فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 48
نمايش فراداده

شرطيّة العقل في القصاص

(43) شرطيّة العقل ممّا لا كلام ولا إشكال فيه ، فلا قصاص على المجنون ; إجماعاً ، ونصوصاً . عموماً كحديث رفع القلم[671] ، وخصوصاً كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : قال : «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته ، خطأً كان أو عمداً»[672] .

وموثّق السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) يسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً ، فجعل الدية على قومه ، وجعل خطأه وعمده سواء»[673] .

وخبر بريد العجلي : قال : سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً عمداً ، فلم يقم عليه الحدّ ولم تصحّ الشهادة عليه حتّى خولط وذهب عقله ، ثمّ إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أ نّه قتله ، فقال : «إن شهدوا عليه أ نّه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به ، وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل ، وإن لم يكن له مال أعطى الدية من بيت المال ، ولا يبطل دم امرء مسلم»[674] .

وخبر أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليه السلام) أ نّه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ : «عمدهما خطأ تحمله العاقلة ، وقد رفع عنهما القلم»[675] .

وعن «دعائم الإسلام»[676] عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قال : «ما قتل المجنون المغلوب على عقله والصبي ، فعمدهما خطأ على عاقلتهما» .

وقال أبو جعفر (عليه السلام) : «إذا قتل رجل رجلاً عمداً ، ثمّ خولط القاتل في عقله بعد أن قتله وهو صحيح العقل ، قتل إذا شاء ذلك وليّ الدم ، وما جنى الصبي والمجنون فعلى عاقلتهما»[677] .

وقال الصدوق في «المقنع» : «وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل جناية المعتوّه على عاقلته ، خطأً كانت جنايته أو عمداً»[678] .

ولا يخفى أنّ الظاهر كون الاستدلال برفع القلم برفعه القصاص بنفسه ، لكن مع توقّفه على عموميّة القلم للوضع والتكليف ، وعدم اختصاصه بالثاني فقط ، متوقّف أيضاً على كون القصاص مجعولاً على القاتل ، كجعله لوليّ الدم ، وهو محلّ تأ مّل وإشكال ، حيث إنّ القصاص للأولياء ، (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)[679] ، و (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيـوةٌ يـا أُولِي الاَْلْبَابِ)[680] .

وما في بعض الأخبار من نسبة القود والقصاص إليه ، فالظاهر أ نّها بيان اللازم كما لا يخفى . فالأولى ـ إن لم يكن متعيّناً ـ الاستدلال بالحديث برفع الحرمة ، حيث إنّ القصاص والقود جزاء مترتّب على القتل المحرّم ، فبرفع الحرمة يرتفع القصاص ، وعليه فالقصاص مرفوع برفع الموضوع لا بنفسه وبلا واسطة رفع الحرمة ، والأمر في ذلك سهل بعد تمامية الاستدلال .

وعلى أيّ حال لا فـرق في المجنون بين أن يكون مطبقاً أو إدواريّاً إذا قتل حين الجنون ، كما هـو واضح ; للإطلاق وعدم الخصوصيّة للمطبق ، فإنّ المناط الجنون .

هل تثبت الدية على العاقلة في المجنون أم لا ؟

وتثبت الدية على عاقلته عندنا ، كما في «الجواهر» ، وفيه التعليل بقوله : «لأنّ عمده خطأ»[681] .

ويدلّ عليه صحيح ابن مسلم[682] ، وموثّق السكوني[683] ، وخبر أبي البختري[684] من تلك الأخبار الخاصّة التي مضى نقلها ، ولا إشكال في حجيّتها وتماميّة الاستدلال بها على المدّعى سنداً ودلالةً .

وليس في ما فيها وما في الفتاوى من كون الدية على العاقلة ، وفي الجملة بالنسبة إلى بعض الموارد ، مخالفةً للقواعد ولا مورداً للإشكال والكلام أصلاً ، وذلك مثل ما كان المجنون مضرّ بالناس ومهاجماً عليهم كما سيظهر وجهه .

وإنّما الكلام والإشكال بنظري القاصر في إطلاق تلك الأحاديث والفتاوى ; وذلك لشمولهما المجنون الذي ليس بضارٍّ للناس ، ولا خطر فيه عليهم ، ولا يهجم عليهم بحيث لابدّ من المحافظة عليه بالحبس والقيد لئلاّ يضرّ الناس ويقتلهم ، وهذا هو الغالب في المجانين ، وأ مّا الخَطر والمهاجم منهم فقليل جدّاً .

