احادیث ام المومنین عائشه

سید مرتضی العسکری

جلد 2 -صفحه : 17/ 12
نمايش فراداده

فـقـد روى الامام الصادق ان الرسول (ص ) عندما فتح مكة , قام على جبل الصفا وقال : يا بني هاشم واولاد عـبـد الـمطلب غـيركم سوى المتقين , لا تكونوا ممن ياتون يوم القيامة حاملين الدنيا على عواتقهم , واتي الاخرون حـامـلـيـن الاخرة معهم , اعلموا اني لم ادع اي عذر بيني وبينكم , ولا بين اللّه تعالى وبينكم , ولي عملي ولكم عملكم ((563)) .

لـقد كان ينوي الرسول الكريم (ص ) من هذه الخطبة البليغة توجيه اقربائه ان لا يتجهوا الى الدنيا اعـتـمادا على قدرة النبي (ص ) بعد ان انتصر على اهل مكة واصبح حاكما في الواقع على جزيرة العرب , وان عليهم ان يعرفوا اساس القربى والرابطة بالنبي (ص ) الذي يرتبط بالتقوى وسب , وهذا لا ينسجم مع حب الدنيا ونهب ثروات الناس , وان لا يفكروا كسائر الحكام الدنيويين , ولا يقولوا ان فـي مـثـل هذه الظروف التي يحكم فيها احد اقربائهم ويقود المجتمع , فلهم الحق في الوصول الى القدرة والثروة والراحة , ويكون لهم السيادة الدنيوية والاخروية .

وفي الخاتمة , نكرر انه من الممكن جدا نسبة تلك الرواية الى احد الرواة , وان الراوي عنه بنفسه غـير مطلع على هذه النسبة وذلك كالرواية التي كان ينقلها ابو عثمان النهدي عن زهير بن عمرو وقبيصة بن مخارق , وعرفنا راي علماء الحديث حيث قالوا: انه بمفرده نقل هذه الرواي عنهما, وان غيره من الناس لم يسمع هذه الرواية منهما, وكذلك الرواية المنقولة عن ابن عباس او عن ابي امامة او براء بن عازب وامثالهم , فمن الممكن انه لم يقل احد من هؤلاء مثل هذا الذي نقل عنهم , بل يمكن ان نثق بعدم صدور ذلك عنهم .

لـكـنـه بـعد ان صدر مرسوم معاوية , وجهز جميع القدرة الاموية لجعل مثل هذه الاحاديث , حينئذ يمكننا ان نتصور بوضوح ان عروة بن الزبير ناقل روايات ام المؤمنين عائشة , او محمد بن شهاب الزهري ناقل روايات ابي هريرة ((564)) ,.

ممن قد جعلا هذه الروايات اساسا, ثم نسبوها الى امثال عائشة وابي هريرة وابن عباس .

وفـي طـبـقـات ابن سعد روايات تصرح بان قول رسول اللّه (ص ): لا اغني من اللّه شيئا, كان في مرض وفاة الرسول (ص ) كالاتي بيانه :.

ا - بـسـنـده عن الصحابي ابن مسعود انه قال : نعى لنا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر, بابي هو وامي ونفسي له الفداء, فلما دنا الفراق جمعنا في بيت امنا عائشة وتشدد لنا فقال : مرحبا بكم حياكم اللّه بـالسلام , رحمكم اللّه , حفظكم اللّه , جبركم اللّه , رزقكم اللّه , رفعكم اللّه , نفعكم اللّه , اداكم اللّه , وقاكم اللّه , اوصيكم بتقوى اللّه واوصي اللّه بكم , استخلفه عليكم واحذركم اللّه اني لكم منه نذير مبين , الا تعلوا على اللّه في عباده وبلاده فانه قال لي ولكم :.

(تـلـك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) وقال : (الـيس في جهنم مثوى للمتكبرين ) ؟ ب - بسنده عن ام المؤمنين عائشة ان رسول اللّه (ص ) قال في مرضه الذي توفي فيه : ايها الناس ما حرم اللّه .

ج - بـسـنده عن عبيد بن عمير قال : قال رسول اللّه (ص ) في مرضه الذي توفي فيه : ايها الناس واللّه لا تـمسكون علي بشي ء, اني لا احل الا ما احل اللّه ولا احرم الا ما حرم اللّه رسول اللّه , يا صفية عمة رسول اللّه , اعملا لما عند الل , اني لا اغني عنكما من اللّه شيئا.

د - بـسنده عن سعيد بن المسيب انه قال : قال رسول اللّه (ص ): يا بني عبد مناف لا اغني عنكم من اللّه شـيئا من اللّه شيئا ((565)) .

دراسة الاحاديث :.

ان الاحـاديـث الاربعة الماضية من حيث الزمان يناسب ان يكون في مرض وفاة الرسول (ص ) وفي الـمـديـنـة , وليس في مكة وفي السنة الثالثة من بعثة الرسول (ص ) كما جاء في الاحاديث اللاتي درسـنـاهـا قـبل هذا والحديثان الاول والثاني يصح سندهما ومتنهما, والحديثان الثالث والرابع في سندهما ومتنهما مناقشة .

كانت تلكم نتيجة دراساتنا لروايات بدء نزول الوحي وبدء الدعوة .

وفي ما ياتي ندرس باذنه تعالى روايات اسطورة الغرانيق .

ثالثا - روايات اسطورة الغرانيق .

رويت في عدة روايات ما موجزها:.

ان رسول اللّه (ص ) لما راى من قومه ما شق عليه من مباعدة ما.

جـاءهـم بـه من اللّه تمنى في نفسه ان ياتيه من اللّه ما يقارب بينه وبين قومه , وكان يسره , مع حبه قـومـه وحرصه عليهم , ان يلين له بعض ما قد غلظ عليه من امرهم , حتى حدثت بذلك نفسه وتمناه واحبه , فانزل اللّه عليه :.

(والـنـجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى ) فلما انتهى الى قوله : (افرايتم الـلات والـعزى ومناة الثالثة الاخرى ) القى الشيطان على لسانه لما كان تحدث به نفسه ويتمنى ان ياتي به قومه : (تلك الغرانيق العلى , وان شفاعتهن ترتضى - او - ترتجى ).

فلما سمعت ذلك قريش فرحوا وسرهم واعجبهم ما ذكر به آلهتهم ,.

فـاصـاخوا له , والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم ولا يتهمونه على خطا ولا وهم ولا زلـل , فـلـمـا انتهى الى السجدة فيها وختم السورة سجد فيها, فسجد المسلمون بسجود نبيهم تـصـديـقـا لما جاء به , واتباعا لامره , وسجد من في المسجد من المشركين من قريش وغيرهم لم سمعوا من ذكر آلهتهم , فلم يبق في المسجد من مؤمن ولا كافر الا سجد, سوى الوليد بن المغيرة , فـانه كان شيخا كبيرا فلم يستطع السجود, فاخذ بيده من البطحاء فسجد عليها, ثم تفرق الناس من المسجد.

وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم , يقولون : قد ذكر محمد آلهتنا باحسن الذكر قد زعم في ما يتلو: (انها الغرانيق العلى , وان شفاعتهن ترتضى ).

وبلغ خبر السجدة من بارض الحبشة من اصحاب رسول اللّه (ص ) وقيل لهم : اسلمت قريش .

فنهض منها رجال وتخلف آخرون , وعادوا الى مكة , حتى اذا دنوا من مكة بلغهم ان الذي كان تحدثوا بـه مـن اسلام اهل مكة كان باطلا, فبقي بعضهم بجوار مكة او مستخفيا, ورجع منهم من رجع هذه خـلاصـة مـا اورده فـي تـفـاسـيـرهـم كـل مـن الطبري والواقدي والزمخشري والبيضاوي والسيوطي وغيرهم .

ولـكشف زيف هذه الاسطورة وتمحيص سنة الرسول (ص ) نستعين اللّه , ونراجع الاسطورة في تفسير الطبري (ت : 310 ه) ونقول :.

1 - اخرج الطبري عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس انهما قالا:.

جـلـس رسول اللّه (ص ) في ناد من اندية قريش , كثير اهله , فتمنى يومئذ ان لاياتيه من اللّه شي ء فـينفروا عنه , فانزل اللّه عز وجل : (والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ), فقراها رسول اللّه (ص ) حتى اذا بلغ : (افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى ) القى ال يطان عليه كلمتين : (تلك الغرانيق العلى , وان شفاعتهن لترجى ) فتكلم بهما, ثم مضى فقرا السورة كلها, فسجد في آخر السورة وسجد القوم معه جميعا, ورفع الوليد بن المغيرة ترابا الى جبهته فسجد عليه , وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود, فرضوا بما تكلم به وقالوا: ق عرفنا ان اللّه يحيي ويميت , وهو الذي يخلق ويرزق , ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده , فاذا جعلت لها نصيبا فنحن معك .

قالا: فلما امسى اتاه جبرائيل (ع ) فعرض عليه السورة , فلما بلغ الكلمتين اللتين القى الشيطان عليه قال : ما جئتك بهاتين , فقال رسول اللّه (ص ): افتريت على اللّه وقلت على اللّه ما لم يقل , فاوحى اللّه الـيـه : (وان كـادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك لتفتري علينا غير - الى قوله -: ثم لا تجد لك علينا نصيرا) [الاسراء: 73 - 75].

فـما زال مغموما مهموما حتى نزلت عليه : ( وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ثم يحكم اللّه آياته واللّه عليم حكيم ) [الحج : 52].

قـال : فـسـمـع مـن كـان بـارض الحبشة من المهاجرين ان اهل مكة قد اسلموا كلهم , فرجعوا الى عـشـائرهـم وقـالـوا: هـم احـب الـيـنـا, فـوجـدوا الـقـوم قد ارتكسوا حين نسخ اللّه ما القى الشيطان ((566)) .

2 - واخرجها اكثر تفصيلا عن محمد بن كعب القرظي وحده , قال :.

لـمـا راى رسـول اللّه (ص ) تولي قومه عنه , وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من عند اللّه , تمنى في نفسه ان ياتيه من اللّه ما يقارب بينه وبين قومه , وكان يسره مع حبه وحرصه عليهم ان يلين له بعض ما غلظ عليه من امرهم , حتى حدث بذلك نفسه وتمناه واحبه فانزل اللّه :.

( والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ) فلما انتهى الى قول اللّه :.

