خصائص الفاطمیه

محمد باقر کجوری؛ مترجم: السید علی جمال اشرف

جلد 1 -صفحه : 58/ 27
نمايش فراداده

الخصيصة الثانية من الخصائص الثلاث في معاني الإسم الشريف «فاطمة»

أرى لزاما على أن أحرر في هذه الخصيصة معنى الإسم المبارك «فاطمة» و علة التسمية، و ستنكشف بذلك علوم و مطالب عالية، والأفضل أن أبدأ بمقدمة فأقول:

فاطمة مشتق من فطم، قال صاحب مجمع البحرين: الفطيم ككريم هو الذي انتهت مدة رضاعه، يقال: فطمت الرضيع فصلته عن الرضاع، و يجمع الفطيم على فطم- بضمتين- و هو قليل الإستعمال في العربية.

قال البوصيري:

  • والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع و إن تفطمه ينفطم

  • حب الرضاع و إن تفطمه ينفطم حب الرضاع و إن تفطمه ينفطم

قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ستحرصون على الإمارة ثم تكون حسرة و ندامة، فنعمت المرضعة و بئست الفاطمة»

[و هو مثل للراحه و الرئاسه و للاموات الذين يرتاحون، و البوس يقابل النعمه، و فى الحديث: يا اقرب البوس الى النعيم: اى الفقر و الضرر والشده، و بئس كلمه ذم و نعم كلمه مرح. (من المتن) أي المفطومة.

و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم أيضا: «خير أمتي من هدم شبابه في طاعة الله و فطم لذاته عن لذات الدنيا».

و قد اقتبس البوصيري هذا المعنى من الحديث الشريف و نظمه في شعره المذكور.

قال الفيروزآبادي في القاموس: «أفطم السخلة: حان أن تفطم، فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة و فطيم، قال العرب: فطمت الأم صبيها أي قطعته عن اللبن و تم رضاعه، و فطم يأتي لازما و متعدي فالفطم والفطام: القطع، و غالبا ما استعملت في أخبار الأئمة الأطهار و آثارهم بمعنى الإنقطاع عن الدنيا و لذاتها.

و في تفسير العسكري في معنى «فاطمة»: قال إن الله سبحانه سمى نفسه الفاطم، يعني الفاطم أولياءه عن أعدائه في دخول الجنة والنار

[بحارالانوار 11/ 149 ح 25.]

و في حديث العلل: لما سأل الأعرابي الحسنين عليهماالسلام و عبدالله و تحير الأعرابي من جودهما و علو همتهما قال له عثمان: و من لك بمثل هؤلاء الفتية؟ أولئك فطموا العلم فطما و حازوا الخير والحكمة.

قال الصدوق رحمه الله: فطموا العلم أي قطعوه عن غيرهم قطعا، و جمعوا لأنفسهم جمعا

[البحار 43/ 332 ح 4 باب 16 عن العلل:]

و لما كان اعتمادي في كتب اللغة على الصحاح والقاموس، فسأنقل عبارة القاموس و فيها ما سبق و زيادة، قال:

فطمه يفطمه: قطعه، والصبي فصله عن الرضاعة، مفطوم و فطيم جمع ككتب والإسم ككتاب، و ناقة فاطم بلغ حوارها سنة، و أفطم السخلة حان أن تفطم، فإذا فطمت فهي فاطم، و مفطومة، و فطيمة، و فاطمة عشرون صحابية،

والفواطم التي في الحديث: سيدة النساء فاطمة الزهراء و بنت أسد أم علي بن أبى طالب عليه السلام، و بنت حمزة عم النبى صلى الله عليه و آله و سلم، والثالثة بنت عتبة بنت ربيعة، ولعل المراد بالثالثة غير فاطمة الزهراء عليهاالسلام و فيه نظر، والفواطم اللاتي ولدن النبى: قرشية و قيسيتان و خزاعية و أزدية. انتهى

[انظر القاموس 1032 ماده «فطم».]] ملخصا.

قال صاحب جنات الخلود: عدد الحرفين الأخرين من اسم فاطمة يساوي خمسة و أربعين و نصف الحروف الثلاثة الأول أيضا تساوي خمسة و أربعين، و في عدد النصف أثر ثابت كما أن في جمعه أثرا مقررا.

أقول: في عدد الحروف الثلاثة الأولى (فاء ألف وطاء) أيضا أثر خاص، بل إن بعض أهل الخلوص والرياضة يواظبون مواظبة خاصة على العدد 45 و 90 و 135 في توسلاتهم بفاطمة الطاهرة عليهاالسلام، و قد أثبتت طم التجربة حصول المقصود.

