إنّ الأضحية من الواجبات التي أوجبها الله في الحج . ويرجع ذلك إلى الامتحان الذي ابتلى إبراهيمَ الخليل ربّهُ به ، وقال عزّ من قائل : { . . . قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ الصَّابِرِينَ}24 .
وإبراهيم(عليه السلام) علم في المشعر الحرام بأنّ وظيفته هي (ذبح ابنه) . روى علي ابن إبراهيم في تفسيره ذيل هذه الآية الشريفة روايةً ننقل فقرات منها :
«ثمّ أمره الله بالذبح ، فإنّ إبراهيم(عليه السلام)حين أفاض من عرفات بات على المشعر الحرام وهو فزع فرأى في النوم أن يذبح ابنه . . . وأقبل شيخ [ظهر الشيطان في صورته] فقال : يا إبراهيم! ما تريد من هذا الغلام؟
قال : أريد أن أذبحه .
فقال : سبحان الله! تذبح غلاماً لم يعصِ الله طرفة عين! .
فقال إبراهيم(عليه السلام) : إنّ الله أمرني بذلك .
فقال : ربّك ينهاك عن ذلك وإنّما أمرك بهذا الشيطان .
فقال له إبراهيم(عليه السلام) : ويلك إنّ الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي أمرني به ، والكلام الذي وقع في أذني . . .»25 .
فلمّا تبيّن أنّه (عليه السلام) عازم جدّاً لذبح ابنه ، أرسل الله سبحانه وتعالى له كبشاً عوضاً عنه ، حيث قال سبحانه :
{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الُْمحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْح عَظِيم* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاْخِرِينَ* سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ* كَذَلِكَ نَجْزِي الُْمحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}26 .
وصار الذبح سنّةً ودخل في الإسلام كواجب شرعي ، فوجب على كلّ حاج أن يشتري من صفو ماله هدياً ليذبحه .
لقد ذكر العالم والعارف الربّاني ملاّ أحمد النراقي(رحمه الله) كلاماً ننقل منه بعض ما يرتبط بالذبح : « . . . إنّ الحاج عندما ذبح هديه ، يتنبّه أنّ هذه الذبيحة تشير إلى حقيقة هي : بسبب الحجّ قد ظفرتُ على الشيطان والنفس الأمّارة وقتلت كليهما وفرغت من العذاب الإلهي . وبعد هذا (الذبح) لزم أن يتعهّد على عدم تراجعه أبداً إلى فعل المعاصي التي ارتكبها سابقاً ، وأن يتوب عن الأعمال القبيحة . ويلتزم أيضاً أن يكون صادقاً في هذا الميثاق . ثمّ إنّه قد أظهر الحاج بعمله هذا أنّه طرد الشيطان وبادر على تذليل النفس الأمّارة»27 .
ولا يخفى أنّه إذا احتاج أداء الواجب الشرعي لصرف الأموال وبذل النقود فحينئذ يكشف البخيل عن الجواد ويفترق المؤمن المنقاد عن غيره وهكذا .
إنّ بذل المال بلغ مرتبة من الأهمّية بحيث صار تلواً لبذل النفس ، قال الله عزّوجلّ : { إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ . . .}28 بل المال عند كثير من الناس صار أهم من النفس ، فوا سوأتا! لو ترى من يعيش لجمع المال ولا يصرف المال ليعيش!
والحاجّ حينما وصل إلى منى وصرف المال لأداء الواجب الشرعي ، ألا وهو الذبح ، فقد رغم أنف الشيطان وهيّأ أرضيةً مناسبة لغفران ذنبه وقبول توبته .
قال الإمام أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) : «لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا وضحّوا ، إنّه ليغفر لصاحب الأضحية عند أوّل قطرة تقطر من دمها»29 .
وقال(عليه السلام) أيضاً : «سمعتُ رسول الله(صلى الله عليه وآله) يخطب يوم النحر ، وهو يقول : هذا يوم الثجّ والعَجِّ . والثجُّ; ما تهريقون فيه من الدماء ، فمن صَدَقت نيّته كانت أوّل قطرة له كفارة لكلّ ذنب . والعَجُّ; الدعاء ، فعجُّوا إلى الله ، فوالذي نفس محمّد بيده لا ينصرف من هذا الموضع أحد إلاّ مغفوراً له ، إلاّ صاحب كبيرة مصرّاً عليها لا يحدّث نفسه بالإقلاع عنها»30 .
فقد تبيّن أنّ الذبح طريق لاستنزال رحمة الله وغفرانه وقد علّمنا الرسول(صلى الله عليه وآله) والإمام(عليه السلام) أنّ هذا الطريق سبب لقبول توبة العباد وغفرانهم .
ولما للذبح من أهمّية وفوائد نرى الإمام عليّاً(عليه السلام) يضحي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويقول في بداية الذبح : «بسم الله ، وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين ، اللّهم منك ولك ، اللّهم هذا عن نبيّك» ، ويذبح كبشاً آخر عن نفسه31 .