أهل السنّة إلى الاَوّل، والشيعة إلى الثاني، وأنّه لا يمكن الحكم بعدالة كل واحد
واحد منهم ولكلّ من الطرفين أدلّة وحجج، وقد ارتحل النبي الاَكرم "صلى الله اليه وآله وسلم " ولم
يكن الاعتقاد بعدالتهم أجمعين من صميم الاِسلام، ولم يكن النبي يستفسر
عمّن يسلم، عن اعتقاده بعدالة أصحابه عامة، فإذا كانت المسألة بهذه المثابة
فكيف يمكن أن يكون القول بعدالة بعض دون بعض موجباً للكفر، كيف
والقرآن الكريم قد قسّم أصحاب النبي إلى أقسام عشرة.
1 ـ إنّ القرآن الكريم يصنّف الصحابة إلى أصناف مختلفة، فهو يتكلّم عن
السابقين الاَوّلين، والمبايعين تحت الشجرة، والمهاجرين المهجّرين عن
ديارهم وأموالهم، وأصحاب الفتح، إلى غير ذلك من الاَصناف المثالية، الذين
يثني عليهم ويذكرهم بالفضل والفضيلة، وفي مقابل ذلك يذكر أصنافاً أُخرى
يجب أن لا تغيب عن أذهاننا وتلك الاَصناف هي التالية:
1 ـ "المنافقون المعروفون" (المنافقون ـ 1).
2 ـ "المنافقون المتسترون الذين لا يعرفهم النبي" (التوبة ـ 101).
3 ـ "ضعفاء الاِيمان ومرضى القلوب" (الاَحزاب ـ 11).
4 ـ "السمّاعون لاَهل الفتنة" (التوبة: 45 ـ 47).
5 ـ "المجموعة الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً" (التوبة ـ 102).
6 ـ "المشرفون على الارتـداد عندمـا دارت عليهم الدوائـر" (آل عمران ـ
154).
7 ـ "الفاسق أو الفسّاق الذين لا يصدق قولهم ولا فعلهم" (الحجرات ـ 6،
السجدة ـ 18).
8 ـ "المسلمون الذين لم يدخل الاِيمان في قلوبهم" (الحجرات ـ 14).
9 ـ "الموَلّفـة قلوبهم الذيـن يظهرون الاِسلام ويُتألفون بدفـع سهم من
3 - التقية من المخالف المسلم
الصدقة إليهم لضعف يقينهم" (التوبة ـ 60).
10 ـ "المولّون أمام الكفّار" (الاَنفال ـ 15 ـ 16)-(1) .
هذه الاَصناف إذا انضمت إلى الاَصناف المتقدّمة، تعرب عن أنّ صحابة
النبي الاَكرم لم يكونوا على نمط واحد، بل كانوا مختلفين من حيث قوة الاِيمان
وضعفه، والقيام بالوظائف والتخلّي عنها، فيجب إخضاعهم لميزان العدالة الذي
توزن به أفعال جميع الناس، وعندئذ يتحقّق أنّ الصحبة لا تعطي لصاحبها منقبة
إلاّ إذا كان أهلاً لها، ومع ذلك فكيف يمكن رمي الجميع بسهم واحد وإعطاء
الدرجة الواحدة للجميع، وهذا هو رأي الشيعة فيهم، وهو نفس النتيجة التي
يخرج بها الاِنسان المتدبّر للقران الكريم.
3 ـ التقية من المخالف المسلم:
اتّفق المسلمون على جواز التقية من الكافر بكلمة واحدة أخذاً بقوله
سبحانه: (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بالاِيمان ) (النحل ـ
106) وقوله سبحانه: (لا يَتَّخِذِ المـُوَْمِنُونَ الكافِرِينَ أَوْلياءَ مِن دُون المـُوَْمِنينَ
وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شَىْء إلاّ أنّ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة ) (آل عمران ـ 28)
إنّما الكلام في التقية من المخالف المسلم، وهذا ليس شيئاً بديعاً، فإنّ
السبب الذي جوّز التقية من المخالف الكافر، هو المجوّز للتقية من المخالف
المسلم فإنّها سلاح الضعيف، فلو كانت الشيعة آمنة لما إتّقت لا من الكافر ولا
من المسلم المخالف.
على أنّ هذا ليس فكراً بديعاً فقد صرّح بجوازه لفيف من علماء السنّة،
1. سيوافيك نصّ الآيات في الفصل التاسع فانتظر.
2. الطبـري: جامـع البيان: 3/153، الزمخشري: الكشاف: 1/422، الرازي: مفاتيح الغيب: 8/13، النسفي:
التفسير، بهامش تفسير الخازن: 1/277، الآلوسي: روح المعاني: 3/121، جمال الدين القاسمي:
محاسن التأويل: 4/84.
4 - البداء
فلاحظ المصادر(2) والتقية تغاير النفاق مغايرة جوهرية فالمنافق يُظهر الاِيمان
ويبطن الكفر والمتّقي يبطن الاِسلام ويظهر الخلاف، فوالله العظيم (وإنّه لقسمٌ
لو تعلمون عظيم ) لو كان الشيعي آمن على دمه ونفسه وماله وأهله لما اتّقى في
ظرف من الظروف كما هو لا يتقي الآن في ظرف من الظروف للحرية السائدة
على أكثر الاَجواء.
4 ـ البداء:
إنّ الاختلاف في البداء اختلاف لفظى جداً عند التدبّر وليس هناك خلاف
جوهري بين الطائفتين، والمهم هو تفسيره، فأهل السنّة يفسّرونه بظهور ما خفى
على الله سبحانه، ولو كان هذا معنى البداء فالشيعة تردّه مثل أهل السنّة.
والتفسير الصحيح لها هو: أنّ الله يظهر للناس ما كان قد أخفاه عنهم سابقاً.
وبتعبير آخر أنّ المراد من البداء هو تغيير المصير في ظل الدعاء والاَعمال
الصالحة كالصدقة والاستغفار وصلة الرحم كما اتّفق لقوم يونس، فأظهر الله ما
خفي عليهم من الفرج والتحرّر من الشدّة حيث غيّروا مصيرهم بالاَعمال
الصالحة قال سبحانه: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها إلاّ قَوْمَ يُونُسَ لمّا
آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الِخْزي فِي الَحياةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعناهُم إلى حِين) (يونس ـ
98) فظهرت لهم ما أخفى الله عنهم حيث كانوا مذعنين بالعذاب والهلاك،
فظهرت لهم النجاة.
وأمّا وجه التعبير عن تلك الحقيقة الناصعة بما يتبادر إلى الذهن في بدء
الاَمر من ظهور ما خفى على الله فإنّما لاَجل الاقتداء بالنبى الاَكرم فإنّه "صلى الله اليه وآله وسلم " أوّل
من قال هذه الكلمة، وبما أنّ القرينة كانت موجودة لا يضر التبادر البدئي.