مقدمات فی التفسیر الموضوعی للقرآن

السید محمد باقر الصدر

نسخه متنی -صفحه : 22/ 7
نمايش فراداده

الحقيقة الثالثة:

والحقيقة الثالثة التي أكد عليها القرآن الكريم من خلال النصوص المتقدمة هي حقيقة اختيار الإنسان وإرادة الإنسان.

والتأكيد على هذه الحقيقة في مجال استعراض سنن التاريخ مهم جدا إذ سوف يأتي انشأ الله تعالى بعد محاضرتين.

إن البحث في سنن التاريخ خلق وهما، وحاصل هذا الوهم الذي خلقه هذا البحث عند كثير من المفكرين أن هناك تعارضا وتناقضا بين حرية الإنسان واختياره وبين سنن التاريخ، فأما أن نقول بأن للتاريخ سننه وقوانينه وبهذا نتنازل ن إرادة الإنسان واختياره وعن حريته، وأما أن نسلم بأن الإنسان كائن حر مريد مختار، وبهذا يجب أن نلغي سنن التاريخ وقوانينه ونقول بأن هذه الساحة قد أعفيت من القوانين التي لم تعف منها بقية الساحات الكونية.

هذا الوهم وهم التعارض والتناقض بين فكرة السنة التاريخية أو القانون التاريخي، وبين فكرة اختيار الإنسان وحريته، هذا الوهم كان من الضروري للقرآن الكريم أن يزيحه وهو يعالج هذه النقطة بالذات ومن هنا أكد على أن المحور في تسلسل الأحداث والقضايا إنما هو إرادة الإنسان، وسوف أتناول انشأ الله تعالى بعد محاضرتين الطريقة الفنية في كيفية التوفيق بين سنن التاريخ وإرادة الإنسان، وكيف استطاع القرآن الكريم أن يجمع بين هذين الأمرين من خلال فحص للصيغ التي يمكن في إطارها صياغة السنة التاريخية، سوف أتكلم عن ذلك بعد حاضرتين، لكن يكفي الآن أن نستمع إلى قوله تعالى (إن اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم)(44)(وان لو استقاموا على الطّريقة لاسقيناهم ماءاً غدقاً)(45) ( وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً)(46) انظروا كيف أن السنن التاريخية لا تجري من فوق رأس الإنسان بل تجري من تحت يده، فان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا إذن هناك مواقف إيجابية للإنسان تمثل حريته واختياره وتصميمه وهذه المواقف تستتبع ضمن علاقات السنن التاريخية، تستتبع جزاتها المناسبة، تستتبع معلولاتها المناسبة.

إذن فاختيار الإنسان له موضعه الرئيسي في الساحة التاريخية، وذات طابع انساني لأنها لا تفصل الإنسان عن دوره الإيجابي ولا تعطل فيه إرادته وحريته واختياره، وإنما تؤكد أكثر فأكثر مسؤولية على الساحة التاريخية.

الآن بعد استعراضنا الخصائص الثلاث التي تتميز بها السنن التاريخية في القرآن الكريم نواجه هذا السؤال: ما هو ميدان هذه السنن التاريخية؟ كنا حتى الآن نعبر ونقول بأن هذه السنن تجري على الساحة التاريخية، لكن، هل أن الساحة التاريخية بامتدادها هي ميدان للسنن التاريخية أو أن ميدان السنن التاريخية يمثل جزأ من الساحة التاريخية بمعنى أن الميدان الذي يخضع للسنن التاريخية بوصفها قوانين ذات طابع نوعي مختلف عن القوانين الأخرى الفيزيائية والفسلجية والبيولوجية والفلكية، هذا الميدان الذي يخضع لقوانين ذات طابع نوعي مختلف، هذا الميدان هل تتسع له الساحة التاريخية؟ هل يستوعب كل الساحة التاريخية، أو يعبر عن جز من الساحة التاريخية؟ التصور القرآني لسنن التاريخ وسوف أعود إلى هذه النقطة مرة أخرى إنشأ اللّه تعالى.

