دولة المهدی المنتظر (عج)

ابراهیم الانصاری البحرانی

نسخه متنی -صفحه : 67/ 44
نمايش فراداده

الفصل السابع الغاية من التشريع

العلَّة الغائيَّة

لا يحدث أيُّ شيء في الكون ولا يتحقق أيُّ معلول إلاّ بعد تواجد علته التامَّة وهذا أصل ثابت عقلاً من أراد أن يتطلَّع عليه بالتفصيل فليراجع كتبَ الحكمة المتعالية.

ثمَّ:

إنَّه يستحيل تحقق أمرٍ ممكن إلاّ بتواجد علله الأربعة وهي:

الفاعلية - الماديَّة - الصوريَّة - والغائيَّة.

ولا بأس بتوضيح ذلك من خلال ذكر مثال فنقول:

لو أردنا صنع كرسيٍّ خشبي بمواصفات خاصَّة فلا يمكن أن يتحقق ذلك الكرسي بتلك المواصفات إلاّ بتحقق تلك العلل الأربعة: فيلزم وجود نجّارٍ يمثِّل الفاعل لذلك الكرسي فلولا الفاعل لما حدث الفعل، والأخشاب التِّي تمثِّل مادته ولولا المادة لما تواجد الشيء، وصورة الكرسي أعني شكله الخاص المتميِّز عن شكل السرير والباب وغيرهما من الأشياء المصنوعة من الخشب، والغاية من ذلك الكرسي التي هي الجلوس عليه وإلاّ لم يكن الكرسي كرسياً ، و من المعلوم أنَّ العلة الغائية مقدمَّةٌ علماً مؤخرة عيناً كما قيل أوّل الفكر آخرُ العمل ، فأوَّل ما يتصوَّره النجّار هو الغاية من الكرسي أعني الجلوس كما أنَّ أوَّل ما يتحقق في الخارج هو الجلوس، ولا يخفى دور العلَّة الغائية في فعل الفاعل فالغاية هي التِّي تدعو الفاعل إلى الفعل ولولاها لم يفعل، ولذا قال الحكماء العلة الغائية علة فاعليةُ الفاعل.

وأيضاً الغاية لها دور رئيسي في كيفيَّة الفعل وكميَّة المادة وكيفيَّة الصورة المنتخبة فالعلَّة الغائية هي التِّي تُخيِّم على سائر العلل وتوِّجهها توجيهاً ينسجم مع الغاية.

الغاية من الدين

الدين بما له من المعنى له علَّة فاعليَّة وهي مؤسِّسُه وشارعُه، وله علَّة ماديَّة وهي محتواه، وله علَّة صورية وهي ما تسمَّي بالشريعة التِّي تتمثَّل في العبادات والنُسُك المختلفة، وهناك علَّة غائيَّة للدين وهو الغرض من الشريعة، فما هي تلك؟ وما هي علَّة بعث الرسل وإنزال الكتب؟

من الطبيعي أنَّه للوصول إلى جواب صحيح ينبغي لنا مراجعة القرآن الكريم، يقول سبحانه :

(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)(1) و في آية أخرى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً)(2)

فالغاية العمليَّة من بعث الرسول هي أن يظهر الله دينه على الدين كلِّه، وهذا لا يمكن إلاّ مع تمكين الدين على كلِّ البسيطة حتَّى لا تكون فتنة ويكون الدين كلُّه لله، وعلى ضوء هذه الغاية يمكننا فهم روح جميع العبادات فالعبادة التِّي لا تنطلق من هذه الغاية لا قيمة لها لأنَّها تكون حينئذٍ عشوائيَّة.

ومن هنا نعرف السرّ في ما سنتحدَّث عنه في خاتمة الحديث بالتفصيل من أنَّ أفضل العبادة هو انتظار الفرج، وهذه الغاية هي الوعد الحسن الذي جاء في قوله تعالى (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين)(3) والذي شرحناه سابقاً وأيضاً هي التي يذكرها الله في قوله (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون