وحسن التشبيه، وإبداع المعاني، ما ليس فيأبيات النابغة، إذ جعل لليل صلباًوأعجازاً وكلكلاً، وشبّه تراكم ظلمةالليل بموج البحر في تلاطمه عند ركوب بعضهبعضاً، وجعل النجوم كأنّها مشدودة بحبالوثيقة، فهي راكدة لا تزول ولا تبرح، وجعليتمنى تَصَرُّم الليل بعود الصبح لما يرجوفيه من الرَّوْح، ثم ارتجع ما أعطىواستدرك ما كان قدّمه وأمضاه، فزعم أنّالبلوى أعظم من أن يكون لها في شيء منالأوقات كشف وانجلاء... إلى آخر ما في شعرهمن النكات.
فبمثل هذه الأمور تعتبر المعارضة، فيقعبها الفضل بين الكلامين، من تقديملأحدهما، أو تأخير، أو تسوية بينهما. لابمثل ما اتى به هؤلاء المهزّلون، منالإكتفاء بالوزن والفواصل، من دون نظر إلىالمعاني. وهذا هو السائد في كل المعارضاتالّتي نسبت إلى المعارضين.
وللمعارضة صور أُخرى ذكرها الخطابي فيبيان إعجاز القرآن(1).
مثال آخر
نرى أنّ جريراً يمدح بني تميم ويعرفهمبأنّهم كل الناس، في قوله:
ويقول أبو نواس في هذا الصدد:
وقد زاد عليه أبو نواس زيادة رشيقة، وذلكأنّ جريراً جعل الناس كلّهم بني تميم،ولكنّ أبا نواس جعل العالم كلّهم في واحد.فكان ما قاله أبلغ وأدخل في المدحوالإعظام(2).
إذا ظهرت لك حقيقة المعارضة، فانظر إلىقوله سبحانه: (الْحَاقَّةُ * مَاالْحَاقَّةُ * وَ مَا أَدْرَاكَ مَاالْحَاقَّةُ)(3). وقوله سبحانه:(الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَ مَا
1- بيان إعجاز القرآن، ص 52 ـ 60.
2- لاحظ الطراز، ص 202 ـ 203.
3- سورة الحاقة: الآيتان 1 ـ 3.