الصفحة 3
و كان جابر كثير الرواية للحديث حتى قال عنه أبو حنيفة: " ما أتيته بشيء إلا جاءني بحديث ". و بالرغم من ذلك ورد في بعض الروايات أنه سمع من الإمام محمد الباقر (ع) 70 ألف حديث لم يحدث بها أحدا ً، و في روايات أخرى أنها 50ألف حديث، و في غيرها 30 ألفاً.
و ورد أنه قال للإمام محمد الباقر (ع): إنك قد حملتني وقرا ً عظيما ً بما حدثتني به من سركم الذي لا أحدث به أحدا ً فربما جاش في صدري حتى يأخذني منه شبه الجنون.
فقال له الإمام (ع): فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبان فاحفر حفيرة و دلّ رأسك فيها، ثم قل: حدثني محمد بن علي بكذا و كذا.
كما وردت روايات باطلاعه على معجزات حدثت للأئمة (ع)، أو أن معجزات حدثت له شخصيا ً، منها أنه رأى الإمام الباقر (ع) و قد صنع فيلا ً من طين فركبه و طار في الهواء فذهب إلى مكة عليه و عاد(8).
و منها أن بعض أهل الكوفة جاءوا إليه و طلبوا منه أن يعينهم في بناء مسجد ينوون بناءه، فرفض المساهمة في ذلك قائلا ً: ما كنت بالذي أعين في بناء شيء يقع منه رجل مؤمن فيموت. فتركوه و خرجوا من عنده و هم يتحدثون عنه باعتباره بخيلا ً و كذابا ً. فلما أتموا المال اللازم لبناء المسجد بدءوا بالبناء، فزلت قدم أحد العمال فوقع فمات.
و منها أنه كان يعرف كلام الحيوانات و يفهم ما تقول.
و منها أن رجلا ً وقع خاتمه في الماء من على جسر الكوفة فمد جابر يده إلى الماء، فأقبل الماء يعلو بعضه على بعض حتى اقترب منه الخاتم فتناوله و أخذه.
و غير ذلك من الأمور و الغرائب.
و علق السيد الخوئي على حديث المعجزات هذا قائلا ً: " هذا حديث موضوع لا شك في كذبه و رواته كلهم متهمون بالغلو و التفويض ".
و يبدو أن كل ذلك أثار الخلاف بين الناس حول مكانة جابر. فكان الشيعة يذهبون إلى الأئمة (ع) و يسألونهم عنه. و لكن الروايات تناقضت من حيث ردود الأئمة (ع) على الناس فورد في بعضها أنهم ترحموا عليه و اعتبروه صادقا ً، و في غيرها أنه تبرءوا منه و من أحاديثه. و يبدو أن الشيخ المفيد كان يضعّـف جابرا ً الجعفي و يقلل من شأنه، و اتبعه في ذلك تلميذه النجاشي. و قد جمع الكشي في ترجمته لجابر بن يزيد الروايات المادحة و الذامة، و علق العلامة الحلي على ذلك قائلا ً: " روى الكشي فيه مدحا ً و بعض الذم، و الطريقان ضعيفان ".
و علق الخوئي على كل هذه الروايات قائلا ً: " الذي ينبغي أن يقال أن الرجل لابد من عده من الثـقاة الأجلاء " و ناقش الروايات الذامة و بين أنها لا تقلل من مكانته و جلالته و أنه كان عنده من أسرار أهل البيت عليهم السلام.
و الخلاصة التي وصل إليها ابن الغضائري هي " أن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في نفسه، و لكن جل من روى عنه ضعيف، فممن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمرو الجعفي، و مفضل بن صالح، و السكوني، و منخل بن جميل الأسدي. و أرى الترك لما روى هؤلاء عنه، و الوقف في الباقي إلا ما خرج شاهدا ً ".
و من الجدير بالذكر هنا أن عمرو بن شمر المذكور آنفا ً هو الذي روى عنه الكشي حديث الأعاجيب و المعجزات، الذي أبى السيد الخوئي القبول به كما بينـّا قبل قليل.
و لا يقل اختلاف علماء الرجال السنة في جابر بن يزيد عن اختلاف علماء الرجال الشيعة فيه. فقد وثـقه جماعة، منهم سفيان الثوري الذي وصفه بأنه كان " ورعا ً في الحديث، ما رأيت أورع في الحديث من جابر "؛ و شعبة بن الحجاج الذي وصفه بأنه " صدوق في الحديث "، و قال عنه أيضا: " لا تنظروا إلى هؤلاء المجانين الذين يقعون في جابر، هل جاءوكم بأحد لم يلقه؟ "؛ و زهير بن معاوية الذي قال عنه: " كان جابر إذا قال سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس "؛ و وكيع بن الجراح الذي قال لأصحابه: " مهما شككتم في شيء
8 - محمد بن جرير الطبري ، دلائل الإمامة ، ص96 .