(افـرايـتـم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى ) القى الشيطان عل -ى لسانه - لما كان يحدث به نـفـسـه ويـتمنى ان ياتي به قومه -: ( تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى ) فلما سمعت ذلك قـريـش فرحوا وسرهم واعجبهم ما ذكر به آلهتهم فاصاخوا له , والمؤمنون مصدقون نبيهم في ما جـاءهـم بـه عن ربهم , ولايتهمونه على خطا ولا وهم ولا زلل , فلما انتهى الى السجدة منها وختم السورة سجد فيها, فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقا لما جاء به , واتباعا لامره , وسجد من في الـمـسجد من المشركين من قريش وغيرهم لما سمعوا من ذكر آلهتهم , فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كـافـر الا سجد, الا الوليد بن المغيرة , فانه كان شيخا كبيرا فلم يستطع السجود, فاخذ بيده حـفنة من البطحاء فسجد عليها, ثم تفرق الناس من المسجد, وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم , يقولون : قد ذكر محمد آلهتنا باحسن الذكر.

وقـد زعم فيما يتلو ( انها الغرانيق العلى وان شفاعتهم ترتضى ) وبلغت السجدة من بارض الحبشة من اصحاب رسول اللّه (ص ) , وقيل : اسلمت قريش , فنهض منهم رجال وتخلف آخرون .

واتـى جبرائيل رسول اللّه (ص ) فقال : يا محمد ماذا صنعت ؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن اللّه عـز وجـل , وقلت ما لم يقل لك , فحزن رسول اللّه (ص ) عند ذلك حزنا شديدا وخاف من اللّه خـوفـا كـثـيرا, فانزل اللّه تبارك وتعالى عليه : (وكان به رحيما) ((567)) يعزيه ويخف عليه الامر, ويخبره انه لم يكن قبله نبي ولارسول تمنى كما تمنى , ولا احب كما احب , الا والشيطان قد الـقـى فـي امنيته كما القى على لسانه (ص ), فنسخ اللّه ما القى الشيطان واحكم آياته , اي فانما انت كـبعض الانبياء والرسل , فانزل اللّه عز وجل : ( وما ارسلنا م قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته ).

فاذهب اللّه عز وجل عن نبيه (ص ) الحزن , وآمنه من الذي كان يخاف , ونسخ ما القى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم ( انها الغرانيق العلى وان شفاعتهن ترتضى ).

يـقـول اللّه حين ذكر اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى : (الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضـيزى ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم - الى قوله تعالى - لمن شاء ويرضى ) [الايات : 21 - 26] اي فكيف تنفع شفاعة آلهتكم عنده ؟.

فلما جاءه من اللّه ما نسخ ما كان الشيطان القى على لسان نبيه قالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من مـنـزلة آلهتكم عند اللّه فغير ذلك وجاء بغيره , وكان ذانك الحرفان اللذان القى الشيطان على لسان رسوله (ص ) قد وقعا في فم كل مشرك , فازدادوا شرا الى ما كانوا ع يه ((568)) .

3 - اخرج عن ابي العالية قال :.

قـالـت قريش لرسول اللّه (ص ): انما جلساؤك عبد بني فلان ومولى بني فلان , فلو ذكرت آلهتنا بشي ء جالسناك , فانه ياتيك اشراف العرب فاذا راوا جلساءك اشراف قومك كان ارغب لهم فيك قال : فالقى الشيطان في امنيته , فنزلت هذه الاية : ( افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى ).

قال : فاجرى الشيطان على لسانه : ( تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترجى مثلهن لاينسى ).

قـال : فسجد النبي (ص ) حين قراها وسجد معه المسلمون والمشركون فلما علم الذي اجري على لسانه كبر ذلك عليه فانزل اللّه : ( وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته ) الى قوله : ( واللّه عليم حكيم ) ((569)) .

4 - اخرج هذه الرواية اكثر تفصيلا بسند آخر عن ابي العالية , قال :.

قالت قريش : يا محمد انما يجالسك الفقراء والمساكين وضعفاء.

الناس , فلو ذكرت آلهتنا بخير لجالسناك , فان الناس ياتونك من الافاق .

فـقـرا رسـول اللّه (ص ) سورة النجم , فلما انتهى على هذه الاية : (افرايتم اللات والعزى ومناة الـثالثة الاخرى ) فالقى الشيطان على لسانه : ( وهي الغرانقة العلى وشفاعتهن ترتجى ) فلما فرغ مـنـها سجد رسول اللّه (ص ) والمسلمون والمشركون , الا ابا احيحة سعيد بن العاص ,اخذ كفا من تـراب وسـجد عليه وقال : قد آن لابن ابي كبشة ان يذكر آلهتنا بخير, حتى بلغ الذين بالحبشة من اصحاب رسول اللّه (ص ) من المسلمين ان قريشا قد اسلمت , فاشتد على رسول اللّه (ص ) ما القى الشيطان على لسانه فانزل اللّه : ( وما.

ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) الاية .

5 و6 - روى الطبري هاتين الروايتين عن سعيد بن جبير قال :.

لـمـا نـزلـت هذه الاية : ( افرايتم اللات والعزى ) قراها رسول اللّه (ص ) فقال : ( تلك الغرانيق العلى , وان شفاعتهن لترتجى ) فسجد رسول اللّه (ص ), فقال المشركون : انه لم يذكر آلهتكم قبل الـيـوم بـخير, فسجد المشركون معه , فانزل اللّه : (وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا ن ي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته ) الى قوله : (عذاب يوم عقيم ) [الحج : 52 - 55].

