مجمع البیان فی تفسیر القرآن

الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسی

جلد 5 -صفحه : 415/ 115
نمايش فراداده

الحكمة تمنع منه و إنما كان يدل على أنه لاينبغي أن يختاره و معناه لم يجعل الله فيدينه و لا في حكمه أن يستغفروا للمشركين ولو دعتهم رقة القرابة و شفقة الرحم إلىالاستغفار لهم بعد ما ظهر أن لهم عذاباعظيما ثم بين سبحانه الوجه في استغفارإبراهيم لأبيه مع كونه كافرا سواء كانأباه الذي ولده أو جده لأمه أو عمه على مارواه أصحابنا فقال «وَ ما كانَاسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِإِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهاإِيَّاهُ» أي لم يكن استغفاره له إلاصادرا عن موعدة وعدها إياه و اختلف في صاحبهذه الموعدة هل هو إبراهيم و أبوه فقيل أنالموعدة كانت من الأب وعد بها إبراهيم أنهيؤمن أن استغفر له لذلك «فَلَمَّاتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ»و لا يفي بما وعد «تَبَرَّأَ مِنْهُ» و تركالدعاء له و هو المروي عن ابن عباس و مجاهدو قتادة إلا أنهم قالوا إنما تبين عداوتهلما مات على كفره و قيل أن الموعدة كانت منإبراهيم قال لأبيه إني أستغفر لك ما دمتحيا و كان يستغفر له مقيدا بشرط الإيمانفلما آيس من إيمانه تبرأ منه و هذا يوافققراءة الحسن إلا عن موعدة وعدها أباه ويقويه قوله إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَلِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ ماأَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ» أي دعاءكثير الدعاء و البكاء عن ابن عباس و هوالمروي عن أبي عبد الله (ع) و قيل الأواه الرحيم بعباد الله عن الحسنو قتادة و قيل هو الذي إذا ذكر النار قالأوه عن كعب و قيل الأواه المؤمن بلغةالحبشة عن ابن عباس و قيل الأواه الموقنالمستيقن عن مجاهد و عكرمة و قيل الأواهالعفيف عن النخعي و قيل هو الراجع عن كل مايكره الله عز و جل عن عطا و قيل هو الخاشع المتضرع رواه عبد الله بنشداد عن النبي (ص) و قيل هو المسبح الكثير الذكر لله سبحانهعن عقبة بن عامر و قيل هو المتأوه شفقا وفرقا المتضرع يقينا بالإجابة و لزوماللطاعة عن أبي عبيدة و قال الزجاج و قدانتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روي في الأواه«حَلِيمٌ» يقال بلغ من حلم إبراهيم (ع) إنرجلا قد أذاه و شتمه فقال له هداك الله وقيل الحليم السيد عن ابن عباس و أصله أنهالصبور على الأذى الصفوح عن الذنب.

النظم‏

لما تقدم ذكر الكفار و المنافقين و المنعمن موالاتهم و الصلاة عليهم و القيام علىقبرهم للدعاء لهم نهي عن دعائهم بعد موتهمو لما نهى الله النبي و المؤمنين عنالاستغفار للمشركين ذكر قصة إبراهيم وعذره في الاستغفار لأبيه و أما قوله«إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ»فإنما اتصل بما قبله بأنه إذا كان له صفةالرأفة و الرحمة يكون في دعائه أخلص و علىخلاص أقربائه من العذاب أحرص و مع ذلك تبرأمنه لما يئس من فلاحه.