اذن نستخلص مما سبق أن السنن التاريخية، ان السنن القرآنية في التاريخ ذات طابع علمي، لأنها تتميز بالاطراد الذي يميز القانون العلمي، وذات طابع رباني لأنها تمثل حكمة اللّه وحسن تدبيره على لكن قبل هذا يجب أن نعرف ماذا نقصد بالساحة التاريخية؟ الساحة التاريخية عبارة عن الساحة التي تحوي تلك الحوادث والقضايا التي يهتم بها المؤرخون، المؤرخون أصحاب التواريخ يهتمون بمجموعة من الحوادث والقضايا يسجلونها في كتبهم والساحة التي تزخر بتلك الحوادث التي يهتم بها المؤرخون ويسجلونها هي الساحة التاريخية، فالسؤال هنا إذن هو هكذا، هل أن كل هذه الحوادث والقضايا التي يربطها المؤرخون وتدخل في نطاق مهمتهم التاريخية والتسجيلية هل كلها محكومة بالسنن التاريخية، بسنن التاريخ ذات الطابع النوعي المتميز عن سنن بقية حدود الكون والطبيعة، أو أن جزا معيناً من هذه الحوادث والقضايا هو الذي تحكمه سنن التاريخ، هناك حوادث لا تنطبق عليها سنن التاريخ بل تنطبق عليها القوانين الفيزيائية أو الفسلجية أو قوانين الحياة أو أي قوانين أخرى لمختلف الساحات الكونية الأخرى، مثلا: موت أبي طالب، موت خديجة في سنة معينة، حادثة تاريخية مهمة تدخل في نطاق ضبط المؤرخين وأكثر من هذا هي حادثة ذات بعد في التاريخ ترتبت عليها آثار كثيرة في التاريخ ولكنها لا يحكمها سنة تاريخية، تحكمها قوانين فسلجية، تحكمها قوانين الحياة التي فرضت أن يموت أبو طالب (رضوان اللّه عليه) وأن تموت خديجة عليها السلام في ذلك الوقت المحدد، هذه الحادثة تدخل في نطاق صلاحيات المؤرخين ولكن الذي يتحكم في هذه الحادثة هي قوانين فسلجة جسم أبي طالب وجسم خديجة، قوانين الحياة التي تفرض المرض والشيخوخة ضمن شروط معينة وظروف معينة.

حياة عثمان بن عفان، طول عمر الخليفة الثالث هذا حادثة تاريخية الخليفة الثالث ناهز الثمانين، طبعا هذه الحادثة التاريخية كان لها أثر عظيم في تاريخ الإسلام، لو قدر لهذا الخليفة أن يموت موتا طبيعيا وفقا لقوانينه الفسلجية قبل يوم الثورة كان من الممكن أن تتغير كثير من معالم التاريخ، كان من المحتمل أن يأتي الإمام أميرالمؤمنين إلى الخلافة بدون تناقضات وبدون ضجيج وبدون خلاف لكن قوانين فسلجة جسم عثمان بن عفان اقتضت أن يمتد به العمر إلى أن يقتل من قبل الثائرين عليه من المسلمين هذه حادثة تاريخية، أعني أنها تدخل في اهتمامات المؤرخين ولها بعد تاريخي أيضاً لعبت دورا سلبا أو أيجابا في تكييف الأحداث التاريخية الأخرى، ولكنها لا تتحكم فيها سنن التاريخ، ان الذي يتحكم في ذلك قوانين بنية جسم عثمان بن عفان، قوانين الحياة وقوانين جسم الإنسان التي أعطت لعثمان بن عفان عمرا طبيعياً ناهز الثمانين.

مواقف عثمان بن عفان تصرفاته الاجتماعية تدخل في نطاق سنن التاريخ، مسألة حياتية أو مسألة فسلجية أو مسألة فيزيائية وليست مسألة تتحكم فيها سنن التاريخ.

إذن سنن التاريخ لا تتحكم على كل الساحة التاريخية، لا تتحكم على كل القضايا التي يدرجها الطبري في تاريخه بل على ميدان معين من هذه الساحات يأتي الحديث إنشاء اللّه عنها.

أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

وأفضل الصلوات على سيد الخلق محمد وعلى الهداة الميامين من آله الطاهرين قلنا إن الساحة التاريخية، ساحة اهتمامات المؤرخين لا تستوعبها سنن التاريخ لان هذه الساحة تشتمل على ظواهر كونية وطبيعية وفيزيائية وحياتية وفسلجية أيضاً.

هذه الظواهر تحكمها قوانينها النوعية على الرغم من أن بعض هذه الظواهر ذات أهمية بالناظور التاريخي، من منظار المؤرخين تعتبر هذه حوادث ذات أهمية، لها بعد زمني في امتداد وتيار الحوادث التاريخية ولكنها مع هذا لا تحكمها سنن التاريخ بل تحكمها سننها الخاصة.

سنن التاريخ تحكم ميدانا معينا من الساحة التاريخية، هذا الميدان يشتمل على ظواهر متميزة تميزا نوعيا عن سائر الظواهر الكونية والطبيعية وباعتبار هذا التميز النوعي استحقت سننا متميزة أيضاً تميزا نوعيا عن سنن بقية الساحات الكونية.

المميز العام للظواهر التي تدخل في نطاق سنن التاريخ هو أن هذه الظواهر تحمل علاقة جديدة لم تكن موجودة في سائر الظواهر الأخرى الكونية والطبيعية والبشرية.

