مکارم الأخلاق و معالم الاعلاق

رضی الدین أبی نصر الحسن بن الفضل الطبرسی

نسخه متنی -صفحه : 476/ 6
نمايش فراداده

ويرجو العباد في الصغير، فيعطي العبد مالا يعطي الرب، فما بال الله جل ثناؤه يقصربه عما يصنع بعباده؟ أتخاف أن تكون فيرجائك له كاذبا، أو تكون لا تراه للرجاءموضعا؟ وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيدهأعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه فجعل خوفه منالعباد نقدا، وخوفه من خالفه ضمارا (1)ووعدا وكذلك من عظمت الدنيا في عينه وكبرموقعها في قلبه، آثرها على الله فانقطعإليها وصار عبدا لها، ولقد كان في رسولهالله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كاف لك فيالاسوة ودليل على ذم الدنيا وعيبها وكثرةمخازيها ومساويها، إذ قبضت عنه أطرافهاووطأت لغيره أكنافها وفطم عن رضاعها وزوىعن زخارفها، وإن شئت ثنيت بموسى كليم اللهإذ يقول: " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير" والله ما سأله إلا خبزا يأكله، لانه كانيأكل بقلة الارض، ولقد كانت خضرة البقلترى من ش فيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذب (2)لحمه، وإن شئت ثلثت بداود صاحب المزاميروقارئ أهل الجنة، فلقد كان يعمل من سفائفالخوص بيده ويقول لجلسائه: أيكم يك فينيبيعها ويأكل قرص الشعير من ثمنها، وإن شئتقلت في عيسى بن مريم فلقد كان يتوسد الحجرويلبس الخشن وكان إدامه الجوع وسراجهبالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارقالارض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبتالارض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه ولاولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله،دابته رجلاه وخادمه يداه. فتأس بنبيكالاطيب الاطهر (صلّى الله عليه وآله وسلّم)فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاء لمن تعزى وأحبالعباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتصلاثره، قضم الدنيا قضما ولم يعرها طرفا،أهضم أهل الدنيا كشحا (3) وأخمصهم من الدنيابطنا، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها،وعلم أن الله أبغض شيئا فأبغضه وحقر شيئافحقره، وصغر شيئا فصغره، ولو لم يكن فيناإلا حبنا ما أبغض الله وتعظيمنا ما صغرالله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمرالله.

(1) الضمار الوعد المسوف.

(2) الصفاق ككتاب: هو الجلد الاسفل الذي تحتالجلد الذي عليه الشعر أو جلد البطن وهوالمراد ههنا. والتشذب: التفرق.

(3) قضم الشئ: كسره بأطراف أسنانه وأكله،والمراد الزهد في الدنيا والرضا منهابالدون.

والهضم: خمص البطن وخلوها. والكشح، ما بينالسرة ووسط الظهر.