خلاصة علم الکلام

عبد الهادی الفضلی

نسخه متنی -صفحه : 18/ 16
نمايش فراداده

الامامة

- الامامة

- العصمة

289

الامامة

الامامة : - لغة - مصدر على زنة (فِعالة) المضاعف، يقال : أَمَّ القوم وبالقوم يؤُمهم أَمَّاً وإماماً وإمامة، مثل : كتب يكتب كَتْباً وكِتاباً وكتابة.

واسم الفاعل من الفعل (أم يؤم) : (آم)، (أصله آمم) ثم ادغم مثلاه.

ولكن غلب استعمال المصدر فيه فقيل : إمام - بصيغة المذكر - للمذكر والمؤنث، ويجمع على (أيمة) بالياء، و(أئمة) بالهمزة.

ومعناه - معجمياً - : القدوة، أو من يقتدى به في قوله أو فعله، سواء كان محقاً أو مبطلاً.

واستعمل في القرآن الكريم في الامام المحق كما في قوله تعالى : (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) - الانبياء 73 -، وفي الامام المبطل كما في قوله تعالى (فقاتلوا ائمة الكفر) - التوبة 12 -

وكلامياً :

عرّف النصير الطوسي الامامة بقوله : «الامامة : رياسة عامة دينية مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنياوية وزجرهم عما يضرهم بحسبها»(1).

____________________

(1) قواعد العقائد 457.

290

وعرفها العلامة الحلي بقوله : «الامامة : رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي - ص -»(1).

وعرفها العضد الايجي بقوله : «هي خلافة الرسول (ص) في إقامة الدين بحيث يجب اتباعه (يعني الامام) على كافة الامة»(2).

«وعرفها الماوردي بما نصه : الامامة : موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا»(3).

وبالقاء شيء من الضوء على هذه التعاريف المذكورة وأمثالها يتبين لنا أن الشيعة يؤكدون على أن الامامة تشمل في وظيفتها السلطتين : الروحية والزمنية.

وبتعبير قانوني مدني : السلطتين : الدينية والمدنية (السياسة)، وذلك لأن السنة - كما سنرى - قصروا وظيفة الامامة في الشؤون السياسية.

وفي هذا الضوء يأتي تعريف الايجي - وهو من أعلام متكلمة السنة - غير موائم لما ذهبوا اليه.

واختلف في الامامة : هل هي من أصول الدين أو من فروعه ؟.

ذهب الى الاول اصحابنا الامامية، قال استاذنا الشيخ المظفر : «نعتقد أن الامامة أصل من أصول الدين»(4).

وذهب الى الثاني أهل السنة، قال العضد الايجي : «المرصد الرابع في الامامة ومباحثها : عندنا من الفروع، وإنما ذكرناها في علم الكلام تأسياً بمن قبلنا»(5).

_________________________

(1) الباب الحادي عشر 46.

(2) المواقف 395.

(3) الاسلام والخلافة 19 نقلاً عن : الاحكام السلطانية 3.

(4) عقائد الامامية 93.

(5) المواقف 395.

291

وقال الآمدي : «واعلم أن الكلام في الامامة ليس من أصول الديانات»(1).

وكما اختلف في أن الامامة أصل أو فرع، اختلف أيضاً في وجوبها ونفيه.

بمعنى : هل يلزم نصب امام للمسلمين أو لا يلزم ؟ ؟.

فذهب بعض الخوارج الى انها غير واجبة ..

وذهب الباقون من الفرق الاسلامية الى وجوبها.

واختلف القائلون بوجوبها في دليله (أعني دليل وجوب نصب الامام) على قولين

1 - ذهب اهل السنة :

الى أن نصب الامام واجب سمعاً لا عقلاً، أي أن دليل الوجوب هو النقل لا العقل.

2 - ذهب المعتزلة والشيعة :

الى أن نصب الامام واجب عقلاً، أي أن دليل الوجوب دليل عقلي.

ثم اختلف القائلون بالوجوب العقلي في من يجب عليه نصب الامام على قولين :

1 - ذهب المعتزلة الى انه واجب على العقلاء (اي الناس)، ومثلهم في هذا أهل السنة.

2 - ذهب الامامية والاسماعيلية الى انه واجب على اللّه.

واختلف القائلون بوجوبه على اللّه في الغاية والغرض من الوجوب على قولين هما :

1 - ذهب الامامية : انه لحفظ قوانين الشرع.

2 - ذهب الاسماعيلية ليكون معرفاً للّه تعالى.

ويمكننا أن نلخص هذه الاقوال بالتالي :

_______________

(1) غاية المرام 363.

292

الامامة اونصب الامام غير واجبواجبعلى الناس على اللّه

ونخلص من هذه أيضاً الى أن في المسألة قولين رئيسين هما :

1 - ان نصب الامام يتم عن طريق اختيار الناس له. وهو قول المعتزلة والسنة والاباضية.

2 - ان نصب الامام يتم عن طريق تعيينه بالنص عليه من قبل اللّه تعالى، وهو قول الشيعة.

بيان دليل أهل السنة :

قال العضد الايجي : «وأما وجوبه علينا سمعاً فلوجهين :

الاول : أنه تواتر اجماع المسلمين في الصدر الاول بعد وفاة النبي (ص) على امتناع خلو الوقت عن إمام، حتى قال ابو بكر (رضي) في خطبته : (ألا إن محمداً قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به) فبادر الكل الى قبوله، وتركوا له أهم الاشياء، وهو دفن رسول اللّه (ص).

ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر الى زماننا هذا من نصب إمام متبع في كل عصر.

فان قيل : لا بد للاجماع من مستند، ولو كان، لَنُقِلَ، لتوفر الدواعي.

293

قلنا : استغني عن نقله بالاجماع، أو كان من قبيل ما لا يمكن نقله من قرائن الاحوال التي لا يمكن معرفتها الا بالمشاهدة والعيان لمن كان في زمن النبي (ص).

الثاني : أن فيه دفع ضرر مظنون وأنه واجب إجماعاً.

بيانه : أنا نعلم علماً يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات والمناكحات والجهاد والحدود والمقاصات واظهار شعار الشرع في الاعياد والجمعات، انما هو مصالح عائدة الى الخلق معاشاً ومعاداً، وذلك لا يتم الا بامام يكون من قبل الشارع يرجعون اليه فيما يعن لهم، فانهم - مع اختلاف الاهواء وتشتت الآراء، وما بينهم من الشحناء - قلما ينقاد بعضهم لبعض، فيفضي ذلك الى التنازع والتواثب، وربما أدّى الى هلاكهم جميعاً، ويشهد له التجربة، والفتنن القائمة عند موت الولاة الى نصب آخر، بحيث لو تمادى لعطلت المعايش، وصار كل أحد مشغولاً بحفظ ماله ونفسه تحت قائم سيفه، وذلك يؤدي الى رفع الدين وهلاك جميع المسلمين.