الظواهر الكونية والطبيعية كلها تحمل علاقة ظاهرة بسبب، مسبّب بسبب، نتيجة بمقدمات، هذه العلاقة موجودة فيگ كل الظواهر الكونية والطبيعية، الغليان ظاهرة طبيعية مرتبطة بظروف معينة، بدرجة حرارة معينة، بدرجة معينة من قرب هذا الماء من النار، هذا الارتباط ارتباط المسبب بالسبب، العلاقة هنا علاقة السببية، علاقة الحاضر بالماضي، بالظروف المسبقة المنجزة، لكن هناك ظواهر على الساحة التاريخية تحمل علاقة من نمط آخر وهي علاقة ظاهرة بهدف، علاقة نشاط بغاية أو ما يسميه الفلاسفة بالعلة الغائية، تمييزا عن العلة الفاعلية، هذه العلاقة علاقة جديدة متميزة، غليان الماء بالحرارة، يحمل علاقة مع سببه مع ماضيه لكن لا يحمل علاقة مع غاية ومع هدف ما لم يتحول إلى فعل إنساني والى جهد بشري بينما العمل الإنساني الهادف يحتوي على علاقة لا فقط مع السبب، لا فقط مع الماضي، بل مع الغاية التي هي غير موجودة حين انجاز هذا العمل، وإنما يترقب وجودها.

أي العلاقة هنا علاقة مع المستقبل لامع الماضي، الغاية دائما تمثل المستقبل بالنسبة إلى العمل، بينما السبب يمثل الماضي بالنسبة إلى هذا العمل.

فالعلاقة التي يتميز بها العمل التاريخي، العمل الذي تحكمه سنن التاريخ هو انه عمل هادف، عمل يرتبط بعلة غائية سواء كانت هذه الغاية صالحة أو طالحة، نظيفة أو غير نظيفة، على أي حال هذا يعتبر عملا هادفا، يعتبر نشاطا تاريخيا، يدخل في نطاق سنن التاريخ، على هذا الأساس وهذه الغايات التي يرتبط بها هذا العمل الهادف المسؤول، هذه الغايات التي يرتبط بها هذا العمل الهادف المسؤول، هذه الغايات حيث إنها مستقبلية بالنسبة إلى العمل، فهي تؤثر من خلال وجودها الذهني في العامل لا محالة، لأنها بوجودها الخارجي، بوجودها الواقعي، طموح وتطلع إلى المستقبل، ليست موجودة وجودا حقيقيا وإنما تؤثر من خلال وجودها الذهني في الفاعل.

إذن فالمستقبل أو الهدف الذي يشكل الغاية للنشاط التاريخي يؤثر في تحريك هذا النشاط وفي بلورة هذا النشاط من خلال الوجود الذهني أي من خلال الفكر الذي يتمثل فيه الوجود الذهني للغاية ضمن شروط ومواصفات، حينئذ يؤثر في إيجاد هذا النشاط، إذن حصلنا الآن على مميز نوعي للعمل التاريخي لظاهرة على الساحة التاريخية هذا المميز غير موجود بالنسبة إلى سائر الظواهر الأخرى على ساحات الطبيعة المختلفة، هذا المميز ظهور علاقة فعل بغاية، نشاط بهدف بالتعبير بالتفسير الفلسفي، ظهور دور العلة الغائية، كون هذا الفعل من خلال الوجود الذهني الذي يرسم للفاعل غايته أي من خلال الفكر اذن هذا هو في الحقيقة دائرة السنن النوعية للتاريخ.

السنن النوعية للتاريخ موضوعها ذلك الجز من الساحة التاريخية الذي يمثل عملا له غاية، عملا يحمل علاقة اضافية إلى العلاقات الموجود ة في الظواهر الطبيعية وهي العلاقة بالغاية والهدف، بالعلة الغائية.

لكن ينبغي هنا أيضاً انه ليس كل عمل له غاية فهو عمل تاريخي، هو عمل تجري عليه سنن التاريخ بل يوجد بعد ثالث لابد أن يتوفر لهذا العمل لكي يكون عملا تاريخيا أي عملا تحكمه سنن التاريخ.

البعد الأول كان هو «السبب» والبعد الثاني كان هو الغاية «الهدف»، لابد من بعد ثالث لكي يكون بهذا العمل داخلا في نطاق سنن التاريخ، هذا البعد الثالث هو أن يكون لهذا العمل أرضية تتجاوز ذات العامل، أن تكون أرضية العمل هي عبارة عن المجتمع، العمل الذي يخلق موجا، هذا الموج يتعدى الفاعل نفسه، ويكون أرضيته الجماعة التي يكون هذا الفرد جزا منها، طبعا الأمواج على اختلاف درجاتها هناك موج محدود، هناك موج كبير.

لكن العمل لا يكون عملا تاريخيا إلاّ إذا كان له موج يتعدى حدود العامل الفردي، قد يأكل الفرد إذا جاع، قد يشرب إذا عطش، قد ينام إذا أحس بحاجته إلى النوم، لكن هذه الأعمال على الرغم من إنها أعمال هادفة أيضاً، تريد أن تحقق غايات ولكنها أعمال لا يمتد موجها أكثر من العامل خلافا لعمل يقوم به الإنسان من خلال نشاط اجتماعي وعلاقات متبادلة مع أفراد جماعته.

