المجتمع الاسلامي إلى تماسكه الاَوّل ، بل أكثر ، وإعادة هذا الرعيل
الكبير إلى موقع إجتماعي طبيعي يستطيع من خلاله أن يستأنف نشاطه
ويصحح عثرته ، فقال تعالى : ( فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في
الاَمر
) (1) فلم تقف الرحمة عند اللين والعفو والاستغفار ، بل امتدت إلى
مشاورتهم في الاُمور التي تصحّ المشاورة فيها ، عندئذٍ فقط سيجدون
أنفسهم أعضاء فاعلين في هذا البناء الاجتماعي الذي ينشده الاِسلام .
لكنّ التنزيل لم يترك الاَمر بالمشورة مرسلاً ، بل وضع له نظاماً واضح
المعالم ، فالنبيّ القائد المستشير حين يعزم على أمرٍ فيه الصواب
والصلاح ينبغي أن ينفذ فيه ، سواء كان موافقاً لآراء المستشارين أو مخالفاً
لها : ( فإذا عزمت فتوكّل على الله
) (2).
موضوع الشورى وأهدافها :
الشورى التي دعت إليها هذه الآية الكريمة ما هو موضوعها ؟ وما هي
أهدافها ؟ بعد أن عرفنا أنّ الشورى في المورد الاَوّل كان موضوعها
الرضاع، وأهدافها : ضمان مصلحة الرضيع ، وسلامة المحيط الاُسري .
إنّ الشورى هنا مختلفة عن الاُولى ، فالمستشير هنا هو النبيّ
القائد صلى الله عليه وآله وسلم ، والمستشار هم جمهور الناس من أصحابه .
فما هي الاُمور التي كان صلى الله عليه وآله وسلم مدعوّاً لاستشارتهم فيها ؟ أهي أمور
الدين ، أم اُمور الدنيا ؟
(1) آل عمران 3 : 159 .
(2) آل عمران 3 : 159 .