عاشوراء بین الصلح الحسنی و الکید السفیانی

السید جعفر مرتضی العاملی

نسخه متنی -صفحه : 7/ 5
نمايش فراداده

القسم الثاني

من هو القاتل؟!..

الفصل الأول

يزيد لعنه الله..

الآمر بقتل الإمام والراضي به..

أتباع السفياني يبرؤون يزيد لعنه الله:

ثم إن هذا المنشور قد زعم أن يزيد بن معاوية لعنه الله، لم يأمر ابن زياد لعنه الله بقتل [الإمام] الحسين [عليه السلام]..

وهذه الدعوى قد سبقه إليها أناس سعوا إلى تبرئة يزيد لعنه الله من هذه الجريمة النكراء، فأنكروا أن يكون لعنه الله قد رضي بقتله عليه السلام، أو أنه أمر به، ومن هؤلاء ابن حجر الهيثمي..(54) ومحمد كرد علي، وتقي الدين ابن الصلاح، والغزالي، وابن العربي، وابن تيمية وأضرابهم..(55)

بل إن بعضهم كابن خلدون، وابن العربي، قالوا: إن الحسين قتل بسيف جده..(56)

بل صرح محمد أبو اليسر عابدين، مفتي الشام بقوله: «بيعة يزيد شرعية، ومن خرج عليه كان باغياً»(57)

واعتبر ابو الخير الشافعي القزويني إماماً مجتهداً(58)

وقال محمد الخضري: «الحسين أخطأ خطأ عظيماً في خروجه هذا الذي جر على الأمة وبال الفرقة، وزعزع ألفتها إلى يومنا هذا، إلى غير ذلك من أقواله التي تنضح باللؤم والتجني على الإمام الحسين عليه السلام، فراجع كلامه(59)

بل ادعى بعضهم أن يزيد لعنه الله من الصحابة، أو من الخلفاء الراشدين المهديين، أو من الأنبياء..(60)

ونقول لهؤلاء:

قتل بسيف جده!!:

وبعد، فإن الإمام الحسين عليه السلام، لم يقتل بسيف جده، بل قتل بسيف يزيد لعنه الله الباغي على إمامه، والظالم لنفسه، وللأمة، ولرسول الله صلى الله عليه وآله..

لأن النبي صلى الله عليه وآله، قد قرر إمامة الحسنين عليهما السلام في كثير من النصوص العامة والخاصة..

ولأن يزيد لعنه الله كان فاقد الشرعية بنص واعتراف من أبيه معاوية..

ولأنه قد أمر بقتل الإمام الحسين عليه السلام، بمجرد موت أبيه، وقبل أن يبايعه الناس، خصوصاً في العراق والحجاز واليمن، و.. و..

ولأن الإمام الحسين عليه السلام وآخرون من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم أهل الحل والعقد قد رفضوا تأمره عليهم بالقوة، وهو المعروف بفسقه وجوره، إلى غير ذلك مما ألمحنا إليه في هذه الدراسة، وألمح إليه علماء الأمة في مؤلفاتهم وبحوثهم..

إن يزيد لعنه الله هو القاتل:

ليس من الضروري أن يكون يزيد هو الذي مارس قتل الإمام الحسين عليه السلام بيده.. إذ إن الملوك ينسب إليهم الانتصار والهزيمة في الحروب، وينسب إليهم أيضاً قتل أعدائهم، مع أنهم لا يباشرون قتل أعدائهم بأنفسهم إلا بعض الشذاذ منهم، يقدمون على ذلك بهدف التشفي والانتقام..

وإن مما لا شك فيه، ولا شبهة تعتريه، هو أن يزيد بن معاوية لعنه الله هو قاتل الإمام الحسين عليه السلام، بسيف ابن زياد، والشمر، وعمر بن سعد..

