فما لك أيّها الهائم مع البهائم كلّما أبصرتك زاد عماك؟ وكلّما بشرتك زادت غُمّاك؟ وما لي أراك كالبوم يرى الليل نهاراً لضعف بصره؟ فهلا كنت كالهدهد يرى الماء من تحت الصخرة لقوة نظره، فلو كنت هدهداً اهتديت.
ومن العجب أنّهم يسمّون علياً مجهول القدر، وهو تحت مرتبة النبي لأنه نائبه وابن عمّه ووزيره وزوج ابنته، لاختلاف العقول في عظمته. فقوم جحدوه وقوم عبدوه وقوم تبعوه، وكلّهم ما عرفوه لأن الذين عبدوه كفروا بعبادته، لأن المعبود واجب الوجود هو اللَّه خالق الخلق ولا إله إلّا هو، والذين جحدوه أيضاً ما عرفوه وكفروا بجحوده، وكيف يجحدون مولاهم ومعناهم ونهج هداهم؟ والذين تبعوه أيضاً ما عرفوه إذ لو عرفوه ما ارتابوا في فضله وأنكروه وأنزلوه عن رفيع قدره وصغروه، فهم في معرفته كسائر إلى مرام فخبته الظلام فرأى ضياء قد لاح فيممه فما أدركه حتى طلع الصباح، فهو السرّ الخفي الذي حارت في وصفه العقول ممّا يقول:
أو كما قيل:
وانظر إلى العارفين بعلي عليه السلام كيف وصفوه في حين أعداؤه قد وصفوه بأوصاف لو وصفه اليوم بها أحد من عارفيه بين أوليائه ومحبيه لكفروه، ومحقوه، وقتلوه، فمن ذلك قول أبي عبداللَّه بن الحجاج:
الغدير: 89 / 4 و 90 / 12.