها لأخبر بذلك ولدعا لأهل المشرق خصوصاً نجد، ولدعا على الحرمين واليمن وأخبر أنهم يعبدون الأصنام وتبرأ منهم، إذ لم يكن إلاّ ضد ذلك فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) عم المشرق وخص نجد بأنّ منها يطلع قرن الشيطان، وأن منها وفيها الفتن، وامتنع من الدعاء لها، وهذا خلاف زعمكم، وأن اليوم عندكم الذين دعا لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفار، والذين أبى أن يدعو لهم وأخبر أنّ منها يطلع قرن الشيطان وأن منها الفتن هي بلاد الإيمان، تجب الهجرة اليها، وهذا بيّن واضح من الأحاديث إن شاء الله.

الفصل العشرون

دليل آخر على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل العشرون ]

[ دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على بطلان مذهبكم، ما في الصحيحين( [208] ) عن عقبة بن عامر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صعد المنبر فقال: إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها فتقتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر. انتهى.

وجه الدلالة منه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر بجميع ما يقع على اُمته ومنهم الى يوم القيامة، كما ذكر في أحاديث اُخر ليس هذا موضعها، ومما أخبر به هذا الحديث الصحيح أنه أمن ان اُمته تعبد الأوثان، ولم يخافه عليهم وأخبرهم بذلك، وأما الذي يخافه عليهم فأخبرهم به وحذّرهم منه، ومع هذا فوقع ما خافه عليهم، وهذا خلاف مذهبكم، فاَنّ اُمته على قولكم عبدوا الأصنام كلهم وملأت الأوثان بلادهم، إلاّ أن كان أحد في أطراف الأرض ما يلحق له خبر، وإلاّ فمن أطراف الشرق الى أطراف الغرب الى الروم الى اليمن كل هذا ممتلئ مما زعمتم أنه الأصنام، وقلتم من لم يكفّر من فعل هذه الاُمور والأفعال فهو كافر، ومعلوم أن المسلمين كلهم أجروا الإسلام على من انتسب اليه ولم يكفّروا من فعل هذا، فعلى قولكم جميع بلاد الإسلام كفار إلاّ بلدكم، والعجب أنّ هذا ما حدث في بلدكم إلاّ من قريب عشر سنين، فبان بهذا الحديث خطؤكم، والحمد لله رب العالمين.

فاَن قلت : ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: أخوف ما أخاف عليكم الشرك. قلت: هذا حق وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تتعارض، ولكن كل حديث ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه يخاف على اُمته الشرك قيّده بالشرك الأصغر، كحديث شداد بن أوس( [209] ) وحديث أبي هريرة( [210] ) وحديث محمود بن لبيد( [211] )، فكلها مقيّدة ومبينة، أنّ ما خاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منه على اُمته الشرك الأصغر، وكذلك وقع فإنه ملأ الأرض، كما أنه خاف عليهم الافتتان والقتال على الدنيا فوقع، وهو أي الشرك الأصغر هو الذي تسمونه الآن الشرك الأكبر وتكفّرون المسلمين به، بل تكفّرون من لم يكفّرهم، فاتفقت الأحاديث وبان الحق ووضح والحمد لله.

الفصل الحادي والعشرون

دليل آخر على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل الحادي والعشرون ]

[ دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على بطلان مذهبكم ما روى مسلم( [212] ) في صحيحه عن جابر ابن عبدالله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: إن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم وروى الحاكم( [213] ) وصححه، وأبو يعلى( [214] ) والبيهقي( [215] ) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب ولكن رضي منهم بما دون ذلك بالمحقرات وهي الموبقات، وروى الإمام أحمد( [216] ) والحاكم( [217] ) وصححه وابن ماجه( [218] ) عن شداد بن أوس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أتخوّف على اُمتي الشرك، قلت: يا رسول الله أتشرك اُمتك بعدك؟ قال: نعم أما أنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولكن يراءون بأعمالهم انتهى.

أقول : وجه الدلالة منه كما تقدم، أن الله سبحانه أعلم نبيه من غيبه بما شاء وبما هو كائن الى يوم القيامة، وأخبر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، وفي حديث ابن مسعود آيس الشيطان أن تعبد الأصنام بأرض العرب وفي حديث شداد أنهم لا يعبدون وثن وهذا بخلاف مذهبكم، فاَن البصرة وما حولها، والعراق من دون دجلة الموضع الذي فيه قبر علي وقبر الحسين رضي الله تعالى عنهما، وكذلك اليمن كلها، والحجاز، كل ذلك من أرض العرب، ومذهبكم أن هذه المواضع كلها عبد الشيطان فيها، وعبدت الأصنام، وكلهم كفّار ومن لم يكفّرهم فهو عندكم كافر، وهذه الأحاديث تردّ مذهبكم هذا، لا يقال: إنه قد وجد بعض الشرك بأرض العرب زمن الردّة، فاَن ذلك زال في آن يسير، فهو كالأمر الذي عرض لا يُعتد به، كما أن رجلاً أو أكثر من أهل الكفر دخل أرض العرب وعبد غير الله في موضع خال أو خفية، فأما هذه الاُمور التي تجعلونها شركاً أكبر وعبادة الأصنام فهي ملأت بلاد العرب من قرون متداولة، فتبين بهذه الأحاديث فساد قولكم: أن هذه الاُمور هي عبادة الأوثان الكبرى، وتبين أيضاً بطلان قولكم: إن الفرقة الناجية قد تكون في بعض أطراف الأرض ولا يأتي لها خبر، فلو كانت هذه عبادة الأصنام والشرك الأكبر لقاتل أهله الفرقة الناجية المنصورون الظاهرون الى قيام الساعة، وهذا الذي ذكرناه واضح جلي والحمد لله رب العالمين.

ومن العجب أنكم تزعمون أنّ هذه الاُمور ـ أي القبور وما يعمل عندها والنذور ـ هي عبادة الأصنام الكبرى، وتقولون: إن هذا أمر واضح جلي يعرف بالضرورة، حتى اليهود والنصارى يعرفونه.

فأقول جواباً لكم عن هذا الزعم الفاسد: سبحانك هذا بهتان عظيم، قد تقدم مراراً عديدة، أنّ الاُمة بأجمعها على طبقاتها من قرب ثمانمائة سنة ملأت هذه القبور بلادها ولم يقولوا: هذه عبادة الأصنام الكبرى، ولم يقولوا: إنّ من فعل شيئاً من هذه الاُمور فقد جعل مع الله إلهاً آخر، ولم يجروا على أهلها حكم عبّاد الأصنام ولا حكم المرتدين، أي ردّة كانت.

فلو أنكم قلتم: إن اليهود لأنهم قوم بهت، وكذلك النصارى ومن ضاهاهم في بهت هذه الاُمة من مبتدعة الاُمة يقولون: إنّ هذه عبادة الأصنام الكبرى، لقلنا صدقتم فما ذلك من بهتهم وحسدهم وغلوهم ورميهم الاُمة بالعظائم بكثير، ولكنّ الله سبحانه وتعالى مخزيهم ومظهر دينه على جميع الأديان بوعده (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون)( [219] )، ولكن أقول: صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث دعا للمدينة وما حولها ولليمن، وقال له من حضره: ونجد؟ فقال: هناك الزلازل والفتن( [220] ) أما والله لفتنة الشهوات فتنة، والظلمة التي يعرف كل خاص وعام من أهلها أنها من الظلم والتعدي، وأنها خلاف دين الإسلام، وأنه يجب التوبة منها، أنها أخف بكثير من فتنة الشبهات التي تضل عن دين الإسلام ويكون صاحبها من (الأخسرين أعمالاً * الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً)( [221] )، وفي الحديث الصحيح هلك المتنطعون( [222] ) قالها ثلاثاً، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، أنقذنا الله وإياكم من الهلكة، إنه رحيم.