7 - روى عن ابن عباس قال :.

قـوله : ( وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته ) الى قوله : ( واللّه عليم حكيم ).

وذلـك ان نـبـي اللّه (ص ) بـينما هو يصلي اذ نزلت عليه قصة آلهة العرب , فجعل يتلوها فسمعه المشركون , فقالوا: انا نسمعه يذكر آلهتنا بخير, فدنوا منه , فبينما هو يتلوها وهو يقول : ( افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى ) القى الشيطان : (ان تلك الغرانيق ال لى , منها الشفاعة ترتجى ) فـجـعـل يـتلوها, فنزل جبرائيل (ع ) فنسخها, ثم قال له : ( وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الااذا تمنى القى الشيطان في امنيته ) الى قوله : (واللّه عليم حكيم ) ((570)) .

8 - روى عن الضحاك انه قال في قوله :.

( ومـا ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) الاية : ان نبي اللّه (ص ) وهو بمكة انزل اللّه عليه في آلـهـة الـعـرب , فـجعل يتلو: ( اللات والعزى ) ويكثر ترديدها, فسمع اهل مكة نبي اللّه يذكر آلـهـتهم , ففرحوا بذلك ودنوا يستمعون , فالقى الشيطان في تلاوة النبي (ص ): (تل الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ).

فـقـراهـا الـنـبي(ص ) كذلك , فانزل اللّه عليه : (وما ارسلنا من قبلك من رسول ) الى : (واللّه عليم حكيم ) ((571)) .

9 - روى عن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث :.

ان رسول اللّه (ص ) وهو بمكة قرا عليهم : ( والنجم اذا هوى ) فلما بلغ : (افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى ) قال : ان شفاعتهن ترتجى .

وسـهـى رسول اللّه (ص ), فلقيه المشركون الذين في قلوبهم مرض , فسلموا عليه وفرحوا بذلك فـقـال لهم : انما ذلك من الشيطان , فانزل اللّه : (وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) حتى بلغ : ( فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ).

قال الطبري : واختلف اهل التاويل في معنى قوله : ( تمنى ) في هذا.

الموضع .

فمنهم من قال : التمني من النبي (ص ): ما حدثته نفسه من محبته مقاربة قومه .

ومنهم من قال : ذلك محبة منه في بعض الاحوال ان لا تذكر بسوء.

وقال آخرون : بل معنى ذلك , اذا قرا وتلا او حدث .

ثـم روى عـن عـبـيـد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( الا اذا تمنى ) يعني بالتمني : التلاوة والـقراءة قال الطبري : وهذا القول اشبه بتاويل الكلام , بدلالة قوله : ( فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ثـم يـحكم اللّه آياته ) على ذلك , لان الايات التي اخبر اللّه جل ثناؤه ان ه يحكمها لا شك انها آيات تـنـزيـلـه , فـمعلوم بذلك ان الذي القى فيه الشيطان هو ما اخبر اللّه تعالى ذكره انه نسخ ذلك منه وابطله ثم احكمه بنسخه ذلك منه , فتاويل الكلام اذا: وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تـلا كـتاب اللّه , وقرا او حدث وتكلم القى اشيطان في كتاب اللّه الذي تلاه وقراه , او في حديثه الذي حدث وتكلم , فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان , يقول تعالى : فيذهب اللّه ما يلقي الشيطان من ذلك على لسان نبيه ويبطله .

وروى في تاييد قوله :.

1 - عن ابن عباس قال : ( فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ): فيبطل اللّه ما القى الشيطان .

2 - عـن الضحاك انه قال في قوله : ( فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ): نسخ جبرئيل بامر اللّه ما القى الشيطان على لسان النبي(ص ) واحكم اللّه آياته .

وق -وله : (ثم يحكم اللّه آياته ) يق -ول : ثم يخلص اللّه آيات كتاب -ه من الباطل الذي القى الشيطان عـلـى لـسان نبيه , واللّه عليم بما يح -دث في خلق -ه من حدث لا يخفى عليه من -ه شي ء, حكيم في تدبيره اياهم , وصرف -ه لهم في ما شاء واحب .

وقـال فـي تاويل قوله : ( ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الـظـالمين لفي شقاق بعيد ) [الحج : 53]: يقول تعالى ذكره : (فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ثم يحكم اللّه آيـاتـه ) كـي يجعل ما يلقي الشيطان في امنية نبيه من الباط, كقول النبي(ص ): ( تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى ) فتنة , يقول : اختبارا, يختبر به الذين في قلوبهم مرض من النفاق , وذلك الشك في صدق رسول اللّه (ص ) وحقيقة ما يخبرهم به .

ثم روى عن قتادة , قال :.

انـ الـنبي(ص ) كان يتمنى ان لا يعيب اللّه آلهة المشركين , فالقى الشيطان في امنيته , فقال : ان الالهة الـتي تدعى , ان شفاعتها لترتجى , وانها للغرانيق العلى , فنسخ اللّه ذلك , واحكم اللّه آياته ( افرايتم الـلات والـعـزى ), حتى بلغ (من سلطان ) قال قتادة : ل ا القى الشيطان ما القى , قال المشركون : قد ذكـر اللّه آلهتهم بخير, ففرحوا بذلك , فذكر قوله : (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض ).

وقال في تفسير قوله تعالى :.

(وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان اللّه لهادي الذين آمنوا الى صراط مستقيم ) [الحج : 54]:.

يقول تعالى ذكره : وكي يعلم اهل العلم باللّه ان الذي انزله اللّه من آياته التي احكمها لرسوله ونسخ مـا القى الشيطان فيه انه الحق من عند ربك - يا محمد - فيؤمنوا به يقول : فيصدقوا به ( فتخبت له قلوبهم ), يقول : فتخضع للقرآن قلوبهم وتذعن بالتصديق به , والاق ار بما فيه ( وان اللّه لهاد الذين آمـنـوا الـى صـراط مـستقيم ) وان اللّه لمرشد الذين آمنوا باللّه ورسوله الى الحق القاصد والحق الـواضـح , بـنسخ ما القى الشيطان في امنية رسوله , فلا يضرهم كيد الشيطان والقاؤه بالباطل على لسان نبيهم ((572)) .

واورد السيوطي ما رواه الطبري , واضاف اليها روايات اخرى مثل ما رواه عن السدي , قال :.

خرج النبي (ص ) الى المسجد ليصلي , فبينما هو يقرا اذ قال : ( افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخـرى ) فـالقى الشيطان على لسانه , فقال : (تلك الغرانقة العلى , وان شفاعتهن ترتجى ) حتى اذا بـلـغ آخر السورة سجد وسجد اصحابه , وسجد المشركون لذكره آلهتهم , فلمارفع راسه حملوه فـاشتدوا به بين قطري مكة يقولون : نبي بني عبد مناف , حتى اذا جاءه جبرئيل عرض عليه , فقرا ذينك الحرفين , فقال جبرئيل : معاذ اللّه ان اكون اقراتك هذا وما ارسلنا من قبلك ) الاية ((573)) .

واورد النيسابوري في تفسير الاية بغرائب القرآن عن ابن عباس انه قال :.

ان شيطانا يقال له الابيض اتاه على صورة جبرئيل والقاها اليه , فلما سمع المشركون ذلك اعجبهم , فـجـاء جبرئيل واستعرضه فقراها, فلما بلغ الى تلك الكلمة انكر عليه جبريل , فقال : انه اتاني آت على صورتك فالقاها على لساني ((574)) .

و - ايضا - روى الطبري الرواية بايجاز عن مجاهد في تفسيره .

دراسة اسناد الروايات :.

هـذه الـمـجـمـوعـة مـن الـروايـات التي وردت في تاريخ الطبري , وتفسيره وتفسير الواقدي والزمخشري والبيضاوي والسيوطي وغيرهم , انما رويت :.

1 - عـن ( محمد بن كعب بن سليم القرظي ) الذي كان من سلالة يهود بني قريظة وولد سنة 40 هجرية .

2 - وعن ( محمد بن قيس ) الذي كان الناطق الرسمي للخلافة في عصر عمر بن عبد العزيز.

3 - وعـن ( ابـي العالية البراء ) اسمه زياد وقيل كلثوم وقيل ادينة وقيل ابن ادينة - من الرابعة مات سنة 90.

4 - وعـن ( سـعـيد بن جبير ) وهو من التابعين ولم يكن من الصحابة , ولم يدرك عصر الرسول (ص ).

5 - وعـن ( عبداللّه بن عباس ) الذي ولد كما ذكرنا في السنة العاشرة من البعثة ولم يكن قد ولد في العصر الذي تتحدث عنه الاسطورة .

ورويت بعض الروايات :.

6 - عـن ( الـضـحـاك بن مزاحم الهلالي ) وهو من الطبقة الخامسة من الرواة , (توفي سنة 94 هجرية ).

7 - وعن ( مجاهد بن جبر ) وهو من الطبقة الثالثة , توفي سنة 103 او 104ه.

8 - وعن ( قتادة بن دعامة السدوسي ) وهو من الطبقة الرابعة , توفي سنة بضع عشرة بعد المائة .

9 - وعـن ( الـسـدي ابـي محمد اسماعيل بن عبد الرحمن ) وهو من الطبقة الرابعة , توفي سنة 127ه.

10 - ( ابـو بـكر بن عبدالرحمان بن الحارث المدني ) ولد زمن عمر وهو من الطبقة الثالثة , مات سنة اربع وتسعين .

ولـيـس فـي كـل هؤلاء الرواة ممن صحب النبي (ص ) ورآه غير ابن عباس الذي قلنا انه ولد في الـسـنـة الـعاشرة , ولم يكن واحد من هؤلاء الرواة ممن كان موجودا في العصر الذي تتحدث عنه الاسطورة .

كـانـت هذه اسناد روايات الاسطورة , ولم نجد رواية نسبت الى غيرهم في كتب التفاسير والسير والتاريخ والحديث , فقد انحصرت الروايات بهؤلاء ((575)) .

دراسة متون الروايات :.

اما متون روايات الاسطورة , فانها تتحدث عن سورة النجم وآيات في سورة الحج :.

ا - آيات سورة النجم :.

امـا سـورة النجم فانها تتحدث عن عقائد المشركين حول بعض اصنامهم وتردها, وخاصة عقيدتهم حـول الاصنام الثلاثة : اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى , اللاتي كانوا يزعمون انها تمثل بعض الملائكة بنات اللّه .

