حتّى يصل سماحة الشيخ إلى المراد من المحدّثين راح يميّز بين المحدّثين الذين يصفهم بأنّهم سذج ، لم يجيدوا إلاّ نقل الأساطير أو قول بسيط مثل حدّثني فلان فيحشد أساطير وأقوالا بعيداً عن التفقّه في مغزى الحديث والتبصّر في مؤداه . . .
يميّز بين هذا النوع من الذين يطلق عليهم أنّهم المحدِّثون وبين نوع آخر أولئك هم أئمّة الحديث ومهرة فنّه النياقد ، الذين ـ كما يعبِّر الشيخ عنهم ـ لا يروقهم رمي القول على عواهنه ، فلا يؤمنون بالمنقول إلاّ بعد التفرّغ من أمر إسناده والتثبّت فيه والتروي في متنه ، حذار مخالفته لمعقول أو مصادمته لشيء من الأصول ، وبالتالي فإنّ هذا المحدث هو الحبر الناقد الضليع في العلم الذي ضرب فراغاً في أوقاته للتبصّر في هذا الفن ، والإحاطة به من أطرافه . . فهو محدِّث وهو فقيه وهو مفسِّر حين يتحرّى مغازي آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبآتها وهو فنيّ إذا عطف النظر على أيّ من العلوم . وهذا هو المحدِّث الذي يقصده سماحته ويريده وذكر لهذا مصاديق كالسيّد المرتضى والسيّد الرضي والشيخ الطوسي وقبلهم الصدوق وبعدهم ابن شهرآشوب وابن الفتال والعلاّمة الحلّي وابن بطريق . . . ومن أهل السنّة كالحاكم وغيره . .