الفصل الثاني والعشرون

دليل آخر على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل الثاني والعشرون ]

[ دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على بطلان مذهبكم ما أخرجه الإمام أحمد( [223] ) والترمذي( [224] )وصححه النسائي( [225] ) وابن ماجة( [226] ) من حديث عمرو بن الأحوص، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في حجة الوداع: الا أن الشيطان قد آيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون له طاعة في بعض ما تحقّرون من أعمالكم فيرضى به وفي صحيح الحاكم( [227] ) عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب في حجة الوداع فقال: الشيطان قد آيس أن يعبد في أرضكم، ولكن يرضى أن يطاع فيما سوى ذلك، فيما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لم تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه انتهى.

وجه الدلالة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر في هذا الحديث الصحيح أن الشيطان يئس أن يعبد في بلد مكة، وكذلك بقوله: أبداً، لئلاّ يتوهم متوهم أنه حد ثم يزول، وهذا خبر منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو لا يخبر بخلاف ما يقع، وأيضاً بشرى منه (صلى الله عليه وآله وسلم) لاُمته وهو لا يبشرهم إلاّ بالصدق، ولكنه حذّرهم ما سوى عبادة الأصنام، لا ما يحتقرون، وهذا بين واضح من الحديث، وهذه الاُمور التي تجعلونها الشرك الأكبر وتسمّون أهلها عبّاد الأصنام أكثر ما تكون بمكة المشرفة، وأهل مكة المشرفة اُمراؤها وعلماؤها وعامّتها على هذا من مدة طويلة أكثر من ستمائة عام، ومع هذا هم الآن أعداؤكم يسبّونكم ويلعنونكم لأجل مذهبكم هذا، وأحكامهم وحكامهم جارية وعلماؤها وامراؤها على اجراء أحكام الإسلام على أهل هذه الاُمور التي تجعلونها الشرك الأكبر، فاَن كان ما زعمتم حقاً فهم كفار كفراً ظاهراً، وهذه الأحاديث تردّ زعمكم وتبين بطلان مذهبكم هذا، وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم)في الأحاديث التي في الصحيحين( [228] ) وغيرها( [229] )بعد فتح مكة وهو بها لا هجرة بعد اليوم وقد بيّن أهل العلم أن المراد لا هجرة من مكة، وبينوا أيضاً أن هذا الكلام منه (صلى الله عليه وآله وسلم)يدل على أن مكة لا تزال دار إيمان بخلاف مذهبكم، فإنكم توجبون الهجرة منها الى بلاد الإيمان بزعمكم التي سماها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلاد الفتن، وهذا واضح جلي صريح لمن وفقه الله وترك التعصب والتمادي على الباطل، والله المستعان وعليه التكلان.

الفصل الثالث والعشرون

دليل آخر على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل الثالث والعشرون ]

[ دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على بطلان مذهبكم ما روى مسلم( [230] ) في صحيحه عن سعد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلاّ أبدله الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد الى لأوائها وجهدها إلاّ كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة وروى أيضاً مسلم( [231] ) في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يصبر على لأوى المدينة وشدّتها أحد من اُمتي إلاّ كنت له شفيعاً يوم القيامة، وفي الصحيحين( [232] ) من حديث جابر مرفوعاً إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتضع طيِّبه، وفي الصحيحين( [233] ) أيضاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، وفي الصحيحين( [234] ) وأيضاً من حديث أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليس من بلد إلاّ سيطؤه الدجال إلاّ مكة والمدينة ليس نقب من أنقابها إلاّ عليه ملائكة حافين الحديث.

وفي الصحيحين( [235] ) من حديث أبي سعيد مرفوعاً لا يكيد المدينة أحد إلاّ انماع كما ينماع الملح في الماء.

وفي الترمذي( [236] ) من حديث أبي هريرة يرفعه آخر قرية من قرى الإسلام خراباً المدينة.

وجه الدلالة من هذه الأحاديث من وجوه كثيرة نذكر بعضها:

أحدها: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حث على سكنى المدينة، وأخبر أنها خير من غيرها، وأن أحداً لا يدعها رغبة عنها إلاّ أبدلها الله بخير منه، وأخبر أنه (صلى الله عليه وآله وسلم)شفيع لمن سكنها وشهيد له يوم القيامة، وذكر أن ذلك لاُمته ليس لقرن دون قرن، وأن أحداً لا يدعها إلاّ لعدم علمه، وأنها كالكير تنفي خبثها، وأنها محروسة بالملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال آخر الدهر، وأن أحداً لا يكيدها إلاّ انماع كالملح في الماء، وقال: من استطاع أن يموت فيها فليمت( [237] )، وأخبر أنها آخر قرية من قرى الإسلام خراباً، وكل لفظ من هذه الألفاظ تدل على خلاف قولكم: إن هذه الاُمور التي تكفّرون بها وتسمونها أصناماً، ومن فعل شيئاً منها فهو مشرك الشرك الأكبر عابد وثن ومن لم يكفّره فهو عندكم كافر، معلوم عند كل من عرف المدينة وأهلها أنّ هذه الاُمور فيها كثير، وأكثر منه في الزبير، وفي جميع قرى الإسلام، وذلك فيها من قرون متطاولة تزيد على أكثر من ستمائة سنة، وأنّ جميع أهلها رؤساؤها وعلماؤها واُمراؤها يجرون على أهلها أحكام الإسلام، وأنهم أعداؤكم يسبّونكم ويسبّون مذهبكم الذي هو التكفير وتسميته هذه أصناماً وآلهة مع الله، فعلى مذهبكم أنهم كفار فهذه الأحاديث تردّ مذهبكم، وعلى مذهبكم أنه يجب على المسلم الخروج منها وهذه الأحاديث تردّ مذهبكم، وعلى زعمكم أنها تعبد فيها الأصنام الكبرى وهذه الأحاديث تردّ زعمكم، وعلى مذهبكم أن الخروج اليكم خير لهم وهذه الأحاديث تردّ زعمكم، وعلى مذهبكم أن أهلها لا يشفع لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لان من جعل مع الله إلهاً آخر فبالإجماع هو شفيع يطاع( [238] ).

وهذه الأحاديث تردّ زعمكم، ومما يزيد الأمر وضوحاً أن مما بشّر به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الدجال الّذي يأتي آخر الزمان لا يدخلها، والدجال لا فتنة أكبر من فتنته، وغاية ما يطلب من الناس عبادة غير الله، فاذا كانت هذه الاُمور التي تسمّون من فعلها جاعلاً مع الله إلهاً آخر عابد صنم مشركاً بالله الشرك الأكبر ملأت المدينة من ستمائة أو سبعمائة سنة أو أكثر أو أقل، حتى أن جميع أهلها يعادون وينكرون على ما أنكره، فما فائدة عدم دخول الدجال وهو ما يطلب من الناس إلاّ الشرك؟ وما فائدة بشرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخوله على المشركين؟ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، لو تعرفون لازم مذهبكم، بل صريح قولكم لاستحييتم من الناس ان لم تستحيوا من الله، ومن تأمل هذه الأحاديث وجد فيها أكثر مما ذكرنا يدل على بطلان قولكم هذا، ولكن لا حياة لمن تنادي، أسأل الله لي ولكم العافية والسلامة من الفتن.

