زعماء مکة

قاسم محمد

نسخه متنی -صفحه : 11/ 2
نمايش فراداده

زعماءُ مكّة

نحاول أن نتحدث عن إلمامة تاريخية سريعة عن تاريخ الزعماء ، الذين اُنيطت بهم إدارة مكّة المكرمة من أول الأنبياء آدم(عليه السلام) حتى خاتم الأنبياء محمد(صلى الله عليه وآله) . وعن المشاريع والتشريعات والأحداث التي حدثت لكلّ واحد من هؤلاء الزعماء والقادة . وقد تشرفت مكة في هذه الفترة أن يكون من بين زعمائها مجموعة من الأنبياء(عليهم السلام)والصالحين من القادة ; ولذا حظيت مكّة بأفضل الأنساب وأفضل القيادات ، وصدرت منها أفضل التشريعات ، حتى في الجاهلية التي احتفظت ببعض الأعراف والتقاليد الجيدة وعندما جاء الإسلام أقرَّ الكثير منها ، ثم إنّ الكثير من الأحداث التي حدثت فيها تعدُّ أحداثاً عالمية تأثرت بها معظم الأمم والشعوب ، وتحدثت عنها الكتب السماوية المقدسة بما فيها القرآن الكريم ، واُمهات الكتب التاريخية المهمّة ، وما حظيت مدينة في العالم من الاهتمام كالذي حظيت به مكّة .

أهمية مكّة

تعود أهمية زعماء مكة ، إلى أهميتها من الناحية التأريخيه ، والمعنوية والاقتصادية .

الناحية التأريخية والخلاف في قدم مكة

فمن الناحية التأريخية . فقد اُختلف في تأريخ مكة ، هل كانت قائمة قبل إبراهيم(عليه السلام) ثم عرض عليها الخراب بعد ذلك فجدّدها إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) ، أم أنّ تاريخ بنائها وإنشائها يعود إلى إبراهيم(عليه السلام)؟ ذهب بعض أهل التفسير وكتّاب التأريخ من المسلمين إلى أنّها أسبق من إبراهيم(عليه السلام) ويعود تأريخها إلى آدم(عليه السلام) ، مستدلين على ذلك بمجموعة من الروايات والأقوال والأقاصيص . في حين ذهب الرأي الآخر إلى أنّ هذه الروايات أخبار آحاد . والأقوال والأقاصيص خرافات وإسرائيليات ، وبعضها يعتمد على ما حرّف من التوارة والإنجيل ، فلا مجال للاعتماد عليها . وإنما المتيقن أنّ إبراهيم هو أول من بناها . كتاباً وسنةً صحيحةً . وبعضهم توقف عن الحكم . وقالوا : الله أعلم; لأنّ العقل لا مجال له للحكم في هذا الباب سلباً أو إيجاباً1.

دافع السيد الطباطبائي2 عن الرأي القائل بقدم مكة : فقال في معرض تعليقه على هذه الأخبار «ونظائر هذه المعاني كثيرة واردة في أخبار العامة والخاصة وهي وإن كانت آحاداً غير بالغة حدّ التواتر لفظاً أو معنى ، لكنّها ليست معادمة النظير في أبواب المعارف الدينية ولا موجب لطرحها من رأس» وفي موضع آخر أثناء رده على الرأي الآخر : قال : «ما ذكره لا يخلو من وجه في الجملة إلاّ أنـّهُ أفرط في المناقشة ، فإنّ التناقض أو التعارض إنما يضرّ لواحد بكلّ واحد منها .

أما الأخذ بمجموعها من حيث هي ـ بمعنى لا يطرح الجميع لعدم اشتمالها على ما يستحيل عقلا أو يمنع عقلا ـ فلا يضره التعارض الموجود فيها ، هذا بالنسبة لأخبار المعصومين (الأنبياء والأئمة(عليهم السلام)) ، أما غيرهم من المفسّرين فحالهم حال غيرهم من الناس ، وحال ما ورد من كلامهم الخالي عن التناقض حال كلامهم المشتمل على التناقض ، وبالجملة لا موجب لطرح رواية أو روايات إلاّ إذا خالفت الكتاب والسنة القطعية ، أو لاحت منها لوائح الكذب والجعل»3.

ويمكن إضافة بعض المرجحات التي تدعم هذا الرأي

المرجح الأول : ما جاء في الكتاب العزيز عند قوله تعالى على لسان إبراهيم(عليه السلام) : {ربّنا إنّي أسكنتُ من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم}4 فقول إبراهيم(عليه السلام) عند بيتك المحرم يدل على أنّ البيت كان قبل ذلك ، إلاّ أنـّه دخل عليه الخراب . نعم هناك توجيهات اُخر للآية كأن يقال : إنّ كلام إبراهيم(عليه السلام) هذا كان آخر عمره بعد بنائه للبيت الحرام . وبعدما سكنته جرهم . وهذا يمنعه أن يكون دليلا ، ولا يمنعه أن يكون مرجحاً . وكذلك الكلام في قوله تعالى : {إنّ أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة}5 فيمكن حمل الأول على أقدم بيت وضع للعبادة في عصر آدم(عليه السلام) لا كونه أقدم من القدس كما في بعض التفاسير .

المرجح الثاني : ما ورد في خطبة القاصعة في نهج البلاغة6 . قال أمير المؤمنين : (أَلا ترون أنّ الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم (صلوات الله عليه) الى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضرّ ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً؟) وفيه صراحة أن البيت وضع من لدن آدم(عليه السلام) .

المرجح الثالث : مرجح عقلي ، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى بعد إخراج آدم من الجنة. لايعقل أن يتركه من غير أن يعلمه مراسم عبادية تناسب موقعه الجديد حتى يأنس بها ويروي غريزة العبودية لله تعالى . وعلى قول الشهيد الصدر رضوان الله عليه:7 إنّ العبادة حاجة إنسانية ثابتة في نفس الإنسان في جانبها الحسي المعنوي. والقبلة والحج من أبرز المظاهر العبادية الحسية والمعنوية . فما المانع أن يكون البيت الحرامولدمع آدم(عليه السلام)ليلبي تلك الحاجة . ونحن نعلم ما للحج من فضيلة وأثر في هذا المجال؟! فقد ورد عن الباقر(عليه السلام)8 : «لا زال الدين قائماً ما قامت الكعبة» وعن أبي عبدالله(عليه السلام) : «الحجّ أفضل من الصلاة والصيام» .

وإنّ القرآن الكريم قرن ترك الحج بالكفر إذ قال تعالى : {ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومَن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين}9 وغير هذا كثير .

وإذا ثبت هذا عند ذلك نقول : إنَّ زعامة مكة بدأت بآدم(عليه السلام) وبأوصيائه من بعده ، إلى أن دبّ الفساد في بني آدم ، عند ذلك هجروا الكعبة . وبقيت مهجورةً من زمن نوح(عليه السلام) بعد الطوفان ، من غير زعامة ولا سكن إلى أن جاء إبراهيم(عليه السلام) فأعاد بناءها وجدّد مناسكها . وظهر ماء زمزم فيها ، ثم بقيت قائمةً شامخةً تهوي إليها أفئدةٌ من الناس إلى يومنا هذا .