«أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفلكالجارية في اللّجج الغامرة والأعلامالنيّرة الشاهرة أو كسفينة نوح (عليهالسلام) التي نزلها المؤمنون ونجا فيهاالمسلمون، كتبتُ اليك يابن رسول الله عنداختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعةفأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك، فإنّمِن علم الله علمَكم وأنتم شهداء علىالناس والله الشاهد عليكم (ذرّيّةً بعضهامن بعض والله سميع عليم) (1).
كما تتجلّى لنا مقدرة الإمام الفنّيّةوالبلاغيّة من خلال محاولة معاوية لأنيقاطع ذات يوم خطاب الإمام (عليه السلام)حتى لا يفتتن الجمهور ببلاغته بعدأن اقترحابن العاص على معاوية أن يخطب الحسن (عليهالسلام) ليظهر عدم مقدرته(2).
وقد أسهم الإمام الحسن (عليه السلام) فيصياغة الخطب العسكرية في عهد أبيه وبعده،كما مرّ علينا، وقد لاحظنا إحكام البناءوالتطعيم بالعنصرالإيقاعي والصوري بشكلواضح.
وتميّزت رسائل الإمام ومكاتباتهبالاقتصاد اللغوي وبتكثيف عنصر (الإشارةالدالّة) أي العبارة المنطوية على شفراتدلالية، وهذا ما نجده مثلاً في رسالته إلىمعاوية ورسالته إلى زياد بن أبيه، حيث لمتتجاوز كلٌّ منهما السطرين، فالأوّل ـ وهومعاوية ـ بعث رجلين يتجسّسان، فكتب (عليهالسلام):
«أمّا بعد، فإنّك دسست الرجال كأنّك تحبّاللقاء، لا أشكّ في ذلك، فتوقّعه إن شاءالله، وبلغني أنّك شَمَتَّ بما لم تشمت بهذوو الحجى»(3).
(1) تحف العقول: 231. (2) راجع حياة الإمام الحسن: 2 / 298 ـ 300. (3) الإرشاد للمفيد: 189.