الفصل الرابع والعشرون

دليل آخر على عدم جواز

تكفير المسلمين

[ الفصل الرابع والعشرون ]

[ دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين ]

ومما يدل على بطلان مذهبكم ما روى مسلم( [239] ) في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يذهب الليل والنهار حتى تُعبد اللات والعزى فقلت: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون)( [240] )، أنّ ذلك تام، قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيّبة فتوفي كل من في قلبه مثقال من خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون الى دين آبائهم، وعن عمران بن حصين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: لا يزال طائفة من اُمتي يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم المسيح( [241] ).

وعن جابر بن سمرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة المسلمين حتى تقوم الساعة رواه مسلم( [242] ); وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يزال عصابة من اُمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك، فقال عبدالله بن عمر: أجل، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسّها مس الحرير لا تترك إنساناً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلاّ قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة رواه مسلم( [243] )، وروى مسلم( [244] ) أيضاً عن عبدالله بن عمر وقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يخرج الدجال في اُمتي فيمكث أربعين وذكر الحديث، وفيه أنّ عيسى يقتل الدجال، وذكر الريح وقبض أرواح المؤمنين ويبقى شرار الناس الى أن قال: ويتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون : ماذا تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان وذكر الحديث .

أقول : في هذه الأحاديث الصحيحة أبين دلالة على بطلان مذهبكم، وهي أن جميع هذه الأحاديث مصرّحة بأنّ الأصنام لا تعبد في هذه الاُمة إلاّ بعد انخرام أنفس جميع المؤمنين آخر الدهر، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر عبادة الأوثان وأنها كائنة فعرضت عليه الصدّيقة مفهومها من الآية الكريمة أن دين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)لا يزال ظاهراً على الدين كله، ذلك أن عبادة الأصنام لا تكون مع ظهور الدين، فبيّن لها (صلى الله عليه وآله وسلم) مراده في ذلك، وأخبرها أن مفهومها من الآية حق، وأن عبادة الأصنام لا تكون إلاّ بعد انخرام أنفس جميع المؤمنين، وأما قبل ذلك فلا، وهذا بخلاف مذهبكم، فاَنّ اللات والعزى عبدت على قولكم في جميع بلاد المسلمين من قرون متطاولة، ولم يبق إلاّ بلادكم من [ منذ ] أن ظهر قولكم هذا من قريب ثمان سنين، فزعمتم أن من وافقكم على جميع قولكم فهو المسلم، ومن خالفكم فهو الكافر، وهذا الحديث الصحيح وهو يبيّن بطلان ما ذهبتم اليه، لمن له اُذن واعية، وأيضاً في حديث عمران أنّ الطائفة المنصورة لا تزال تقاتل على الحق حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال، وكذلك حديث عقبة أنّ العصابة يقاتلون على الحق وأنهم لا يزالون قاهرين لعدوهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك، ومعلوم أنّ الدجّال غاية ما يدعوهم اليه عبادة غير الله تعالى، فاذا كان عبادة غير الله تعالى ظاهرة في جميع بلاد المسلمين فما فائدة فتنة الدجال التي حذّر عنها جميع الأنبياء اُممهم؟ وكذلك نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)حذر من فتنته؟ وأين العصابة الذين يقاتلون على الحق، الذين آخرهم يقاتل الدجال عن قتال هؤلاء المشركين على زعمكم، الذين يجعلون مع الله آلهة اُخرى؟ أتقولون: خفيون؟ ففي هذه الأحاديث أنهم ظاهرين؟ أتقولون: مستضعفون؟ ففي هذه الأحاديث أنهم قاهرين لعدوهم، أتقولون: يأتون زمن الدجال؟ ففي هذه الأحاديث إنهم ما زالوا ولا يزالون، أتقولون: إنهم أنتم فأنتم مدتكم قريبة من ثمان سنين، أخبرونا من قال هذا القول قبلكم؟ حتى نصدّقكم، وإلاّ فلستم هم.

ففي هذا والله أعظم الردّ عليكم، والبيان لفساد قولكم، فصلوات الله وسلامه على من أتى بالشريعة الكاملة التي فيها بيان ضلال كل ضال، وكذلك في حديث عبدالله بن عمر( [245] )، وأنّ الشيطان بعد انخرام أنفس المؤمنين يتمثل للناس يدعوهم الى الاستجابة فيقولون له: فماذا تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، فإذا كان أن بلاد المسلمين حجازاً ويمناً وشاماً وشرقاً وغرباً امتلأت من الأصنام وعبادتها على زعمكم، فما فائدة الاَخبار بهذه الأحاديث، إن الأوثان لا تعبد إلاّ بعد أن يتوفى الله سبحانه وتعالى كل من في قلبه حبة خردل من إيمان؟ وما فائدة قتال الدجال آخر الزمان؟ وفي هذه الأزمان المتطاولة من قريب ستمائة سنة أو سبعمائة سنة ما يقاتلون أهل الأوثان والأصنام على زعمكم، والله كما قال تبارك وتعالى: (فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)( [246] )، وفي هذه الوجوه التي ذكرنا من السنّة كفاية لمن قصده أتباع الحق وسلوك الصراط المستقيم، وأما من أعماه الهوى ورؤية النفس فهو كما قال جل وعلا: (ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء الله)( [247] )، ونحن نعترض على من خالف الشرع، ونسأله بالله الذي لا إله إلاّ هو ان يعطونا من أنفسهم شرع الله الذي أنزل على رسوله، وبيننا وبينهم من أرادوا من علماء الاُمة، ولهم علينا عهد الله وميثاقه إن كان الحق معهم لنتّبعنهم، ولكن من أعجب العجاب استدلال بعضكم بقصة قدامة بن مظعون ومن معه( [248] )، حيث استحلّوا الخمر متأولين قوله : (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا)( [249] ) الآية، وأنّ عمر مع جميع الصحابة أجمعوا أنهم إن رجعوا وأقروا بالتحريم وإلاّ قتلوا.

فأقول تحريم الخمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام من الكتاب والسنّة وجميع علماء الاُمة، ومع هذا أجمع المهاجرون والأنصار وكل مسلم في زمنهم على تحريمه، والإمام ذلك الوقت لجميع الاُمة امام واحد، والدين في نهاية الظهور، وكل هذا والذين استحلّوا الخمر لم يكفّرهم عمر ولا أحد من الصحابة، إلاّ أن عاندوا بعد أن يدعوهم الإمام وبيّن لهم بياناً واضحاً لا لبس فيه، فاَن عاندوا بعد إقامة الحجّة من الكتاب والسنّة وإجماع الاُمة القطعي والإمام العادل الذي أجمعت [ على ] إمامته جميع الاُمة، فاَن عاندوا بعد ذلك أُقيم عليهم حدّ القتل، ومع هذا كله تجعلون من خالفكم في مفاهيمكم الفاسدة ـ التي لا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتّبعكم عليها ويقلّدكم فيها ـ كافراً، وتحتجّون بهذه القصة، بل والله لو احتج بها محتجّ عليكم وجعل سبيلكم سبيل الذين استحلّوا الخمر لكان أقرب الى الصواب من احتجاجكم بها على من خالفكم، جعلتم أنفسكم كعمر في جميع المهاجرين والانصار، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ما أطمّها من بلية ! !