فـفـي هـذه الايات اشار الى هذا الزعم , حيث قال جل اسمه : ( افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى الكم الذكر وله الانثى ) اي انكم تعتقدون ان الملائكة بنات اللّه , ولكم الذكر وللّه البنات , ثم يقول بعد هذه الاية : (تلك اذا قسمة ضيزى ).

ويـرد قولهم بعد ذلك فيقول : ( ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان ان يـتـبعون الا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ام للانسان ما تمنى فللّه الاخرة والاولى وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا الامن بعد ان ياذن اللّه لمن يشاء ويرضى ان الـذين لا يؤمنون بالاخرة ليسمون الملائكة تسمية الانثى وما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن وان الـظـن لا يـغـني من الحق شيئا فاعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد الا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم ان ربك هواعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بمن اهتدى ) [النجم : 23 - 30].

هـكـذا تـرد هـذه الايات مزاعم المشركين , حيث كانوا يزعمون ان الملائكة تشفع لهم , وان هذه الاصنام التي سميت باسم الملائكه - تمثل الملائكة الذين كانوا يعتقدون بانهم بنات اللّه , واللّه يقول ان الـمـلائكـة لا يـشـفـعون الا لمن ياذن منهم ان يشفع , فكيف بهذه الاصنام ال ي سميتموها باسم الملائكة وزعمتم ان الملائكة اناث ؟ وما لكم به من علم , ان تتبعون الا الظن .

ولو فرضنا ان قائلا قال هكذا: ( افرايتم اللات والعزى , ومناة الثالثة الاخرى , تلك الغرانيق العلى , منها الشفاعة ترتجى , الكم الذكر وله الانثى , تلك اذا قسمة ضيزى , ان هي الا اسماء سميتموها انتم وابـاؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان ان يتبعون الا الظن وما ته ى الانفس ) اذا كانت الايات تدل على هـذه الـمـزعـمـة : ( ان تلك الغرانيق العلى , منها الشفاعة ترتجى , ان هي الا اسما سميتموها انتم واباؤكم وما انزل اللّه بها من سلطان لـسـت ادري كيف لم ينتبه واضعوا هذه الاسطورة السخيفة حين قالوا: ان الشيطان القى على لسان رسول اللّه (ص ) بعد ذكره اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى , ان يقول : تلك الغرانيق العلى , وان شـفـاعـتهن لترتجى ؟ تعالى :.

(الكم الذكر وله الانثى ) ( تلك اذا قسمة ضيزى ) ؟ ثم مجابهة لهم .

بالاستنكار وبتكذيب زعمهم بقوله تعالى بعدها: ( ان هي الا اسماء.

سـمـيـتموها انتم وآباؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان ) ثم اعقبه انكار شفاعة الملائكة بدون اذن اللّه , فـكـيـف بـتماثيلهم من الاصنام ؟ تسمية الانثى , وان المشركين لا علم لهم بذلك , ثم امر الرسول (ص ) بالاعراض عن م وان يدمغهم بقوله تعالى : ( ذلك مبلغهم من العلم ) الايات .

لـسـت ادري كـيف غاب عن ناسبي هذه الاسطورة ومصدقيها من اعلام مفسري مدرسة الخلفاء ان الـمـشـركين الجاهليين بمكة لم يكونوا عجما لا يفهمون هذه المعركة الصاخبة من الذم والتقريع والاسـتـهـزاء والـسـخرية ؟ بل كانوا عربا اقحاحا, جل ثقافتهم نظم القصائد في المدح والهجاء, وم هـفـي الاحـساس فيما يجري في معاريض الكلام يطربهم المدح , ويثيرهم الهجاء الى حد اقامة الحروب واراقة الدماء في سبيل المفاخرة والمناظرة كـان ذلـك مـغزى الايات في سورة النجم المناقضة لمغزى الايات الشيطانية المفتراة التي يدركها بجلاء من كان له ادنى المام باللغة العربية .

ب - آيات سورة الحج :.

اما في ما ورد في سورة الحج , فان واضعي الاسطورة افتروا على الوحي وعلى رسول اللّه (ص ) وقالوا: ان جبريل جاء بعد ذلك الى رسول اللّه , اي بعد ان القى الشيطان على لسانه (ص ) - معاذ اللّه -: ( تـلـك الغرانيق العلى , منها الشفاعة ترتجى ), وقراها رسول اللّه (ص ) ضمن تلاته للسورة , وسـجـد لـقـراءته المشركون وسجد المسلمون لسجود رسول اللّه (ص ), بعد ذلك جاءه جبريل واخـبـر الـرسـول (ص ) بان الجملتين لم ينزلهما اللّه عليه , وانما هما من الشيطان , فحزن لذلك رسول اللّه (ص ) فانزل اللّه عليه هذه الاية من سورة الحج :.

(وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في .

امنيته فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان ثم يحكم اللّه آياته واللّه عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة لـلـذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان اللّه لهاد ال ين آمنوا الى صراط مستقيم ) [الحج : 52 - 54].

وزعـمـوا ان معنى الاية : وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى , يعني : الا اذا تلا, اي قرا كتاب اللّه , القى الشيطان في امنيته , اي في قراءته , فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان هكذا زعموا ولفهم مغزى الايات ينبغي ان نرجع الى اللغة العربية والى ما وردفي القرآن الكريم من مادة الامنية , ولنرى فيم استعملت كلمتا الامنية والتمني .

