فتوحات المکیة فی معرفة الأسرار المالکیة و الملکیة

ابی عبد الله محمد بن علی الحاتمی الطائی المعروف بابن عربی

جلد 2 -صفحه : 694/ 448
نمايش فراداده

عزيزا و منهم الناظر إليه من حيث إنه مثلله في المرتبة فإنه بالمرتبة كان خليفة وقد شورك فيها فقال هُوَ الَّذِيجَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الْأَرْضِ و قاليا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةًفي الْأَرْضِ فهم نواب الحق في عبادهفيمدهم من ذلك المقام بأمور خاصة تختصبتلك المثلية كما يمده الحق من صورتهبجميع أسمائه و ليس إلا هذه‏

إن الله قسم خلقه إلى شقي و سعيد

و قد قسم الله خلقه إلى شقي و سعيد و جعلمقر عباده في دارين دار جهنم و هي دار كلشقي و دار جنان و هي دار كل سعيد و سمواهؤلاء أشقياء لأنهم أقيموا فيما يشق عليهمو هو المخالفة و سموا هؤلاء سعداء لأنهمأقيموا فيما يسهل عليهم و هو المساعدة والموافقة فمن كان مع الله على مراد اللهفيه و في خلقه لم يشق عليه شي‏ء مما يحدثفي العالم (حكي) عن رابعة رضي الله عنها أنهضرب رأسها ركن جدار فأدماها فما التفتتفقيل لها في ذلك فقالت شغلي بموافقة مرادهفيما جرى شغلني عن الإحساس بما ترون منشاهد الحال فما شق عليها ما جرى فلو شقعليها لتعذبت في نفسها منها فالأشقياء ليسلهم عذاب إلا منهم لأنهم أقيموا في مقامالاعتراض و التعليل لأفعال الله في عبادهو لأي شي‏ء كان كذا و لو كان كذا كان أحسن وأليق و نازعوا الربوبية و شاقوا الله ورسوله فشقاؤهم شقاقهم فهي دار الأشقياءبدخولها في هذه الحال فإذا طال عليهمالأمد تغير الحال لأن طول الأمد له حكمبقوله تعالى فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُفَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ فإذا طال الأمد علىالأشقياء و علموا أن ذلك ليس بنافع قالوافالموافقة أولى فتبدلت صورهم فأثر ذلكالتبديل هذا الحكم فزالت المشاققة فارتفعالعذاب عن بواطنهم فاستراحوا في دارهم ووجدوا في ذلك من اللذة ما لا يعلمه إلاالله لأنهم اختاروا ما اختار الله لهم وعلموا عند ذلك أن عذابهم لم يكن إلا منهمفحمدوا الله على كل حال فأعقبهم ذلك أنيحمدوا الله المنعم المتفضل‏

درجات الجنان و دركات النار

ثم إن لهذا الإنسان المفرد الذي هو آدم ولكل إنسان أقيم فيما هو منفرد به نظر آخرإلى منازل السعداء و هي التي عينها الفلكالمكوكب و هي منازل الجنان و منازل النارفان الجنة مائة درجة و النار مائة درك علىعدد الأسماء الإلهية فهي بحكم الاشتراكتسعة و تسعون اسما ينالها كل إنسان بما هومشارك غيره و الاسم الموفي مائة و هو وترالغيب كما كانت التسعة و التسعون و نرالشهادة لأن الله وتر يحب الوتر فالاسمالموفي مائة مفرد منه يتجلى الحق للإنسانالمفرد إذا كان مع الأمر الذي يسمى بهإنسانا مفردا و إذا كان مع هذا الاسم الفردكانت منازله ثمانيا و عشرين منزلة لأنحروف نفسه ثمانية و عشرون حرفا ظهر منها فيمقام الجمع و الوجود علامات تدل على الحق وهي خمس آلاف علامة و ثمانمائة علامة و ثمانو ثلاثون علامة و هذه كلها منازل في هذهالمنازل‏

اقرأ و ارق‏

و لهذا يقال يوم القيامة لقارئ القرآن اقرأ و ارقفإن منزلتك عند آخر آية تقرأ و لهذا تمدح أبو يزيد بأنه ما مات حتىاستظهر القرآن و ينبغي لقارئ القرآن إذالم يكن من أهل الكشف و لا من أهل التعليمالإلهي أن يبحث و يسأل علماء الرسوم أيشي‏ء يثبت عندهم أو رأوه أنه كان قرآنا ونسخ لفظه من هذا المصحف العثماني و لايبالي إذا قالوا له كذا و كذا صحيحا كانالطريق إلى ذلك أو غير صحيح فينبغي إنيحفظه فإنه يزيد بذلك درجات و قد اختلفتالمصاحف فهذا ينفعه و لا يضره فإن هذا الذيبأيدينا هو قرآن بلا شك و نعلم أنه قد سقطمنه كثير فلو كان رسول الله صلّى الله عليهوسلّم هو الذي جمعه لوقفنا عنده و قلنا هذاوحده هو الذي نتلوه يوم القيامة إذا قيللقارئ القرآن اقرأ و ارق و الاحتياط فيماقلناه و لكن لا أريد بذلك أنه يصلي به وإنما يحفظه خاصة فإنه ليس بمتواتر مثل هذاو ما نازع أحد من الصحابة في مصحف عثمانإنه قرآن فإذا حصل الإنسان بما انفرد به فيمنزلة من هذه المنازل فإنها تعطيه حقيقةما هي عليه مما وضعها الله له من الأمورالظاهرة في أفعال العباد في حركاتهم وسكونهم و تصرفاتهم و ما منعني من تعيينهاإلا ما يسبق إلى القلوب الضعيفة من ذلك ووضع الحكمة في غير موضعها فإن الحافظينأسرار الله قليلون و إذا وفى الإنسانالمفرد علم هذه الأمور و دخل الجناتالثمانية و رأى الكثيب الأبيض و عايندرجات الناس في الرؤية و تميز مراتبهم ومنازلهم في ذلك و نظر إلى التكويناتالجنانية و الرقائق الممتدة إليها من فلكالبروج علم إن لله أسرارا في خلقه فأراد أنيعرفه آثار ذلك فارتقى بنفسه إلى هذاالفلك و دار معه دورة واحدة لكل برج حتىأكمل اثنتي عشرة دورة و نظر بحلوله في كلدورة ما يعطي من الأثر في جنات النعيم و فيجهنم و في عالم الدنيا و في البرزخ و في يومالقيامة و في أحوال الكائنات العرضيات فيالعالم و الخاصة بجسد الإنسان و روحه‏