ومن العجائب أيضاً احتجاجكم بعبارة الشيخ التي في الاقناع إن من قال: إن علياً إله وأن جبرئيل غلط فهذا كافر ومن لم يكفّره فهو كافر( [250] )، فيا عجب العجب!! وهل يشكّ مسلم أن من قال: مع الله إلهاً آخر لا عليّ ولا غيره أنه مسلم؟ وهل يشك مسلم أن من قال: إن الروح الأمين صرف النبوّة عن علي الى محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ هذا مسلم؟ ولكن أنتم تنقلون أن من قال: علي إله الى من سمّيتم أنتم أنه إله، ومن فعل كذا وكذا فهو جاعله إله، فتلبسون على الجهال، فلم لم يقل أهل العلم أن من يسأل مخلوقاً شيئاً فقد جعله إلهاً؟ إن من نذر له أو من فعل كذا وكذا؟ ولكن هذه تسميتكم التي اخترعتموها من بين سائر أهل العلم، وحملتم كلام الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلام أهل العلم رحمهم الله على مفاهيمكم الفاسدة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

الفصل الخامس والعشرون

ما قاله ابن القيّم في صفة المشركين

[ الفصل الخامس والعشرون ]

[ ما قاله ابن القيّم في صفة المشركين ]

ولنذكر شيئاً مما ذكره بعض أهل العلم في صفة مذهب المشركين الذين كذبوا الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.

قال ابن القيم : كان الناس على الهدى ودين الحق، فكان أوّل من كادهم الشيطان بعبادة الأصنام وانكار البعث، وكان أول من كادهم من جهة العكوف على القبور وتصوير أهلها، كما قصه الله عنهم في كتابه بقوله: (لاتذرُنّ آلهتكم ولا تذرُنَّ ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً)( [251] ).

قال ابن عباس: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان الى قومهم أن انصبوا الى مجالسهم التي كانوا عليها يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى هلك اُولئك ونسخ العلم عبدت( [252] ). انتهى.

فأرسل الله لهم نوحاً بعبادة الله وحده، فكذّبوه فأهلكهم الله بالطوفان، ثم انّ عمرو بن عامر أول من غير دين ابراهيم (عليه السلام)، واستخرج أصنام قوم نوح من شاطئ البحر ودعا العرب الى عبادتها ففعلوا، ثم انّ العرب بعد ذلك بمدة عبدوا ما استحسنوا ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين ابراهيم عبادة الأوثان، وبقي من دين ابراهيم تعظيم البيت والحج، وكانت نزار تقول في تلبيتها: لبيك لا شريك لك، إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك الى أن قال: وكان لأهل كل واد صنم يعبدونه، ثم بعث الله محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتوحيد، قالت قريش: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجاب)( [253] ).

وكان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار فنظر أحسنها فاتخذه ربّاً وجعل الثلاثة أثافي لقدره، فإذا ارتحل تركه فإذا نزل منزلاً آخر فعل مثل ذلك، وروى حنبل عن رجا العطاردي قال: كنا نعبد الحجر في الجاهلية، فاذا وجدنا حجراً هو أحسن منه نلقي ذلك ونأخذه، فإذا لم نجد حجراً جمعنا حفنة من تراب ثم جئنا بغنم فحلبناها عليه ثم طفنا به، وعن أبي عثمان النهدي قال: كنا في الجاهلية نعبد حجراً فسمعنا منادياً ينادي: يا أهل الرحال إنّ ربكم هلك فالتمسوا رباً، فخرجنا على كل صعب وذلول، فبينما نحن كذلك نطلب إذا نحن بمنادي ينادي أن قد وجدنا ربكم أو شبهه فإذا حجر فنحرنا عليه الجزور، ولما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وجد حول البيت ثلاثمائة وستين صنماً، فجعل يطعن بقوسه في وجوهها وعيونها ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، وهي تتساقط على وجوهها، ثم أمر بها فاُخرجت من المسجد وحرقت قال: تلاعب الشيطان بالمشركين له أسباب عديدة، فطائفة دعاهم الى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم كما تقدم عن قوم نوح، وبعضهم اتخذوها بزعمهم على صور الكواكب المؤثرة في العالم عندهم، وجعلوا لها بيوتاً وسدنة وحجاباً وحجاً وقرباناً، ومن عبادة الأصنام عبادة الشمس، زعموا أنها ملك من الملائكة لها نفس وعقل وهي أصل نور القمر والكواكب وتكون الموجودات السفلية كلها عندهم منها، وهي عندهم ملك الفلك فتستحق التعظيم والسجود، ومن شريعتهم في عبادتها أنهم اتخذوا لها صنماً، وله بيت خاص، يأتون ذلك البيت ويصلّون فيه لها ثلاث مرات في اليوم، ويأتيه أصحاب العاهات فيصلّون له ويصومون له ويدعونه، وهم إذا طلعت الشمس سجدوا كلهم لها وإذا غربت وإذا توسطت الفلك.

وطائفة اُخرى اتخذوا للقمر صنماً وزعموا أنه يستحق التعظيم والعبادة، واليه تدبير هذا العالم السفلي، ويعبدونه ويصلّون له ويسجدون ويصومون له أياماً معلومة من كل شهر، ثم يأتون اليه بالطعام والشراب والفرح، ومنهم من يعبد أصناماً اتخذوها على صور الكواكب وبنوا لها هياكل ومتعبدات لكل كوكب منها هيكل يخصه وصنم يخصه وعبادة تخصه، وكل هؤلاء مرجعهم الى عبادة الأصنام، لأنهم لا يستمر لهم طريقة الى شخص خاص على كل شكل ينظرون اليه ويعكفون عليه، الى أن قال: ومنهم من يعبد النار، حتى اتخذوها إلهاً معبودة وبنوا لها بيوتاً كثيرة وجعلوا لها الحجّاب والخزنة حتى لا يدعوها تخمد لحظة، ومن عبادتهم أنهم يطوفون بها، ومنهم من يلقي نفسه فيها تقرباً اليها، ومنهم من يلقي ولده فيها متقرباً اليها، ومنهم عبّاد زهاد عاكفين صائمين لها، ولهم في عبادتها أوضاع لا يخلّون بها، ومن الناس طائفة تعبد الماء وتزعم أنه أصل كل شيء، ولهم في عبادته اُمور ذكرها، منها تسبيحه وتحميده والسجود له، ومن الناس طائفة عبدت الحيوان، منهم من عبد البقر، ومنهم من عبد الخيل، ومنهم من عبد البشر، ومنهم من عبد الشجر، ومنهم من عبد الشيطان، قال تعالى: (ألم أعهد اليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان)( [254] )الآيتين، قال: ومنهم من يقرّ أن للعالم صانعاً فاضلاً حكيماً مقدساً عن العيوب والنقائص، قالوا: ولا سبيل لنا الى الوصول اليه إلاّ بالوسائط، فالواجب علينا ان نتقرّب اليه بتوسطات الروحانيات القريبة منه، فنحن نتقرب اليهم ونتقرب بهم اليه، فهم أربابنا والهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب وإله الآلهة فـ (ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا الى الله زلفى)( [255] )، فحينئذ نسأل حاجتنا منهم، ونعرض أحوالنا عليهم، ونصبوا في جميع اُمورنا، فيشفعون الى الهنا والههم، وذلك لا يحصل إلاّ باستمداد من جهة الروحانيات، وذلك بالتضرع والابتهال من الصلوات لهم والزكاة وذبح القرابين والبخورات، وهؤلاء كفروا بالأصلين اللذين جاءت بها [بهما] جميع الرسل، أحدهما عبادة الله وحده لا شريك له، والثاني الإيمان برسله وما جاءوا به من عند الله تصديقاً واقراراً وانقياداً، وهذا مذهب المشركين من سائر الاُمم قال: والقرآن والكتب الإلهية مصرّحة ببطلان هذا الدين وكفر أهله قال: فاَن الله سبحانه ينهى أن يجعل غيره مثلاً له وندّاً له وشبهاً، فاَنّ أهل الشرك شبهوا من يعظّمونه ويعبدونه بالخالق، وأعطوه خصائص الإلهية وصرّحوا أنه إله، وأنكروا جعل الآلهة إلهاً واحداً وقالوا ( اصبروا على آلهتكم)( [256] )، وصرّحوا بأنه إله معبود، يرجى ويخاف ويعظّم ويسجد له وتقرّب له القرابين الى غير ذلك من خصائص العبادة التي لا تنبغي إلاّ لله تعالى، قال الله تعالى: (فلا تجعلوا لله أنداداً)( [257] ) وقال: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً)( [258] ) الآية، فهؤلاء جعلوا المخلوقين مثلاً للخالق، والندّ الشبه، يقال: فلان ند فلان، وند نده أي مثله وشبهه.