ولبيان ذلك نقول:

إن هناك ثلاثة أنواع من النصوص:

الأول: ما دل على أن يزيد لعنه الله قد أمر ابن زياد وغيره، بقتل الإمام الحسين عليه السلام.. ويدخل في ذلك، ما ورد فيه التصريح بأنه هو القاتل.

الثاني: ما صرح برضاه بقتله عليه السلام.

الثالث: أفعاله الدالة على فرحه بما جرى عليه، وعلى أهل بيته، وصحبه سلام الله عليهم..

ونحن نتكلم حول هذه الأمور الثلاثة، كل على حدة، فنقول:

ألف: أوامر يزيد لعنه الله بقتل الإمام الحسين عليه السلام:

إن مما دل على أن يزيد بن معاوية لعنه الله قد أمر بقتل سيد الشهداء عليه السلام وصحبه:

1 ـ قال ابن زياد لمسافر بن شريح اليشكري: «أما قتلي الحسين، فإنه أشار علي يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله»..(61)

2 ـ كتب ابن زياد لعنه الله إلى الإمام الحسين عليه السلام: «قد بلغني نزولك كربلاء، وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد: أن لا أتوسد الوثير، ولا أشبع من الخمير، أو ألحقك باللطيف الخبير، أو تنزل على حكمي، وحكم يزيد، والسلام»..(62)

قال اليعقوبي: إن يزيد قد كتب إلى ابن زياد: «قد بلغني: أن أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنه قد خرج من مكة متوجهاً نحوهم، وقد بلي به بلدك من بين البلدان، وأيامك من بين الأيام، فإن قتلته، وإلا رجعت إلى نسبك وأبيك عبيد، فاحذر أن يفوتك..(63)

3 ـ إن يزيد لعنه الله قد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر على الحاج، وولاه أمر الموسم، وأوصاه بالفتك بالإمام الحسين عليه السلام، أينما وجد..(64)

4 ـ إن يزيد لعنه الله كتب إلى الوليد بن عتبة: «خذ الحسين وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمان بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، ومن أبى فاضرب عنقه، وابعث إلي برأسه..»(65)

وحسب نص اليعقوبي: «إذا أتاك كتابي، فاحضر الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث إلي برأسيهما، وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فانفذ فيه الحكم وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير والسلام»..(66)

5 ـ كتب إلى عامله على المدينة بكتاب قال له فيه: «وعجل علي بجوابه، وبين لي في كتابك كل من في طاعتي، أو خرج عنها، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي»..(67)

6 ـ وفي نص آخر: أن الوليد بن عتبة أخبر يزيد لعنه الله بما جرى له مع الإمام الحسين عليه السلام، وابن الزبير، فغضب يزيد لعنه الله، وكتب إليه:

«إذا ورد عليك كتابي هذا، فخذ بالبيعة ثانياً على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم، وذر عبد الله بن الزبير، فإنه لن يفوتنا، ولن ينجو منا أبداً ما دام حياً، وليكن مع جوابك إلي، رأس الحسين بن علي، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنة الخيل، ولك عندي الجائزة والحظ الأوفر الخ..(68)

7 ـ وقد كتب يزيد لعنه الله إلى ابن عباس، وإلى من بمكة والمدينة من قريش، أبياتاً منها:


  • أبلغ قريشاً على نأي المزار بها بيني وبين حسين الله والرحم

  • بيني وبين حسين الله والرحم بيني وبين حسين الله والرحم

إلى أن قال:


  • إنـي لأعـلـم أو ظناً كعالمه أن سوف يترككم ما تدَّعون بها قتلى تهاداكم العقبان والرخم(69)

  • والظـن يـصـدق أحياناً فينتظم قتلى تهاداكم العقبان والرخم(69) قتلى تهاداكم العقبان والرخم(69)

8 ـ قال ابن عساكر: «بلغ يزيد خروجه، فكتب إلى عبيد الله بن زياد، وهو عامله على العراق، يأمره بمحاربته، وحمله إليه إن ظفر به..»(70)

