و ما يراد به لا يعرفه فهو مخلوع النعوتالمحب الله هو كامل لذاته لا يكمل بالزائدفلا نعت له و لا صفة لأنه لَيْسَكَمِثْلِهِ شَيْءٌ فـ سُبْحانَ رَبِّكَرَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
قال الشاعر
فهذا مثل قولهم فيه إنه مخلوع النعوتفالعبودية له ذاتية فما له اسم معين سوى مايسميه به محبوبه فبأي اسم سماه و دعاه بهأجابه و لباه فإذا قيل للمحب ما اسمك يقولسل المحبوب فما سماني به فهو اسمي لا اسملي أنا المجهول الذي لا يعرف و النكرة التيلا تتعرف المحب الله لا اسم له يدل علىذاته و إنما المألوه الذي هو محبوبه نظرإلى ما له فيه من أثر فسماه بآثاره فقبلالحق ما سماه به فقال المألوه يا الله قالالله له لبيك قال المربوب يا رب قال لهالرب لبيك قال المخلوق له يا خالق قالالخالق لبيك قال المرزوق يا رزاق قالالرزاق لبيك قال الضعيف يا قوي قال القويأجبتك فأحوالنا تدعوه دعاء تحقيق فيتخذهاأسماء و لهذا تختلف ألفاظها و تركيبحروفها بحسب اللسان و المعنى الموجب للاسممعقول عند المخلوقين فيقول العربي يا اللهللذي يقول له الفارسي أي خداي و يقول لهالرومي أيشا و يقول له الأرمني أي اصفاج ويناديه التركي أي تنكري و يناديه الإفرنجيأي كريطور و يقول له الحبشي واق فهذه ألفاظمختلفة لمعنى واحد مقصود من كل مخلوقفلهذا قلنا إنه مجهول الأسماء إذ الأسماءدلائل فالمحبوب بأي اسم دعا محبه أجابه
و هذا النعت يسمى البهت و السبات و لا يكونله هذا إلا في حال الاستغراق فيما عنده منحب محبوبه حتى إن محبوبه ربما يكون بإزائهو لا يعرفه به و يناديه و لا يعرف صوته معنظره إليه فهو كالسالي في حاله و هو فيغاية الهيمان فيه المحب الله يقول فَإِنَّالله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ويطالبهم بأنفاسهم أن يكون تنفسهم بذكره وإنه سَمِيعُ الدُّعاءِ
فهو مشهوده دائما أو يكون كما قالالقائل
فهو في الحالتين صاحب شكوى فما تغير عليهالحال في عذاب دائم و أما نحن فعلى المذهبالأول ما لنا شغل إلا به فهو مشهودنا لانعرف غيره و لا نشهد سواه و لنا في ذلك
المحب الله الكلمة الإلهية واحدة قالتعالى وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌكَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ لا تفريق عندهفبعده عين قربه و قربه عين بعده فهو البعيدالقريب ما عنده وصل بنا فيقبل الفصل و لاهجر فيقبل الوصل
و أذله مع إدلال يجده عنده و لا يعرف سببهسوى ما تعطي الحقائق من أن المحب يعطيالمحبوب سيادته عليه فكأنه ولاة و منحالته هذه فلا بد أن تشم منه رائحة إدلالفي إذلال و خضوع و هذا يعطيه مقام الحبالمحب الله عبدي جعت فلم تطعمني ظمئت فلم تسقني مرضتفلم تعدني من تقرب إلي شبرا تقربت منهذراعا فضاعف التقريب من ذَا الَّذِي يُقْرِضُالله قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُوَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ فتضاعف الأجرإدلال و السؤال سؤال
و سبب ذلك جهله بما في نفس المحبوب فلايدري بأي حالة يكون معه أما إذا كان الحقمحبوبه فإنه قد عرف ذلك بما شرع له فلايبقى عليه تشويش في قلبه إلا فيما منحه منالأسرار و ما حاباه به من اللطائف و هو يحبأن يحببه إلى خلقه حتى تجتمع الهمم والقلوب كلها عليه و لا يتمكن له ذلك إلابإذاعة أسراره لأن النفوس مجبولة على حبالمنح و الهبات و العطايا ثم إنه لا يعلمهل يرضى إذاعة تلك الأسرار به أم لا فهذاسبب تشويش قلوب المحبين لله المحب اللهنفذ الأمر الإلهي بأن يؤمن من سبق علمه فيهإنه لا يؤمن و قوله و علمه واحد فمن أيحقيقة قال آمرا من علم أنه لا يمتثل أمرهفقد عرضه للمعصية وَ هُوَ الْحَكِيمُالْعَلِيمُ فمن هنا صدر التشويش في العالمو اختلاف الأغراض و المنازعات