قال ابن زيد: الآلهة التي جعلوها( [259] ) معه، وقال الزجاج: أي لا تجعلوا لله أمثالاً ونظراء( [260] )، ومنه قوله عزوجل : (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)( [261] ) أي يعدلون به غيره فيجعلون له من خلقه عدلاً وشبهاً.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد يعدلوا بي من خلقي الأصنام والحجارة بعد أن أقرّوا بنعمتي وربوبيتي.

قال الزجّاج : اعلم أنه خالق ما ذكره في هذه الآية، وان خالقها لا شيء مثله، واعلم أن الكفار يجعلون له عدلاً، والعدل التسوية، يقال: عدل الشيء بالشيء اذا ساواه( [262] )، قال تعالى: (هل تعلم له سمياً)( [263] )، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: شبهاً ومثلاً هو ومن يساميه( [264] )، وذلك نفي للمخلوق أن يكون مشابهاً للخالق ومماثلاً له، بحيث يستحق العبادة والتعظيم، ومن هذا قوله: (ولم يكن له كفواً أحد)( [265] ) وقوله : (ليس كمثله شيء)( [266] ) الآية، انما قصد به نفي أن يكون له شريك أو معبود يستحق العبادة والتعظيم، وهذا الشبيه هو الذي أبطل نفياً ونهياً، هو أصل شرك العالم وعبادة الأصنام، ولهذا نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسجد لمخلوق مثله، أو يحلف [به]، أو يقول ما شاء الله وشيئت ونحو ذلك، حذراً من هذا التشبيه الذي [هو] أصل شرك العالم( [267] ) انتهى كلام ابن القيم ملخصاً.

وإنّما نقلنا هذا لتعلموا صفة شرك المشركين، ولتعلموا أن هذه الاُمور التي تكفّرون بها وتخرجون المسلم بها من الإسلام ليست كما زعمتم أنه الشرك الأكبر، شرك المشركين الذين كذّبوا جميع الرسل في الأصلين، وإنما هذه الأفعال التي تكفّرون بها من فروع هذا الشرك الأصغر، ومنهم من لم يسمّها شركاً وذكرها في المحرّمات، ومنهم من عدّ بعضها في المكروهات، كما هو مذكور في مواضعه من كتب أهل العلم، من طلبه وجده، والله سبحانه يجنّبنا وجميع المسلمين جميع ما يغضبه، آمين والحمد لله رب العالمين.

الفصل السادس والعشرون

ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صفة المسلم

[ الفصل السادس والعشرون ]

[ ما قاله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في صفة المسلم ]

ولنختم هذه الرسالة بشيء مما ذكره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفة المسلم.

الحديث الأول : حديث عمر أنّ جبريل (عليه السلام) سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الإسلام، قال: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استعطت اليه سبيلاً، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الاحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فاَن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: صدقت. إلى آخر الحديث.

وفيه : هذا جبريل جاءكم يعلّمكم دينكم رواه مسلم( [268] ) ورواه البخاري( [269] ) بمعناه.

الحديث الثاني : عن ابن عمر (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً رسول الله، وأقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان رواه البخاري( [270] ) ومسلم( [271] ).

الحديث الثالث : في الصحيحين( [272] ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا: يا رسول الله، انّا لا نستطيع أن نأتيك إلاّ في شهر حرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفّار مضر، فامرنا بأمر فصل نخبر به من ورائنا وندخل به الجنة، فأمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، واقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس، وقال: احفظوهن واخبروا بهن من ورائكم.

الحديث الرابع : عن ابن عباس رضي الله عنهما، ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا بعث معاذاً الى اليمن قال: إنك تأتي أقواماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم اليه شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً عبده ورسوله، فاَن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فاَن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد الى فقرائهم رواه البخاري( [273] ).

الحديث الخامس : عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فاذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلاّ بحقّ الإسلام وحسابهم على الله رواه البخاري( [274] ) ومسلم( [275] ).

الحديث السادس : عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاّ الله، فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم على الله رواه البخاري( [276] ) ومسلم( [277] )، ورواه أحمد( [278] ) وابن ماجة( [279] ) وابن خزيمة( [280] ) بزيادة وأن محمّداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ثم قد حرّم عليّ أموالهم ودماؤهم.

الحديث السابع : عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فاذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقه رواه مسلم( [281] ).

الحديث الثامن : حديث بريدة بن الحصيب، كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اذا بعث جيشاً وذكر الحديث، وفيه: إذا حاصرتم أهل مدينة أو أهل حصن فاَن شهدوا أن لا إله إلاّ الله فلهم ما لكم وعليهم ما عليكم الحديث رواه مسلم( [282] ).

الحديث التاسع : عن المقداد بن الاسود أنه قال: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلاً من المشركين فقاتلني، فضرب احدى يديّ بالسيف فقطعها، ثم لاذ منّي بشجرة، فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: لا تقتله، فقلت: يا رسول الله، اَنه قطع احدى يديّ ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ قال: لا تقتله، فاَنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وانك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال رواه البخاري( [283] ) ومسلم( [284] ).

الحديث العاشر : حديث اُسامة وقتله الرجل بعد ما قال: لا إله إلاّ الله، فكيف تصنع بلا إله إلاّ الله يوم القيمة؟ فقال: يا رسول الله، اَنما قالها تعوذاً، قال: هلاّ شققت عن قلبه؟ وجعل يكرر عليه، من لك بلا إله إلاّ الله يوم القيامة؟ قال اُسامة: حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت إلاّ يومئذ، والحديث في الصحيح حديث اُسامة في الصحيحين( [285] )، لفظه عن اُسامة، قال: بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)الى الحرقة من جهينة، فصبّحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلاّ الله، فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال لي: يا اُسامة أقتلته بعد أن قال: لا إله إلاّ الله؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم، وفي رواية أنه قال: أفلا شققت عن قلبه، وروى ابن مردويه عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن اُسامة قال: لا أقتل رجلاً يقول لا إله إلاّ الله أبداً، قال: فقال سعد بن مالك: وأنا والله لا أقتل رجلاً يقول لا إله إلاّ الله أبداً( [286] ).

الحديث الحادي عشر: عن ابن عمر (رضي الله عنه) قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد ابن الوليد (رضي الله عنه) الى بني جذيمة فدعاهم الى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يأسر ويقتل، الى أن قال: فقدمنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرنا له فرفع يديه فقال: اللهم أني أبرأ اليك مما فعل خالد، مرتين رواه أحمد( [287] ) والبخاري( [288] ).

الحديث الثاني عشر : عن أنس، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اذا غزا قوماً لم يغر حتى يصبح، فاذا سمع أذاناً أمسك، وإن لم يسمع أذاناً أغار بعد ما يصبح، رواه أحمد( [289] ) والبخاري( [290] )، وعنه كان يغير اذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان فإذا سمع أذاناً أمسك وإلاّ أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، فقال: خرجت من النار، فنظروا اليه فاذا هو راعي معز رواه مسلم( [291] ).