وحسب نص ابن أعثم، أن ابن زياد قال لأهل الكوفة: «كتب إليَّ يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، وماءتي ألف درهم» أفرقها عليكم، وأخرجكم لحرب عدوه الحسين بن علي، فاسمعوا له وأطيعوا..(71)

ونحو ذلك ما في نص آخر عنه: «وقد زادكم في أرزاقكم مئة مئة»..(72)

وقال السيوطي: «فكتب يزيد إلى واليه بالعراق، عبيد الله بن زياد بقتاله»..(73)

والأمر بالحرب، هل يعني إلا السعي لقتل الطرف الآخر، وبذل الجهد لإزهاق نفسه، أو أسره؟!..

9 ـ ولما وضع رأس الإمام الحسين عليه السلام بين يدي يزيد لعنه الله، صار لعنه الله، ينكت ثناياه بقضيب، ويقول:


  • أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت نـفـلق هـاماً من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما..(74)

  • قـواضـب في إيماننا تقطر الدما علينا وهم كانوا أعق وأظلما..(74) علينا وهم كانوا أعق وأظلما..(74)

فهو يعترف بالبيت الثاني، بأنه هو فاعل ذلك..

10 ـ وقد نقل الآلوسي عن تاريخ ابن الوردي، وكتاب الوافي بالوفيات:

أنه لما ورد على يزيد نساء الحسين، وأطفاله، والرؤوس على الرماح، وقد أشرف على ثنية جيرون، ونعب الغراب، قال:


  • لما بدت تلك الحمول وأشرفت نعب الغراب، فقلت: نح، أو لا تنح فلقد قضيت من النبي ديوني(75)

  • تـلك الرؤوس على ربى جـيرون تنح فلقد قضيت من النبي ديوني(75) تنح فلقد قضيت من النبي ديوني(75)

إلى أن قال:

وهذا كفر صريح، فإذا صح فقد كفر به ومثله تمثله بقول ابن الزبعرى قبل إسلامه.

ليت أشياخيالأبيات.. انتهى..(76)

11 ـ كما أن الغزالي قد ذكر أن يزيد قد كاتب ابن زياد، وحثه على قتل الحسين..(77)

12 ـ وتمثل، وهو ينكت ثنايا الإمام الحسين عليه السلام بقضيب، بهذه الأبيات:


  • ليت أشياخي ببدر شهدوا لأهلوا واستهلوا فرحاً حين حكّت بفناء بركها قد قتلنا الضعف من أشرافكم لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل

  • جزع الخزرج من وقع الأسل ثم قالوا لي هنيئاً لا تشل واستحر القتل في عبد الأسل وعدلنا ميل بدر فاعتدل خبر جاء ولا وحي نزل خبر جاء ولا وحي نزل

وفي نص آخر:


  • فجزيناهم ببدر مثلها لست من عتبة إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل..(78)

  • وأقمنأ ميل بدر فاعتدل من بني أحمد ما كان فعل..(78) من بني أحمد ما كان فعل..(78)

وفي هذه الأبيات اعتراف صريح بأنه هو فاعل ذلك..

13 ـ ويذكرون أيضاً أن يزيد لعنه الله قد عهد إلى عمرو بن سعيد الأشدق: أن يناجز الإمام الحرب، وإن عجز عن ذلك اغتاله. وقدم الأشدق في جند كثيف إلى مكة، فلما علم الإمام خرج منها..(79)

مواجهة يزيد لعنه الله بجريمته:

وهناك نصوص كثيرة تجد فيها مواجهة يزيد لعنه الله بأنه هو قاتل الإمام الحسين عليه السلام، من دون أن ينكر هو ذلك، أو أن ينحي باللائمة على غيره، فمن ذلك:

1 ـ ما كتب به ابن عباس إلى يزيد لعنه الله في رسالة جاء فيها:

«وسألتني أن أحث الناس عليك، وأخذلهم عن ابن الزبير، فلا، ولا سروراً، ولا حبوراً، وأنت قتلت الحسين بن علي، بفيك الكثكث»(80)

إلى أن قال:

«لا تحسبني لا أباً لك، نسيت قتلك حسيناً، وفتيان بني عبد المطلب»..