و منهم من قنع في الأدعية والصلوات المنسوبة للمحجوبة الكبرى بعدد حرف الطاء، و هو تسعة- الواقع في وسط الإسم الشريف، بل سمعت من بعض المرتاضين المخلصين من ذوي المحبة الشديدة أفهم يقسمون على الله بفقر فاطمة و آلها و طهارتها و محبتها و هدايتها، و يلحون بإصرار بهذه الحروف الخمسة مع التركيز لاستحضار ملكات السيدة و كما لاتها.

يوصي هذا الحقير- بدوره- بالمواظبة قدر الإمكان على الأعداد المذكور في الشدائد والبلايا، على أمل أن أكتب- فيما بعد- مفصلا كل ما تعلمته و عملت به و جربته و رأيت فائدته و أثره في باب التوسل بفاطمة عليهاالسلام إن شاء الله تعالى.

عشره وجوه فى معنى فاطمه

و ساذكر- عجاله- فى هذا المقام عشرة وجوه لمعنى اسم «فاطمة» مما اتخذته من الأخبار المروية من كتب الخاصة والعامة.

الوجه الأول

روى العلامة المجلسي رحمه الله في بحارالأنوار عن الصادق عليه السلام، قال: «سميت فاطمة لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا و دينا و حسبا و قيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله»

[البحار 43/ 15 ح 13 باب 2.]

و قد اتضح من هذا البيان أن الفخر بالنسب ليس فيه كثير فائدة للإنسان، و إن الذي ينفعه حقا هو الفضل في الدين والشرف في الحسب و على ذلك كثير من الشواهد العقلية والنقلية.

منها: و من قصربه علمه لا ينفعه حسبه

[البحار 21/ 137 ح 31 باب 26 عن الكافى.]

و أيضا: لا حسب أبلغ من الأدب

[البحار 72/ 67 ح 3 باب 44 عن الامالى.]

و ايضا: حسب المرء دينه

[البحار 1/ 89 ح 14 باب 1 عن امالى المفيد.]

و أيضا: المؤمن يتبع على حسب دينه

[البحار 64/ 210 ح 12 باب 12 عن الكافى، و قد ورد فى مواضع عده من البحار و فى جميعها «انما يبتلى المومن فى الدنيا على قدر دينه او قال: على حسب دينه».]

و قال النبي لقريش: ستأتون غدا يوم القيامة بأحسابكم لا بأنسابكم

[البحار 93/ 221 ح 12 باب 27 عن عيون اخبار الرضا عليه السلام فى حديث طويل قال عليه السلام:.. «و لقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لبنى عبدالمطلب: ايتونى باعمالكم لا باحسابكم و انسابكم...».]

و نعم ما قيل: شرف المرء بالعلم والأدب لا بالأصل والنسب.

نعم، إذا اجتمعت الأصالة والنبالة في الأنساب مع الشرف والفخامة في الأحساب، فهو شرف على شرف و فضيلة على فضيلة.

والمهم في الحديث التأكيد على دين فاطمة عليهاالسلام الذي كان في غاية الكمال و حسبها و فضلها في الحسب ثابت لا كلام فيه، و معنى الحديث أن فاطمة لا تقاس بسواها من النساء في الفضل والدين والحسب، و لما فضل و لشرف على الجميع كافة، كما أن قوله صلى الله عليه و آله و سلم «إنها ليست كالآدميين» فيه دلالة على عموم الأفضلية.

الوجه الثاني

روى في البحار- أيضا- قال: «سميت فاطمة لانقطاعها عن الفواطم التسعة» لأنهن ولدن في الكفر، و ولدت فاطمة في الإسلام، و لما بذلك الفخر.

و هذا الخبر خاص بتفضيلها على الفواطم التسع، بينما كان الخبر السابق عاما يشمل نساء زمانها أيضا، و سيأتي في حديث معتبر أن أربعة كن سيدات عالمهن و أفضلهن عالما فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم.

الوجه الثالث

روى الصدوق طاب ثراه في علل الشرائع عن الباقر عليه السلام مسندا، قال: لما

ولدت فاطمة عليهاالسلام أوحى الله عز و جل إلى ملك فانطلق به لسان محمد صلى الله عليه و آله و سلم فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم و فطمتك عن الطمث.

خم قال أبوجعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله تبارك و تعالى بالعلم و عن الطمث بالميثاق

[علل الشرائع 1/ 212 ح 4 باب 142.]

