و فيه أنه لا دليل على ثبوت هذا الاستحباب ، فان الضرر المالي إن بلغ إلى مرتبة يعد في العرف ضررا جاز الكذب لدفعه ، و إلا فهو حرام ، لانصراف الادلة المجوزة عن ذلك ، فلا دليل على وجوب الواسطة بينهما لكي تكون مستحبة ، و أما قوله " ع " في نهج البلاغة فأجنبي عن الكذب الجائز الذي هو مورد كلامنا ، بل هو راجع إلى الكذب المحرم و أن يتخذه الانسان وسيلة لانتفاعه ، و من الواضح جدا ان ترك ذلك من علائم الايمان .
و يؤيد ما ذكرناه تقابل الصدق المضر مع الكذب النافع فيه ، لان الظاهر من الكذب النافع هو ما يكون وسيلة لتحصيل المنافع ، يوكون المراد من الصدق المضر ح عدم النفع ، لكثرة إطلاق الضرر عليه في العرف .
و عليه فشأن الحديث شأن ما ورد ( 1 ) من أنه ( يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن ) .
نعم يمكن الاستدلال على الاستحباب بناء عل التسامح في ادلة السنن بقوله " ع " ( 2 ) : ( اجتنبوا الكذب و إن رأيتم فيه النجاة ، فان فيه الهلكة ) .
و لكن مفاد الحديث أعم مما ذكره المصنف .
الاقوال الصادرة عن الائمة ( ع ) تقية لا خلاف بين المسلمين ، بل بين عقلاء العالم في جواز الكذب لانجاء النفس المحترمة .
قال الغزالي ( 3 ) : ( فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم فالكذب فيه واجب ) .
و قد تقدمت ( 4 ) دلالة جملة من الآيات و الروايات على هذا .
بل هو من المستقلات العقلية ، و من الضروريات الدينية التي لا خلاف فيها بين المسلمين .
و على ذلك فمن أنكره كان منكرا لاحدى ضروريات الدين ، و لحقه حكم منكر الضروري من الكفر ، و وجوب القتل ، و بينونة الزوجة ، و قسمة الاموال .
1 - راجع ج 1 كاباب 40 القمار من المعيشة ص 362 . وج 10 الوافي باب القمار ص 36 . وج 3 ئل باب تحريم الزناء من النكاح المحرم ص 39 و 40 . وج 2 ئل باب 45 تعيين الكبائر من جهاد النفس ص 463 وص 464 ، وج 2 مرآة العقول ص 256 وص 260 . 2 - مرسلة . راجع ج 2 المستدرك باب 120 تحريم الكذب من عشرة الحج ص 100 3 - راجع ج 3 إحياء العلوم بيان ما رخص فيه من الكذب ص 121 . 4 - في البحث عن جواز الكذب لدفع الضرورة ص 403 وص 404 و 405 .