فـنـقول : اما الامنية فهي من مادة ( منى ): تمنى الشي ء المحبوب , يعني : رغب في ان يناله , وحدثته نفسه بوقوعه والامنية : ما يرغب فيه المرء ويتشهاه , وتجمع على الاماني .

هكذا ورد معنى الكلمة في معاجم اللغة العربية , اما موارد استعمالها في القرآن الكريم : فقد ورد في سـورة الـنجم الاية 24 بنفس المعنى : ( ام للانسان ما تمنى فللّه الاخرة والاولى ) وليس معناه : ام للانسان ما قرا, بل ما اشتهته النفس .

وفي سورة القصص - ايضا - بعد ان يتحدث عن قارون وما اوتي من المال , وكيف خرج على قومه في زينته , قال : ( قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون انه لذو حظ عظيم ) - الى قوله تعالى -: (وخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دن اللّه وما كان من .

الـمـنتصرين واصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكان اللّه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ) الاية .

اذا فان : ( تمنوا مكانه ) ليس معناه : قراوا مكانه , بل تمنوا ان يكونوا مكانه في ما يملك من المال .

وكذلك وردت هذه المادة (م ن ي ) في سورة آل عمران / 143 والنساء / 32 و123 والجمعة / 6 و7 والبقرة / 94 و95 و111.

ولم ترد هذه المادة بمعنى ( قرا ) في لغة العرب ولا في القرآن الكريم , غير ان المفسرين استنادا الـى روايـات تـلـك الاسطورة فسروا ( الامنية ) و(تمنى ) بالقراءة وقرا, وبذلك شوشوا على الباحثين ممن جاء بعدهم فهم الاية .

واذا رجـعـنا الى الايات في سورة الحج وموضعها, نجد ان الايات : (50 - 53), التي تحدثت عنها الاسطورة , وردت ضمن آيات ذات وحدة موضوعية , ابتداء من الاية (41) حتى الاية (55) وما بعدها, حيث يقول اللّه تعالى فيها: (وان يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابراهيم وقـوم لـوط واصـحاب مدين وكذب موسى فامليت للكافرين ثم اخذتهم فكيف كان نكير) ثم يذكر عاقبة المكذبين في الايات (45 - 48) ثم يخاطب نبيه .

ويسليه لانه نذير وقال : ( فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آيـاتـنـا مـعاجزين اولئك اصحاب الجحيم ) ويستمر في التسلية ويقول : ( وما ارسلنا من قبلك من رسـول ولا نـبـي الا اذا تـمنى ) اي اذا احب واجتهد في نجاح دعوته ( القى الشيطن ) العراقيل والشبهة في طريق امنيته فينسخ اللّه - اي يزيلها ويبطل اثرها - كما قال في سورة الانبياء:.

(بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ) [الاية : 18].

وعلى هذا, فان تمني النبي (ص ) وامنيته , هي رغبته الملحة في هداية الناس .

والـقـاء الـشيطان فيها هو القاء الشبهة والوساوس في طريق امنيته , وينسخها اللّه يعني : يزيل تلك الشبهات والوساوس , وفي ذلك يكون احكام آياته .

كان ذلك تفسير الاية مع ملاحظة موقعها ضمن الايات ذات الوحدة .

الموضوعية في السورة .

الالقاءات الشيطانية :.

واما الالقاءات الشيطانية التي كان يقوم بها خصوم الاسلام فقد ورد في قوله تعالى :.

1 - ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم .

تغلبون ) ((576)) .

2 - ( والذين سعوا في آياتنا معاجزين ) ((577)) .

3 - ( واذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ان .

هذا الااساطير الاولين ) ((578)) .

4 - ( وقـال الذين كفروا ان هذا الا افك افتراه واعانه عليه قوم آخرون وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا ) ((579)) .

واخـبر سبحانه وتعالى عن بعض ما يلقون الى الناس وقال : ( ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين ) ((580)) .

وكـثـير مثلها التي اخبر سبحانه وتعالى عن الالقاءات الشيطانية في شان القرآن الكريم من شبهات امحاها اللّه ونسخها واحكم آياته البينات بما تحداهم في امثال قوله تعالى : ( وان كنتم في ريب مما نـزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه ان ك تم صادقين فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ) ((581)) .

ويـخـبـر اللّه تعالى عن الشياطين الذين يلقون الشبهات والوساوس انهم من الجن والانس وقال : ( وكـذلـك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ) ((582)) .

واخـيرا لسنا بحاجة الى كل هذا التفصيل اذا عرفنا انهم زعموا ان الايات من سورة الحج وآية : ( ومـا ارسـلـنـا مـن رسول ولا نبي الا اذا تمنى ) كانت ضمن الحادثة التي وقعت في مكة في قصة الـغـرانـيـق المفتراة , بينما سورة الحج كلها مدنية , نزلت في المدينة , واين هذا من ذا ؟ وفي هذا اعظم دليل على كذب الاسطورة , ولا نحتاج لكل ما اوردناه من الاحتجاج على بطلان هذه القصة مقارنة الروايات بنصوص القرآن .

لست ادري , كيف يصدقون الاسطورة ويكتبونها في كتب التفاسير وقد قال اللّه تعالى : ( فاذا قرات الـقرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ) ((583)) ؟.

