وعلى ضياء شعلة مما طوق الدار، ولون الأُفق، وأشاع في الجوهرة، لاح عمر وقد تغيّر وجهه بحنقه، وتبلّل بعرقه، وتخلّل الدخان لحيته، ولمع حسامه في يمينه كجذوة النار.. إنه أحمس شديد في دينه! أحمس شديد في عدله! ولكنه اللحظة أحمس شديد في عنفه!! اندفاعه وهو يمّم الباب.. إنّه ليثير الجمهور، ويهيج الفتنة، ويهيّئ الحطب ليؤرث الحريق..
واستأسد وتنمّر، وتصايح وزأر، ثم اندفع من خلال الجموع كالشرر، يدق البيت على ساكنيه.. ليس هذا بعمر!.. ما هو بابن الخطاب!.. الذي جرى بقدميه أعصار.. الذي انفجر بصدره بركان.. الذي استوى على لبه مارد!.. إنّه الآن مخمور الامس، عاد سيرته الاولى كحاله من بضع سنين، حين أعماه شركه، وأضله هواه، وختله عن الهدى غروره، فسلّ حسامه وانطلق على دروب مكّة ينشد النبي، ولسانه إذا ذاك يجري بكفره وخمره: لأقتلنّ محمّداً بسيفي هذا!(1) هذا الصابئ الذي فرّق أمر قريش، وعاب دينها، وسفّه أحلامها، وشتّت مجالسها، وضيّع بهارجها..!
واليوم أيضاً ختله اندفاعه، وبقية بنفسه لا تزال راسبة من حسد الجدود، وبغضاء الأجيال... هوى كهوى يمضي به، ويحيد بخطو الثابت، فيغدو ويروح على لهيب المشاعل، يوسوس لنفسه، ويهتف بالعصبة التي تؤازره على هجم الدار:
والذي نفس عمر بيده، ليخرجنّ أو لأحرقّنها على من فيها..!
قالت له طائفة خافت الله، ورعت الرسول في عقبه:
يا أبا حفص! إنّ فيها فاطمة..!
1. سيرة ابن هشام: 1/344 ; تاريخ عمر بن الخطاب، لابن الجوزي: 10 ; الكامل، لأبن الأثير 1/602 ; الرحيق المختوم، للمباركفوري: 100 ; مختصر سيرة الرسول، للنجدي: 103، عنهم: إحراق بيت فاطمة (عليها السلام): 170.