إلى أن قال أيضاً:

«وما أنس من الأشياء، فلست بناسٍ إطرادك الحسين بن علي، من حرم رسول الله إلى حرم الله، ودسك إليه الرجال تغتاله»..

إلى أن قال:

«قد سقت إليه الرجال فيها ليقاتل»..

إلى أن قال:

«ثم إنك الكاتب إلى ابن مرجانة أن يستقبل حسيناً بالرجال، وأمرته بمعالجته، وترك مطاولته، والإلحاح عليه، حتى يقتله ومن معه من بني عبد الملطب»..

إلى أن قال:

«فلا شيء عندي أعجب من طلبك ودي ونصري، وقد قتلت بني أبي، وسيفك يقطر من دمي الخ..».

إلى أن قال أيضاً:

«ولا يستقر بك الجدل، ولا علم(81) يمهلك الله بعد قتلك عترة رسول الله إلا قليلاً»..(82)

2 ـ إن ولده معاوية بن يزيد قد أكد في خطبة توليه الخلافة بعهد من أبيه يزيد لعنه الله ـ أكَّد ـ على أن أباه هو القاتل، فقد جاء في تلك الخطبة:

«.. إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه، وبئيس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، وأباح الحرم، وخرب الكعبة الخ..»..(83)

3 ـ وقال يزيد لعنه الله للإمام السجاد عليه السلام حينما أدخل عليه: أنت ابن الذي قتله الله؟!

فقال عليه السلام: أنا علي، ابن من قتلته أنت.

ثم قرأ: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}(84)(85)

4 ـ وقالت له أيضاً: يا يزيد، حسبك من دمائنا..(86)

5 ـ وروى ابن أعثم أن الإمام السجاد عليه السلام قال ليزيد لعنه الله: إنك لو تدري ما صنعت وما الذي ارتكبت، من أبي وأهل بيتي، وأخي وعمومتي، إذاً لهربت في الجبال، وفرشت الرماد، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس الحسين بن فاطمة، وعلي رضي الله عنه منصوباً على باب المدينة، وهو وديعة الله فيكم..(87)

6 ـ وقال عليه السلام، مخاطباً يزيد لعنه الله، في خطبته الشهيرة بدمشق: محمد هذا جدي أم جدك؟!، فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت، وكفرت. وإن زعمت أنه جدي فلِمَ قتلت عترته؟..(88)

7 ـ وقالت له السيدة زينب عليها السلام، في خطبتها المعروفة: «وقد نكأت الفرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب»..(89)

ب: رضا يزيد لعنه الله بقتل الإمام الحسين عليه السلام:

وحول رضا يزيد لعنه الله بقتل الإمام الحسين عليه السلام نقول:

إن من المستحسن أن نشير أولاً إلى موقف علماء أهل السنة من هذا الأمر، ثم نتكلم حول ما يرتبط برضاه لعنه الله بقتل سيد الشهداء عليه السلام، فلاحظ ما يلي:

إدانة علماء أهل السنة ليزيد لعنه الله:

لقد ردَّ هذا الأمر علماء أهل السنة أنفسهم، فضلاً عن غيرهم، وكلماتهم كثيرة حول هذا الأمر:

فالجاحظ مثلاً قد قال عن لعن يزيد لعنه الله، بعد أن ذكر قتله [الإمام] الحسين [عليه السلام] وغير ذلك: «فالفاسق ملعون، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون..»(90)

ويقول: «على أنهم مجمعون على أنه ملعون من قتل مؤمناً متعمداً، أو متأولاً، فإذا كان القاتل سلطاناً جائراً، أو أميراً عاصياً، لم يستحلوا سبه، ولا خلعه، ولا نفيه ولا عيبه الخ..»..(91)

ويقول: «على أنه ليس من استحق اسم الكفر بالقتل كمن استحقه برد السنة، وهدم الكعبة»..(92)

وراجع ما قاله البرهان الحلبي، وعلي بن محمد الكياهراسي، والذهبي، والشيخ محمد عبده..(93) وابن جرير، وغيرهم..

