2 ـ أما النقطة الثانية التي يختلف فيهاالعقل عن الغريزة فهي أن الغريزة تعملبصورة جبرية ولا يملك صاحب الغريزة فيالأفعال الغريزية أية إرادة أو اختيار.فالنحلة مجبرة على أن تبني بيتها بشكلسداسي، مستخدمة في ذلك الشمع كمادةإنشائية. ولا يحق لها أن تحدث أي تغيير فيهذا العمل كما نجد أن الانسان ـ بحكمغريزته ـ يبلغ في وقت معين وتبدو الرغبةالجنسية فيه من دون ارادته واختياره... لكنالأحكام العلية تجري بإرادة الانسانواختياره، وهو حر في تنفيذ أوامر العقل أوعصيانها. وهذه الحرية هي أعظم مائز للبشربالنسبة إلى جميع الموجودات في عالمالأحياء.
إن القرآن الكريم يشير إلى حرية الانسانفي مواضع عديدة ويعتبرها من الودائعالفطرية في بناء الانسان. وهنا لا بأس منالاستشهاد ببعض تلك الآيات في ضمن الفقراتالتالية: ـ
يقول تعالى: «إنا خلقنا الانسان من نطفةأمشاج نبتليه...» (1).
أي أننا خلقنا الانسان من نطفة خليطة منالرحل والمرأة، ثم نمتحنه...
وإذا نظرنا إلى الحيوانات، وجدنا أنها هيأيضاً تتكود من خليط من نطفة الذكروالأنثى. فالخلية الأولى للخروف أو الأرنبإنما هي خليطة (أمشاج)، وبذلك تشبهالانسان... إلا أنه ألحق كلمة (نبتليه) بعدكلمة (أمشاج) بالنسبة إلى الانسان، وهذهعبارة عن فصل مميز بين الانسان وسائرالحيوانات، وذلك لأن الاختبار إنما يصحعندما يكون الشخص المختبر مالكاً للحريةوالاختيار، فمثلاً لا يمكن أن يقالبالنسبة إلى الشخص المسجون في سجن لوحدهوالمراقبة مشددة عليه: أنه يمتحن ليرى هليسرق أم لا ؟. لأنه
(1) سورة الدهر |2.