فتوحات المکیة فی معرفة الأسرار المالکیة و الملکیة

ابی عبد الله محمد بن علی الحاتمی الطائی المعروف بابن عربی

جلد 2 -صفحه : 694/ 602
نمايش فراداده

المشروعة من كونها مشروعة لا من كونهاموجودة فليس لهم فيها نصيب فإنهم قد يكونمنهم من فيه مكارم الأخلاق و لكن لم يعملبها من كونها مشروعة فإذا تقرر ما ذكرناه‏

الذين لم يؤمنوا بعلم الجزاء يحرمون منالعلم الوهبي‏

فاعلم أن الطائفة التي لم يحصل لهاالايمان بعلم الجزاء يحرمون من العلومالموهوبة قبول كل علم لا يقوم لهم فيه مننفوسهم ميزان من عمل عملوه فإذا جاءهمالفتح في خلواتهم و سطعت عليهم الأنوارالإلهية بالعلوم المقدسة عن الشوب القادحينظرون ما كانوا عليه من الأعمال و ماكانوا عليه من الاستعداد التعملي فيأخذونمن تلك العلوم قدر ما أعطتهم موازينهم ويقولون هذا من عِنْدِ الله و ما لم يدخللهم في موازينهم من هذه العلوم دفعوا بها وهذا من أعجب الأمور الإلهية في حق هذهالطائفة أنها غير قائلة بعلم الجزاء و لاتأخذ من العلوم إلا ما أعطتها موازينهم منالأعمال و الاستعدادات التعملية و هذانقيض ما بنى عليه الأمر عند أهل الطريق وهذا كشف خاص خص به أمثالنا لله الحمد علىذلك و أما نحن و من جرى مجرانا من أهلالطريق فلا نرمي بشي‏ء مما يرد علينا منذلك و لا ندفع به جملة واحدة سواء اقتضاهعملنا و استعدادنا التعملي أو لم يقتضهفإن الاقتضاء غير لازم عندنا في كل شي‏ءبل أوجد الله ما يريد في أي محل يريد و لونور الله بصائر هذه الطائفة التي ذكرناهالرأت و اتعظت بحالها فإنها لا تصدقبالجزاء و لا تقبل من العلوم إلا ما أعطاهميزان الجزاء من نفوسهم و هم لا يشعرون وهو موضع حيرة كما إنا لا نرمي أيضا بشي‏ءمما أعطانا الله على يد واسطة مذمومة كانتتلك الواسطة أو محمودة كما فعل سليمانعليه السلام أو بارتفاع الوسائط سواء كانذلك منهيا عنه أو مأمورا به فإن الله قدأعطانا من القوة و علم السياسة بحيث نعلمكيف نأخذ و إذا أخذنا كيف نتصرف به و فيه وفي أي محل نتصرف به و هذا مخصوص بأهلالسماع من الحق دائما و هو طريقنا و عليهعمل أكابرنا و يحتاج إلى علم وافر و عقلحاضر و مشاهدة دائمة و عين لا تقبل النوم ولا تعرفه و تتحقق بذلك تحقيقا يسرى معهاحسا و في حال نومها خيالا و في حال فنائها وغيبتها تحققا و هو مقام عزيز مخصوصبالإفراد منا و علم الأنبياء أكثره من هذهالعلوم التي ليس لها مستند و لهذا كانتالنبوة اختصاصا من الله لا يعمل و لا بتعملو نحن ورثنا هذا المقام من عين المنةفحصلنا من العلوم التي لا مستند لهايطلبها ما عدا النبوة كثيرا تعرفهاأسرارنا دون نفوسنا فلذلك لا يظهر علينامنها شي‏ء فإنه لا تعلق لها بالكون قالتعالى أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ وَ وَجَدَكَعائِلًا فَأَغْنى‏ فاختلف أصحابنا في هذهالأحوال الثلاثة و ما يشبهها هل هياستعدادات لما حصل من الإيواء و الهدى والغني أم ليست استعدادا و منا من قال لايكون استعداد إلا عن تعمل فيه و همالأكثرون و منهم من قال الاستعداد من أهللتحصيل أمر ما سواء كان عن تعمل أو غيرتعمل فالخلاف لفظي و هو الخلاف الذي ينسبإلى أهل هذه الطريقة و قد يكون الاستعدادمعلوما للشخص الذي هو صاحبه إنه استعداد وقد لا يكون و التحقيق في ذلك ما نذكره و ذلكأن حقيقة الاستعداد ما هو الطلب أن يكونمعد الأمر ما عظيم من الله يحصل له فهذايسمى تعملا لأنه استفعال مثل استخراج واستطلاق و استرسال و أما كونه معدا لما حصلله فلا بد أن يكون في نفسه على ذلك لا بجعلجاعل و أخفاه العدم الممكن و العدم المحالفلو لا إن العدم الممكن هو معد في نفسهلقبول أثر المرجح ما كان له الترجيح إلىأحد الجانبين في وقت و ترجيح الجانب الآخرفي وقت آخر و العدم المحال لو لا ما هو فينفسه معد لعدم قبول ما يضاد ما هو عليه فينفسه لقبله و كذلك من ثبت له الوجوبالوجودي لذاته فهذا تحقيق المسألة فيالاستعداد و الفرق بينه و بين الإعداد والإعداد لا بد منه وجودي و عدمي و لا وجوديو لا عدمي كالنسب فهذا الفصل من هذا المنزلقد استوفيناه و بقي من فصوله ما نذكره وذلك معرفة العلم الذي يطلبه الفقيربافتقاره و مسكنته ما هو و إذا حصل هل يقعله به الغني أم لا و هل إلى ذلك طريقةمعلومة لقوم أم لا و هل العالمون بها يتعينعليهم إن يحرضوا الناس على سلوكها أم لا

الافتقار في كل ما سوى الله أمر ذاتي‏

فاعلم إن الافتقار في كل ما سوى الله أمرذاتي لا يمكن الانفكاك عنه ذوقا و علماصحيحا إلا أنه تختلف مقاصده في تعيين مايفتقر إليه هذا الفقير و ما هو المعنى الذييفتقر إليه فيه‏

إن الفقر و المسكنة صفة ذاتية

فاعلم إن الفقر و المسكنة لما ثبت فيالعلم أنها صفة ذاتية كان متعلقها الذيافتقرت فيه طلبها استمرار كونها و استمرارالنعيم لها على أكمل الوجوه بحيث إنه لايتخلله النقيض فأهل هذه الطريقة لم يرواذلك حالا و عقدا إلا من الله تعالىفافتقروا إليه في ذلك دون غيره سبحانه‏