من له کتاب عن یوم الجمل

مشتاق طالب محمد

نسخه متنی -صفحه : 53/ 27
نمايش فراداده

17

عبرة بتوثيق من وثقه كيزيد و أبي عبيد و الصاغاني و الحربي و معن و تمام عشرة محدثين. إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، و أن حديثه في عداد الواهي رحمه الله ".

و قد انتقدوه في أشياء عديدة، و لكن عند التمحيص في هذه الانتقادات يتبين أنه أقرب إلى أن يكون مظلوما ً فيها.

فمن ذلك أن سنيد بن داود قال: كنا عند هشيم فدخل الواقدي، فسأله هشيم عن باب (من أبواب الفقه) ما يحفظ فيه؟.

فقال له الواقدي: ما عندك يا أبا معاوية؟

فذكر خمسة أو ستة أحاديث في الباب، ثم قال للواقدي: ما عندك؟

فحدثه ثلاثين حديثا ً عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أصحابه و التابعين، ثم قال: سألت مالكا ً، و سألت ابن أبي ذئب، و سألت و سألت....

فرأيت وجه هشيم يتغير. و قام الواقدي فخرج. فقال هشيم: لئن كان كذابا ً فما في الدنيا مثله، و إن كان صادقا ً فما في الدنيا مثله.

و واضح من هذه الرواية أن الواقدي أثبت لتلاميذ هشيم أن لديه من العلم أكثر كثيرا ً مما لدى أستاذهم، فتضايق هشيم من أجل ذلك. و لو كان لهشيم حجة لرد الواقدي في وجهه و لم ينتظر حتى يخرج ليقول عنه كلمة يتطاير منها شرر الحسد.

و منها أن هناك حديثا ً للزهري عن نبهان عن أم سلمة. و قد روى الواقدي هذا الحديث عن معمر عن الزهري. فاستعظم أحمد بن حنبل ذلك، و أصر على أن هذا الحديث لم يروه عن الزهري أحد غير يونس. ثم صار أحمد يشنع على الواقدي في ذلك قائلا ً: لم نزل ندافع أمر الواقدي حتى جاء بشيء لا حيلة فيه، فهذا حديث يونس ما رواه غيره عن الزهري. بل وصل الأمر بأحمد بن حنبل أنه كتب إلى ابن المديني قائلا ً: كيف تستحل تروي عن رجل يروي عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة؟

و قد أثبت عدد من علماء الحديث أن أحمد بن حنبل كان هو المخطئ، و أن هذا الحديث رواه آخرون غير معمر و يونس، منهم خالد بن عقيل. و أقروا أن هذا مما ظلم فيه الواقدي.

و مما أوخذ به الواقدي أنه كان سيء الحفظ للقرآن، و تروى في ذلك قصة مفادها أن المأمون طلب من الواقدي أن يصلي الجمعة غدا ً بالناس. فامتنع الواقدي، و أصر المأمون على طلبه. فاعتذر الواقدي بأنه لا يحفظ سورة الجمعة. فتبرع المأمون أن يحفظه إياها. و جعل يلقنه فكان الواقدي لا يحفظ شيئا ً حتى ينسى ما كان حفظه من قبل. و ظلا على هذا الحال حتى تعب المأمون و نعس، فطلب من علي بن صالح أن يحفظ الواقدي، و ذهب لينام. فلم يتغير الأمر كثيرا ً، فكلما حفـّظه علي شيئا ً نسي شيئا ً آخر. و استيقظ المأمون فوجد الأمر على ما تركه. فقال: هذا رجل يحفظ التأويل و لا يحفظ التنزيل، و أمره أن يذهب فيصلي بالناس و يقرأ أي سورة شاء.

و مع أن هذه الحكاية مرسلة، إلا أن الطريقة التي لجأ إليها الواقدي للتهرب من إمامة الناس يوم الجمعة طريقة اعتاد على اللجوء إليها كل من كان في موقف الواقدي. و مع الأسف الشديد لا تبين الرواية لنا الأسباب التي دعت المأمون إلى الإصرار على إمامة الواقدي لصلاة الجمعة، و لا الأسباب التي دعت الواقدي إلى الإصرار على الامتناع من ذلك. و على أية حال فالقصة لا تدل أبدا ً على أنه كان لا يحفظ القرآن.

و مما انتقدوا به الواقدي أن محمد بن عيسى الطباع قال: أخبرني أخي إسحاق أنه رأى الواقدي في طريق مكة يسيء الصلاة. و هذا كلام غير مقبول في حق من وصفوه بأنه أعلم الناس بفقه مالك و ابن أبي ذئب و اختلاف الناس. و لعله كان له رأي في بعض أفعال الصلاة يخالف ما كان يراه إسحاق، فاعتبره يسيء الصلاة. و هذا يحدث بين كثير من الناس إذا اختلفت مذاهبهم، فإنهم يتهمون بعضهم بعضا ً بإساءة الصلاة أو إساءة الحج أو إساءة الصوم و ما إلى ذلك.