جميع أرصدته المالية التي حصل عليها أيام حكومة عثمان، فجعلها تحت تصرف المعارضين فاشتروا جميع أدوات الحرب ووهبوا الكثير من الاموال للمرتزقة وقد اندلعت بذلك نار الحرب التي اسماها بعض المؤرخين بحرب الجمل، وقد أسرع الامام اليها فاخمد نارها، وقضى على معالمها، إلا انها اسفرت عن أفدح الخسائر التي مني بها المسلمون، فقد فتحت باب الحرب بين المسلمين، ومهدت الطريق إلى معاوية أن يعلن تمرده على الامام، ويناجزه أعنف الحروب، وأشدها ضراوة . وأخذت الاحداث الجسام يتصل بعضها ببعض، ويتفرغ بعضها على بعض حتى انتهت بمقتل الامام أمير المؤمنين، وخذلان ولده الحسن وانتصار القوى الحاقدة على الاسلام، ويعرض هذا الكتاب الى تفصيل ذلك بصورة موضوعية بما لا تحيز فيه. - 3 - ونجحت الاموية باساليبها الماكرة، وبما استخدمته من وسائل دبلوماسيتها الغادرة في الاستيلاء على السلطة في البلاد، وظهرت على الصعيد الاسلامي دولة الامويين بقيادة زعيمهم معاوية بن أبي سفيان القائد الاول لجميع عمليات الحروب التي ناهضت الاسلام حينما فجر المعلم والقائد الرسول (ص ) دعوته الخلافة الهادفة لتطوير الوعي الاجتماعي، وتاسيس مجتمع يقوم على العدل والمساواة . ووقعت الامة فريسة تحت أنياب الامويين، واستسلمت لحكم إرهابي عنيف تتصاعد فيه الاحقاد والاضغان على قيم الامة ومكوناتها الفكرية والاجتماعية، وإزالة ما حققه الاسلام من المكاسب على الصعيد الاقتصادي والسياسي والتربوي . واتجهت السياسية الاموية تضع المخططات الرهيبة للقضاء على مقومات الامة، واستئصال أرصدتها الروحية والفكرية، وكان من أفجع وأقسى ما اتخدته من المقررات السياسية ما يلي : أ - الحط من قيمة أهل البيت الذين هم مركز الوعي الاجتماعي في الاسلام، والعصب الحساس في جسم الامة الذي يمدها بالنهوض والارتقاء وقد سخرت السلطة جميع أجهزتها السياسية والاقتصادية، وسائر امكانياتها الاخرى لتحويل قلوب المسلمين عن أهل البيت وفرض بغضهم على واقع الحياة الاسلامية، وجعله جزءا لا يتجزء من الاسلام، وقد استخدمت في هذا السبيل أجهزة التربية والتعليم، وأجهزة الوعظ والارشاد وغيرها ، واتخذت سب العترة على المنابر فرضا واجبا تحاسب عليه وتنزل أقصى العقوبات على من يتهاون في أدائه . ب - ابادة العناصر الواعية في الاسلام، والتي تربت على هديه وواقعه فقد ساقت الى ساحات المجازر أعلام الاسلام كحجر بن عدي وميثم التمار ورشيد الهجري، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وأمثالهم من الذين يملكون القدرة على التوجيه الاجتماعي، والقابلية على صيانة الامة من الانحراف والسلوك في المنعطفات، وتذرعت السلطة في سفك دمائهم من أنهم خلعوا يد الطاعة، وفارقوا الجماعة، ولم يكن لذلك أي نصيب من الصحة، وإنما رؤا الاتجاه السياسي يتصادم مع الدين، ويتصادم مع مصالح الامة فامروا السلطة بالاستقامة والخلود الى التوازن، ومجافاة الاضرار بمصالح المجتمع، فاستباحت من أجل ذلك دمائهم . ج - تغيير الواقع المشرق للاسلام، وقلب جميع مفاهيمه ومقوماته ، وتدنيسه بالخرافات والاوهام حتى تشل طاقاته، ويصبح عاجزا عن مسايرة الحياة، والانطلاق مع الانسان لتنمية ملكاته، وقدراته وتطوير وسائل حياته ووضعت الحكومة لجان الوضع، ورصدت لها الاموال الهائلة لتضع الاحاديث على لسان المنقذ العظيم الرسول (ص) لتكون من بنود التشريع وتلحق بقافلة السنة التي هي من مدارك الاحكام، وقد راح الوضاعون يلفقون الاكاذيب، وينسبونها للنبي (ص) وكثير مما وضعوه يتنافى مع منطق العقل، ويتجافى مع سنن الحياة، ومن المؤسف أنها دونت في كتب السنة، ودرجت في كتب الاخبار، مما اضظر بعض تلك المسلمون فانه لم يكن الابتلاء به آنيا من الزمن، وانما ظل مستمرا مع امتداد التاريخ فقد تفاعلت تلك الموضوعات مع حياة الكثيرين من المسلمين، وظلوا متمسكين بها على أنها جزء من دينهم، وقد وضعت الحواجز في نمو المواهب وانطلاق الفكر، كما بقيت حجر عثرة في طريق التطور والابداع الذي يريده الاسلام لابنائه . - 4 - وعانى الانسان المسلم في عهد معاوية ضروبا شاقة وعسيرة من المحن والبلوى، فقد جهدت حكومة معاوية على نشر الظلم والجور في جميع أرجاء البلاد، وعهدت بامور المسلمين الى الجلادين والجزارين أمثال زياد بن أبيه وبسر بن أبي ارطاة، وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة، وأمثال هؤلاء من أرجاس البشرية، وقد صبوا على الناس وابلا