فان قيل : وفيه اضرار، وأنه منفي بقوله عليه السلام : (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام).

وبيانه من ثلاثة أوجه :

الاول : تولية الانسان على من هو مثله ليحكم عليه فيما يهتدي اليه وفيما لا يهتدي إضرار به لا محالة.

الثاني : قد يستنكف عنه بعضهم كما جرت به العادة، فيفضي الى الفتنة.

الثالث : أنه لا يجب عصمته - كما سيأتي - فيتصور منه الكفر والفسوق، فان لم يعزل أضر بالامة بكفره وفسقه، وان عزل أدى الى الفتنة.

قلنا : الاضرار اللازم من تركه أكثر بكثير، ودفع الضرر الاعظم عند التعارض واجب»(1).

___________________________

(1) المواقف 395 - 396.

294

بيان دليل الشيعة :

قال الفاضل المقداد : ان الامامة لطف، وكل لطف واجب على اللّه، فالامامة واجبة على اللّه تعالى.

أما الكبرى فقد تقدم بيانها.

وأما الصغرى فهو أن اللطف - كما عرفت - ما يقرب العبد الى الطاعة ويبعده عن المعصية، وهذا المعنى حاصل في الامامة.

وبيان ذلك : أن من عرف عوايد الدهماء وجرب قواعد السياسة، علم ضرورةً أن الناس اذا كان لهم رئيس مطاع مرشد فيما بينهم يردع الظالم عن ظلمه والباغي عن بغيه وينتصف للمظلوم من ظالمه، ومع ذلك يحملهم على القواعد العقلية والوظائف الدينية ويردعهم عن المفاسد الموجبة لاختلال النظام في امور معاشهم وعن القبائح الموجبة للوبال في معادهم بحيث يخاف كل مؤاخذته على ذلك، كانوا مع ذلك الى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد، ولا نعني باللطف الا ذلك، فتكون الامامة لطفاً وهو المطلوب.

واعلم : أن كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الامامة، اذ الامامة خلافة عن النبوة، قائمة مقامها الا في تلقي الوحي الالهي بلا واسطة، وكما أن تلك واجبة على اللّه تعالى في الحكمة، فكذا هذه»(1).

ويرجع هذا الاختلاف بين المذهبين الشيعي والسني الى مدى سعة وضيق جهة الالتقاء بين النبوة والامامة.

ذلك أن الشيعة يرون أن الامامة في وظيفتها هي امتداد للنبوة، فكما كانت وظيفة النبي تتمثل في ممارسته للسلطتين الدينية والسياسية، وان السلطة السياسية هي من الدين وليست اجتهاداً من النبي لأن النبي - في رأيهم - غير ممكن أن يرجع الى اجتهاد، لأن الاجتهاد عرضة للخطأ، ولأن نتائجه ظنية، والنبي معصوم، والمعصوم لا يخطأ.

مضافاً اليه : أن احكامه التي يقوم بتطبيقها بصفته رئيساً للدولة، أي سياسياً،

___________________

(1) النافع يوم الحشر 67 - 68.

295

هي أحكام واقعية، بمعنى انها علم يقيني لا مجال للظن فيها، لانها نابعة من انكشاف واقع القضية لديه موضوعاً وحكماً لا من استخدامه وسيلة الاجتهاد التي قد تصيب وقد تخطئ، وذلك لاتصاله (ص) بالوحي، وعدم صدور أي سلوك منه لا يلتقي مع ما يوحي به اليه، فهو في الواقع لا يحتاج الى الاجتهاد، لان الاجتهاد طريق موصل الى الحكم لدى من ليس له طريق آخر مأمون العثار والخطأ ومضمون الاصابة والوصول الى الحكم بواقعه وهو طريق الوحي.

كذلك وظيفة الامامة تتمثل في ممارسة الامام للسلطتين الدينية والسياسية.

بينما ذهب أهل السنة الى أن الامامة وظيفة سياسية تعتمد على اجتهاد الامام، كما كان الرسول - كما يرون - يعتمد في سياسته بصفته رئيساً للدولة على اجتهاده، ذلك انهم «فرقوا بين احكام الدين واحكام السياسة، ومالوا الى اعتبار الرسول مجتهداً في الشؤون السياسة وكل ما يتصل بسلطته الزمنية، يقول ابن القيم : السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب الى الصلاح وأبعد عن الفساد، وان لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي، ومن قال لا سياسة الا بما نطق به الشرع فقد غَلَطَ وغَلّطَ الصحابة»(1).

فالسنة - كما هو واضح مما تقدم - يفصلون بين احكام الدين واحكام السياسة كالذي هو معروف حالياً في الفكر القانوني المعاصر، والذي يوسم ب(نظرية الفصل بين الدين والدولة).

ونخلص من هذا الى أن الشيعة انما قالوا بان وجوب نصب الامام بالنص أو التعيين من اللّه، لأن الامام عندهم امتداد لوظيفة النبوة روحياً وسياسياً، فكما أن النبي يعين من قبل اللّه تعالى كذلك الامام.

أما السنة فلأنهم فصلوا بين السلطتين الروحية والزمنية واعتبروا الامام قائماً بوظيفة النبي الزمنية أو السياسية، وهي تعتمد الاجتهاد، قالوا يتم نصبه عن طريق اختيار الناس له.

_______________________

(1) الزيدية 30 ونص ابن القيم منقول عن الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 7 .

296

وحاول الدكتور احمد محمد صبحي في كتابه (الزيدية) أن يدافع عن أهل السنة ويدفع عنهم القول بالفصل بين الدين والدولة بقوله : «على أنه من الخطأ تصور موقف أهل السنة فصلاً بين السياسة والدين، وانما هو مجرد تفرقة بين شرعٍ مصدره الكتاب والسنة وسياسةٍ قائمة على الاجتهاد الذي هو بدوره مصدر من مصادر التشريع في الاسلام، ولم يُعرف الفصل التام بين السياسة والدين الا بعد سقوط الخلافة العثمانية، وبتأثير من الفكر السياسي الاوربي»(1).

والمستغرب من الدكتور صبحي أنه لم يفرق بين المصدر والوسيلة، فاعتد الاجتهاد - وهو وسيلة ينتهجها المجتهد لاستنباط واستخراج الحكم الشرعي من مصدره وهما الكتاب والسنة - مصدراً من مصادر التشريع.

وظني أنه التبس الأمر عليه بين القياس وامثاله من مصادر اخرى غير الكتاب والسنة، وبين الاجتهاد، ولم يدرك أن الاجتهاد طريقة يستخدمها المجتهد لأخذ الحكم من هذه المصادر.

فالقياس والاجماع والاستحسان وأمثالها أمور قائمة في واقها كالكتاب والسنة، والفارق ان من لم يكن مجتهداً لا يقوى على استفادة الحكم منها، وبعكسه من كان مجتهداً فانه يستطيع اذا استعمل اجتهاده أن يستفيد الحكم منها.

