بهذه الروح الشفّافة الواعية المنفتحة على هموم الواقع وتحدياته . . . يمضي الامام الراحل في تشخيص الخلل وإعطاء البديل . ولو تسنّى لنا متابعة كلّ ما ذكره في خطاباته وكتاباته ووصاياه; لوجدنا أنّ الامام(رحمه الله) لا يفتأ يميط اللثام عن اشكاليات المرحلة ، ولا يتوانى عن استعمال مبضعه كالجرّاح في العلاج ، كلّ ذلك في نطاق التزام صارم بالمشروع الاسلامي ، والانضواء تحته ، مهما كانت الظروف ، ومهما بلغت التحديات ، فالخميني لا يعرف شيئاً اسمه الانصياع أو حتى التراجع!
هذا الانضواء الكفاحي ، على صعيد حركة التبليغ والدعوة ، كما نلاحظ ـ يقول كاتب مرموق ـ يصل عند الامام الى مستوى الذوبان في المشروع الاسلامي ، فلا يتنفس إلاّ من خلاله ، منفتحاً به على أصحاب الحق ، يلاحقهم الى أقصى مكان في الأرض مرشداً وشاهداً غير مضطرب ولا متعثّر . فإيمانه بهم يعدل إيمانه بشرعية مشروعهم الذي هو مشروعه في كلّ حال . ولا يستثني في دعوته الى الاسلام أحداً من الأمة . وهو وإن خاطبها بكليتها أفقياً ، فلم يفته التوجه أيضاً الى شتى شرائحها العمودية من أهل الشارع الى الحكام ، فلا أحد في الأمة محسوب خارج نطاق الرسالة : «انفخوا في أهل السوق والشارع ، وفي العامل والفلاح والجامعي ، روح الجهاد ، فيهب الجميع الى الجهاد . . . الكلّ يطلب الحرية والاستقلال والسعادة والكرامة»بذلك يوصي الامام المبلغين ليوصي المبلغون غيرهم ، فتنتقل الحركة بالرسالة من حلقة الى حلقة ، ومن يد الى يد لتبلغ الهدف النهائي32 .
وعلى مدى عمره الحافل بالعطاء والمواقف المشهودة . . . لم يتخلَّ الإمام يوماً عن اداء مهامه الثقيلة ، حتى وهو في آخر شيخوخته . ولقد حملت نداءاته المتكررة الى حجاج بيت الله الحرام الكثير من توجيهاته القيمة في هذا الاتجاه . وهنا نقف ـ بشكل خاص ـ أمام ندائه الذي وجهه لهم عام 1400هـ . كعيّنة لتلك النداءات ، ولما تنطوي عليه من أفكار ورؤى وحلول .