منتظم فی تاریخ الملوک و الأمم

ابن جوزی عبدالرحمن بن علی

جلد 4 -صفحه : 367/ 277
نمايش فراداده

بالسفطين حتى قدمنا بهما المدينة، فأجلستصاحبي مع السفطين و انطلقت في طلب أميرالمؤمنين عمر، فإذا به يغدي الناس و هويتوكأ على عكاز و هو يقول: يا برقي ضع هاهنا. فجلست في عرض القوم لا آكل شيئا، فمربي فقال: ألا تصيب من الطعام، فقلت: لا حاجةلي إليه، فرآني الناس و هو قائم يدور (1)فيهم فقال: يا برقي خذ خوانك و قصاعك، ثمأدبر فاتبعته فجعل يتخلل طرق المدينة حتىانتهى إلى دار قوراء عظيمة، فدخلها فدخلتفي أثره، ثم انتهى إلى حجرة من الدارفدخلها فقمت مليا حتى ظننت أن أميرالمؤمنين قد تمكن من مجلسه، فقلت: السلامعليك، فقال: و عليك السلام، ادخل، فدخلتفإذا هو جالس على وسادة [مرتفقا أخرى، فلمارآني نبذ إليّ التي كان مرتفقا، فجلستعليها] (2) فإذا هي تعرى، و إذا حشوها ليف،قال: يا جارية أطعمينا، فجاءت بقصعة فيهاقدر من خبز يابس، فصب عليها زيتا ما فيهملح و لا خل، فقال: أما أنها لو كانت راضيةلأطعمتنا أطيب من هذا، فقال لي: ادن،فدنوت، قال: فذهبت أتناول منها قدره، فلا والله لا أستطيع أن أجيزها، فجعلت ألوكهامرة من ذا الجانب و مرة من ذا الجانب فلمأقدر على أن أسيغها، و أكل هو أحسن الناسأكلا لم يتعلق له طعام بثوب أو شعر، حتىرأيته يلطع جوانب القصعة، ثم قال: يا جاريةاسقنا، فجاءت بسويق سلت، فقال: أعطه،فناولتنيه، فجعلت إذا أنا حركته ثار لهغبار، فلما رآني قد بشعت ضحك، فقال: ما لك،أرنيه إن شئت، فناولته، فشرب حتى وضع علىجبهته هكذا، ثم قال: الحمد للَّه الّذيأطعمنا و سقانا فأروانا و جعلنا من أمةمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، قلت:

قد أكل أمير المؤمنين فشبع فروي، حاجتيجعلني الله فداك، قال: للَّه أبوك، فمنأنت؟ قلت: رسول سلمة بن قيس، قال:فباللَّه، لكأنما خرجت من بطنه تخفّفاعليّ و حبا، ثم قال: لتخبرني عن من جئت منهذه، و جعل يقول و هو يزحف إليّ: للَّهأبوك، كيف تركت سلمة بن قيس؟ كيفالمسلمون؟ ما صنعتم؟ كيف حالكم؟

قلت: ما تحب يا أمير المؤمنين، و قصصت عليهالخبر على أنهم ناصبونا القتال، فأصيب رجلمن المسلمين، فاسترجع و بلغ منه ما شاءالله، و ترحم عليه- أعني على الرجل- طويلا،قلت: ثم ان الله فتح علينا يا أميرالمؤمنين، فتحا عظيما، فملأ

(1) في الأصل: «و شبع و هو قائم عليهم يدور».

(2) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل،أوردناه من أ، ظ.