و إذا تأملت الحديث وجدت فيه مطالب أربعة:

الأول: إن الملك أجرى اسم فاطمة على لسان النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

الثانى:كان فطام فاطمة بالعلم.

الثالث: إنها فطمت عن الطمث.

الرابع: يمين الإمام عليه السلام والميثاق يؤكدان وقوع ما أخبر به النبى صلى الله عليه و آله و سلم.

أما المطلب الأول فقد تعرضنا له في الخصيصة السابقة.

و أما المطلب الثاني: فيدل صراحة على علم فاطمة، والأفضل أن ننقل كلام المرحوم المجلسي في ذيل هذا الحديث، قال:

فطمتك بالعلم أي أرضعتك بالعلم حتى استغنيت، و فطمت أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم، أو جعلت فطامك من اللبن مقرونا بالعلم، كناية عن كونها في بدو فطرتها عالمة بالعلوم الربانية، و على التقادير كان الفاعل بمعنى المفعول

[سياتى بيان قوله «كان الفاعل بمعنى المفعول». (فى المتن)] كالدافق بمعنى المدفوق، أو يقرء على بناء التفعيل، أي جعلتك قاطعة الناس من الجهل، أو المعنى: لما فطمها من الجهل فهي تفطم الناس منه، والوجهان الأخيران يشكل إجراؤهما في قوله: فطمتك عن الطمث إلا بتكلف، بأن يجعل الطمث كناية

عن الأخلاق والأفعال الذميمة، أو يقال على الثالث: لما فطمتك عن الأدناس الروحانية والجسمانية فأنت تفطم الناس عن الأدناس المعنوية

[البحار 43/ 14 ح 9 باب 2.]، انتهى كلامه رحمه الله.

أقول: بعد التشبث بذيل عنايات المرحوم المجلسي طاب ثراه فإن لي وجها آخر قد يكون وجيها في نظر أهل الخبر.

أولا: إن قوله «فسماها» و «ثم» متفرع على نزول الملك و إجراء اسم فاطمة على لسان النبى صلى الله عليه و آله و سلم، فسماها صلى الله عليه و آله و سلم على حسب ما جرى من الملك على لسانه، و من ثم قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم «فطمتك بالعلم» أي بالعلم الأزلي الإلهي، أو بعلمي السابق فطمتك عن سائر النساء بهذا الإسم، يعني إني أعلم أنك فاطمة و أنك قطعت عن سائر النساء في كل شي ء، ولكني تريثت أنتظر الوحي لئلا يكون قد حصل بداء؛ لأن هذا الملك قد أجرى الإسم على لسان النبى صلى الله عليه و آله و سلم بالعلم القديم، فالتفت و قال: إنك أنت فاطمة المقطوعة والمصطفاة على الفواطم التسعة و نساء عالمك بل نساء الأولين والآخرين، و كان هذا في علمي فطمتك بما كنت أعلم.

و يفهم من عبارة «فطمتك عن الطمث» و تذييل الإمام ب«الميثاق»، أن العهد والميثاق كان من اليوم الأول على طهارتك من كل الأدناس والأرجاس الظاهرة والباطنة.

و قوله: «بالعلم» قد يكون متعلقا بالعلم الإلهي أو بالعلم النبوي، و لا مشاحة لإمكان الجمع بينهما.

و لا يمكن أن يكون النبى صلى الله عليه و آله و سلم فاطم الطمث و لا فاطم فاطمة عن الفواطم و عن النساء، بل كلاهما راجحان إلى الله تبارك و تعالى و هو الفاطر والفاطم،

و فاطمة الطاهرة عليهاالسلام هي المفطومة عن نساء العالمين و عن الطمث خاصة.

و ذكر الطمث بعد الفطم عن النساء ذكر الخاص بعد العام، فالفطام عن الطمث خاص والفطام بالعلم عن النساء عام، والفطام عن الطمث أحد أفراد العام، والعلم أحد أفراد العام، و بعبارة أخرى فطمت فاطمة بالعلم الإلهي في جميع الكمالات خصوصا العلم، و كان في علم الله أن فاطمة عالمة و جامعة لكل الكالات الممدوحة، و قد جعلها الله كذلك منذ يوم «ألست» يوم العهد والميثاق؛ لتأتي منزهة عن كل الخبائث الظاهرية والباطنية، و لما كانت عقوبة الطمث في النساء لها خصوصية اهتم بذكر رفعها والنص عليها، و هذا المعنى يدل على علم فاطمة بالصفات الأخرى أيضا.