وقد حكم أحمد بن حنبل بكفر يزيد لعنه الله..(94)

وضرب عمر بن عبد العزيز الذي وصف يزيد بـ «أمير المؤمنين» عشرين سوطاً..(95)

وقال السيوطي: «لعن الله قاتله، وابن زياد، ومعه يزيد»(96)

وسئل ابن الجوزي عن لعن يزيد لعنه الله، فقال: قد أجاز أحمد لعنه، ونحن نقول: لا نحبه لما فعل بابن بنت نبينا، وحمله آل رسول الله سبايا إلى الشام على أقتاب الجمال..(97)

وراجع كلام الآلوسي حول ما فعله يزيد لعنه الله بعترة النبي صلى الله عليه وآله، فإنه كلام جيد، وقد نقل عن البرزنجي في الإشاعة، وأبي يعلى، وابن الجوزي، والتفتازاني، والسيوطي، جواز لعن يزيد لعنه الله، فراجع..(98)

وقال الذهبي: «كان ناصبياً غليظاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، فتح دولته بقتل الحسين، وختمها بوقعة الحرة..»(99)

ويقول ابن خلدون عن قتل يزيد للإمام الحسين عليه السلام: «إن قتله من فعلاته المؤكدة لفسقه، والحسين فيها شهيد»..(100)

فهذا غيض من فيض، والحر تكفيه الإشارة..

سيرته لعنه الله تشهد عليه:

أما فيما يرتبط برضا يزيد لعنه الله بقتله عليه السلام، وسروره بذلك، فنقول:

قد صرح يزيد، لعنه الله، نفسه برضاه وبسروره بهذا الأمر، فقد قال للنعمان بن بشير: «الحمد لله الذي قتل الحسين»..(101)

كما أن أفعاله لعنه الله تدل على هذا الرضا والسرور.. فقد قال السيوطي، وابن جرير: لما قتل الحسين سُرَّ يزيد بمقتله، وحسنت حال ابن زياد عنده، وزاده، ووصله، وسره ما فعل، ثم بعد ذلك ندم، فمقته المسلمون، وأبغضه الناس..(102)

وقال الجاحظ ما ملخصه: «المنكرات التي اقترفها يزيد، من قتل الحسين، وحمله بنات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم سبايا، وقرعه ثنايا الحسين بالعود، وإخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة، تدل على القسوة والغلظة، والنصب، وسوء الرأي، والحقد، والبغضاء، والنفاق، والخروج عن الإيمان الخ»..(103)

وقال التفتازاني: «الحق إن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم مما تواتر معناه، وإن كان تفاصيله أحاداً، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه، وعلى أنصاره، وأعوانه..»(104)

وقال سبط الجوزي: إن الغزالي قال: «وادعوا: أن قتله كان غلطاً..

قال: وكيف يكون هذا، وحال الحسين لا يحتمل الغلط، لما جرى من قتاله، ومكاتبة يزيد إلى ابن زياد بسببه، وحثه على قتله، ومنعه من الماء، وقتله عطشاً، وحمل رأسه وأهله سبايا، عرايا، على أقتاب الجمال إليه، وقرع ثناه بالقضيب الخ»..(105)

وقال ابن الجوزي عن بيعة يزيد لعنه الله: «ظهرت منه أمور كل منها يوجب فسخ ذلك العقد، من نهب المدينة، ورمي الكعبة بالمنجنيق، وقتل الحسين، وأهل بيته، وضربه على ثناياه بالقضيب، وحمل رأسه على خشبة»..(106)

وقال يزيد لعنه الله للإمام السجاد عليه السلام: «كيف رأيت صنع الله بأبيك يا علي بن الحسين..