وبالاضافة الى ما تقدم استدل كل من الشيعة والسنة بالقرآن الكريم على رأيه في وجوب نصب الامام بالتعيين الالهي أو الاختيار من قبل الناس.

دليل السنة :

استدل أهل السنة بقوله تعالى : (وأمرهم شورى بينهم) - الشورى 38 - .

والشورى - لغة - اسم من المشاورة، يقال : شورى ومشاورة وتشاور ومَشُوْرَةَ - بضم الشين وسكون الواو - ومَشْوَرَة - بسكون الشين وفتح الواو -.

وتعني المفاوضة في الكلام بمراجعة البعض الى البعض لاستخراج الرأي.

____________________

(1) ص 30.

297

وهي من قولهم (شرت العسل) اذا اتخذته من موضعه واستخرجته منه.

وتطلق أيضاً على الأمر الذي يتشاور فيه، يقال : (صار هذا الشيء شورى بين القوم) اذا تشاوروا فيه.

وذكر في سبب نزول الآية الكريمة أن الانصار كانوا قبل قدوم النبي (ص) المدينة المنورة اذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه، فمدحهم اللّه تعالى به.

وتقرير الاستدلال بها :

أن الآية الكريمة مطلقة لأن مورد النزول هنا ليس بقرينة مقيدة.

والاطلاق يقتضي حملها على كل أمر يطلب فيه التشاور ما عدا الاحكام والحدود الشرعية لانها خارجة بالتخصص لدليل العقل القاضي بان عدم خروجها من هذا الاطلاق يستلزم إلغاء تشريعها.

ولأن الخلافة لم يرد فيها نص شرعي يبين كيفيتها وشروطها ومواصفاتها تندرج تحت ما يطلب فيه المشورة أو الشورى.

والذي يلاحظ على هذا الاستدلال :

1 - ان الآية ليست في مقام التشريع، وانما هي في مقام بيان أهمية وقيمة التشاور في الامور العامة التي تتطلب ذلك.

وهذا يقتضينا عدم الأخذ بها اذا كان في القرآن الكريم ما يفاد منه تشريع الخلافة كما في الآية الآتية التي استدل بها الشيعة على ذلك.

2 - ان الآية لم تبين من الذين يقتضي أن يقوموا بمهمة التشاور، وعليه لا بد من الاحتياط المبرئ لذمة المكلف من مسؤولية التكليف والخروج من عهدتها بجمع كل الاطراف المعنية وادخالها في عملية التفاوض والتشاور.

وهذا ما لم يتحقق تاريخياً منذ اختيار اول خليفة حتى عهدنا الحاضر، والامر من الوضوح بمكان لا يفتقر معه الى إقامة دليل.

298

دليل الشيعة :

واستدل الشيعة بقوله تعالى : (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) - البقرة 124 - .

وتقرير الاستدلال بالآية الكريمة :

1 - أن الآية صريحة في ان الامامة لا تكون لأحد الا بجعل من اللّه تعالى، أي بتعيين منه.

2 - ان الامامة عهد اللّه، أي مسؤولية إلهية مهمة فلا تناط الا بمن لديه أهلية القيام بها، وهي أن يكون غير ظالم لنفسه أو لغيره، وهذا لا يتحقق الا اذا كان الامام معصوماً، لأن العصمة ملكة ثابتة ودائمة، وبعكسها العدالة فانها قابلة للحدوث والتجدد، ففي حالة زوالها تزول معها الامامة، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه.

وجاء في بعض تفسيرات الآية : أن المراد بالامامة هنا النبوة، ورده السيد الطباطبائي بقوله: قوله تعالى : (اني جاعلك للناس إماماً) أي مقتدى يقتدي بك الناس، ويتبعونك في أقوالك وأفعالك.

فالامام هو الذي يقتدي ويأتم به الناس، ولذلك ذكر عدة من المفسرين أن المراد به النبوة، لأن النبي تقتدي به أمته في دينهم، قال تعالى : (وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن اللّه) - النساء 63 -، لكنه في غاية السقوط.

أما أولاً ، فلأن قوله : (إماماً) مفعول ثانٍ لعامله الذي هو قوله : (جاعلك) واسم الفاعل لا يعمل اذا كان بمعنى الماضي، وانما يعمل اذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فقوله : (اني جاعلك للناس إماماً) وعدله - عليه السلام - بالامامة في ما سيأتي، مع أنه وحي لا يكون الا مع نبوة، فقد كان (ع) نبياً قبل تقلده الامامة، فليست الامامة في الآية بمعنى النبوة (ذكره بعض المفسرين).

وأما ثانياً : فلأنا بيّنا في صدر الكلام : أن قصة الامامة انما كانت في أواخر عهد ابراهيم (ع) بعد مجيء البشارة له باسحق واسماعيل، وانما جاءت الملائكة بالبشارة في

299

مسيرهم الى قوم لوط وإهلاكهم، وقد كان ابراهيم حينئذٍ نبياً مرسلاً، فقد كان نبياً قبل أن يكون إماماً، فامامته غير نبوته»(1).

وفي حديث الامام الصادق (ع) : «وقد كان ابراهيم نبياً وليس بامام حتى قال اللّه : (اني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) من عَبَدَ صنماً أو وثناً لا يكون إماماً»(2). وذلك تطبيقاً منه عليه السلام للآية الكريمة : (ان الشرك لظلم عظيم) - لقمان 13 -.

ولان ابا بكر الصديق (رض) كان قبل اسلامه مشركاً لا يكون - كما يرون - مؤهلاً للامامة الالهية.

ومن هنا كان النص من اللّه تعالى على الامام علي (ع) لانه لم يسبق منه شرك أو ظلم لنفسه بالشرك أو بغيره.

وما دمنا وصلنا الى هذا لا بأس بصرف عنان البحث الى ذكر أدلة كل من الطرفين على الامام الخاص بعد النبي (ص).

أدلة السنة على إمامة ابي بكر :

1 - النص الجلي :

استدل السنة الذين يرون أن النبي نص على أبي بكر نصاً جلياً بالحديث المشهور وهو :

(ان امرأة أتت الى النبي (ص) لتسأله أمراً من الامور فأجابها وطلب منها أن ترجع اليه متى أرادت، فقالت : أرأيتَ أن جئتُ فلم أجدك ؟ قال : ان لم تجديني فاتي ابا بكر).

وبالحديث الآخر :

_____________________

(1) الميزان 1 / 270 - 271.

(2) مجمع البحرين 1 / 406.

300

(اقتدوا باللذين من بعدي : ابي بكر وعمر).

وبحديث ابي هريرة :

(قال : سمعت رسول اللّه (ص) قال : بينما أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء اللّه، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللّه يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً، فأخذها عمر بن الخطاب، فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن).

