معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعةً، وظننت أنّهلأمر حدث فينا، فقلت: مالي أراك مغتماً منذ الليلة؟ فقال: يابنيّ! جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم. قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنّك قد بلغت سنّاً يا أميرالمؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فواللّه ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك مما يبقى لك ذكرهوثوابه، فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل مافعل، فماعدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين،فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر.
وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرات 'أشهد أن محمداً رسول اللّه' فأي عمل يبقى؟ وأي ذكر يدوم بعد هذالا أبالك ؟ واللّه إلا دفناً دفنا'(1).
وهذه الظروف السياسية هي التي جعلت الكميت يمدح النبي(صلى الله عليه وآله) مدحا مقروناً بالحديث عمّن يؤنبه ويعنّفه علىهذا المدح. يقول:
ويقول:
وهاشمياته مليئة بعواطفه تجاه النبي، يتحدث عنها بأسلوب رسالي لا بصورة
1- الموفقيات ص 576 - 577 ومروجالذهب 2/454، وابن أبي الحديد 1/463 وط. مصر تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم 5/129-130. وكانت قريش تكني رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أبا كبشة استهزاء به.