جمادي الآخر أو جمادي الأولى أو خامس منشعبان سنة ثمان وثلاثين أو ست وثلاثين،وكان زين العابدين (عليه السلام) يفتخرويقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآلهوسلّم): إنّ لله من عباده خيرتين; فخيرته منالعرب قريش ومن العجم فارس، وأنا ابنالخيرتين، وأنشأ أبو الأسود:
كان (عليه السلام) أشرف الناس حسباًوأكرمهم نسباً وأعظمهم شأناً وأعلاهمقدراً:
قال عمر بن عبدالعزيز يوماً لأصحابهوجلسائه وقد قام من عنده عليّ بن الحسين(عليه السلام): من أشرف الناس؟ فقالوا:أنتم. فقال: كلاّ، أشرف الناس هذا القائممن عندي آنفاً; من أحبّ الناس أن يكونوامنه، ولم يحبّ أن يكون من أحد.
أقول: وله من المفاخر والمناقب ما قصراللسان عن بيانه، وظهر منه من كرم أخلاقهوعبادته ما يعجز البشر عن إتيانه، أحببتأن أقتصر في هذا المقام بذكر قصيدة أنشأهاأبو فراس الشاعر المسمّى بـ«فرزدق» فيمحضر هشام بن عبدالملك لعنه الله، وذلكأنّ هشام لعنه الله حجّ في سنة من السنين،فلم يقدر على الإستلام من الزحام، فنصب لهمنبراً، وجلس عليه، وأطاف به أهل الشام،فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين(عليه السلام) وعليه إزار ورداء من أحسنالناس وجهاً وأطيبهم رائحة بين عينيهسجّادة، فجعل يطوف، فإذا بلغ إلى الحجرتنحّى الناس هيبة له حتى يستلمه، فقالشامي: من هذا يا أميرالمؤمنين؟ فقال هشام:لا أعرفه، لئلاّ يرغب فيه أهل الشام، فقالالفرزدق وكان حاضراً: أنا أعرفه، فأنشأهذه القصيدة: