«مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ» أيلما مضى «مِنَ التَّوْراةِ» التي أنزلتعلى موسى صدق بها و آمن بها و إنما قال لمامضى قبله لما بين يديه لأنه إذا كان يأتيبعده خلفه فالذي مضى قبله يكون قدامه و بينيديه «وَ آتَيْناهُ» أي و أعطينا عيسىالكتاب المسمى الإنجيل و المعنى و أنزلناعليه «الْإِنْجِيلَ فِيهِ» يعني فيالإنجيل «هُدىً» أي بيان و حجة و دلائل لهعلى الأحكام «وَ نُورٌ» سماه نورا لأنهيهتدي به كما يهتدي بالنور «وَ مُصَدِّقاًلِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ»يعني الإنجيل يصدق بالتوراة لأن فيه أنالتوراة حق و قيل معناه أنه تضمن وجوبالعمل بالتوراة و أنه لم تنسخ و قيل معناهأنه أتى على النحو الذي وصف في التوراة «وَهُدىً» أي و دلالة و إرشادا و معناه وهاديا و راشدا «وَ مَوْعِظَةً» أي واعظا«لِلْمُتَّقِينَ» يزجرهم عن المعاصي ويدعوهم إلى الطاعة و إنما خص المتقينبالذكر لأنهم اختصوا بالانتفاع به و إلافإنه هدى لجميع الخلق «وَ لْيَحْكُمْأَهْلُ الْإِنْجِيلِ» هذا أمر لهم و قيلفي معناه قولان (أحدهما) أن تقديره و قلناليحكم أهل الإنجيل فيكون على حكاية ما فرضعليهم و حذف القول لدلالة ما قبله عليه منقوله «وَ قَفَّيْنا» كما قال تعالى «وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْمِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ» أييقولون سلام عليكم (و الثاني) أنه تعالىاستأنف أمر أهل الإنجيل على غير الحكايةلأن أحكامه كانت حينئذ موافقة لأحكامالقرآن لم تنسخ بعد عن أبي علي الجبائي والقول الأول أقوى و هو اختيار علي بن عيسى«بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ» أي فيالإنجيل «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِماأَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُالْفاسِقُونَ» قيل إن من هاهنا بمعنى الذيو هو خبر عن قوم معروفين و هم اليهود الذينتقدم ذكرهم عن الجبائي و قيل إن من للجزاءأي من لم يحكم من المكلفين بما أنزل اللهفهو فاسق لأن هذا الإطلاق يدل على أنالمراد من ذهب إلى أن الحكمة في خلاف ماأمر الله به فلهذا قال فيما قبل«فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ» فيكونمعنى الفاسقين الخارجين عن الدين و جعلواالكفر و الظلم و الفسق صفة لموصوف واحد وقيل أن الأول في الجاحد و الثاني و الثالثفي المقر التارك.