التاجر حينما يعمل عملا تجاريا.

القائد حينما يعمل عملا حربيا.

السياسي حينما يمارس عملا سياسيا.

المفكر حينما يتبنى وجهة نظر في الكون والحياة.

هذه الاعمال لها موج يتعدى شخص العامل، هذا الموج يتخذ من المجتمع أرضية له، ويمكننا أيضاً أن نستعين بمصطلحات الفلاسفة فنقول: المجتمع يشكل علة مادية لهذا العمل، نتذكر من مصطلحات الفلاسفد التمييز الارسطي ببين العلة الفاعلية والعلة الغائية والعلة المادية، هنا نستعين بهذه المصطلحات لتوضيح الفكرة.

يعني المجتمع يشكل علة مادية لهذا العمل، أرضية العمل، في حالة من هذا القبيل يعتبر هذا العمل عملا تاريخيا، يعتبر عملا للامة وللمجتمع وان كان الفاعل المباشر في جملة من الاحيان لايكون إلاّ فرد واحد أو عدد من الافراد ولكن باعتبار الموج يعتبر عمل المجتمع، اذن العمل التاريخي الذي تحكمه سنن التاريخ هو العمل الذي يكون حاملا لعلاقة مع هدف وغآية، ويكون في نفس الوقت ذا أرضية أوسع من حدود الفرد، ذا موج يتخذ من المجتمع علة مادية له وبهذا يكون عمل المجتمع.

وفي القرآن الكريم نجد تمييزا بين عمل الفرد وعمل المجتمع ونلاحظ في القرآن الكريم انه من خلال استعراضه للكتب الغيبية الاحصائية تحدث القرآن عن كتاب للفرد وتحدث عن كتاب للامة، عن كتاب يحصي على الفرد عمله، وعن كتاب يحصي على الامة عملها، وهذا تمييز دقيق بين العمل الفردي الذي ينسب إلى الفرد وبين عمل الامة، اي العمل الذي له ثلاثة ابعاد، والعمل الذي له بعدان، العمل الذي له بعدان لايدخل إلاّ في كتاب الفرد واما العمل الذي له ثلاثة ابعاد فلهو يدخل في الكتابين معاً باعتبار البعدين في كتاب الفرد ويحاسب الفرد عليه وباعتبار البعد الثالث يدخل في كتاب الامة ويعرض على الامة وتحاسب الامة على أساسة.

لاحظوا قوله سبحانه وتعالى (وترى كلّ أمّة جاثيةً كلّ أمّة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعلمون.

هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ انا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون)(47)، هنا القرآن الكريم يتحدث عن كتاب للامة، أمة جاثية بين يدي ربها ويقدم لها كتابها، يقدم لها سجل نشاطها و حياتها التي مارستها كأمة، هذا العمل الهادف ذو الابعاد الثلاثة يحتويه هذا الكتاب، وهذا الكتاب ـ انظرو إلى العبارة ـ يقول (انّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون) هذا الكتاب ليس تاريخ الطبيري لايسجل الوقائع الطبيعية، الفسلجيّة، الفيزيائية إنما يحدد ويستنسخ ما كانوا يعملون كأمة.

ما كانت الامة تعمله كأنه يعني العمل الهادف ذو الموج بحيث ينسب للامة وتكون الامة مدعوة إلى كتابها.

هذا العمل هو الذي يحويه هذا الكتاب.

بينما في آية اخرى نلاحظ قوله سبحانه وتعالى (وكلّ انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً، إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)(48) هنا الموقف يختلف، هنا كل انسان مرهون بكتابه، لكل انسان كتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة من اعماله من حسناته وسيئاته من هفواته وسقطاته من صعوده ونزوله إلاّ وهو محصي في ذلك الكتاب، الكتاب الذي كتب بعلم من لايعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض والسماء.

كل انسان قد يفكر ان بامكانه ان يخفي نقطد ضعف، ان يخفي ذنبا، ان يخفي سيئة عن جيرانه عن قومه عن امته، عن اولاده، قد يحاول ان يخفي حتى عن نفسه، يخدع نفسه ويرى نفسه انه لم يرتكب سيئة ولكن هذا الكتاب الحق لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلاّ أحصاها، في ذلك اليوم يقال انت حاسب نفسك الان هذه الاعمال التي مارستها سوف تواجهها في هذا الكتاب ان تحكم على نفسك بموازين ومقاييس الحق في يوم القيامة في ذلك اليوم لايمكن لاي انسان ان يخفي شيئا عن الموقف، عن اللّه سبحانه وتعالى، عن نفسه هذا كتاب الفرد وذاك كتاب الامة.