وذلك[685] لأنّ الحكم بكون الدية في الغالب ـ الذي لايكون مضرّاً وخطرياً على العاقلة ـ موجب لكون ضمان المجنون وضرره على الغير ، أي العاقلة ، وجعل وزره عليه ، وهل هذا إلاّ ظلمٌ وضررٌ على العاقلة ووزر عليها ، مع عدم دخالتها في الضمان والوزر من رأس ؟ ! وهل لا يكون إطلاق الخبر الدالّ على ذلك مخالفاً للكتاب والسنّة القطعيّة ، وحكم العقل بقبحهما وبناء العقلاء على عدمهما في التشريع ؟ !

وهل يصّح القول بحجيّة إطلاق تلك الأخبار مع ما ورد من ضرب الخبر المخالف للكتاب والسنّة على الجدار ، وأ نّه زخرف[686] ، وأنا لم أقله[687] ، ومع أنّ الإسلام دين العقل ، وأ نّه رسولٌ من الباطن ، كما أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عقل ظاهر ؟ ! فليس فيه ما يخالف العقل ، لاسيّما مثل مخالفة قبح الظلم ، ومع أنّ باب الضمان باب إمضائي عقلائي لا تأسيسي تعبّدي ، فكيف يحصل الوثوق والاطمئنان بإعمال التعبّد من الشارع ، والحكم على الخلاف رغم انفهم ، من دون جهة مقتضية لذلك بيّنة ولا مبيّنة ؟ ! بل الظاهر الوثوق بخلافه .

فعلى هذا ، إطلاق الأخبار غير حجّة قطعاً ، وتكون مخصوصة بالمجنون الخطر الذي لابدّ لعاقلته ـ بحكم العقل والعقلاء ; حفظاً لأنفس المجتمع ـ من حبسه وقيده ; لئلاّ يهلك الناس ويقتلهم أو يضرّهم ، فقتله وضرره ليس إلاّ بترك الحفظ والدفع من العاقلة ، فالضمان والوزر عليه ; لأقوائيّة السبب من المباشر ، كما هو أوضح من أن يُبيّن .

ألا ترى أنّ في أزمنتنا ـ أي أزمنة الحكومة مع بسط اليد ـ وجوب حفظ غالب المجانين من الناس ودفع خطرهم ، وعلى الحكومة رعايتهم وتهيئة الأماكـن الخاصّة لهم ، فالحكم بالدية على العاقلة في مثل هؤلاء المجانين عدل وموافق للقواعد ، وتخصيص للضمان المباشر ، بل خروج عنه تخصّصاً ، كما لا يخفى على المتأ مّل .

لا يقال : فما تقول في ضمان دية الخطأ على العاقلة ؟

لأ نّه يقال : ما ذكرناه من الإشكال موجود فيه أيضاً ، والحكم فيه أيضاً مخالف للكتاب والسنّة والقواعد .

نعم ، فيما كانت العاقلة سبباً وموجباً لكون الدية عليه بحيث لا يعدّونه العقلاء والعرف ظلماً ومخالفاً للقواعـد بل بناؤهم على ذلك ، تكون الديـة فيه على العاقلة أيضاً .

وبالجملة : إطلاق الحكم بالدية على العاقلة في قتل الخطأ محلّ إشكال ومنع ، وتفصيل الكلام في محلّه .

وعليك بالنظر والدقّة في رواية محمّد بن مسلم عـن أبي جعفر(عليه السلام) ، وحسين بن خالد وغيره عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) أيضاً مثله ، حتّى تعلم بعدم التعبّد ، وبعدم الحكم على خلاف القواعـد في ديـة الخطأ فضلاً عـن غيرها ، ودونك الرواية :

محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن اسلم ، عن هارون بن الجهم ، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : «أ يّما ظئر قوم قتلت صبيّاً لهم وهي نائمة فقتلته ، فإنّ عليها الدية من مالها خاصّة إن كانت إنّما ظاءرت طلب العزّ والفخر ، وإن كانت إنّما ظاءرت من الفقر فإنّ الدية على عاقلتها» .

محمّد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمّد بن خالد مثله .

وبإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن نائحة ، عن محمّد بن عليّ ، عن عبدالرحمن بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي جعفر(عليه السلام) مثله .

وبإسناده عن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن أسلم الجبلي ، عن الحسين بن خالد وغيره ، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) مثله .

ورواه الصـدوق بإسناده عـن محمّد بـن أحمد بـن يحيى ، عـن محمّـد بـن ناحيـة .

ورواه البرقي في «المحاسن» عن أبيه ، عن هارون بن الجهم مثله»[688] .

