33
و قد وجدنا في كتبه الأخرى روايتين عن يوم الجمل. أولاهما بدون سند، و لكنها منسوبة للإمام الصادق (ع)، و فيها إدانة لشهادة الزور التي شهدها سبعون رجلا ً أمام عائشة أن المكان الذي كانت فيه ليس هو ماء الحوأب(123).
و الثانية رواية مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، حذر فيها نساءه من أن تكون إحداهن صاحبة الجمل الأذيب التي تنبحها كلاب الحوأب(124).
كنيته أبو عبد الله.
ولد في واسط، و يقال في عكبرى شمال بغداد، في سنة 336 هـ.
كان أبوه معلما ً، و لذلك كان من بين ألقابه " ابن المعلم ".
ما أن تجاوز المفيد سني الطفولة، و أتقن مبادئ القراءة و الكتابة حتى انحدر به أبوه إلى بغداد، و هناك دخل حلقات الدرس و التعليم، و لفت أنظار شيوخه و أساتذته بنباهته و قدرته على توجيه الأسئلة و إلزام الخصوم بأقوالهم. و يقال أن لقب الشيخ المفيد أطلق عليه في هذه المرحلة من حياته.
عاصر الشيخ المفيد الدولة البويهية، و ارتبط بزعمائها برابطة قوية، و خصوصا ً عضد الدولة البويهي الذي كان يزوره أحيانا ً و لا يرد له شفاعة و لا طلبا ً.
و كان الشيخ المفيد يدور في الأسواق و الكتاتيب، فإذا لمح صبيا ً عليه ملامح الفطنة و الذكاء، اتفق مع والديه على أن يدفع لهم أجرا ً مقابل السماح لولدهم بالتفرغ للدراسة عنده، فكثر بذلك تلامذته، و تعزز المذهب الشيعي بهذه الدماء الشابة الذكية.
و قد أثارت بعض المناظرات التي دخل فيها الشيخ المفيد مشاكل و فتنا ً بين الشيعة و السنة في بغداد، مما دفع البويهيين إلى أن يطلبوا منه الخروج من بغداد مرتين لتهدئة الخواطر، و لكن علاقتهم به ظلت جيدة في كل الأحوال.
و بعد عمر طويل قضاه في المناظرة و التدريس توفي الشيخ المفيد في سنة 413 هـ، و دفن في بغداد في الكاظمية قرب مرقدي الكاظم و الجواد (ع)، إلى جانب قبر شيخه الصدوق.
أطنب علماء الشيعة في مدحه، و وصفوه بأنه من أجلاء متكلمي الإمامية، و إليه انتهت رئاستهم العلمية، و كان متقدما ً في صناعة الكلام، و كان فقيها ً متقدما ً في الفقه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب، برز في جميع المعارف الإسلامية، و اشتهر في الآفاق إلى الحد الذي لا يقدر كبار علماء الأديان و أصحاب المذاهب و الآراء مقاومته في البحث و المناظرة، و كان يتغلب عليهم بالحجة الواضحة و البرهان الدامغ. و كان قوي النفس كثير البـِرّ عظيم الخشوع كثير الصلاة و الصوم يلبس الخشن من الثياب، و كان مديما ً للمطالعة و التعليم و من أحفظ الناس، حتى قيل أنه ما ترك للمخالفين كتابا ً إلا و حفظه، و بهذا قدر على حل شبه القوم. و ما كان ينام من الليل إلا هجعة، ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن.
و قد ورد في بعض الروايات أن الشيخ المفيد تلقى توقيعات (أي رسائل خطية) من الإمام المهدي (ع) يمدحه فيها و يثني عليه. و يعلق السيد الخوئي على هذه الروايات قائلا ً: " هذه التوقيعات لا يمكننا الجزم بصدورها من الناحية المقدسة، فإن الشيخ المفيد - قدس سره - قد تولد بعد الغيبة الكبرى بسبع أو تسع سنين، و موصل التوقيعات إلى الشيخ المفيد - قدس
123 - الصدوق ، من لا يحضره الفقيه ، ج3 ص74 - 75 المجلسي ، بحار الأنوار ، ج32 ص147 . 124 - الصدوق ، معاني الأخبار ، ص305 المجلسي ، بحار الأنوار ، ج32 ص278 - 279 . 125 - مصادر الترجمة : ابن داود ، الرجال ، ص333 الطوسي ، الرجال ، ص449 الطوسي ، الفهرست ، ص157 العلامة الحلي ، الرجال ، ص147 الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج18 ص213 الشيخ المفيد ، الجمل و النصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، المقدمة التعريفية للكتاب صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " ، العدد 62 ص96 الشيخ محمد علي الحائري الخرم آبادي ، الشيخ المفيد دراسة في كتبه الكلامية ، مجلة " تراثنا " ، العدد 13 ص91 و ما بعدها حامد السعيدي ، الشيخ المفيد ، مجلة " النبأ " ، العدد52 الشيخ المفيد ، مقالة منشورة على موقع الإنترنت www.al-shia.com الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج3 ص231 الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج17 ص344 .