إذ قتل هابيل عن السدي و الضحاك و اختلف فيمعنى عرض الأمانة على هذه الأشياء و قيلفيه أقوال (أحدها) أن المراد العرض علىأهلها فحذف المضاف و أقيم المضاف إليهمقامه و عرضها عليهم هو تعريفه إياهم أن فيتضييع الأمانة الإثم العظيم و كذلك في تركأوامر الله تعالى و أحكامه فبين سبحانهجرأة الإنسان على المعاصي و إشفاقالملائكة من ذلك فيكون المعنى عرضناالأمانة على أهل السماوات و الأرض والجبال من الملائكة و الجن و الإنس«فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها» أي فأبىأهلهن أن يحملوا تركها و عقابها و المأثمفيها «وَ أَشْفَقْنَ مِنْها» أي و أشفقنأهلهن من حملها «وَ حَمَلَهَاالْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً»لنفسه بارتكاب المعاصي «جَهُولًا» بموضعالأمانة في استحقاق العقاب على الخيانةفيها عن أبي علي الجبائي و قال إذا لم يصححمله على نفس السماوات و الأرض و الجبالفلا بد أن يكون المراد به أهلها لأنه يجبأن يكون المراد به المكلفين دون غيرهم لأنذلك لا يصح إلا فيهم و لا بد من أن يكونالمراد بحمل الأمانة تضييعها لأن نفسالأمانة قد حملتها الملائكة و قامت بهاقال الزجاج كل من خان الأمانة فقد حملها ومن لم يحمل الأمانة فقد أداها و كذلك كل منأثم فقد احتمل الإثم قال الله سبحانه وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ فقد أعلمالله سبحانه أن من باء بالإثم يسمى حاملاللإثم و هو قول الحسن لأنه قال الكافر والمنافق حملا الأمانة أي خانا و لم يطيعا وأنشد بعضهم في حمل الأمانة بمعنى الخيانةقول الشاعر:
و أقول أن الظاهر لا يدل على ذلك لأنه لايجوز أن يكون المراد بالحمل هنا قبولالأمانة لأن الشاعر جعله في مقابلة الأداءفكأنه قال إذا كنت لا تزال تقبل أمانة وتؤدي أخرى شغلت نفسك بقبول الودائع وأدائها فأثقلتك (و ثانيها) أن معنى عرضناعارضنا و قابلنا فإن عرض الشيء علىالشيء و معارضته به سواء و الأمانة ماعهد الله سبحانه إلى عباده من أمره و نهيهو أنزل فيه الكتب و أرسل الرسل و أخذ عليهالميثاق و المعنى أن هذه الأمانة في جلالةموقعها و عظم شأنها لو قيست بالسماوات والأرض و الجبال و عورضت بها لكانت هذهالأمانة أرجح و أثقل وزنا و معنى قوله«فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها» ضعفن عنحملها كذلك «وَ أَشْفَقْنَ مِنْها» لأنالشفقة ضعف القلب و لذلك صار كناية عنالخوف الذي يضعف عنده القلب ثم قال إن هذهالأمانة التي من صفتها أنها أعظم من هذهالأشياء العظيمة تقلدها الإنسان فلميحفظها بل