2 - النص الخفي :

واستدل أهل السنة الذين يذهبون الى أن إمامة أبي بكر ثبتت بالنص الخفي بالواقعة المشهورة، وهي :

«ان الرسول في اثناء مرضه أمر أن يؤم ابو بكر المسلمين في الصلاة، والصلاة هي الامامة الصغرى.

فأولى به ان يكون هو صاحب الامامة الكبرى إمامة المسلمين دنيا وديناً».

ويؤخذ عليهما :

أن الاستدلال بالنص يتنافى وما ذهب اليه جمهورهم من أن النبي (ص) لم يستخلف، ولم ينص على أحد بالخلافة.

وعليه :

لا ريب في أنها اختلقت ليعارض بها النصوص الواردة في استخلاف علي والنص عليه من قبل النبي (ص) بالامامة.

3 - الشورى :

وهو رأي جمهور أهل السنة الذين يذهبون الى أن رسول اللّه ترك أمر الامامة لاجتهاد المسلمين.

«ورأى المسلمون أن أبا بكر هو ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأول من آمن من

301

الرجال، ثم رجل الصحبة الطويلة: وأخيراً عهد اليه الرسول بالصلاة الامامة الصغرى، فقاسوا الأمر بأن تكون له الامامة الكبرى»(1).

كانت هذه مبررات اختياره للامامة ومبايعته بها.

هذا ما يذكره متأخرو علماء السنة، وبتعبير أدق : المعاصرون منهم.

ولكن التاريخ الكلامي أو العقائدي لقضية الامامة أو الخلافة، يقول في الحادثة وتبريرها غير هذا.

فقد جاء في كتاب (الملل والنحل) للشهرستاني - وهو من أعلام السنة - ما نصه : «اختلف المهاجرون والانصار فيها (يعني الامامة) فقالت الانصار : منا امير ومنكم أمير، واتفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الانصاري، فاستدركه ابو بكر وعمر - رضي اللّه عنهما - في الحال بان حضرا سقيفة بني ساعدة، وقال عمر : كنت أزوّر(2) في نفسي كلاماً في الطريق، فلما وصلنا الى السقيفة أردت أن أتكلم فقال ابو بكر : مه(3) يا عمر، فحمد اللّه وأثنى عليه، وذكر ما كنت أقدره في نفسي كأنه يخبر عن غيب، فقبل أن يشتغل الانصار بالكلام مددت يدي اليه فبايعته وبايعه الناس وسكنت الفتنة، ألا إن بيعة ابي بكر كانت فلتة(4)، وقى اللّه المسلمين شرها، فمن عاد الى مثلها فاقتلوه، فأيما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فانهما تَغِرَّة(5) يجب أن يقتلا.

وانما سكنت الانصار عن دعواهم لرواية ابي بكر عن النبي (ص) : (الأئمة من قريش).

وهذه البيعة هي التي جرت في السقيفة.

_____________________

(1) نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام 2 / 26.

(2) أزور : أحسّن، انمقّ.

(3) مه : اكفف.

(4) فلتة : دون تدبر وتمهل.

(5) تغرة : يقال : غرر بنفسه تغريراً وتغرة اذا عرّضها للهلاك.

302

ثم لما عاد الى المسجد انثال(1) الناس عليه وبايعوه عن رغبة، سوى جماعة من بني هاشم، وابي سفيان من بني أمية، وأمير المؤمنين علي بن ابي طالب - رضي اللّه عنه - كان مشغولاً بما أمره النبي (ص) من تجهيزه ودفنه وملازمة قبره من غير منازعة ولا مدافعة»(2).

وكما هو واضح من النص هذا : أن الشورى لم تتحقق تاريخياً فلم يكن في السقيفة اجتماع شامل أو على الأقل واف لمن له حق المشورة وابداء الرأي ممن يعرفون باهل الحل والعقد.

ولم يدر بين من حضروا مشاورة ومفاوضة ومداولة في ترشيح من يستحقها من المسلمين.

وانما كانت مبادرة وكسب موقف من الشيخين (رض) لئلا تكون الامامة في الانصار.

ومع كل هذا وغيره استطاع مبدأ الشورى - بصفته النظرية لا التطبيقية لانه لم ير النور تطبيقياً - ان يهيمن على الجو الفكري والعقائدي مدة خلافة الخلفاء الثلاثة.

وبدأت قوة سيطرته وتأثيرها من قولة عمر : «ان بيعة ابي بكر كانت فلتة وقى اللّه المسلمين شرها فمن عاد الى مثلها فاقتلوه، فايما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فانهما تغرة يجب أن يقتلا» .. حتى لم يستطع بنو هاشم - وهم رهط رسول اللّه - اثارة الاحتجاج بالنص.

واستمرت تغذية هذا المبدأ سياسياً خلال هذه المدة لئلا يكون من علي وآل علي شيء يعترضه أو يعارضه، الى أن تسلم الامام علي زمام الحكم بعد مقتل عثمان، فبرز الاحتجاج منه بالنص.

ولعل أول ما كان منه هذا عندما جمع الناس في (الرحبة) فقال : (انشد اللّه كل

______________________

(1) انثال الناس : تدافعوا اليه وتكاثروا حوله.

(2) 1 / 24 وانظر أيضاً : مقالات الاسلاميين للاشعري ص 2.

303

امرئ مسلم سمع رسول اللّه (ص) يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فشهد بما سمع، ولا يقم الا من رآه يعينيه وسمعه باذنيه) فقام ثلاثون صحابياً فيهم اثنا عشر بدرياً فشهدوا، أنه أخذه بيده فقال للناس : أتعلمون اني اولى بالمؤمنين من انفسهم ؟ قالوا : نعم، قال (ص) : من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(1).

والى جانبه أثار (ع) فكرة التوضيح لما ينبغي أن يكون عليه مبدأ الشورى، وذلك في كتابه الى معاوية - الآتي نصه -.

وأراد بهذا إلزام معاوية بما ألزم المسلمون به أنفسهم آنذاك، وبخاصة أن الامام (ع) ضمّن كتابه ما جاء في خطاب عمر (رض) من أن الخارج عما انتهى اليه أمر الخلافة يقتل.

قال (ع) : «أما بعد فان بيعتي بالمدينة لزمتك وانت بالشام، لانه بايعني القوم الذين بايعوا ابا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وانما الشورى للمهاجرين والانصار فاذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً كان ذلك رضا، فان خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه الى ما خرج منه، فأن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه اللّه ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيراً».

ثم يختم الامام كتابه هذا بقوله : «واعلم بانك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى»(2).

وكأن الامام (ع) يشير بهذا الى شرط الامامة الاساسي الذي جاء في قوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين).

أدلة الشيعة على إمامة علي :

_________________________

(1) انظر : المراجعات 194 - 195 -.

(2) الادب السياسي ص 75 نقلاً عن وقعة صفين ص 29 .

304

استدل الشيعة على امامة علي بعدة نصوص منها :

1 - حديث الغدير :

وقد دوّن هذا الحديث في غير كتاب من الكتب المعتبرة، وروي بغير طريق من الطرق المختلفة صحاحاً وحساناً وسواها.

ونص على تواتره غير واحد من الأعلام، من أحدثهم السيد الطباطبائي قال : «وأما حديث الغدير - أعني قوله (ص) : (من كنت مولاه فعلي مولاه) - فهو حديث متواتر منقول من طرق الشيعة وأهل السنة بما يزيد على مئة طريق»(1).

ونصه كما أخرجه الامام احمد بن حنبل من حديث البراء بن عازب (في ص 281 من الجزء الرابع من مسنده) من طريقين : قال : كنا مع رسول اللّه (ص) فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول اللّه (ص) تحت شجرتين، فصلى الظهر، وأخذ بيد علي، فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟

قالوا : بلى.

قال : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من ولاه، وعادِ من عاداه.

قال : فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له : هنيئاً يابن ابي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة»(1).

وتقرير الاستدلال به :

يقول الشيخ ابو علي الطبرسي : «فأما وجه الاستدلال بخبر الغدير ففيه طريقان :

أحدهما : أن نقول : إن النبي قرّر أمته في ذلك المقام على فرض طاعته فقال : (ألستُ أولى بكم من انفسكم) فلما أجابوه بالاعتراف وقالوا : (بلى)، رفع بيد امير

___________________

(1) الميزان 4 / 59 ولزيادة المعرفة في مستوى السند ودلالة المتن يرجع الى الجزء الاول من كتاب (الغدير) للشيخ الاميني.

(2) المراجعات 190.

305

المؤمنين علي (ع) وقال عاطفاً على ما تقدم : (من كنت مولاه فهذا مولاه) - وفي روايات أخر (فعلي مولاه) - (اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله)، فأتى عليه الصلاة والسلام بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الاولى التي قدّمها، وهو أن لفظة (مولى) تحتمل معنى (أولى) وان كانت تحتمل غيره، فيجب ان يكون أراد بها المعنى المتقدم على مقتضى استعمال اهل اللغة.

واذا كانت هذه اللفظة تفيد معنى الامامة بدلالة أنهم يقولون : (السلطان أولى باقامة الحدود من الرعية) و(المولى أولى بعبده) و(ولد الميّت أولى بميراثه من غيره) وقوله سبحانه : ( النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم) لا خلاف بين المفسرين أن المراد : أنه أولى بتدبير المؤمنين والأمر والنهي فيهم من كل أحد منهم.

واذا كان النبي أولى بالخلق من أنفسهم من حيث كان مفترض الطاعة عليهم وأحق بتدبيرهم وأمرهم ونهيهم وتصرفهم بلا خلاف، وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين (ع) فيكون أولى بالمؤمنين من حيث ان طاعته مفترضة عليهم وأمره ونهيه مما يجب نفوذه فيهم، وفرض الطاعة يتحقق بالتدبير من هذا الوجه لا يكون الا للنبي أو الامام، فاذا لم يكن (ع) نبياً وجب أن يكون إماماً.

وأما الطريقة الاخرى في الاستدلال بهذا الخبر فهي : أن لا نبني الكلام على المقدمة، ونستدل بقوله : (من كنت مولاه) من غير اعتبار ما قبله، فنقول :

معلوم أن النبي أوجب لأمير المؤمنين أمراً كان واجباً له لا محالة، فيجب أن يعتبر ما تحتمله لفظة (مولى) من الأقسام وما يصح كون النبي مختصاً به منها وما لا يصح وما يجوز أن يوجبه لغيره في تلك الحالة، وما لا يجوز.

وجميع ما تحتمله لفظة (مولى) ينقسم الى أقسام :

منها لم لم يكنه عليه الصلاة والسلام، وهو (المعتق) و(الحليف) لأنه لم يكن حليفاً لأحد، والحليف : الذي يحالف قبيلة وينسب اليها، ليتعزز بها.

ومنها ما كان عليه السلام - ومعلوم لكل أحد - أنه لم يرده، وهو :

306

(الجار) و(الصهر) و(ابن العم).

ومنها ما كان، ومعلوم بالدليل أنه لم يرده، وهو : (ولاية الدين) والنصرة فيه والمحبة.

ومما يدل على أنه لم يرد ذلك أن كل عاقل يعلم من دينه وجوب موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، وبذلك نطق القرآن، وكيف يجوز أن يجمع ذلك الجمع العظيم في مثل تلك الحال ويخطب على المنبر المعمول من الرحال ليعلّم الناس من دينه ما يعلمونه ضرورة.

ومنها ما كان حاملاً له، ويجب أن يريده وهو (الأولى بتدبير الأُمة وأمرهم ونهيهم)، لأنّا اذا أبطلنا جميع الاقسام، وعلمنا أنه يستحيل أن يخلو كلامه من معنى أو فائدة، ولم يبق الا هذا القسم فيجب أن يريده.

وقد بينا أن كل من كان بهذه الصفة فهو الامام المفترض الطاعة، وأما استيفاء الكلام فيه ففي الكتب الكبار»(1).

ان عقد الولاية العامة التي تعني الامامة لعلي (ع) من قبل رسول اللّه (ص) كان امتثالاً منه (ص) لوحي نزل عليه في (غدير خم) وهو قوله تعالى : (يا ايها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس ان اللّه لا يهدي القوم الكافرين) - المائدة 67 -.

ففي (اسباب النزول) روى ابو الحسن الواحدي بسنده عن ابي سعيد الخدري : «قال : نزلت هذه الآية (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه»(1).

والآية صريحة في أمر اللّه رسوله الكريم بتبليغ وحي انزل اليه من ربه.

كما انها ظاهرة بأن هذا كان بعد تمام تبليغه الرسالة الالهية التي أعلن عن اكمالها

_______________________

(1) إعلام الورى 169 - 170.

(2) ص 150.

307

وتمامها يوم عرفة قبل وصوله (ص) الى غدير خم بقوله تعالى : (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً) - المائدة - 3 -.

وظاهرة أيضاً في أن ذلك الأمر حكم جزئي، وذلك لأن الرسالة لانها تبليغ لعموم الناس حتى قيام الساعة تحتوي الاحكام الكلية، ومن تلكم الاحكام الكلية حكم الامامة الذي أفدناه من آية (اني جاعلك للناس إماماً)، فيكون الامر الجزئي هنا هو تطبيق حكم الامامة على الشخص المؤهل لها.

ويؤيد هذا ويؤكده قوله تعالى : (واللّه يعصمك من الناس)، لأن الناس - وهم العامة هنا - قد لا يتورعون من توجيه الاتهام الى النبي (ص) بالمحاباة لابن عمه، وربما حاول من له طمع في الخلافة إفساد الأمر على الرسول (ص)، فاعطاه تعالى هذا الضمان بحفظه مما قد يلاقيه من الناس حين قيامه بمهمة عقد الولاية لعلي ونصبه اماماً للمسلمين.

