إنّ الحكمة والفلسفة في الحج هي تسلية الحج والبيت للمسلمين وتشويقهم وتقوية إيمانهم وغفران ذنوبهم . . . لأنّ الشوق غريزة في الإنسان الحي السليم وحاجة من حاجاته ، فيبحث له عمّا يقضي به حاجاته ويروي غلته ، وكان البيت العتيق وما حوله من شعائر الله والحج وما فيه من مناسك خير ما يحقّق رغبته ويسلّي شوقه وعاطفته ، وقد قال الله تعالى في بيان هذه الحكمة والفلسفة : {وَ إِذْ بَوَّأْنا لاِِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِر يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجّ عَمِيق * لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّام مَعْلُومات عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ اْلأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}20 ، وأيضاً قال تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}21.
يقول الإمام الغزالي : فالشوق إلى لقاء الله تعالى يشوقه إلى أسباب اللقاء لا محالة ، هذا مع أنّ المحبّ مشتاق إلى كلّ ما له إلى محبوبه إضافة والبيت مضاف إلى الله تعالى ، ـ فالبحري أن يشتاق اليه بمجرّد هذه الإضافة ـ فضلا عن الطلب لنيل ما وعد عليه من الثواب الجزيل22 .
يقول الشيخ أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي : ربما يشتاق الإنسان إلى ربّه أشد شوق ، فيحتاج إلى شيء يقضي به شوقه فلا يجده إلا في الحج23 .