تنظيمها .
إذن فخلاصة ما وقفنا عليه في هذا البعد الاَول : أنّ الشورى التي اُمر
بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وزاولها إنّما هي شورى الحاكم ، القائد ، يشاور من يشاء من
أهل الخبرة أو أهل الصلة المباشرة بالاَمر ، وليس هناك ما يشير من قريب
أو بعيد إلى اعتماد الشورى في تعيين رأس النظام السياسي والاجتماعي
في الاِسلام ، هذا حتّى لو تحقّق في التاريخ وقوع مشاورة في ما يتّصل
بخطط سياسية أو اجتماعية .
البعد الثاني :
ثمّة بُعد ثانٍ للشورى هو أبعد من الاَوّل عن شؤون النظام السياسي ؛
إنّه البعد الاجتماعي ، المتمثّل بمزاولة الناس للشورى في شؤونهم
الخاصّة ، ولم نقل إنّها ذات بعد شخصي فقط ، ذلك لاَنّها علاقة بين
طرفين ، المشير والمستشار ، وعلى الثاني مسؤوليته في النصح والصدق
والاَمانة ، فعادت علاقة اجتماعية ، ذات أثر اجتماعي هامّ .
ـ فقد روى ابن عباس أنّه لما نزلت ( وشاورهم في الاَمر
) (1)قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أما إنّ الله ورسوله لغنيّان عنها ، ولكن جعلها الله تعالى رحمةً
لاُمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّاً» (2).
فلم يكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم محتاجاً إلى الشورى في اُمور الدنيا ليستنير برأيٍ
ويهتدي إلى صواب ، بل كان غنيّاً عن ذلك ، وإنّما هي رحمة للعباد لئلاّ
يركبوا رؤوسهم في شؤونهم وأعمالهم ويتمادوا بالغطرسة والاعتداد
(1) آل عمران 3 : 159 .
(2) الدر المنثور 2 : 359 .