وشاور من كان حاضراً في أمره، فأشاروا عليه بقتله..»(107) فسكت..

وقد واجهت السيدة زينب عليها السلام يزيد لعنه الله بالتقريع من أجل ذلك..(108)

وقال للإمام السجاد عليه السلام أيضاً: «ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم..»(109)

وقال يزيد لعنه الله للإمام السجاد عليه السلام أيضاً: أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين، فالحمد لله الذي أذلهما، وسفك دماءهما..(110)

ودعا يزيد لعنه الله برأس الإمام الحسين عليه السلام، وجعل يضرب، أو ينكت (والنكت هو: الضرب) ثغر الإمام الحسين عليه السلام بقضيب في يده..(111) وجعل يقول: قد لقيت بغيك يا حسين..(112)

جوائز يزيد لعنه الله لابن زياد:

ولما قتل ابن زياد الإمام الحسين عليه السلام، أوصله يزيد لعنه الله بألف ألف درهم جائزة..(113)

وقال لسلم بن زياد، أخي عبيد الله بن زياد، حينما قدم عليه بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام: لقد وجبت محبتكم يا بني زياد على آل سفيان..(114)

وكتب يزيد لعنه الله بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام، إلى ابن زياد:

أما بعد، فإنك قد ارتفعت إلى غاية أنت فيها كما قال الأول:


  • رفعت فجاوزت السحاب وفوقه فما لك إلا مرتقى الشمس مقعدا

  • فما لك إلا مرتقى الشمس مقعدا فما لك إلا مرتقى الشمس مقعدا

أفد عليَّ لأجازيك على ما فعلت

ولما جاء استقبله يزيد لعنه الله، وقبل ما بين عينيه، وأجلسه على سرير ملكه، وأدخله على نسائه.

وقال للمغني: غنِّ.

وللساقي: اسق.

ثم قال:


  • اسقني شربة أروي فؤادي موضع السر والأمانة عندي وعلى ثغر مغنمي وجهادي..

  • ثم صل فاسق مثلها ابن زياد وعلى ثغر مغنمي وجهادي.. وعلى ثغر مغنمي وجهادي..

زاد ابن الجوزي:


  • قاتل الخارجي أعني حسيناً ومبيد الأعداء والحساد

  • ومبيد الأعداء والحساد ومبيد الأعداء والحساد

وأوصله ألف ألف درهم، ومثلها لعمر بن سعد، وأطلق له خراج العراق سنة..(115)

كما أنه حين وافاه النبأ بمقتل الإمام الحسين عليه السلام، وكان في بستانه الخضرا، كبر تكبيرة عظيمة..(116)

وحين وصل السبايا إلى الشام «جمع يزيد من كان بحضرته من أهل الشام، ثم دخلوا عليه، فهنوه بالفتح»..(117)

وتقدم أنه حين وضع رأس الإمام الحسين عليه السلام، جعل ينكت ثناياه بالقضيب وهو يقول:


  • أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت نفلق هاماً من رجـال أعـزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما..

  • قواضب في أيماننا تقطر الدما علينا وهم كانوا أعق وأظلما.. علينا وهم كانوا أعق وأظلما..

ثم صلب الرأس الشريف على باب القصر ثلاثة أيام..(118)

وفي نص آخر: نصبه بدمشق ثلاثة أيام، ثم وضع في خزائن السلاح..(119)

وفي نص آخر: أنه نصبه على باب مسجد دمشق..(120)

وفي نص آخر: نصبه في جامع دمشق، في المكان الذي نصب فيه رأس النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام..(121)

ثم حبس السبايا في محبس لا يكنهم من حر ولا برد..(122)

ولعله نصبه في أكثر من موضع في الأيام المختلفة..