هناك كتاب لامة جاثية بين يدي ربها، وهنا لكل فرد كتاب.

هذا التمييز النوعي القرآني بين كتاب الامة وكتاب الفرد هو تعبير آخر عما قلناه من ان العمل التاريخي هو ذاك العمل الذي يتمثل في كتاب الامة.

العمل الذي له ابعاد ثلاثة.

بل ان الذي يستظهر ويلاحظ من عدد آخر من الايات القرآنية الكريمة انه ليس فقط يوجد كتاب للفرد ويوجد كتاب للامة بل يوجد احضار للفرد ويوجد احضار للامة، هناك احضار ان بين يدي اللّه سبحانه وتعالى الاحضار الفردي يأتي فيه كل انسان فردا فردا، لايملك ناصر او لا معينا، لايملك شيئا يستعين به في ذلك الموقف إلاّ العمل الصالح والقلب السليم و الايمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله، هذا هو الاحضار الفردي.

قال اللّه تعالى (ان كلّ من في للسّموات والأرض الاّاتي الرّحمن عبدا، لقد احصاهم وعدّهم عدّاً وكلّهم آتيه يوم القيامة فرداً)(49) هذا الاحضار هو احضار فردي بين يدي اللّه تعالى.

وهناك احضار آخر، احضار للفرد في وسط الجماعة، احضار للامة بين يدي اللّه سبحانه وتعالى كما يوجد هناك سجلان، كذلك يوجد احضاران كما تقدم، ترى كل امة جاثية كل امة تدعى إلى كتابها، ذاك احضار للجماعة، والمستأنس به من سياق الايات الكريمة ان هذا الاحضار الثاني يكون من اجل اعادة العلاقات إلى نصابها الحق، العلاقات من داخل كل امة قد تكون غير قائمة على اساس الحق، قد يكون الإنسان المستضعف فيها جديرا بأن يكون في اعلى الامة، هذه الامة تعاد فيها العلاقات إلى نصابها الحق.

هذا هو الشي الذي سماه القرآن الكريم بيوم التغابن، كيف يحصل التغابن؟ يحصل التغابن عن طريق اجتماع المجموعة ثم كل انسان كان مغبونا في موقعه في الامة، في وجوده في الامة، بقدر ما كان مغبونا في موقعه في الامد يأخذ حقه، يأخذ حقه يوم لاكلمة إلاّ للحق.

اسمعوا قوله تعالى (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التّغابن)(50.) اذن فهناك سجلان:

هناك سجل لعمل الفرد، وهناك سجل لعمل الامة وعمل الامة هو عبارة عما قلناه من العمل الذي يكون له ثلاث ابعاد، بعد من ناحية العامل ما يسميه ارسطو ب‍‍«العلة الفاعلية»، بعد من ناحية الهدف مايسميه ارسطوا ب‍‍«العلة الغائية»، بعد من ناحية الارضية وامتداد الموج ما يسمونه ب‍‍«العلة المادية».

هذا العمل ذوالابعاد الثلاثة هو موضوع سنن التاريخ، هذا هو عمل المجتمع.

لكن لاينبغي ان يوهم ذلك ما توهمه عدد من المفكرين الفلاسفة الاوروبيين من ان المجتمع كائن عملاق له وجود وحدوي عضوي متميز عن سائر الافراد وكل فرد فرد ليس الابمثابة الخليفة في هذا العملاق الكبير، هكذا تصور هيجل مثلا وجملة من الفلاسفة الاوروبيين، تصوروا عمل المجتمع بهذا النحو، ارادوا أن يميزوا بين عمل المجتمع وعمل الفرد فقالوا بأنه يوجد عندنا كائن عضوي واحد عملاق هذا الكائن الواحد هو في الحقيقة يلف في احشائه كل الافراد تندمج في كيانه كل الافراد، كل فرد يشكل خلية في هذا العملاق الواحد، وهو يتخذ من كل فرد نافذة على الواقع على العالم بقدر مايمكن ان يجسد في هذا الفرد من قابلياته هو، ومن ابداعه هو، اذن كل قابليد وكل ابداع، وكل فكرة هو قابلية ذلك العملاق وابداع ذلك العملاق وفكر ذلك العملاق الطاغية وكل فرد إنما هو تعبير عن نافذة من النوافذ التي يعبر عنها ذلك العملاق الهيجلي.

