المؤلفون المسرحيون معاولهم تغييراً لها وإعادةً لترتيب مفرداتها كما ذكرنا.
وهذا هو مرتكز حركات التجديد في الكتابة المسرحية منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى اليوم.
إنني أقصد من هذا كله وجوبَ النظر إلى (الدراما المفتوحة) إن جاز لنا استخدام هذا التعبير.
ويعني ذلك أن من حق الكاتب أن يكتب نصه الدرامي بالشكل الذي يرتئيه وبالترتيب الذي يختاره لعناصر الدراما.
سواء أحب أن يكون متمسكاً بقواعد الدراما التقليدية أم منحازاً إلى نقيضها.
وأقصد في الوقت نفسه أنني كنت أتابع النصوص الجديدة دون تصور مسبق لأي شكل من أشكال بناء الدراما، وذلك لاعتقادي أن من حق الكاتب أن يركب الأسلوب الذي يشاء، وأن يطور ويغير ويحور في قواعد التأليف المسرحي كما يشاء.
وليس عليه إلا شرط واحد هو أن ينتج عن أسلوبه الذي يختاره نصٌّ مسرحي متقنُ البناء.
ولن يستطيع ذلك إلا إذا حافظ على الأسس والعناصر التي لا يكون المسرح مسرحاً إلا بها.
من خلال هذا المنظور العام المنفتح الواسع الطيف، حاولت أن أرصد حركة التأليف المسرحي السوري خلال السنوات الماضية.
وكنت أقارن النصوص السورية بما يتاح لي متابعته على خشبة المسرح العربي أو من خلال النصوص القليلة التي اطلعت عليها من بعض الأقطار العربية.
ويمكنني، بعد هذا، أن أخرج ببعض الملاحظات التي يمكن أن تعتبر تقييماً عاماً للتأليف المسرحي السوري والعربي.
أول الملاحظات أن جيل الكتاب المسرحيين العرب الذين بدؤوا يكتبون منذ بداية عقد تسعينات القرن العشرين يسيرون في نهج واحد.
وهذه أبرز وأهم ملاحظة يمكن أن نرصد بها تأليفَنا المسرحي.
وهي تدل على أن التأليف المسرحي المعاصر ليس إلا حلقة من سلسلة التأليف المسرحي العربي منذ بدايته حتى اليوم.
فالكتاب العرب - في كل مرحلة أو جيل أو عصر - كانوا يسيرون على نهج عام واحد.
ثم يكون لكتاب كل قطر عربي خصائصُهم المتمايزة عن كتاب الأقطار العربية الأخرى.
ثم يكون لكل كاتب في كل قطر ملامحه الخاصة التي يتفرد بها عن زملائه.
وبذلك تحقق للتأليف المسرحي في كل عصر تنوع شديد كثيف مدهش.
وكان هذا التنوع ينضوي تحت منهج واحد صارم الخصائص والملامح.
ولعل المثال يوضح المقصود.
ففي مرحلة النصف الأول من القرن العشرين - وكان كتاب مصر وسورية أبرز الكتاب العرب - سار هؤلاء الكتاب في نهج واحد لم يخرج أحد منهم عنه وهو محاولة التمسك ببناء الدراما التقليدية التي تتراوح بين تأثيرات موليير وإبسن وشكسبير.
وقصدوا من ذلك أن يرتقوا بفن الكتابة المسرحية وذلك بتمسكهم بعناصر الدراما.
ومن هنا برزت أولى النصوص العربية التي يمكن القول عنها إنها تدخل ميدان الأدب المسرحي، والتي يمكن اعتبارها نصوصاً قوية.
وليست مسرحيات توفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير ومراد السباعي إلا نموذجاً فذاً عن هذه المحاولة المدهشة في محاولة إتقان عناصر الدراما لبناء النص المحكم في عقدته وشخصياته وصراعه للوصول به إلى (الحبكة المتقنة الصنع).
لكن ركوب الكتاب العرب هذا المنهج كان ملوناً بتلوينات محلية من ناحية، وبتلوينات شخصيات الكتاب من ناحية ثانية.
فإذا كان توفيق الحكيم، في بنائه الدرامي، يسير لمناقشة أفكار فلسفية، فإن علي أحمد باكثير كان يحاول إيقاظ الشعور القومي في حين كان مراد السباعي يرصد المجتمع رصداً بالغ الهجاء والسخرية.
وإذا كان هؤلاء يركبون منهج بناء الدراما بشكلها التقليدي المحكم، فإن كل واحد منهم تأثر بتيارات فنية وفكرية مختلفة.
أما في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد سار الكتاب العرب على نهج مناقض لنهج كتاب النصف الأول منه.
فقد أعلنوا، بصريح البيانات أو بصريح التأليف، أنهم يرغبون في تحطيم أصول الدراما التقليدية.
ولو رجعت إلى ما كتبه وقاله الكتاب العرب بين أواسط ستينات القرن العشرين وأواسط ثمانيناته، لوجدتهم جميعاً يسيرون في هذا النهج من المغرب حتى العراق.
وقام هذا النهج على التقيد بأركان الدراما التقليدية بعد تحطيم ترتيب وتتابع هذه الأركان.
وقد وجد الكتاب العرب في البريختية والعبثية والسريالية وغيرها من ثورات كتاب المسرح الأجنبي على التقليدية، مساعداً لهم في إعلان تمردهم على تقليدية البناء المسرحي.
إن هذا النهج العربي الواحد الصارم الذي سار عليه الكتاب العرب خلال السنوات العشرين التي ذكرناها، نجد لها تنويعات هائلة قد يصعب إحصاؤها فنكتفي بالإشارة إلى بعضها.
فمنها الاستفادةُ من أشكال احتفالية عربية قديمة.
ومنها استخدامُ