فهذه الآية الشريفة تعالج قضيّةً من قضايا الاُسرة ، وما يتعلّق منها بالرضيع خاصّة ، ضماناً لمصلحته ، وحفاظاً على سلامة الجوّ الاُسري الذي قد يحطّمه استبداد أحد الزوجين بالامر كلّه (1).
في الحديث عن غزوة اُحد وما انتهت إليه من هزيمة القسم الاَعظم من جيش المسلمين وتركهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مع بضعة نفر من أصحابه يكافحون العدوّ لوحدهم ، ممّا هو مدعاة لاِشعارهم بتقصيرهم الشديد وذنبهم الكبير الذي ارتكبوه ، خصوصاً وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرج إلى اُحد إلاّ برأيهم ورغبتهم وإلحاحهم ، لكنّ الذي وجدوه من النبيّ القائد صلى الله عليه وآله وسلم هو عكس ما يظنّون ممّا هو معتاد لدى القادة إزاء الجند المنهزم عن قائده ساعة الحرب ! وجدوا منه صلى الله عليه وآله وسلم ليناً معهم وإكراماً زادهم شعوراً بالتقصير حين لم يلجئهم إلى التماس الاَعذار ، أو التذلّل .
فبارك الله تعالى هذا الخُلق الكريم ، وهذا السلوك الحكيم ، إذ جاء التنزيل : ( فبما رحمةٍ من الله لِنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك ) (2) فإنّما كان لينك معهم وغضّك عن ذنبهم برحمة من الله تعالى ، وأيّ رحمة ، أيّ رحمةٍ هذه التي جعلتك تلين لجند أخرجوك إلى القتال برأيهم ، فلمّا حمي الوطيس فرّوا عنك ونجوا بأنفسهم ؟!
وإتماماً لهذه الرحمة الواسعة ، تنزّل الاَمر الالهي بما يدعو إلى إعادة
(1) راجع تفسير ابن كثير 1 : 285 ، فتح القدير 1 : 246 ـ 247، الميزان في تفسير القرآن 2: 253 .
(2) آل عمران 3 : 159 .