هذا التصور اعتقد به جملة من الفلاسفة الاوروبيين تامييزا لعمل المجتمع عن عمل الفرد إلاّ ان هذا التصور ليس صحيحا، ولسنا بحاجد اليه، إلى الاغراق في الخيال إلى هذه الدرجة لكي ننحت هذا العملاق الاسطوري من هؤلاء الافراد، ليس عندنا إلاّ الافراد إلاّ زيدوبكروخالد، ليس عندنا ذلك العملاق المستتر من ورائهم، طبعا مناقشة هيجل من الزاوية الفلسفية يخرج من حدود هذا البحث، متروك إلى بحث آخر لان هذا التفسير الهيجلي للممجتمع مرتبط بحسب الحقيقة بكامل الهيكل النظري لفلسفته، إلاّ ان الشي الذي نريد أن نعرفه، نعرف موقع اقدامنا من هذا التصور، هذا التصور ليس صحيحا، نحن لسنا بحاجة إلى مثل هذا الافتراض الاسطوري، لكي نميز بين عمل الفرد وعمل المجتمع، التمييز بين عمل الفرد وعمل الفرد هو العمل الذي يكون له بعد ان فان اكتسب بعدا ثالثا كان عمل المجتمع، باعتبار ان المجتمع يشكل أرضية له، يشكل علة مادية له، يدخل حينئذ في سجل كتاب الامة الجاثية بين يدي ربها.

هذا هو ميزان الفرق بين العملين.

اذن الشيء الذي نستخلصه مما تقدم ان موضوع السنن التاريخية هو العمل الهادف الذي يشكل أرضية ويتخذ من المجتمع أو الامة أرضيه له على اختلاف سعة الموجة وضيق الموجة اتساعها وضيقها هذا هو موضوع السنن التاريخية.

بسم الله الرحمن الرحيم

وافضل الصلوات على سيد الخلق محمد و على الهداة الميامين من آله الطاهرين حان الاوان لكي نتعرف على الصيغ المتنوعة التي تتخذها السنة التاريخية القرآنية.

كيف يتم التعبير موضوعيا عن القانون التاريخي في القرآن الكريم؟

ما هي الاشكال التي تتخذها سنن التاريخ في مفهوم القرآن الكريم؟

هناك ثالثة أشكال تتخذها السنة التاريخية في القرآن الكريم، لابد من استعراضها ومقارنتها والتدقيق في أوجه الفرق بينها.

الشكل الاول للسنة التاريخية هو: شكل القضية الشرطية، في هذا الشكل تتمثل السنة التاريخية في قضية شرطية تربط بين حادثتين او مجموعتين من الحوادث على الساحة التاريخية، وتؤكد العلاقة الموضوعية بين الشرط والجزاء، وانه متى ما تحقق الشرط تحقق الجزاء.

وهذه صياغة نجدها في كثير من القوانين والسنن الطبيعية والكونية في مختلف الساحات الاخرى.

فمثلاً حينما نتحدث عن قانون طبيعي لغليان الماء، نتحدث بلغة القضية الشرطية، نقول بأن المائ‍ إذا تعرض إلى الحرارة وبلغت الحرارة درجة معينة مائة مثلا في مستوى معين من الغط، حينئذ سوف يحدث الغليان، هذا قانون طبيعى يربط بين الشرط والجزاء ويؤكد ان حالة التعرض إلى الحرارة، ضمن مواصفات معينة تذكر في طرف الشرط تستتبع حادثد طبيعية معينة، وهي غليان هذا الماء، تحول هذا الماء من سائل إلى غاز، هذا القانون مصاغ على نهج القضية الشرطية ومن الواضح ان هذا القانون الطبيعي لا ينبئنا شيئا عن تحقق الشرط وعدم تحققه، لاينبئنا هذا القانون الطبيعي عن ان الماء هل سوف يتعرض للحرارة او لا يتعرض للحرارة؟ هل ان حرارة الماء ترتفع إلى الدرجة المطلوبة ضمن هذا القانون او لا ترتفع؟ هذا القانون لا يتعرض إلى مدى وجود الشرط وعدم وجوده، ولا ينبئنا بشٍّ عن تحقق الشرط‍ ايجابا او سلبا، وإنما ينبئنا عن ان الجزاء لاينفك عن الشرط، متى ما وجد الشرط‍ بوجد الجزاء، فالغليان نتيجة مرتبطة موضوعيا بالشرط هذا تمام ما ينبئنا عنه هذا القانون المصاغ بلغة القضية الشرطية.

ومثل هذه القوانين تقدم خدمة كبيرة للانسان في حياته الاعتيادية وتلعب دورا عظيما في توجيه الإنسان، لان الإنسان ضمن تعرفه على هذه القوانين يصبح بامكانه ان يتصرف بالنسبة إلى الجزاء، ففي كل حالة يرى انه بحاجة إلى الجزاء يعمل هذا القانون يوفر شروط هذا القانون، ففي كل حالة يكون الجزاء متعارضا مع مصالحه ومشاعره يحاول الحيلولة دون توفر شروط هذا القانون، متى ما كان غليان الماء مقصودا للانسان يطبق شروط هذا القانون، ومتى لم يكن مقصودا للانسان يحاول ان لا تتطّبق شروط هذا القانون.

اذن القانون الموضوع بنهج القضية الشرطية موجه عملي للانسان في حياته.