ولايخفى عليك أنّ ما في الرواية منقولة في «الكافي»[689] و «التهذيب»[690] و «الفقيه»[691] للمشايخ الثلاثة وفي «محاسن البرقي» من الكتب المعروفة وبإسناد متعدّدة مختلفة وعن الإمامين الهامين الباقر والرضا عليهما صلوات الله وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله ، فالرواية معتبرة ومعتمدة ، فإنّ بناء العقلاء على حجيّة مثل هذه الرواية .

هذا مع أنّ مضمونها موافق للعقل والنقل ، ومع هذه الجهات لاحاجة إلى البحث في الإسناد كما لايخفى .

وتوهّم عدم مخالفة الضمان في المسألة على العاقلة للكتاب والسنّة بتخصيصها بأدلّة دية المجنون على العاقلة ، مدفوع بما مرّ من عدم شرطيّة التساوي في الدين والذكوريّة ، ومن إباء مثل الألسنة من التخصيص بما لا مزيد عليه ، فراجعه .

ثمّ من الواضح أنّ كون الدية على العاقلة مطلقاً أو في الجملة منوط بوجودها للقاتل المجنون ، وأ مّا إن لم تكن فعن «النهاية»[692] و «الجامع»[693] : أنّ الدية على بيت المال ، وهو الحقّ ; لئلاّ يبطل دم امرء مسلم .

وفي «كشف اللثام» : «ويوافقه خبر البريد العجلي[694] الآتي»[695] .

وفي «الجواهر» : «وفيه : مع أ نّه لاصراحة فيه ، بل ولا ظهور في كونه قاتلاً مجنوناً ، يمكن أن يكون المراد بيت مال الإمام ; لانّه الوارث له ، ولذا كان المحكي عن «السرائر»[696] أ نّها على الإمام دون بيت المال»[697] .

ولا يخفى أ نّه لعلّ نظره (قدس سره) إلى عموم العلّة ، وهو قوله (عليه السلام) : «ولا يبطل دم امرء مسلم»[698] لا إلى المورد ، وإلاّ فلابدّ من الإشكال عليه بظهوره في الخلاف ، فإنّ المورد مشكوك الجنون حين القتل ، لا الإشكال بما أورده (رحمه الله) من عدم الصراحة ، بل عدم الظهور ، كما لا يخفى .

وفي حكم عدم العاقلة إعسارها ; لعموم العلّة ،وهو عدم هدر الدم .

ثمّ إنّ إطلاق النصّ والفتوى مقتض لكون الدية على بيت المال وإن كان للمجنون مال وكان موسراً ، لكن مقتضى الأصل في باب الضمان ، وأ نّه على الجاني والمباشر وذي اليد والمتلِف الاختصاص بحال العسر . وأ مّا مع اليسر فعلى مال المجنون ; لأ نّه الأصل ، وفي رواية بريد إشعار بذلك إن لم نقل بظهورها فيه .

هذا مع أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في ضمان العاقلة في أبواب مختلفـة أنّ الأصل في ضمان العاقلة عـدمه أيضاً ، وأنّ ضمانها فـي بعض الموارد على خلاف الأصل :

ففي خبر أبـي بصير عـن أبـي جعفر (عليه السلام) قال : «لاتضمن العاقلـة عمـداً ولا إقراراً ولا صلحاً»[699] .

وفي موثّق السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) : «إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)قال : العاقلة لا تضمن عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً»[700] .

وفي خبر زيد بن علي ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : «لا تعقل العاقلة إلاّ ما قامت عليه البيّنة ، قال : وأتاه رجل فاعترف عنده ، فجعله في ماله خاصّة ولم يجعل على العاقلة شيئاً»[701] .

وفي خبر عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : في مكاتب قتل رجلاً خطأً ، قال : «عليه ديته بقدر ما اُعتق ، وعلى مولاه ما بقي من قيمة المملوك ، فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له إنّما ذلك على إمام المسلمين»[702] .

وفي مجموع هذه الأخبار دلالة على أنّ الحكم بضمان العاقلة على خلاف الأصل ، فتأ مّل .

نعم ، على ما اخترناه من اختصاص ضمان العاقلة في قتل المجنون ببعض الموارد ، الظاهر أنّ الضمان فيه عليها ولو مع يسر المجنون فضلاً عن عسره ; لكونها سبباً أقوى من المباشر ، كما مرّ بيانه ، فالضمان عليها في تلك الموارد موافق مع الأصل والقواعد في باب الضمان ، فتدبّر جيّداً .

هذا كلّه في شرطيّة العقل ، وهو الرابع من الشرائط على ترتيب المتن .