الحديث الثالث عشر : عن عصام المزني قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اذا بعث السرية يقول: اذا رأيتم مسجداً أو سمعتم منادياً فلا تقتلوا أحد رواه أحمد( [292] )وأبو داود( [293] ) والترمذي( [294] ) وابن ماجة( [295] ).

الحديث الرابع عشر : عن اُم سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يستعمل عليكم اُمراء فتعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، فقالوا: يا رسول الله أفلا تقتلهم؟ قال : لا ما صلو رواه مسلم( [296] ).

الحديث الخامس عشر : عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من صلى صلاتنا وأسلم واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته رواه البخاري( [297] ).

الحديث السادس عشر : عن أبي سعيد في حديث الخوارج، فقال ذو الخويصرة: للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : اتق الله، فقال: ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ! ثم قال: ثم ولّى الرجل، فقال خالد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: لا لعله أن يكون يصلي، قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لم اُؤمر أن اُنقّب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم رواه مسلم( [298] ).

الحديث السابع عشر : عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، أن رجلاً من الأنصار حدّثه، أنه أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجلس فسارّه يستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فجهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أليس يشهد أن لا إله إلاّ الله؟ فقال الأنصاري: بلى يا رسول الله ولا شهادة له، فقال: أليس يشهد أن محمّداً رسول الله؟ قال: بلى، ولا شهادة له، قال: أليس يصلي؟ قال: بلى، ولا صلاة له، قال: اُولئك الذين نهى الله عن قتلهم رواه الشافعي( [299] ) وأحمد( [300] ).

الحديث الثامن عشر : في الصحيحين( [301] ) عن أبي هريرة(رضي الله عنه)قال: أتى اعرابي الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: دلّني على عمل اذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده لا اُزيد على هذا ولا اُنقص منه، فلما ولّى قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من سرّه أن ينظر الى رجل من أهل الجنة فلينظر الى هذ.

الحديث التاسع عشر : عن عمران بن مرّة الجهني قال: جاء رجل الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، أرأيت أن شهدت أن لا إله إلاّ الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلاة الخمس، وصمت رمضان وقته، فمن أنا؟ قال: من الصدّيقين والشهداء، رواه ابن حبان وابن خزيمة( [302] ) في صحيحهما [صحيحيهما].

الحديث العشرون : عن العباس بن عبد المطلب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبي رواه مسلم( [303] ).

الحديث الحادي والعشرون : عن سعد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من قال حين يسمع المؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه رواه مسلم( [304] ).

الحديث الثاني والعشرون : في الصحيحين( [305] ) عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلاّ الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.

الحديث الثالث والعشرون : حديث ابن عباس رضي الله عنهما، مرض أبو طالب وجاءته قريش وجاءه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر الحديث، وفيه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: اُريد منهم كلمة واحدة، يقولونها تدين لهم بها العرب، وتؤدي اليهم بها العجم الجزية، قالوا: كلمة واحدة؟ قال: كلمة، قولوا لا إله إلاّ الله، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنَّ هذا لشيء عجاب)( [306] ) الآية. رواه أحمد( [307] ) والنسائي( [308] ) والترمذي( [309] ) وحسّنه.

الحديث الرابع والعشرون : في الصحيحين( [310] ) عن سعيد بن المسيب عن أبيه، لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن اُمية، فقال: أي عم قل لا إله إلاّ الله كلمة اُحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي اُمية: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! فقال أبو طالب آخر كلامه: بل على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلاّ الله( [311] ).

الحديث الخامس والعشرون : حديث أبي بكر الصديق، قلت: يا رسول الله ما نجاة هذا الأمر ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قبل مني الكلمة التي عرضتُ على عمي فردّها فهي له نجاة رواه أحمد( [312] ).

الحديث السادس والعشرون : عن عبادة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من شهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأن محمّداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته، ألقاها الى مريم، وروح منه، وأنّ الجنة حق والنار حق، أدخله الجنة على ما كان من العمل رواه البخاري( [313] ) ومسلم( [314] ).

الحديث السابع والعشرون : عن أنس، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لمعاذ: ما من أحد يشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً رسول الله، صادقاً من قلبه، إلاّ حرّمه الله على النار، قال: يار سول الله، أفلا اُخبر به فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا، فاخبر بها معاذاً [ معاذ ] عند موته رواه البخاري( [315] ) ومسلم( [316] ).

الحديث الثامن والعشرون : عن عبادة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من شهد أنّ لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً رسول الله، حرّم الله عليه النار رواه مسلم( [317] ).

الحديث التاسع والعشرون : عن أبي ذر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من عبد قال لا إله إلاّ الله، ثم مات على ذلك إلاّ دخل الجنة رواه البخاري( [318] )ومسلم( [319] ).

الحديث الثلاثون : في الصحيحين( [320] ) عن عتبان، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إن الله حرّم على النار من قال لا إله إلاّ الله يبتغي بها وجه الله.

الحديث الحادي والثلاثون : عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاه نعليه فقال: اذهب بنعليّ هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله فبشره بالجنة رواه مسلم( [321] ).

الحديث الثاني والثلاثون : عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال: أسعد الناس بشفاعتي من قال : لا إله إلاّ الله خالصاً من قلبه رواه البخاري( [322] ).

الحديث الثالث والثلاثون : حديث اُم سلمة وذكر الحديث، وفيه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله عبد بهما غير شاك فيحجب عنه الجنة رواه البخاري( [323] ) ومسلم( [324] ).

الحديث الرابع والثلاثون : عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من مات وهو يعلم أن لا إله إلاّ الله دخل الجنة رواه مسلم( [325] ).

الحديث الخامس والثلاثون : حديث أنس في الشفاعة، وفيه قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فيخرج من النار من قال : لا إله إلاّ الله وفي قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله وفي قلبه من الخير ما يزن برّة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله وفي قلبه من الخير ما يزن ذرّة رواه البخاري( [326] ) ومسلم( [327] )، وفي الصحيح قريباً منه، من حديث أبي سعيد، ومن حديث الصدّيق عن أحمد( [328] ).

الحديث السادس والثلاثون : حديث معاذ، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من كان آخر كلامه لا إله إلاّ الله دخل الجنة( [329] ).

الحديث السابع والثلاثون : حديث معاذ، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): مفاتيح الجنة لا إله إلاّ الله رواه الامام أحمد( [330] ) والبزار( [331] ).

الحديث الثامن والثلاثون : عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قام لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فقام بلال فنادى بالآذان فلما سكت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قال مثل هذا يقيناً دخل الجنة رواه النسائي( [332] ) وابن حبان( [333] ) في صحيحه.

الحديث التاسع والثلاثون : عن رفاعة الجهني، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلاّ الله، وأني رسول الله صادقاً من قلبه ثم يسدد الى سلك الجنة رواه أحمد( [334] ).

الحديث الأربعون : عن ابن عمر (رضي الله عنه)، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلاّ حرّم الله عليه النار، لا إله إلاّ الله رواه الحاكم( [335] ).

الحديث الحادي والأربعون : عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: حضر ملك الموت رجلاً يموت فشق أعضائه فلم يجده عمل خيراً، ثم شق قلبه فلم يجد فيه خيراً، ثم فك لحييه فوجد طرف لسانه لاصقاً بحنكه يقول: لا إله إلاّ الله، فغفر له بكلمة الإخلاص رواه الطبراني والبيهقي( [336] ) وابن أبي الدنيا( [337] ).

