عليّ(عليه السلام)، ليخاطب الناس بقوله: "أيها الناس لقد علمتم أني أحق الناس بهذا الأمر من غيري، أما وقد انتهى الامر إلى ما ترون، فو الله لاسالمنَّ ما سلمت أُمور المسلمين ولم يكن جور إلاّ عليّ خاصة إلتماساً لاجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرف".
يلاحظ المرء عندما يطالع لأول مرّة وقائع البيعة التي تمت للإمام عليّ(عليه السلام)في أعقاب مقتل عثمان، إن الإمام قال للناس: "دعوني والتمسوا غيري، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً"، ويتساءل كيف تقول الشيعة أنّ الإمامة وولاية أمر المسلمين من مختصات عليّ وأهل بيته بالنص، وأنها لا تنبغي لغيرهم، بينما يرد الإمام عليّ الأيدي التي امتدت لتبايعه؟
وفي مقام الجواب نقول: أنّ الإمامة ـ كما تقدم ـ لا تكون إلاّ عن طريق الاصطفاء والاجتباء الرباني شأنها في ذلك شأن النبوة، وليس على الناس إلاّ التسليم والطاعة، ويبقى الإمام إماماً حتى وإن لم يبايعه أحد.
إذاً فالإمام عليّ(عليه السلام) كان يدفع عن نفسه الامارة والحكم لا الإمامة، فهو لم يزل إماماً واجب الطاعة منذ أن مات النبيّ(صلى الله عليه وآله)، لم يقدح في إمامته إن تولى الحكم غيره، ويذهب البعض إلى أنّ علياً(عليه السلام) إنّما تمنّع أول الأمر حتى يلتف الناس حوله مع علمه أنهم غير تاركيه، ولو تركوه بناءً على طلبه "دعوني والتمسوا غيري" لا سقط في يده.
ونقول: إنّ مثل هذه المناورات والأساليب السياسية قد تصدر عن غيره(عليه السلام)، أما أن تصدر عنه، فذاك ما يأباه المبدا الذي أقامه الإمام عليّ(عليه السلام) وسار عليه، ولو كان مناوراً لما ردّ الشروط التي أملاها عليه عبد الرحمن بن عوف من داخل الشورى العمرية، بل لوافق عليها وتسلّم ـ بالتالي زمام الإمارة، وما كان لأحد بعد