ما هي المعنوية؟
إنّ استفتاح
رحمة الله الواسعة ، واستنزال بركاته الثمينة ، يحتاج إلى مقدّمات
ومبادئ ، كلّما حصل منها شيء ، حصل القرب إليه سبحانه وتعالى
بمقدار ذلك ، فالتقرّب إلى الحقّ المبين يساوق المعنوية ، فلا
معنوية إلاّ بالتقرّب .
يقول بعض
العلماء المهذّبين :
«اعلم أيّها
الطالب للوصول إلى بيت الله الحرام; أنّ للحضرة الأحديّة ـ جلّ شأنه العظيم ـ
بيوتات مختلفة :
منها :
الكعبة الظاهرية .
ومنها :
البيت المقدّس .
ومنها :
البيت المعمور .
ومنها :
العرش .
ومنها :
القلب .
ومنها :
الكعبة الحقيقية .
ولا شكّ ولا
ريب في أنّه لكلّ بيت من البيوت لطالبه رسوم وآداب . . . ثمّ
اعلم أنّه لعلّ الغرض من تشريع الحجّ أنّ المقصود الأصلي من خلق الإنسان هو
معرفة الله ، والوصول إلى درجة حبّه والأنس به ، ولا يمكن حصول
هذين الأمرين إلاّ بتصفية القلب ، ولا يمكن ذلك إلاّ بكفّ النفس عن
الشهوات ، والانقطاع من الدنيا الدنيّة ، وإيقاعها على المشاق من
العبادات ، ظاهرية وباطنية»1 .
إنّ الإمام
عليّاً(عليه السلام) كتب إلى الحارث الهمداني كتاباً يكون بمثابة فصل الخطاب
حول تحصيل مواضع العبودية ، والوصول إلى المراتب المعنوية ، والآن
نذكر فقرات من ذلك الكتاب تتميماً للفائدة :
«وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه،
وأحلّ حلاله ، وحرِّم حرامه ، . . . واحذر منازل
الغفلة والجفاء وقلّة الأعوان على طاعة الله ، . . .
وأطع الله في جُمَلِ أمورك ، فإنّ طاعة الله فاضلةٌ على ما سواها ،
وخادع نفسك في العبادة ، وارفق بها ولا
تقهرها ، . . . وإيّاك أن ينزل بك الموت وأنت آبِقٌ من
ربّك في طلب الدنيا ، وإيّاك ومصاحبة الفُسّاق ، فإنّ الشرّ بالشرّ
ملحقٌ ، ووقّر الله وأحبب أحبّاءه ، واحذر الغضب ، فإنّه
جُندٌ عظيم من جنود إبليس ، والسّلام» 2 .
فتبيّن من
هذا أنّ تحصيل الكمالات يحتاج إلى العمل الصالح ، والزجر والابتعاد من
حرمات الله ، وبهذا وبغيره يصير الإنسان وعاءً صالحاً للمعنويات ،
ويصير أيضاً حقيقاً لاستفتاح الرحمة واستنزال البركة ، وجديراً لأن يكون
عالَماً ربّانياً . وفّقناالله لإدراك هذه المراتب
والدرجات .