ومن هنا تتجلى حكمة اللّه سبحانه وتعالى في صياغة نظام الكون على مستوى القوانين وعلى مستوى الروابط المضطردة والسنن الثابته، لان صياغة الكون ضمن روابط مضطردة وعلاقات ثابتة هو الذي يجعل الإنسان يتعرف على موضع قدميه، وعلى الوسائل التي يجب ان يسلكها في سبيل تكييف بيئته وحياته والوصول إلى اشباع حاجته، لو ان الغليان في الماء كان يحدث صدفة ومن دون رابطة قانونية مضطربدة مع حادثة اخرى كالحرارة، اذن لما استطاع الإنسان ان يتحكم في هذه الظاهرة، ان يخلق هذه الظاهرة متى ما كانت حياته بحاجة اليها، وان يتفاداها متى ما كانت حياته بحاجة إلى تفاديها، إنما كان له هذه القدرة باعتبارب ان هذه الظاهرة وضعت في موضع ثابت من سنن الكون وطرح على الإنسان القانون الطبيعي بلغة القضية الشرطية فأصبح ينظر في نور لافي ظلام ويستطيع في ضوء هذا القانون الطبيعي ان يتصرف، نفس الشي نجده في الشكل الاول من السنن التاريخية القرآنية فان عددا كبيرا من السنن التاريخية في القرآن قد تمت صياغته على شكل القضية الشرطيد التي تربط ما بين حادثتين اجتماعيتين او تاريخيتين فهي لاتتحدث عن الحادثة الأولى انها متى توجد، ومتى لاتوجد لكن تتحدث عن الحادثة الثانية بأنه متى ما وجدت الحادثة الأولى، وجدت الحادثة الثانية.

قرأنا في ماسبق استعراضا للايات الكريمة التي تدل على سنن التاريخ في القرآن: جملة من تلك الايات الكريمة مفادها هو السنة التاريخية بلغة القضية الشرطية.

تتذكرون ما قرأناه سابقا (انّ اللّه لايغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم)(51)، هذه السنة التاريخية للقرآن والتي تقدم الكلام عنها ويأتي انشاءاللّه الحديث عن شرح محتواها، هذه السنة التاريخية للقرآن بينت بلغة القضية الشرطية لان مرجع هذا المفاد القرآني إلى ان هناك علاقة بين تغييرين: بين تغيير المحتوى الداخلي للانسان وتغيير الوضع الظاهري للبشرية والإنسانية، مفاد هذه العلاقد قضيد شرطية، انه متى ما وجد ذاك التغيير في أنفس القوم وجد هذا التغيير في بناء القوم وكيان القوم، هذه القضية قضية شرطية بيّن القانون فيها بلغة القضية الشرطية، (وان لو استقاموا على الطّريقة لاسقيناهم ماءاً غدقاً)(52.) قلنا في ما سبق ان هذه الآية الكريمة تتحدث عن سنة من سنن التاريخ، عن سنة تربط وفرة الانتاج بعدالة التوزيع هذه السنة أيضاً هي بلغة القضية الشرطية كما هو الواضح من صياغتها النحوية أيضاً، (واذا أردنا ان نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميراً)(53.) ايضا سنة تاريخية بينت بلغة القضية الشرطية ربطت بين امرين، بين تأمير الفساق والمترفين في المجتمع، وبين دمار ذلك المجتمع وانحلاله، هذا القانون التاريخي أيضاً مبين على نهج القضية الشرطية، فهو لايبين انه متى يوجد الشرط، لكن يبين متى ما وجد هذا الشرط يوجد الجزاء، هذا هو الشكل الاول من اشكال السنة التاريخية في القرآن.

الشكل الثاني: الذي تتخذه السنن التاريخية شكل القضية الفعلية الناجزة الوجودية المحققة.

وهذا الشكل أيضاً نجد له امثله وشواهد في القوانين الطبيعية والكونية.

مثلا: العالم الفلكي حينما يصدر حكما علميا على ضوء قوانين مسارات الفلك بأن الشمس سوف تنكسف في اليوم الفلاني أو أن القمر سوف ينخسف في اليوم الفلانى، هذا قانون علمي وقضية علمية، إلاّ أنها قضية وجودية ناجزة، ليسست قضية شرطية، لايملك الإنسان اتجاه هذه القضية أن يغير من ظروفها وأن يعدل من شروطها، لانها لم تبين كلغة قضية شرطية، وإنما بينت على مستوى القضية الفعلية الوجودية، الشمس سوف تنكسف، القمر سوف ينخسف، هذه قضية فعلية تنظر إلى الزمان الاتي وتخبر عن وقوع هذه الحادثة على أي حال.

كذلك القرارات العلمية التي تصدر عن الانواء الجوية، المطر ينهمر على المنطقة الفلانية، هذا أيضاً يعبر عن قضية فعلية وجودية لم تصغ بلغة القضية الشرطية، وإنما صيغت بلغة التنجيز، والتحقيق بلحاظ مكان معين وزمان معين هذا هو الشكل الثاني من السنن التاريخية وسوف اذكر فيما بعد انشاءاللّه تعالى عند تحليل عناصر المجتمع إلى أمثلة هذا الشكل من القرآن الكريم.

