الرمي
لسنا الآن بصدد
بيان فلسفة أحكام الحجّ وكم لها من علل وأسباب ، بل أردنا أن ننظر إلى
البُعد المعنوي الذي به قوام الحكم ، وفي ضوئه يتّضح طريق الحقّ ومسيرة
الفلاح .
ولا يستثنى
الرمي هنا ، إنّ رمي الجمار ليس المقصود به مجرّد رمي الجمرات الثلاث;
الأولى والوسطى والعقبة بعدد من الحصى ، بل الرمي هو رمي الشيطان ،
فبالرمي يبتعد الإنسان المؤمن عن الشيطان ، ويتقرّب أكثر فأكثر من حضرة
الحقّ ، ولا يحصل ذلك للرامي إن كان من حزب الشيطان ، وبالتالي فلا
يرمي إلاّ نفسه ، فيجب عليه أوّلا أن يخرج من ذلك الحزب الخاسر ،
حتى يستطيع اللحاق بحزب الله تعالى .
يقول الإمام
أمير المؤمنين(عليه السلام) : «إنّ
الجمار إنّما رميت لأنّ جبرئيل حين أري إبراهيم المشاعر برز له
إبليس ، فأمره جبرئيل أن يرميه، فرماه بسبع حصيات، فدخل عند الجمرة
الأخرى تحت الأرض فأمسك ، ثمّ برز له عند
الثانية فرماه بسبع حصيات أُخر، فدخل تحت الأرض موضع
الثانية ، ثمّ إنّه برز له في موضع الثالثة فرماه بسبع حصيات، فدخل في
موضعها» 21.
وقد نقل عن
رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «رمي الجمار ذخر يوم القيامة» 22 .
وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً : «الحاجّ إذا رمى الجمار خرج من ذنوبه»
23 .
فتبيّن من جميع
ما ذكر أنّ الرمي ليس عملا عبادياً جافّاً فقط ، إنّه عمل معنوي مقارن
مع قصد القربة إلى الله سبحانه وتعالى ، ويفسد هذا العمل بسبب الرياء
الذي هو جند من جنود إبليس .