و قوله: «بالعلم» و «بالميثاق» إشارة إلى عدم الجهل و إلى الطهارة الأصلية لفاطمة الزكية. و قوله: «بالميثاق» مفسر و مبين لقوله «بالعلم»، و قد ذكره الإمام الباقر عليه السلام في كلامه توضيحا و تفسيرا.

والباء في «بالعلم» و «بالميثاق» سببية و متعلقها «اسم فاطمة»، و طريق الإنفطام معلوم و فيه قرينة مفيدة.

ففاطمة موسومة «بفاطمة» بالعلم القديم والميثاق المأخوذ، و يشهد لذلك الأمر الذي حمله ذلك الملك العظيم و يؤيده و يؤكده قوله «بالميثاق»؟ فقوله «بالعلم» لا يرجع- ولو بالكناية- إلى علم فاطمة، بل يرجع إلى علم الله و رسوله، و هذا النوع من التعبير كثير في الآيات و كلمات الأئمة الطاهرين مع ملاحظة الإختصار والإيجاز في كلامهم عليهم السلام، فتأمل.

لطيفة ظريفة

خطرت في بالي لطيفة طريفة في المقام: قيل في حديث «لا رضاع بعد فطام» أن الطفل إذا رضع اللبن من الغير بعد الفطام و إتمام الرضاع، فرضاعه هذا لا ينشر الحرمة، فيقال في هذا المقام إذا كانت فاطمة قد فطمت عن الجهل منذ بدو الخلقة و منذ يوم «ألست» فهي لا تحتاج إلى استرضاع، بل جاءت إلى هذا العالم و هي في غاية الإستغناء، و ما قاله عنها كان بيانا للواقع ليس إلا، و مقارنة التسمية مع الولادة دليل على أن «لا رضاع بعد فطام».

الوجه الرابع

روى في البحار عن الصادق عليه السلام: تدري أي شي ء تفسير فاطمة؟ قال: فطمت من الشر. و يقال: إنما سميت فاطمة لأنها فطمت عن الطمث

[البحار 43/ 16 ح 14 باب 2.]

و في الأمالي والعلل عن عبدالعظيم الحسني عليه السلام قال: حدثني الحسن بن عبدالله بن يونسى بن ظبيان قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: لفاطمة عليهاالسلام فى تسعة أسماء عندالله عزوجل- و ذكر الأسماء- ثم قال: أتدري أي شي ء تفسير فاطمة عليهاالسلام؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر..»

[علل الشرائع 1/ 212 ح 3 باب 142.]

فإذا قلنا: إن الفعل هنا لازم، فيكون المعنى أن فاطمة عليهاالسلام هي التي فطمت نفسها من النصر و تباعدت عنه.

إختيار للخيار: مختصر في معنى الخير والشر

إن غرضي الأساسي هو إظهار و إثبات فضل المخدرة الكبرى ما استطعت إلى ذلك سبيلا، و قد بلغ بنا الكلام إلى فطام فاطمة الزهراء عليهاالسلام عن الشرور، لذا أحببت أن أطلع القراء عما يدور في خلدي حول معنى الخير والنصر، فأقول بإيجاز:

إن إجراء الخير والنصر منحصر في يد القدرة الإلهية، بل إن الله تبارك و تعالى هو خالق الخير والشر كما في رواية الكافي عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام: إن مما أوحى الله إلى موسى عليه السلام...: «إنى أنا الله خلقت الخلق و خلقت الخير و أجريته على يدي من أحب، فطوبى لمن أجريته على يديه، و أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق و خلقت الشر و أجريته على يدي من أريده، فويل لمن أجريته على يديه»

[اصول الكافى 1/ 154 كتاب التوحيد باب الخير و الشرح 1.]

قال بعض المحققين: إن هذا الحديث يعارض قوله «والخير في يديك والشر ليس إليك»، فلابد أن يقال: إن معنى الخير والشر مقدر بالتقديرات الإلمية، أو أن الخير والشر هي الجنة والنار والمراد من إجراء الخير والشر إقبال التوفيق و إدباره المستتبع للغفران والخسران.

و قالوا أيضا: إن الخير ذاتي والشر عرضي، و تركيب العالم قائم على الخير و الشر حسب ما تقتضيه الحكمة، فكل قهر تقابله رحمة، و كل شر يقابله خير، إلا أن مراتب الخير والشر متفاوتة، فخلق النار- إذن- خير و شرها نادر، و لأن في خلقها مصالح و حكم، و أما شرها فلا ينسب إلى الحق جل و علا (ما أصابك من