يزاد فيها الألفاظ، بل الصيغ الخاصةالجامعة لصراحة الدلالة و غيرها مما اعتبرفيها، و إن هذا إلا توثيق للعهد الصادقبمجرد النية بلا شبهة. فالمناقشة في كونالعقود الفقهية عقدا لغة موهون جدا، سيمامع إطلاق بعض أهل اللغة كونه بمعنى العهد،أو الربط بين الشيئين، فتدبر.
منها: الوصية و الأمر و اليمين و غير ذلك،و ما نحن بصدد إثباته ليس داخلا في شيء منذلك، و لو سلم أن يكون للعهد معنى يشملالمبحوث عنه، فإرادته منه في الآية غيرمعلوم، فيمكن أن يراد الوصايا الإلهيةالموثقة أو التكاليف اللازمة، أو يرادمطلق الوصايا، أو يراد الأوامر و الايمانو الضمانات. و أنت خبير بأن هذا الكلام منالوهن بمكان. أما أولا: فلأن تفسير أهلاللغة (العقد) بمعنى (العهد) لا يجعله قابلالهذه الشقوق، إذ هذا الكلام إنما هو فيمالو أطلق لفظ (العهد) و بينهما فرق عميق. وأما ثانيا: فلأن المفسرين له بمعنى العهدأدخلوا فيه العقود الفقهية كما ذكر فيعبائر أهل اللغة و عبائر أهل التفسير فلاوجه للرمي بالإجمال. و ثالثا: أن عد هذهالأمور معاني للعهد ممنوع، إذ كلها مندرجتحت معنى عام هو المسمى بالعهد. و ليسمشتركا لفظيا حتى يقع الأجمال، و لا يخفىكونه مشتركا معنويا على من له ربط بطريقةأهل اللغة و العرف و أنس بضوابط أهلالاشتقاق. فاللائق إرادة كل ما هو عهد وإلزام و التزام و توطئة و تمهيد، و هو شامللسائر ما ذكره، كما يشمل كل العقود. هذا معما في كلام أهل التفسير كلمات الأصحاب منالشهادة على دخول العقود الفقهية في الآيةالمرجح لهذا الاحتمال المخرج عن الأجمال.
يعسر الانفصال، فإذا كان هو المعنىالحقيقي فيكون المراد في الآية معناهالمجازي، فيتسع دائرة الكلام و مجالالجدال في الآية، كما لا يخفى. و فيه: أنالعقد في كلامهم إنما هو العهد كما عرفت أومطلق الربط بحيث يشمل المحسوس و غيره. و لوفرض اختصاصه بما ذكره، فنقول: لا ريب أنالآية لإيراد بها أن الأشياء التي جمعتمبينها و أوصلتم بعضها ببعض لا تفصلوابينها، إذ هذا لا ربط له بمنصب الشرع، وليس مراد الله: أن من وصل حبلا بحبل أوبعيرا بحمار أو خشبا بجدار يحرم أن يفصلبينهما، فليس إلا أن يراد به أقربالمجازات، و ليس إلا ارتباط المعاملات والشروط و نحو ذلك و ما قبله العباد منالالتزام بالتكاليف الإلهية و الروابطالمجعولة بين الصانع و بين مخلوقاته، و هوشامل لمحل البحث، و يؤيده إطباق كلمةالمفسرين على هذا المعنى في الجملة. فلامجال للتكلم في الآية بما يوجب نقصا فيالدلالة و الله أعلم.
كما سيذكر إن شاء الله تعالى في بحثالشروط بتقريب دلالتها على أن كل شرطلازم، و الشرط عبارة عن الالتزام، و هومفيد للصحة فيما هو كذلك، و العقود كلهافيها إلزام و التزام، لأنها نوع عهد، كماقرر. أو يراد من الشرط الربط و تعليق شيءبشيء كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالىفيشمل العقود أيضا، لأنها ربط و تعليقلأحد الطرفين، و حيث ثبت إمضاء الشارع لكلشرط فيشمل محل البحث. و خروج ما خرجبالدليل لا يقدح في كون العام حجة فيالباقي، و يجيء في المقام زيادة توضيح.