لم يفتئوايتبعون أهواءهم ونزعاتهم المادية في أكثر عباداتهم ومعاملاتهم. و كان من ذلك تعاملهم بالربا بدون قيد من عرف ولا تشريع. ولعل مرد هذا (أولا) الى نزعة الاستكثار وحب الكسبالتي تنمو عادة في البيئات التي تزدهر فيها التجارة كما كان هو الحال في مكة (وثانيا) الى علاقتهم المستمرة باليهود، الذين هم جيرانهم وأبناء عمومتهم.
ولعلكم تعجبونأن تكون مجاورتهم لشعب ذي شريعة سماوية تحرم الربا سببا في تشجيعهم على التعامل به، ولكن الذي يزيل هذا العجب أن نعرف أن هذه الديانة نفسها ـ حسبما ورد في كتب أهلها ـ تبيحالربا كما تحرمه. نعم لقد سقنا آنفا شواهد التحريم من نصوص للتوراة، ولكننا وا أسفاه نجد فيها نصاً آخر يقيد هذا التحريم ويجعله خاصاً بالشعب العبراني. بحيث يسوغ لليهوديأن يأخذ الربا من غير اليهودي))(1) (الاية 20 من الفصل 23 من سفر التثنية). و لما لم يكن في هذا النص تحديد قانوني لقدر الربا المأذون فيه كان ذلك فتحا لباب الاستغلال المالي علىمصراعيه بحيث يدخله أشد أنواع الربا فداحة وافراطا.
هكذا كان هذا النص المنسوب للقانون الموسوي سببا فيما نرى ـ أو جزءاً كبيراً من السبب ـ لا في بقاء التعامل بالربافي العالم الى اليوم فحسب، بل في تهوين أمره على كثير من النفوس واتخاذهم اياه أمراً مشروعاً في بعض الأحوال.
ومهما يكن من أمر فقد اعتاد العرب في عصور الوثنية أنيقترضوا بالربا من اليهود وأن يتقارضوا به فيما بينهم، دون أن يجدوا فيه حرجا ولا غضاضة.
وقد عرفت لهم في ذلك أنواع مختلفة من العقود الربوية. وأكثرها انتشاراً فيمابينهم كانت تبدأ المحاسبة فيه ـ على ما يظهر ـ من السنة الثانية، بمعنى أن الدائن لا يطلب من مدينه شيئا وراء رأس المال اذا وفاه دينه في أجله المعلوم. فان
(1) معروف رد القرآن (في الأيتين 75 و 76 من السورة الثالث) على هذه الدعوى التي لا تدع لقانون الفضيلة الا مجالا محدودا للتطبيق، مع أن مبادى الأخلاق يجبأن تكون عالمية لا حدود لها من جنس ولا لون ولا عقيدة ولا اقليم. / صفحه 381/