الحديث الثاني والأربعون : حديث أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: موسى أيا رب، علّمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: قل لا إله إلاّ الله، قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا، قال: قل لا إله إلاّ الله، قال: انما اُريد شيئاً تخصّني به، قال: يا موسى لو أن السماوات السبع والأرضين السبع في كفّة مالت بهن لا إله إلاّ الله رواه بن [ابن] السني( [338] ) والحاكم( [339] ) وابن حبان( [340] ) في صحيحيهما.

الحديث الثالث والأربعون : عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قال لا إله إلاّ الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه رواه ابن حبان والطبراني( [341] ) والبزار ورواته رواة الصحيح.

الحديث الرابع والأربعون :عن عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا اُخبركم بوصية نوح ابنه؟ فقال: يا بني إني اُوصيك باثنين، اُوصيك بقول لا إله إلاّ الله فاَنها لو وضعت في كفة ووضعت السماوات والأرض في كفة لرجحت بهن، ولو كانت حلقة لفصمتهن حتى تخلص الى الله الحديث رواه البزار والنسائي( [342] )والحاكم( [343] ).

الحديث الخامس والأربعون : عن عبدالله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير رواه الترمذي( [344] ).

الحديث السادس والأربعون : عن أبي هريرة (رضي الله عنه) ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): جدّدوا إيمانكم؟ قالوا: يا رسول الله وكيف نجدّد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلاّ الله رواه أحمد( [345] ) والطبراني.

الحديث السابع والأربعون : عن عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سيخلص رجل من اُمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل منهما مدّ البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: ألك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: الله تبارك وتعالى: ان لك عندنا حسنة، فانّه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، فيقول: أحضروه، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ قال: فاَنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفّة والبطاقة في كفّة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء رواه الترمذي( [346] ) وحسّنه، وابن ماجة( [347] ) والبيهقي( [348] )، وابن حبان( [349] ) في صحيحه، والحاكم( [350] ) وقال: على شرط مسلم.

الحديث الثامن والأربعون : عن عبدالله بن عمر، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث وفيه: لا إله إلاّ الله ليس بينها وبين الله حجاب حتى تخلص اليه رواه الترمذي( [351] ).

الحديث التاسع والأربعون : عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يُدرس الإسلام كما يُدرس وشي الثوب، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صدقة ولا صلاة ولا نسك، ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى طوائف من الناس، الشيخ الكبير والعجوزة الكبيرة يقولون: أدركنا أباءنا على هذه الكلمة لا إله إلاّ الله، فنحن نقولها فقال: صلة بن زفر لحذيفة: فما يبقي عنهم لا إله إلاّ الله وهم لا يدرون ما صيام ولا صلاة ولا صدقة ولا نسك؟ فأعرض عنه حذيفة، فردّدها عليّ ثلاثاً، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة تنجيهم من النار، يا صلة تنجيهم من النار، يا صلة تنجيهم من النار رواه ابن ماجة( [352] ) والحاكم( [353] ) في صحيحه، وقال: هذا حديث على شرط مسلم.

الحديث الخمسون : عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ثلاث من أصل الايمان، الكفّ عمن قال لا إله إلاّ الله، لا تكفّره بذنب ولا تخرجه من الإسلام بعمل الحديث رواه أبو داود( [354] ).

الحديث الحادي والخمسون : عن عبدالله بن عمر، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: كفّوا عن أهل لا إله إلاّ الله، لا تكفّروهم بذنب، فمن كفّر أهل لا إله إلاّ الله فهو الى الكفر أقرب رواه الطبراني( [355] ).

الحديث الثاني والخمسون : في الصحيحين( [356] ) عن عبدالله بن مسعود(رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر وفي الصحيحين( [357] ) أيضاً من حديث أبي ذر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلاّ ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبها كذلك وفي الصحيحين( [358] ) عن ثابت ابن الضحاك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : من قذف مؤمناً بالكفر فهو كقتله وفي الصحيح( [359] ) من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه)، ومن حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أيّما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهم، والله سبحانه وتعالى أعلم، ونسأله من فضله أن يختم لنا بالإسلام والإيمان، وأن يجنّبنا مما يغضب وجهه الكريم، وأن يهدينا وجميع المسلمين صراط المستقيم، اَنه رحيم كريم، والحمد لله رب العالمين، أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلم أجمعين .

مصادر التحقيق والتعليق

ـ القرآن الكريم .

ـ الاعلام / خير الدين الزركلي .

ـ الاخبار الطوال / احمد بن داود الدينوري / تحقيق عبدالمنعم عامر .

ـ أعيان الشيعة / محسن الامين العاملي .

ـ الاعتصام / أبو اسحق الشاطي .

ـ الاقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل / موسى الحجاوي المقدسي / مصر

ـ أبو طالب مؤمن قريش / عبدالله الخنيزي .

ـ اُسد الغابة في معرفة الصحابة / عليّ بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير / بيروت.

ـ الاصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني / دار الكتاب العربي بيروت .

ـ الاستيعاب في أسماء الاصحاب / القرطبي المالكي / هامش كتاب الاصابة / بيروت .

ـ الاداب الشرعية والمنح المرعية / محمّد بن مفلح المقدسي / دار العلم بيروت .

ـ الايمان / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / ط دار الكتب العلمية / كذلك طبعة المكتب الاسلامي .

ـ الاذكار / يحيى بن شرف النووي الدمشقي / دار نهر النيل .

ـ اقتضاء الصراط المستقيم / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / دار الكتب العلمية .

ـ اعلام الموقعين عن رب العالمين / محمّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية / مطبعة السعادة ـ مصر .

ـ اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان / محمّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية / دار الكتب العلمية .

ـ بحوث في الملل والنحل / الشيخ جعفر السبحاني / جماعة المدرسين في قم .

ـ البداية والنهاية / ابو الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي / دار احياء التراث .

ـ البدعة وآثارها الموبقة / جعفر السبحاني .

ـ البدعة / الدكتور جعفر الباقري / المجمع العالمي لاهل البيت (عليهم السلام).

ـ بغية المرتاد/ احمد بن عبدالحليم بن تيمية / دار الفكر العربي .

ـ البحر الزخار المعروف بمسند البزار / احمد بن عمرو البزار / المدينة المنورة .

ـ تاريخ اليعقوبي / احمد بن أبي يعقوب / مؤسسة الاعلمي .

ـ تحرير الوسيلة / الإمام الخميني / مؤسسة النشر الاسلامي .

ـ تاريخ الطبري / محمّد بن جرير الطبري/ مؤسسة الاعلمي .

ـ التفسير الكبير / محمّد بن عمر المعروف بالفخر الرازي / ط 3 مؤسسة النشر الاسلامي .

ـ تاريخ الفرق الاسلامية / محمّد خليل الزين / بيروت

ـ تاريخ بغداد / احمد بن عليّ الخطيب البغدادي / دار الكتب العلمية.

ـ تاريخ مدينة دمشق / عليّ بن الحسن المعروف بابن عساكر / دار الفكر.

ـ تاريخ الإسلام / محمّد بن أحمد الذهبي / دار الكتاب العربي.

ـ تفسير الدر المنثور / السيوطي / مكتبة آية الله المرعشي العامة .

ـ تفسير الطبري / محمّد بن جرير الطبري / دار الكتب العلمية .

ـ حلية الأولياء / احمد بن عبدالله الاصبهاني / دار الكتاب العربي.

ـ جامع الرسائل / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / القاهرة.

