وماله، وبه يناط صحّة الاَعمال واستحقاق الثّواب، وعدم الخلود في النار، واستحقاق العفو والشفاعة.
2 ـ التصديق بها مع الاتيان بالفرائض الّتي ثبت وجوبها بالدّليل القطعي
كالقرآن، وترك الكبائر الّتي أوعد الله عليها النّار، وبهذا المعنى أطلق الكافر على
تارك الصلاة، ومانع الزّكاة، وتارك الحجّ، وعليه ورد قوله "صلى الله عليه وآله وسلم": «لا يزني الزاني
وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن» وثمرة هذا الاِيمان عدم استحقاق
الاِذلال والاِهانة والعذاب في الدنيا والآخرة.
3 ـ التصديق بها مع القيام بفعل جميع الواجبات وترك جميع المحرّمات.
وثمرته اللّحوق بالمقرّبين، والحشر مع الصّديقين وتضاعف المثوبات، ورفع
الدّرجات.
4 ـ نفس ما ذكر في الدّرجة الثالثة لكن بإضافة القيام بفعل المندوبات،
وترك المكروهات، بل بعض المباحات، وهذا يختصّ بالاَنبياء والاَوصياء(1)
ويعرب عن كون الاِيمان ذا درجات ومراتب، ما رواه الكليني عن أبي
عمرو الزبيري عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في حديث قال: «قلت: ألا
تخبرني عن الاِيمان؟ أقول هو وعمل، أم قول بلا عمل؟ فقال: الاِيمان عمل كلّه،
والقول بعض ذلك العمل، بفرض من الله بيّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجّته،
يشهد له به الكتاب، ويدعوه إليه، قال: صفه لي جعلت فداك حتّى أفهمه، قال:
الاِيمان حالات ودرجات وطبقات، ومنازل: فمنه التامّ المنتهي تمامه، ومنه
النّاقص البيّن نقصانه، ومنه الراجح الزائد رجحانه.
قلت: إن الاِيمان ليتمّ وينقص ويزيد؟ قال: نعم، قلت: كيف ذلك؟ قال:
لاَنّ الله تبارك وتعالى فرض الاِيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه
فيها، فليس من جوارحه جارحة إلاّ وقد وكلت من الاِيمان بغير ما وكلت به
اُختها..»(2) .
1. البحار: 69 / 126 ـ 127.
2. البحار: 69 / 23 ـ 24، لاحظ تمام الرواية وقد شرحها العلاّمة المجلسي.
خاتمة المطاف
ويعرب عنه أيضاً ما رواه الصدوق عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال:
«قال رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" ليس الاِيمان بالتحلّي، ولا بالتمنّي، ولكنّ الاِيمان ما خلص
في القلب، وصدّقه الاَعمال»(1) .
والمراد بالتحلّي التزيّن بالاَعمال من غير يقين بالقلب، كما أنّ المراد من
التمنّي هو تمنّي النجاة بمحض العقائد من غير عمل.
وفي ما رواه النّعماني في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ
شواهد على ذلك التقسيم(2)
خاتمة المطاف:
إنّ البحث في أنّ العمل هل هو داخل في الاِيمان أم لا، وإن كان مهمّاً قابلاً
للمعالجة في ضوء الكتاب والسنّة، كما عالجناه، إلاّ أنّ للبحث وجهاً آخر لا تقلّ
أهميته عن الوجه الاَوّل وهو تحديد موضوع ما نطلبه من الآثار. فإذا دلّ الدليل
على أنّ الموضوع لهذا الاَثر أو لهذه الآثار هو نفس الاعتقاد الجازم، أو هو مع
العمل، يجب علينا أن نتّبعه سواء أصدق الاِيمان على المجرّد أم لا؟ سواء كان
العمل عنصراً مقوّماً أم لا؟
مثلاً؛ إنّ حقن الدماء وحرمة الاَعراض والاَموال يترتّب على الاِقرار
باللسان سواء أكان مذعناً في القلب أم لا، ما لم تعلم مخالفة اللسان مع الجنان.
ولاَجل ذلك نرى أنّ كلّ عربيّ وعجميّ وأعرابيّ وقرويّ أقرّ بالشهادتين عند
الرسول الاَكرم "صلى الله عليه وآله وسلم" حكم عليه بحقن دمه واحترام ماله. قال أمير المؤمنين ـ
عليه السلام ـ: «أُمرت أن أُقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها فقد
حرم عليّ دماؤهم وأموالهم»(3)
1. البحار: 69 / 72، نقلاّ عن معاني الاَخبار: 187.
2. البحار: 69 / 73 ـ 74، نقلاً عن تفسير النعماني.
3. بحار الاَنوار: 68 / 242.