إیمان و الکفر فی الکتاب و السنة

جعفر سبحانی تبریزی

نسخه متنی -صفحه : 192/ 55
نمايش فراداده

وهذا ما سيوافيك في الاَمر الثاني من المسائل الاجتهادية فتربص حتى حين.

وأمّا الاَمر الرابع أعني تحريف القرآن الكريم: فالرأي السائد بينهم من عصر أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ إلى يومنا هذا هو القول بعدم التحريف، وقد ذكرنا نصوص علمائنا الاِمامية في هذا المضمار في كتاب خصصناه لبيان عقائد الشيعة أخذنا بنصوصهم من منتصف القرن الثالث إلى يومنا هذا. نعم يوجد بينهم من قال بالتحريف، ولكنّه نظرية شخصية لا توَخذ بها الاَُمّة، ووجود الروايات في كتاب الكافي للكلينى وغيره لايكون دليلاً على كونه عقيدة للشيعة، فانّ الكافي كسائر كتب الحديث يتضمن أحاديث صحيحة وغير صحيحة، وليس الكافي عندنا كصحيح البخاري عند أهل السنّة الذي لا يتطرق إليه قلم النقاش والجرح.

ولو صحّت الموَاخذة ـ ولن تصح ـ فقد قال بالتحريف جماعة من أهل السنة ووردت رواياته في الصحاح غير أنّ القوم فسّروها بنسخ التلاوة. فإذا صح هذا العذر ـ ولم يصح ـ فليصح في الروايات الموجودة في كتب حديث الشيعة، وهذا هو القرطبي ينقل في تفسيره عن أُم الموَمنين أنّ سورة الاَحزاب كانت مائتي آية، فحرّفت، أعاذنا الله من هذه التسويلات الباطلة، وبما أنّ علماءنا قد بلغوا الغاية في نفى هذه التهمة اقتصرنا بالاِشارة وهي كافية لمن ألقى السمع وهو شهيد.

وأمّا الخامس: أعني نسبة الخيانة إلى أمين الوحى: فهو أُكذوبة ورثه المفترى من اليهود حيث عادوا جبرئيل لاَجل أنّه خان ونقل النبوة من ذرية إسحاق إلى ذرية إسماعيل(1) فأخذه المفترى منهم وطبّقها على الشيعة.

1. الرازي في تفسير قوله: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى).

1 - خلافة الخلفاء

وإليك الكلام في القسم الثاني.

المسائل الاجتهادية:

وهذه المسائل تدور بين ما هم خاطئون في تفسيرها ـ مثل البداء ـ وبين ما هي مسائل نظرية قابلة للاجتهاد مدعمة بالدليل الصحيح والاختلاف في مثلها.

إنّ الاختلاف في هذه المسائل لا يكون ملاكاً للتكفير حتى ولو كانوا خاطئين، فكيف وأنّهم مصيبون فيها يعرفها من رجع إلى كتبهم، وإليك دراستها على وجه موجز.

1 ـ خلافة الخلفاء:

إنّ خلافة الخلفاء ليست من الاَُصول بل من الاَحكام الفرعية.

قال التفتازاني: لا نزاع في أنّ مباحث الاِمامة بعلم الفروع أليق، لرجوعها إلى أنّ القيام بالاِمامة ونصب الاِمام الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض الكفايات، وهي أُمور كلية تتعلّق بها مصالح دينية أو دنيوية، لا ينتظم الاَمر إلاّ بحصولها فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة من غير أن يقصد حصولها من كل أحد، ولا خفاء في أنّ ذلك، الاَحكام العملية دون الاعتقادية(1)

وقال الاِيجي: المرصد الرابع في الاِمامة ومباحثها عندنا من الفروع وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا(2)

وقال الجرجاني: الاِمامة ليست من أُصول الديانات والعقائد، بل هي عندنا

1. التفتازاني: شرح العقائد: 5 / 232.

2. الاِيجي: المواقف: 395.

2 - عدالة الصحابة كلّهم أو بعضهم

من الفروع المتعلّقة بأفعال المكلّفين، إذ نصب الاِمام عندنا واجب على الاَُمة سمعاً(1)

فإذا كانت الاِمامة من الفروع فما أكثر الاختلاف في الفروع فكيف يكون الاختلاف موجباً للكفر؟

وبعبارة أُخرى: أنّ السمع أو هو منضماً إلى العقل دلاّ على وجوب نصب الاِمام، لاَنّ مقاصد الشرع لا يحصل إلاّ بذلك النصب، فاجتمع المسلمون فاختاروا شخصاً للقيادة فعلى فرض صحة الاختيار وكونها جامعاً للشرائط فلا يتجاوز عن كون عملهم كان تجسيداً لحكم فرعي فلا يصير رفض عملهم سبباً للكفر وليس الاعتقاد بخلافة شخص من ضروريات الاِسلام، لاَنّ المفروض أنّها حدثت بعد رحيل النبي وانقطاع الوحى، فكيف يكون خلافة فرد خاص أمراً ضرورياً؟

بل يمكن أن يقال إنّ وجوب نصب الاِمام من الفروع، وأمّا الاعتقاد بأنّ المنصوب خليفة فليس من الواجبات الشرعية بدليل أنّهم اتّفقوا على عدم وجوبه في غير الخلفاء الراشدين، فإنّ عمر بن عبد العزيز في سيرته وسلوكه لم يكن أقل من بعض الخلفاء ولم يقل أحد بلزوم الاِيمان بكونه خليفة الرسول، فكيف يكون الخلاف موجباً للكفر؟

على أنّ الشيعة قد أقامت أدلّة متواترة على أنّ النبي نصب الاِمام في عصره ولم يفوّضه إلى الاَُمّة.

2 ـ عدالة الصحابة كلّهم أو بعضهم:

إنّ مثار الخلاف بين الطائفتين هو عدالة الصحابة كلّهم أو بعضهم، فذهب

1. الجرجاني: شرح المواقف: 8 / 344.