«ففي تفسير العياشي عن ابي صالح عن ابن عباس وجابر بن عبد اللّه : قالا : أمر اللّه تعالى نبيه محمداً أن ينصب علياً علماً في الناس ليخبرهم بولايته فتخوف رسول اللّه (ص) أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه، قالا : فاوحى اللّه اليه هذه الآية (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس) فقام رسول اللّه (ص) بولايته يوم غدير خم)(1).

يقول الدكتور النشار بعد حديثه عن حديث الدار : «ثم هناك الحديث الهام حديث الغدير والذي اتخذه الشيعة سنداً لأحقية علي الكاملة في خلافة المسلمين بعد رسول اللّه.

فقد خرج النبي (ص) من مكة بعد حجة الوداع، وفي الطريق نزل عليه الوحي (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته) - آية 67 سورة 5 -، وكان النبي عند غدير خم، فأمر بالدرجات وجمع الناس في يوم قائظ شديد

_____________________

(1) الميزان 4 / 53.

308

القيظ ودعا علياً الى يمينه، وخطب فقال : لقد دعيت الى ربي واني مغادركم من هذه الدنيا واني تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»، ثم أخذ بيد علي ورفعها وقال «يا ايها الناس ألستُ أولى منكم بانفسكم ؟ قالوا : بلى، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار»، فقال عمر : «بخ بخ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة»، ثم عاد الرسول الى خيمته ونصب لعلي اخرى بجانبها، وأمر المسلمين أن يبايعوه بالامامة، وسلموا له بإمرة المؤمنين جميعاً رجالاًونساء(1).

هذا هو حديث غدير خم الذي اعتقده الشيعة سنداً صريحاً لهم في القول بامامة علي، وقد اعترف اهل السنة جزئياً بصحة هذا الحديث وأولوه بان المقصود من (الولاية) هنا الولاية الروحية، بل إننا نرى الحسن البصري - إمام التابعين - يعلن أن علياً رباني هذه الأمة.

أما السلف من الحنابلة المتقدمين فقد أوّلوا الموالاة بعدم الكراهية، وانكر السلف المتأخرون الحديث إنكاراً تاماً.

ومن العجب أن السلف الذين يكرهون التأويل وينكرونه، يؤلون هنا»(3).

ومن الواضح أن هذا التأويل كان بتأثير عوامل سياسية، لان الاعتراف بان ظاهر الحديث يدل على الامامة الالهية لازمه إلزام من لا يعتقد بمؤداه بالمخالفة الشرعية.

يقول ابو القاسم البجلي المعتزلي : «لو نازع علي عقيب وفاة رسول اللّه (ص) وسل سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه، ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة، اذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها، واذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من اغضى له عليها، وحكمه في ذلك حكم رسول اللّه (ص)، لانه قد ثبت عنه في الاخبار الصحيحة أنه

____________________

(1) نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام 2 / 27 - 28 نقلاً عن منهاج السنة لابن تيمية 4 / 81 وحياة القلوب للمجلسي 339.

(2) م. ن.

309

قال : (علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيثما دار)، وقال له غير مرة : (حربك حربي، وسلمك سلمي)(1).

مع أن اقتران الولاية لعلي بولاية النبي في الحديث الشريف المذكور دليل على أنها أعم من الولاية الروحية، لأن ولاية النبي على الانفس تعني السلطة التنفيذية إذ لا معنى أن يكون النبي ولياً على الانفس روحياً.

2 - حديث الكتاب :

ونصه : «لما احتضر رسول اللّه (ص) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي (ص) : هلم اكتبْ لكم كتاباً لن تضلوا بعده، فقال عمر : ان النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما اكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال لهم رسول اللّه (ص) : قوموا.

فكان ابن عباس يقول : ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللّه وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم»(2).

قال السيد شرف الدين تعليقاً عليه : «وهذا الحديث مما لا كلام في صحته ولا في صدوره، وقد رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه، وأخرجه مسلم في آخر الوصايا من صحيحه أيضاً، ورواه احمد من حديث ابن عباس في مسنده، وسائر اصحاب السنن والاخبار»(3).

«وانت اذا تأملت في قوله (ص) : (هلم اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده) وقوله في حديث الثقلين : (اني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب اللّه وعترتي

____________________________

(1) الاصول العامة للفقه المقارن 177 نقلاً عن شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 1 / 212.

(2) المراجعات 272.

(3) م. ن.

310

أهل بيتي) تعلم أن المرمى في الحديثين واحد، وانه (ص) اراد في مرضه ان يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين.

وانما عدل عن ذلك لان كلمتهم تلك التي فاجأوه بها اضطرته الى العدول، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه هل هجر فيما كتبه - العياذ باللّه - أو لم يهجر، كما اختلفوا في ذلك واكثروا اللغو نصب عينيه، فلم يتسن له يومئذ اكثر من قوله لهم : (قوموا) - كما سمعت -، ولو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر ولاوغل اشياعهم في اثبات هجره - والعياذ باللّه - فسطروا به اساطيرهم، وملأوا طواميرهم رداً على ذلك الكتاب وعلى من يحتج به.

لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب (ص) عن ذلك الكتاب صفحاً لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم باباً الى الطعن في النبوة - نعوذ باللّه وبه نستجير - وقد رأى (ص) أن علياً واولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب، سواء عليهم أكتب أم لم يكتب، وغيرهم لا يعمل به ولا يعتبرونه لو كتب، فالحكمة - والحال هذه توجب تركه إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى»(1).

أئمة الامامية :

وتتسلسل الامامة عند الشيعة الامامية في اثني عشر اماماً، وهم :

1 - علي بن ابي طالب ت 40 هجري

2 - الحسن بن علي ت 50 هجري

3 - الحسين بن علي ت 61 هجري

4 - علي بن الحسين زين العابدين ت 94 هجري

5 - محمد بن علي الباقر ت 114 هجري

6 - جعفر بن محمد الصادق ت 148 هجري

_________________________

(1) المراجعات 275 - 276.

311

7 - موسى بن جعفر الكاظم ت 183 هجري

8 - علي بن موسى الرضا ت 203 هجري

9 - محمد بن علي الجواد ت 220 هجري

10 - علي بن محمد الهادي ت 254 هجري

11 - الحسن بن علي العسكري ت 260 هجري

12 - محمد بن الحسن المهدي و 255 هجري

واستدلوا على امامتهم بنصوص ذكرت في كتب الحديث وكتب الامامة، تضمن بعضها النص على الاثني عشر، وبعضها النص على كل فرد بخصوصه.

ومن هذه النصوص ما هو متواتر لفظاً، ومنها ما هو متواتر معنى.

والمبدأ المستخلص منها : أن معرفة الامام تتم بنص السابق على اللاحق.