كيف يصدقون ذلك ؟ وهم يتلون في كتاب اللّه :.

1 - ( ان عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) ((584)) .

2 - ( ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين ) ((585)) .

3 - ويـقـول اللّه سـبـحانه وتعالى : ( وانه لكتاب عزيز لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تـنزيل من حكيم حميد ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك ولو جعلناه قرآنا اعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ااعجمي وعربي ) ((586)) .

4 - ويـتلون - ايضا - في سورة النجم نفسها: ( وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى ) ((587)) .

5 - وفـي سـورة الحاقة : ( ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من احد عنه حاجزين ) ((588)) .

6 - وفي سورة يونس : ( قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ان اتبع الاما يوحى الى ) ((589)) .

وليت شعري كيف لم يدرك هؤلاء واولئك ان الذي يقضي حياته في مكافحة عبادة الاصنام وتحطيمها لا يمكن ان يتفوه بهذه الكلمات ؟.

مخالفة الاسطورة لعصمة الانبياء في التبليغ .

ان الـعلماء, بمدرسة الخلفاء, وان لم يعترفوا بعصمة الانبياء كما اعترف بها اتباع مدرسة اهل البيت فـي جـميع افعالهم واقوالهم , غير انهم يقولون بعصمة الانبياء في تبليغ الوحي وعصمتهم في حفظ الوحي كي يصدق القول بعصمتهم في التبليغ وبايمانهم بهذه الاسطورة وروايات م لاخبارها ناقضوا هذا الايمان , فان النبي (ص ) على ما زعموا في الاخبار المفتراة على رسول اللّه (ص ) لم يعصمه اللّه عن القاء الشيطان في تلقيه الوحي وحفظه وتبليغه , وماذا يبقى من الاطمئنان بالقرآن الكريم بعد ((590)). ؟ كشف الحقيقة :.

هـذه الاسـطـورة وردت - كـما ذكرنا - في تفاسير مدرسة الخلفاء وبعض كتب السير والتاريخ عـنـدهـم واذا رجعنا الى مدرسة اهل البيت نجد كشف الحقيقة عند احد تلاميذ الامام الصادق (ع ) وهـو ابن الكلبي (المتوفى سنة 204 او 206ه) انه يخبر في كتابه (الاصنام ) عن حقيقة الواقعة يـقول : وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول : واللات والعزى , ومناة الثالثة الاخرى , فانهن الغرانيق العلى , وان شفاعتهن لترتجى وكانوا يقولون : بنات اللّه (عز وجل عن ذلك ) وهن يشفعن اليه .

فـلما بعث اللّه رسوله (ص ) انزل عليه : ( افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى ان هي الااسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان ) ((591)) .

وروي عن محمد بن اسحاق بن خزيمة انه الف كتابا في هذا الصدد وبرهن فيه ان روايات الغرانيق وضعتها الزنادقة .

فـاقـول : انـي لـم ار الـكـتاب , ولم اعرفه , ولم ار دليله على ذلك , ولكننا في بحوثنا عن الزنادقة وجـدنـاهم يختلقون ما يختلقون , ويدخلونها ويدسونها في سنة الرسول (ص ) ووجدنا عند علماء الحديث وصفا لكيفية عمل الزنادقة , وبيانا يزيل الغموض مثل ما ذكره ابن الجوزي (ت 59 ه) في كتاب الموضوعات , في وصف من تعمدوا الكذب الصريح في رواية الحديث , حيث قال في تعدادهم :.

الـقسم الاول : الزنادقة الذين قصدوا افساد الشريعة , وايقاع الشك فيها في قلوب العوام , والتلاعب بـالـديـن , كعبد الكريم بن ابي العوجاء, وكان خال معن ابن زائدة وربيب حماد بن سلمة , وكان يدس الاحاديث في كتب حماد.

كذلك قال ابو احمد بن عدي الحافظ, فلما اخذ ابن ابي العوجاء اتي به محمد بن سليمان بن علي فامر بـضـرب عـنـقه , فلما ايقن بالقتل قال : واللّه لقد وضعت فيكم اربعة آلاف حديث احرم فيها الحلال واحلل فيها الحرام , ولقد فطرتكم في يوم صومكم , وصومتكم في يوم فطركم (592)).

وروي عن المهدي الخليفة العباسي انه قال : اقر عندي رجل من الزنادقة انه وضع اربع مائة حديث فهي تجول في ايدي الناس .

وقال المصنف : وكان ممن يضع الحديث (مغيرة بن سعيد) و(بيان ).

وقـال ابن نمير: كان مغيرة ساحرا, وكان بيان زنديقا, فقتلهما خالد بن عبداللّه القسري واحرقهما بـالنار, وقد كان في هؤلاء الزنادقة من ياخذ من شيخ مغفل كتابه فيدس في كتابه ما ليس من حديثه , فيرويه ذلك الشيخ ظنا منه ان ذلك من حديثه .

وروي عـن الحكم بن المبارك انه قال : سمعت حماد بن زيد يقول : وضعت الزنادقة على رسول اللّه (ص ) اربعة عشر الف حديث ((593)) .

نتيجة البحث .

كـانت تلكم حقيقة خبر الجمل المسجوعة في شان الغرانيق واما حقيقة شان رجوع المهاجرين من الحبشة فكالاتي خبره :.