هذا الشكل من السنن التاريخية هو الذي أوحى في الفكر الاوروبي بتوهم التعارض بين فكرة سنن التاريخ وفكرة اختيار الإنسان وارادته، نشاء هذا التوهم الخاطئ الذي يقول بأن فكرة سنن التاريخ لايمكن أن تجتمع إلى جانب فكرة اختيار الإنسان لان سنن التاريخ هي التي تنظم مسسار الإنسان وحياة الإنسان اذن ماذا يبقى لارادة الإنسان؟ هذا التوهم أدى إلى أن بعض المفكرين يذهب إلى ان الإنسان له دور سلبي فقط‍ حفاظا على سنن التاريخ وعلى موضوعية هذه السنن، ضحّى باختيار الإنسان من أجل الحفاظ على سنن التاريخ فقال بأن الإنسان دوره دور سلبي وليس دورا ايجابيا، يتحرك كما تتحرك ت الالة وفقا لظروفها الموضوعية،، ولعله يأتي بعض التفصيل أيضاً عن هذه الفكرة.

وذهب بعض آخر في مقام التوفيق ما بين هاتين الفكرتين ولو ظاهريا إلى أن اختيار الإنسان نفسه هو أيضاً يخضع لسنن التاريخ ولقوانين التاريخ، لانضحي باختيار الإنسان، لكن نقول بان اختيار الإنسان لنفسه حادثة تاريخية أيضاً، اذن هو بدوره يخضع للسنن هذه تضحية باختيار الإنسان لكن بصورة مبطنة، بصورة غير مكشوفة.

وذهب بعض آخر إلى التضحية بسنن التاريخ لحساب اختيار الإنسان فذهب جملة من المفكرين الاوروبيين إلى أنه ما دام الإنسان مختارا فلابد من أن تستثنى الساحة التاريخية من الساحات الكونية في مقام التقنين الموضوعي، لابد وان يقال بأنه لاسنن موضوعية للساحة التاريخية حفاظا على ارادة الإنسان وعلى اختيار الإنسان.

وهذه المواقف كلها خاطئة لانها جميعا تقوم على ذلك الوهم الخاطئ، وهم الاعتقاد بوجود تناقض أساسي بين مقولة السنة التاريخية ومقولة الاختيار، وهذا التوهم نشأمن قصر النظر على السنة التاريخية المصاغة بلغة القضية الفعلية الوجودية الناجزة، لوكنا نقصر النظر على هذا الشكل من سنن التاريخ ولو كنا نقول بأن هذا الشكل هو الذي يستوعب كل الساحة التاريخية لايبقي فراغا لذي فراغ، لكان هذا التوهم واردا، ولكنا يمكننا ابطال هذا التوهم عن طريق الالتفات إلى الشكل الاول من اشكال السنة التاريخية الذي تصاغ في السنة التاريخية بوصفها قضية شرطية، وكثيرا ماتكون هذه القضية الشرطية في شرطها معبرة عن ارادة الإنسان واختيار الإنسان، يعني ان اختيار الإنسان يمثل محور القضية الشرطية شرط القضية الشرطية اذن فالقضية الشرطية كالامثلبة التي ذكرناها من القرآن الكريم تتحدث عن علاقة بين الشرط والجزاء، لكن ما هو الشرط؟ الشرط: هو فعل الإنسان، هو ارادة الإنسان (انّ اللّه لايغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم)(54)، التغيير هنا أسند اليهم فهو فعلهم، ابداعهم وارادتهم.

اذن السنة التاريخية حينما تصاغ بلغة القضية الشرطية وحينما يحتل ابداع الإنسان واختياره موضوع الشرط في هذه القضية الشرطية، في مثل هذه الحالة تصبح هذه السنة متلائمة تماما مع اختيار الإنسان، بل إن السنة حينئذ تطغي اختيار الإنسان، تزيده اختيارا وقدرة وتمكنا من التصرف في موقفه، كيف أن ذلك القانون الطبيعي للغليان كان يزيد من قدرة الإنسان لانه يستطيع حينئذ ان يتحكم في الغليان بعد أن عرف شروطه وظروفه، كذلك السنن التاريخية ذات الصيغ الشرطية، هي في الحقيقة ليست على حساب ارادة الإنسان وليست نقيصا لاختيار الإنسان بل هي مؤكدة لاختيار الإنسان، توضح للانسان نتائج الاختيار لكي يستطيع أن يقتبس ما يريده من هذه النتائج، لكي يستطيع ان يتعرف على الطريق الذي يسلك به إلى هذه النتيجة او إلى تلك النتيجة فيسير على ضوء وكتاب منير.