وبالاضافة الى ما ذكروه من نص النبي (ص) على الجميع باسمائهم، والى ما ذكرته أعلاه من نصه (ص) على ابن عمه علي بن ابي طالب (ع) بالخصوص استدلوا بما رواه اهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم عن النبي (ص) من أنه (ص) نص على أن الأئمة إثنا عشر وكلهم من قريش.

ففي رواية البخاري : اثنا عشر أميراً كلهم من قريش.

وفي رواية مسلم : اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

ومثلها رواية الترمذي وابن حجر والحاكم(1).

وفي رواية احمد بن حنبل عن مسروق، قال : كنا جلوساً عند عبد اللّه بن مسعود، وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل : يا ابا عبد الرحمن هل سألتم رسول اللّه (ص) : كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟

_____________________

(1) سيرة الأئمة الاثني عشر 1 / 36 - 37 .

312

فقال عبد اللّه : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك.

ثم قال : نعم، ولقد سألنا رسول اللّه (ص)، (فقال) : اثنا عشر كعدة نقباء بني اسرائيل»(2).

يقول استاذنا السيد محمد تقي الحكيم : «والذي يستفاد من هذه الروايات :

1 - ان عدد الأمراء أو الخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر، وكلهم من قريش.

2 - وان هؤلاء الامراء معينون بالنص، كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني اسرائيل لقوله تعالى : (ولقد أخذنا ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً).

3 - ان هذه الروايات افترضت لهم البقاء ما بقي الدين الاسلامي، أو حتى تقوم الساعة، كما هو مقتضى رواية مسلم السابقة، وأصرح من ذلك روايته الاخرى في نفس الباب : «لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي من الناس اثنان».

واذا صحت هذه الاستفادة فهي لا تلتئم الا مع مبنى الامامية في عدد الأئمة وبقائهم وكونهم من المنصوص عليهم من قبله (ص)، وهي منسجمة جداً مع حديث الثقلين وبقائهما حتى يردا عليه الحوض.

وصحة هذه الاستفادة موقوفة على أن يكون المراد من بقاء الأمر فيهم بقاء الامامة والخلافة - بالاستحقاق - لا السلطة الظاهرية.

لأن الخليفة الشرعي خليفة يستمد سلطته من اللّه، وهي في حدود السلطة التشريعية لا التكوينية، لان هذا النوع من السلطة هو الذي تقتضيه وظيفته كمشرع، ولا ينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.

على ان الروايات تبقى بلا تفسير لو تخلينا عن حملها على هذا المعنى، لبداهة أن السلطة الظاهرية قد تولاها من قريش أضعاف أضعاف هذا العدد، فضلاً عن انقراض دولهم وعدم النص على أحد منهم - أمويين وعباسيين - باتفاق المسلمين.

______________________

(1) الاصول العامة 178.

313

ومن الجدير بالذكر أن هذه الروايات كانت مأثورة في بعض الصحاح والمسانيد قبل ان يكتمل عدد الأئمة، فلا يحتمل أن تكون من الموضوعات بعد اكتمال العدد المذكور، على أن جميع رواتها من أهل السنة ومن الموثوقين لديهم.

ولعل حيرة كثير من العلماء في توجيه هذه الاحاديث وملاءمتها للواقع التاريخي، كان منشؤها عدم تمكنهم من تكذيبها، ومن هنا تضاربت الاقوال في توجيهها وبيان المراد منها.

والسيوطي «بعد أن أورد ما قاله العلماء في هذه الاحاديث المشكلة خرج برأي غريب نورده هنا تفكهة للقراء، وهو : (وعلى هذا فقد وجد من الاثني عشر : الخلفاء الاربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وهؤلاء ثمانية ويحتمل ان يضم اليهم المهدي من العباسيين، لانه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك الظاهر لما أويته من العدل، وبقي الاثنان المنتظران احدهما : المهدي لأنه من أهل بيت محمد) ولم يبين المنتظر الثاني، ورحم اللّه من قال في السيوطي : انه حاطب ليل(1)».

وما يقال عن السيوطي، يقال عن ابن روزبهان في دره على العلامة الحلي، وهو يحاول توجيه هذه الاحاديث(2).

والحقيقة أن هذه الاحاديث لا تقبل توجيهاً إلا على مذهب الامامية في أئمتهم.

واعتبارها من دلائل النبوة في صدقها عن الاخبار بالمغيبات، أولى من محاولة إثارة الشكوك حولها كما صنعه بعض الباحثين المحدثين متخطياً في ذلك جميع الاعتبارات العلمية، وبخاصة بعد أن ثبت صدقها بانطباقها على الأئمة الاثني عشر (ع)»(3).

أئمة السنة :

أما السنة فتتسلسل الامامة عند جمهورهم بالخلفاء الراشدين والحكام الامويين

__________________

(1) الاصول العامة 180 نقلاً عن أضواء على السنة المحمدية 212.

(2) م. ن عن دلائل الصدق 2 / 315.

(3) م. ن.

314

والحكام العباسيين وبمن ولي أمر حكمهم تحت عنوان الخلافة وامرة المؤمنين.

أئمة الزيدية :

وذهب الزيدية الى أن الامامة في علي والحسنين من بعده، ثم في أهل البيت من بعدهما لقوله (ع) : «الأئمة في قريش في هذا البطن من هاشم»، ولاجماع أهل البيت على ذلك.

وتسلسلت الامامة عندهم كالتالي :

1 - علي بن ابي طالب ت 40 هجري

2 - الحسن بن علي ت 50 هجري

3 - الحسين بن علي ت 61 هجري

4 - الحسن بن الحسن ت 80 هجري

5 - زيد بن علي ت 122 هجري

6 - يحيى بن زيد ت 126 هجري

7 - محمد النفس الزكية ت 145 هجري

8 - ابراهيم بن عبد اللّه ت 145 هجري

9 - ابراهيم بن الحسن المثنى ت 145 هجري

10 - يحيى بن عبد اللّه بن الحسن المثنى ت 175 هجري

11 - ادريس بن عبد اللّه بن الحسن المثنى ت 175 هجري

12 - محمد بن طباطبا ت 199 هجري

13 - محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى ت 200 هجري

14 - ادريس بن ادريس ت 214 هجري

315

واستمرت الامامة بعد هؤلاء - ولا تزال - وفق الشروط التالية :

1 - النسب الحسني أو الحسيني.

2 - الدعوة.

3 - الثورة.

ولمعرفة بقية ائمتهم حتى سقوط دولة آل حميد الدين في اليمن سنة 1962 م يرجع الى كتاب (الزيدية) للدكتور احمد محمود صبحي ص 587 تحت عنوان (سلسلة أئمة الزيدية).

ويقول السيد احمد حسين شرف الدين الزيدي المعاصر : «واجمعت الزيدية على أن معرفة الامام علي واجبة على كل مكلف.

أما في حكم من تقدمه من الخلفاء الثلاثة فزيدية اليمن لا تنكر عليهم شيئاً في ذلك لجواز قيام المفضول عند وجود الأفضل للمصلحة ولمبايعة علي لهم.

