إذ أثبت التأريخ بأنّ الدين قد ولد ونشأبين الطبقات المستضعفة والمحكومة، وقادةالرسالات اَمثال موسى وغيره، كانوا منالطبقة المحرومة والمستضعفة، حيث واجه هوواصحابه المحرومون، الطبقة المتمثّلةبفرعون وأمثاله.
وحين بُعث نبينا (صلّى الله عليه وآلهوسلّم)، أعلن ثورته على الطبقة الحاكمة،والثّرية، والمرابين، وقد عبّر القرآنالكريم عنهم، (الملأ) أي الاشراف، امثال:أبي سفيان، وأبي جهل. والوليد بينالمغيرة، فانّهم كانوا من زعماء مكةوأثريائها، ومن المخالفين له، وأمّاأتباع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)،فكانوا من الطبقة المحكومة والمضطهدة،أمثال: عمار، وسلمان، وأبي ذرّ وعبداللهبن مسعود، وأمثالهم.
وحين زار خروشيف اِبانّ رئاسته الجزائر،قال له ابن بلا ـ الذي كان رئيساًللجمهورية آنذاك: بأن الاسلام يمكن أنْيكون عاملاً محركاً في شمال افريقيا،لمقاومة الاستعمار، فصدّقه على ذلك.
إذن، فقد اعترف بالحقيقة، هؤلاء الذينكانوا يقولون: بأنّ الدين افيون الشعوب،وأنّه قد اصطنعته الطبقة الحاكمة، لتخذيرالفئات المحكومة المضطهدة، حتى لا تطالببحقوقها المشروعة، وتشعل الثورة ضدالحكام المستبّدين، ولكن بعد أن اطّلعواعلى الاسلام عن قرب اعترفَ بالحقيقة.
ويظهر مما سبق، أنّ المخالفين للدينانفسهم، لم يتّفقوا على رأي واحد.
5 ـ فرضيّة فرويد: وقد فسّر فرويد كلالظواهر الاجتماعية وفق الغريزة الجنسية،ومن جملتها الدين، فاِنّه حين تقف الظروفالاجتماعية بوجه اطلاق العنان للغريزةالجنسية، تُصاب هذه الغريزة بالكبتوالحرمان، ولكنها لا تزول، بل، انّهاتستقر في اللاشعور، حيث تقف بوجهها القيودالاجتماعية ولكن هذا الكبت والحرمانيحقّق نفسه في الخارج، بصورة أمراض عصبيّةومظاهر مختلفة، ومنها الدين.
إذنْ، ففي رأيه أنّ الدافع إلى وجودالدين، هو الحرمان الجنسي، فهو يعتقد بأنّالجذور الاُولى لظهور الاخلاق والعلم،وكل شيّ هي جذور جنسية، ويعتقد بأنّه حينترتفع الحواجز والسدود عن طريق الغريزةالجنسية، وتُمنح لها الحرية ولا تبقىمكبوتة، فسوف يزول الدين لوحده.
ولكن فرويد بنفسه قد ندم على رأيه هذا،بعد ذلك ولم يتقبل تلاميذه منه هذا الرأي،ومن هنا تتأكّد فطرية الدين.
وقد ظهرت دراسات عديدة لاثبات فطريةالدين:
1 ـ رأي يونج: ذكر (يونج) عالم النفسالشهير، وتلميذ فرويد، بأنّه وانْ صحّ ماذكره فرويد، بأنّ الدين من الصور التيتتدفّق من اللاشعور الانساني; ولكن القولبأنّ محتويات اللاشعور جميعها منحصرةبالميول الجنسية، التي هربت من شعورالانسان إلى لا شعور، هذا القول غير صحيح،فالانسان يمتلك نفساً باطنةً، ووجوداًلاشعريّاً فطريّاً، طبيعّياً، ولا تنحصرمحتويات هذا الوجود بما يقدّم اليه منالشعور الظاهر، كما توّهم فرويد، ففيالواقع، قد نجح فوريد حين اكتشف اللاشعور،