لان الاجير لا يخرج عن عهدة التكليف إلا بالاتيان بالعمل المستأجر عليه بقصد الاخلاص فالأَجير يجعل نفسه نائبان عن الغير في إمتثال وظائفه متقربا بها إلى الله ، و إنما يأخذ الاجرة للنيابة فقط دون الاتيان بالعبادات ، فان للنائب حين ما يأتي بالعمل فعلين : أحدهما قلبي من افعال الجوانح ، و هو النيابة .
و ثانيهما خارجي من أفعال الجوارح ، و هو العمل المنوب فيه كالصلاة مثلا ، و إذا تعدد الفعل ذاتا و وجودا فانه لا بأس بتعدد الغاية المترتبة عليهما ، و لا تنافي بين أخذ الاجرة على النيابة و بين الاتيان بالعبادات متقربا بها إلى الله تعالى .
و فيه أن أخذ الاجرة إما لتنزيل نفسه منزلة الميت و نيابته عنه في الاتيان بوظائفه ، و إما للاتيان بالعمل في الخارج ، فعلى الاول يلزم استحقاق الاجرة بمجرد النيابة القلبي ، سواء أتى بالعمل في الخارج أم لا ، و هو بديهي البطلان .
و على الثاني فيعود المحذور ، و هو أخذ الاجرة على الامر العبادي ، فان الموجود في الخارج ليس إلا نفس العبادة .
الثاني : ما ذكره المصنف في رسالة القضاء من أن ( النية مشتملة على قيود منها كون الفعل خالصا لله سبحانه ، و منها كونه اداء و قضاء عن نفسه أو عن الغير بأجرة أو بغيرها ، و كل من هذه القيود مناف لقصد الاخلاص ، و الاجرة فيما نحن فيه إنما وقعت أولا و بالذات بازاء القيد الثاني ، أعني النيابة عن زيد ، بمعنى أنه مستأجر على النيابة عن زيد بالاتيان بهذه الفريضة المتقرب بها ، و قيد القربة في محله على حاله ، لا تعلق للاجارة إلا من حيث كونه قيدا للفعل المستأجر عليه ، نعم لو اشترط في النيابة عن الغير التقرب زيادة على التقرب المشروط في صحة العبادة اتجه منا فات الاجرة لذلك ، إلا أنه ليس بشرط إجماعا ) .
و فيه أولا : أن أخذ الاجرة في مقابل العمل المقيد بقصد القربة يستلزم وقوع الاجرة بازاء نفس العمل أيضا ، و عليه فيعود المحذور المذكور .
و ثانيا : ما ذكره بعض مشائخنا المحققين من ( أن الفعل القلبي و الفعل الخارجي و إن كانا متغايرين ماهية و وجودا ، و لكل منهما غاية خاصة ، إلا أنه لا شك في أنه لو لا الفعل القلبي بماله من الغاية و هي استحقاق الاجرة لم يصدر الفعل الخارجي بماله من الغاية ، و هي القربة فالإِخلاص الطولي محفوظ بمجرد تعدد الفعل مع ترتب الفعل الخارجي بغايته على الفعل القلبي بغايته ) .
الثالث : ما ذكره شيخنا الاستاذ توجيها لكلام المصنف في المكاسب .
و ملخصه : أنه لا شبهة في عدم اعتبار المباشرة في فعل المنوب عنه ، بل جاز للغير الاتيان بالفعل عنه نيابة ، و يجوز التبرع عنه في ذلك من دون ان يعتبر قصد القربة في الامر التبرعي ، بل اعتباره في فعل النائب لاجل اعتباره في المنوب فيه .