ومنهم من يوقف تخطئتهم على علمهم، أي انهم اذا كانوا غير عالمين باستحقاقه دونهم بعد التحري فلا إثم عليهم وان اخطأوا، لأن كل مجتهد مصيب، وإلا فخطيئتهم كبيرة، وهذا هو قول الامام القاسم بن محمد في كتابه (الأساس).

أما الجارودية والصالحية - وهما من فرق الزيدية، وقد ظهرتا بالعراق - فتقولان بأن الأمة ضلت وكفرت في تركها بيعته، ولم يخطئوا أبا بكر وعمر لسكوت الامام علي»(1).

أئمة الاسماعيلية :

وأما أئمة الاسماعيلية فيتسلسلون كالتالي :

أ - الأئمة الظاهرون :

1 - علي بن ابي طالب

_____________________________

(1) تاريخ الفكر الاسلامي في اليمن 162.

316

2 - الحسن بن علي

3 - الحسين بن علي

4 - علي بن الحسين زين العابدين

5 - محمد بن علي الباقر

6 - جعفر بن محمد الصادق

7 - اسماعيل بن جعفر الصادق ت 145 هجري

ب - الأئمة المستورون :

1 - محمد بن اسماعيل ت 183 هجري

2 - عبد اللّه الرضا بن محمد بن اسماعيل

3 - احمد بن عبد اللّه بن محمد بن اسماعيل

4 - الحسين بن احمد بن عبد اللّه بن محمد بن اسماعيل

5 - علي بن الحسين بن احمد بن عبد اللّه بن محمد بن اسماعيل

6 - عبيد اللّه المهدي الفاطمي ت 322 هجري

الأئمة عند الاباضية :

وذهبت الاباضية الى وجوب الامامة في المجتمع الاسلامي - كما ألمحت -، واستدلوا على ذلك :

بأن إقامة الحدود واجبة في الشريعة الاسلامية، وهي لا تقام الا بالأئمة وولاتهم.

وذهبوا الى عدم قصر الامامة على قريش ، لأن الناس سواسية أمام اللّه، وقد خلقهم من نفس واحدة، فلا تمييز بين أبناء المسلمين لهذا المنصب، وذلك لقوله (ص) : (إن أمّر عليكم عبد حبشي مجدوع الانف فاسمعوا واطيعوا ما أقام فيكم كتاب اللّه).

317

والطريق لتنصيب الامام عندهم هو الاختيار والبيعة.

وتبدأ الامامة بعد الرسول عندهم بابي بكر الصديق (رض) لاستخلاف الرسول له في الصلاة ولاجماع الصحابة على خلافته.

وصححوا من بعدْ خلافة عمر بن الخطاب (رض) لاجماع الصحابة أيضاً(1).

وتوقفوا كالخوارج في خلافة الصهرين عثمان وعلي ومن بعدهما من الامويين والعباسيين.

وكانت لهم امامتهم الخاصة في (عمان) منذ القرن الثالث الهجري، ولا تزال قائمة حتى الآن.

والاباضيون يؤكدون في الكثير من كتبهم على أنهم ليسوا من الخوارج وان التقوا معهم في بعض العقائد.

ويؤكدون أيضاً على أنهم يحترمون الصهرين ويقولون بعدالتهما، لأن التخطئة - كما يقولون - لا تستلزم التفسيق أو التكفير.

العصمة

اشترط الامامية والاسماعيلية عصمة الامام.

قال العلامة الحلي : «يجب أن يكون (الامام) معصوماً، والا لزم التسلسل.

والتالي باطل.

فالمقدم مثله.

بيان الشرطية :

ان العلة المقتضية لوجوب نصب الامام جواز الخطأ على المكلف.

________________________

(1) دراسات اسلامية في الأصول الاباضية 118 - 119.

318

فلو جاز عليه الخطأ لوجب افتقاره الى إمام آخر ليكون لطفاً له وللامة أيضاً، ويتسلسل»(1).

وفي هدي آية (اني جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) يكون نص تعيين الامام هو نفسه دليل أنه معصوم، لأن الامامة - كما هو صريح الآية - عهد اللّه الذي لا يعهد به لظالم.

والى هذا يشير الامام زين العابدين (ع) بقوله : (الامام منا لا يكون الا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فتعرف، ولذلك لا يكون الا منصوصاً).

واستدلوا أيضاً بآية التطهير (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) - الاحزاب 33 -.

بتقريب أن المراد من الرجس الذنوب، ذلك أن الرجس : «القذر حساً أو معنى، ويطلق على ما يستقبح في الشرع والفطر السليمة»(3).

والمراد ب(أهل البيت) : علي وفاطمة والحسن والحسين، لحديث الكساء المروي عن أم سلمة (رض) : «قالت : نزلت هذه الآية في بيتي (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً) وفي البيت سبعة : جبريل وميكائيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين (رض) وأنا على باب البيت.

قلت : ألست من أهل البيت ؟

قال (ص) : إنك الى خير، إنك من أزواج النبي»(3)، ولحديث المباهلة المروي في صحيح مسلم 7 / 121 : «لما نزلت هذه الآية (فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم ...) دعا رسول اللّه علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال : «اللهم هؤلاء أهلي»(4).

________________________

(1) نهج المسترشدين 58.

(2) معجم ألفاظ القرآن الكريم، مادة : رجس.

(3) الاصول العامة 155 نقلاً عن الدر المنثور 5 / 198.

(4) الاصول العامة 175.

319

وبوحدة الملاك تعم الآية بمؤداها سائر الأئمة التسعة.

وجاء في كتاب (نظرية الامامة) للدكتور احمد محمود صبحي ص 16، نقلاً عن كتاب (الوشيعة) لموسى جار اللّه ما نصه : «نحن فقهاء اهل السنة والجماعة نعتبر سيرة الشيخين الصديق والفاروق أصلاً تعادل سنة النبي الشارع في اثبات الاحكام الشرعية في حياة الأمة وادارة الدولة.

وان الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة».

وذهب محدثوهم الى القول بعصمة الصحابة وأن كبائرهم صغائر(1).

والمعروف عند اهل السنة وكذلك الزيدية والاباضية اشتراط عدالة الامام.

واختلفوا في أمر الخروج عليه اذا ظهر منه ما يثبت انتفاء العدالة، فقال الزيدية والاباضية بالخروج عليه.

وقال الحنابلة من أهل السنة بحرمة الخروج عليه، قال ابو الحسن الاشعري (الحنبلي المذهب) : «ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والاقرار بامامتهم وتضليل من رأى الخروج عليهم اذا ظهر منهم ترك الاستقامة، وندين بترك الخروج عليهم بالسيف»(2).

___________________________

(1) انظر : مقالة (التعريف بالعواصم والقواصم) لبسام عبد الوهاب الجابي، مجلة البصائر، العدد الخامس ص 123.

(2) الابانة 11.