ـ جواهر الكلام / محمّد حسن النجفي / مؤسسة النشر الاسلامي / قم.

ـ الجواب الباهر / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / المطبعة السلفية.

ـ دلائل النبوة / احمد بن الحسين البيهقي / دار الكتب العلمية.

ـ الذخيرة / محمّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية.

ـ الكامل في التاريخ / عليّ بن ابي الكرم المعروف بابن الاثير / دار الفكر بيروت.

ـ الكامل في الضعفاء / عبدالله بن عدي الجرجاني / دار الفكر.

ـ كنز العمال / عليّ بن حسام المتقي الهندي / مؤسسة الرسالة .

ـ كشف الظنون / حاجي خليفة .

ـ كتاب الفروع / محمّد بن مفلح المقدسي / عالم الكتب .

ـ كشف الارتياب / محسن الامين العاملي .

ـ الكلم الطيب / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / المكتب الاسلامي.

ـ زاد المعاد في هدي خير العباد / محمّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية / ط مصر / دار الفكر .

ـ السيرة النبوية / ابن هشام.

ـ السنن المأثورة / محمّد بن ادريس الشافعي / دار المعرفة .

ـ السنن الكبرى / احمد بن الحسين البيهقي / دار الكتب العلمية .

ـ سنن ابن ماجة / محمّد بن يزيد القزويني / دار احياء التراث العربي .

ـ سنن الترمذي / محمّد بن عيسى بن سورة / دار الفكر .

ـ سنن أبي داود / سليمان بن الأشعث / دار الفكر .

ـ سلسلة الاحاديث الضعيفة / ناصر الدين الالباني / المكتب الاسلامي .

ـ سنن النسائي بشرح السيوطي / احمد بن شعيب النسائي / بيروت .

ـ السنن الكبرى / احمد بن شعيب النسائي / دار الكتب العلمية .

ـ شرف اصحاب الحديث / احمد بن عليّ الخطيب البغدادي / أنقره - تركيا .

ـ شعب الايمان / احمد بن الحسين البيهقي / دار الكتب العلمية .

ـ صحيح البخاري / محمّد بن اسماعيل البخاري / دار الفكر .

ـ صحيح ابن حبان / ابو حاتم بن حبان بن احمد / مؤسسة الرسالة .

ـ صحيح مسلم / مسلم بن الحجاج القشيري / دار الفكر .

ـ صحيح ابن خزيمة / محمّد بن اسحق بن خزيمة السلمي / المكتب الاسلامي .

ـ الطبقات الكبرى / محمّد بن سعد / دار الفكر .

ـ صلح الاخوان / داود النقشبندي / طبع نخبة الاخبار .

ـ طريق الهجرتين وباب السعادتين / محمّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية / القاهرة.

ـ عبدالله بن سبأ واساطير اخرى / مرتضى العسكري / بيروت .

ـ عمل اليوم والليلة / أبو بكر بن السني / مصر .

ـ الغدير / عبدالحسين الاميني / دار الكتب الاسلامية .

ـ الفهرست / محمّد بن اسحق النديم / طهران .

ـ الفتاوى الكبرى / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / دار المعرفة .

ـ الفقه على المذاهب الاربعة / عبدالرحمن الجزيري / دار الفكر بيروت .

ـ الفرقان بين الحق والباطل / محمّد بن عبدالحليم بن تيمية / مصر .

ـ الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / مصر .

ـ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / دار الكتاب العربي .

ـ القصيدة النونية / محمّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية / دار المعرفة .

ـ المقالات والفرق / سعد بن عبدالله الاشعري / وزارة الثقافة والتعليم في الجمهورية الاسلامية في ايران .

ـ مجموعة الرسائل الكبرى / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / دار احياء التراث العربي .

ـ مجمع الزوائد / عليّ بن أبي بكر الهيثمي / دار الفكر .

ـ منهاج السنّة النبوية / احمد بن عبدالحليم بن تيمية / جامعة الإمام محمد بن سعود .

ـ منهج الرشاد / جعفر كاشف الغطاء / المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام).

ـ مدارج السالكين / محمّد بن ابي بكر المعروف بابن القيم الجوزية / دار الكتاب العربي.

ـ معالم السنن / حمد بن محمّد الخطابي / دار الكتب العلمية .

ـ المستدرك على الصحيحين / ابو عبدالله الحاكم النيسابوري / دار المعرفة .

ـ مسند الشاميين / سليمان بن احمد الطبراني / مؤسسة الرسالة.

ـ المعجم الكبير / سليمان بن احمد الطبراني .

- المعجم الاوسط / سليمان بن احمد الطبراني / القاهرة .

ـ المعجم الصغير / سليمان بن احمد الطبراني .

ـ مسند أبي عوانة / يعقوب بن اسحق الاسفرايني / ط حيدر آباد الدكن . ط 1 .

ـ المسند / احمد بن حنبل / ط الميمنية / مصر .

ـ مسند أبي يعلى / مؤسسة علوم القرآن .

ـ معاني القرآن واعرابه / ابراهيم بن السري الزجاج / عالم الكتب .

ـ مجموعة الرسائل والمسائل / احمد بن عبدالحكيم بن تيمية / لجنة التراث العربي .

ـ محاسن التأويل / محمّد جمال الدين القاسمي / دار الفكر .

ـ مفتاح دار السعادة / محمّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية / دار المعرفة .

ـ مناقب الشافعي / احمد بن الحسين البيهقي / ط القاهرة .

ـ مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة / محمّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية / دار الكتب العلمية .

ـ النص والاجتهاد / عبدالحسين شرف الدين / انتشارات اُسوة .

ـ الوابل الصيب في الكلم الطيب / محمّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية / القاهرة.

محتويات الكتاب

مقدمة التحقيق 5

مقدمة في التقليد والاجتهاد 11

الفصل الأول

الحذر من تكفير المسلمين 21

الفصل الثاني

اعذار الجاهل والمخطئ 33

الفصل الثالث

قد يجتمع في المسلم الكفر والإسلام 37

الفصل الرابع

عدم كفر الخوارج 41

الفصل الخامس

عدم كفر اهل الردّة 47

الفصل السادس

عدم كفر القدرية 53

الفصل السابع

عدم كفر المعتزلة 59

الفصل الثامن

عدم كفر المرجئة 63

الفصل التاسع

عدم كفر الجهمية 67

الفصل العاشر

مذهب السلف في عدم تكفير الفرق الاسلامية 73

الفصل الحادي عشر

اجتماع الايمان والكفر والنفاق في المسلم 95

الفصل الثاني عشر

إناطة الاحكام الشرعية بالظاهر لا الباطن 101

الفصل الثالث عشر

وجوه تدل على عدم جواز تكفير المسلمين 109

الفصل الرابع عشر

وجوه اخرى تدل على عدم جواز تكفير المسلمين 117

الفصل الخامس عشر

وجه آخر يدل على عدم جواز تكفير المسلمين 129

الفصل السادس عشر

دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين 135

الفصل السابع عشر

دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين 141

الفصل الثامن عشر

دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين 145

الفصل التاسع عشر

دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين 149

الفصل العشرون

دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين 155

الفصل الحادي والعشرون

دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين 159

الفصل الثاني والعشرون

دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين 165

الفصل الثالث والعشرون

دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين 169

الفصل الرابع والعشرون

دليل آخر على عدم جواز تكفير المسلمين 175

الفصل الخامس والعشرون

ما قاله ابن القيّم في صفة المشركين 183

الفصل السادس والعشرون

ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صفة المسلم 191

مصادر التحقيق والتعليق 211

محتويات الكتاب 217